آخر الأخبار
... مرحبا بزورا موقع شعبة وتخصص الدراسات الاسلامية

تذكر ان الله هو الموفق للمسلم في جميع امور دنياه واخرته فتوكل عليه

بحث هذه المدونة الإلكترونية

إذاعة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقران الكريم - المصحف المجود بث مباشر 24 ساعة

افضل موضوع في المدونة اضغط في عنوان هذا الموضوع لقراءته

حمل اكبراسطوانة وموسوعة لكتب الزهد و الرقائق موجودة الانترنت اكثر 900 كتاب 5.6 GB

 كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه، أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبت...

كتاب "كيف أصبحوا عظماء"

0
كتاب "كيف أصبحوا عظماء" 

بسم الله الرحمن الرحمن
بعد حمد الله والثناء عليه أتقدم إليكم بهذا العمل المتواضع والذي أدعو الله أن ينفع به شبابنا وأبناءنا جميعاً...

كتاب "كيف أصبحوا عظماء" للكاتب سعد الكريباني
كما نعلم جميعا الكتاب موجود على الانترنت بصيغة pdf لكن الكلام غير واضح، ولقد قمت بإعادة كتابته كاملاً ولله الحمد وهو الآن بصيغة pdf وبصورة جديدة ومميزة.

تعريف بالكتاب:
الكتاب يعالج قضية من أكثر القضايا حساسية عند كثير من أبنائنا وشبابنا وهي قضية الشعور بالفشل والإحباط في ميادين الحياة المختلفة، فمثلا تفكر في مشروع معين وتبدأ بالعمل له وبعد فترة تجد عائقا بسيطا فتوقف المشروع بالكامل، أو أن طالباً يدرس مادة فيجد أنه لا يفهم شيئا منها فيتوقف عن الدراسة، وآخر أنهى دراسته ولا يجد عملا...

لكل هؤلاء ولغيرهم الكثير تم إعادة ترتيب هذا الكتاب.

وهذه هي مقدمة الكتاب

اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وأنقذتنا وفرجت عنا، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة. كبتَّ عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم، أما بعد:-

لقد وضعت في كتابي هذا قصصاً من حياة بعض العظماء، آخذاً باعتباري أن تكون هذه القصة ذات أحداث متتالية مترابطة، لتكون أمتع وأسهل قراءةً، وإلا فالتاريخ مليء بهؤلاء العظماء الذين تركوا بصماتٍ واضحةً وآثاراً نافعةً لأنفسهم وأمتهم.
ولقد علَّقت على كل قصة بتعليق، أُبين فيه جانب العظمة الذي أستهدفه وأستشرفه عند الرجل، وإلا فهؤلاء الرجال يملكون من صفات التميز ما تعجز هذه الصفحات عن إبرازه.
وعندما خَطت يدي هذه المقدمة، كنت على علم ويقين أن خير الناس وسيد ولد آدم وأشرف وأعظم من مشى على الأرض هو نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكني لم أشأ أن يقول القائل هذا رسول الله مؤيد من السماء يرعاه الله ويحفظه في كل خطوة يخطوها، فكيف نصل إلى ما وصل، ولذا جعلت أبطالي كما سترى لا ملكاً بينهم ولا رسولاً.
لتعلم أني قد كتبت الكتاب من أجل الشباب، من أجل من ينهض التاريخ بسواعدهم، ومن تسمو بهمتهم أوطانهم، فإن كنت من هؤلاء الشباب، فهذا كتابي بين يديك قد جعلت قصصه سهلة العبارة، متتابعة الأحداث، لعلك تجد فيه الأنس والمتعة والفائدة.
وإن كنت مربياً (أباً، معلماً،....) فهو لك أيضاً تجعله مداداً لما عندك من قصص وعبر، تأملُ بها أن تنهض بهمة من تعول وتربي.
لكم أيها الشباب كتبته...
كتبته إلى كل من أحب...


في النهاية أقول:
هذا الكتاب كان سبب في تغيير منهجية حياتي كلها

لتحميل الكتاب
http://www.mediafire.com/download.php?hzlo86w0127bh88


او من هنا

http://www.4shared.com/office/vanoWtb3ba/___.html?
3

مباحث علم الاصول الفقه

0
مباحث الحكـــم

تمهيــــد:
تتركز أبحاث علم أصول الفقه في أربعة أبواب رئيسة عامة، ويعتبر ما عداها من الأبحاث تابعاً لها أو ملحقاً بها، وهذه الأبواب الأربعة هي: الحكم، والحاكم، والمحكوم فيه، والمحكوم عليه[1].
فالحكم الشرعي: هو ما نحن بصدده في هذا المبحث، وهو الثمرة التي نجنيها من دراستنا لهذا العلم، وتعريفه كما سوف يأتي معنا هو: (خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أوتخييراً أو وضعاً).
والحاكم: هو الله سبحانه وتعالى وحده كما أوضحنا في أول مبحث المصادر من هذه المذكرة، ويدخل في هذا المبحث كل مصادر التشريع الإسلامي الأصلية منها والتبعية ومباحثها، لأنها دالة على حكم الله سبحانه وتعالى بطريق القطع أو الظن، كما تقدم[2].
والمحكوم فيه: هو أفعال العباد أو أفعال المكلفين التي يتعلق الحكم بها، من حيث إنها مقدورة لهم أو غير مقدورة، ومن حيث إنها حق الله تعالى أو حق العباد.
والمحكوم عليه: هو المكلف بالحكم الشرعي، ويبحث فيه عن معنى التكليف وشروطه، من الأهلية وأنواعها وعوارضها.
هذه هي المباحث الأساس التي يعني بها الأصوليون في علم أصول الفقه. وهي تدور حول الحكم ومصادره ومحله والمكلف به، وكل ماعداها من البحوث المسهبة في كتب أصول الفقه تابع لها كما تقدمت الإشارة إليه، فمبحث الاجتهاد مثلاً تابع لمبحث الحاكم وجزء منه، وإن كان كثير من الأصوليين يضعه في آخر مباحث هذا العلم.

تعريف الحكم:
الحكم في اللغة بالضم القضاء، يقال حكمت بين القوم أي فصلت بينهم وقضيت، وأصله المنع، يقال حكمت عليه بكذا منعته من خلافه، ويطلق الحكم على المحكمة أيضاً، وهي ضرب من ضروب العلم[3].
والحكم في اصلاح الأصوليين هو: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أوالتخيير أو الوضع) [4].

تحليل التعريف ومحترزاته:
خطاب: الخطاب في اللغة توجيه الكلام من المتكلم نحو غيره لإفهامه، فهو بهذا المعنى مصدر، ثم نقل إلى الكلام الموجه نحو الغير للإفهام، أي أصبح اسما للمخاطب به من الكلام لا لمصدر المخاطبة نفسه، وهذا المعنى المنقول إليه الخطاب هو المراد في تعريفنا للحكم، وقد عرَّف الآمدي الخطاب تعريفاً اصطلاحياً بقوله: (هو اللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه)، وبذلك خرج عنه الحركات والإشارات المفهمة بالمواضعة والعرف، فإنها ليست لفظاً، كما خرج عنه الألفاظ المهملة التي لا معنى لها، فإنها غير متواضع عليها، وخرج عنه أيضاً الكلام الذي لم يقصد به إفهام المستمع، فإنه لا يسمى خطاباً.
وإذا كان المقصود بالخطاب الكلام الموجه للغير، كان لابد من بيان معنى الكلام ومدلولاته. فالكلام يطلق على معنيين اثنين، يطلق على العبارة الدالة بالوضع على معناها، ويطلق على مدلول هذه العبارة القائم بالنفس، أي إنه يطلق على اللفظ المفيد للمعنى كما يطلق على المعنى المعبر عنه باللفظ، وهو ما يعرف بالكلام النفسي، ولا شك أن المراد بالخطاب هنا إنما هو الكلام اللفظي، لأن كلام الله تعالى كلام نفسي لا يوصف بصوت ولا حركة[5].
الله: لفظ الجلالة قيد أول، خرج به خطاب الناس بعضهم لبعض، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم مما ليس بسنة، كأقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم الجبلية، دون ما يعتبر تبليغا عن الله منها، وغير ذلك.
فإن قيل إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التشريعية ليست خطاباً من الله، وكذلك الإجماع والقياس، مع أنها تثبت أحكاماً شرعية كثيرة، أجيب بأن رسول الله  صلى الله عليه وسلم إنما وجبت طاعته بإيجاب الله سبحانه وتعالى، حيث أمر بها في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وكذلك الإجماع، فإنه علامة على قيام الدليل المثبت للحكم، أما القياس فهو مظهر للحكم لا مثبت له، والحكم الذي يظهره القياس ثابت بالقرآن والسنة، وبذلك يتمحض الحكم لله سبحانه وتعالى، إذ لا حكم لأحد غيره مصداقاً لقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) (الأنعام:57).
المتعلق: التعلق هو الارتباط، والمراد به هنا المتعلق المعنوي القديم، لا التعلق اللفظي الحادث، لأن الحكم كما تقدم هو الكلام النفسي لا الكلام اللفظي الحادث، وهو محال على الله تعالى، والمراد من التعلق هنا هو التعلق المبين للمراد منه من إيجاب وندب وغيره.
بأفعال المكلفين: قيد ثان خرج به ما تعلق بذاته تعالى، كقوله سبحانه: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18)، كما خرج به ما تعلق بمخلوقات الله تعالى من غير المكلفين، كالجمادات والحيوانات وغيرها، كقوله تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طـه:55)، وغير ذلك.
فإن هذه ليست أحكاماً، والفعل في الأصل هو كل ما يطلق عليه أنه فعل عرفاً، وهو مقابل للقول، لكن المراد به هنا هو كل ما يصدر عن الإنسان من حركات تسمى أفعالاً عرفاً، أو ألفاظا ونيات، فالفعل هنا أعم منه في العرف، إذ هو هنا شامل لكل ما يصدر عن اللسان أو القلب أو الجوارح من حركات.
والمكلف: هو الإنسان البالغ العاقل الذي استجمع شرائط التكليف العامة التي ينص عليها الفقهاء في كتبهم، وقد خرج بهذا القيد الخطابات المتعلقة بأفعال الصبي من أمره بالعبادات ببعض المعاملات وغيرها، فإنها ليست أحكاماً شرعية، لأن الصبي ليس من أهل التكليف، فإن قيل يدار عليها الثواب، فإن الصبي المميز مثاب على صلاته وصدقاته، وهذا آية الحكم الشرعي، أجيب بأن الحكم متعلق بوليه لا به، والثواب منحة من الله وفضل، ولكن هذا الجواب غير مقنع، إذ إن الصبي تتعلق به بعض الأحكام مباشرة، من ذلك الزكاة إذا لم يؤدها عنه وليه حتى يبلغ وأخبره بها، فإنه مكلف بأداء ما سبق أن أهمل وليه إنفاقه، وهذه آية التكليف، ثم إن أمره بالإسلام وقبوله منه وهو صغير دليل على أن ما تعلق بأفعاله حكم شرعي أيضا، لا مفر من إدخاله في تعريف الحكم، ولذلك رأى كثير من الأصوليين استبدال كلمة (العباد) بكلمة (المكلفين) فقال: ( ... المتعلق بأفعال العباد) فيدخل في ذلك الصبي وغيره[6].
وقد اعترض بعض الأصوليين على جمع كلمة مكلف، وقال: هذا يخرج الخطاب المتعلق بالأفعال الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم كتزوجه بأكثر من أربع، وغير ذلك، وهي أحكام شرعية بالإجماع، ولو قال بإفراد المكلف لكان أحسن[7].
وأجيب بأن جمع كلمة مكلفين لا يخرج أفعال النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة به، إذ لا خطاب يتعلق بجميع الأفعال، فكان المراد منه المتعلق بأحد أفعال المكلفين، فيدخل في ذلك أفعال النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة، ويكون ذلك من باب قولهم: (زيد يركب الخيل وإن لم يركب إلا واحداً منها) فإنه يفهم أن الركوب متعلق بجنس هذا الجمع لا بأجناس أخرى كالحمير وغيرها، ثم إن القاعدة الأصولية القائلة: (مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحدا) تحل الخلاف وتدخل خواص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التعريف، لأنه إن أريد المقابلة بين الخطاب والأفعال فإن الخطب ليس بجمع فلا أشكال، وإن أريد المقابلة بين الأفعال والمكلفين فإنه يقال إن الجمع هنا يقتضي القسمة آحاداً، فتكون على التوزيع، ويكون المراد: (بكل فعل صادر عن كل مكلف).
بالاقتضاء أو التخيير: قيد ثالث يخرج به القصص المبينة لأحوال المكلفين وأفعالهم، والأخبار المتعلقة بأعمالهم، كقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)، فإن ذلك ليس بحكم شرعي باتفاق الفقهاء.
والاقتضاء: معناه طلب الفعل أو الترك، وهو على أربعة أنواع هي:
1- طلب الفعل مع المنع من الترك وهو الواجب.
2- طلب الفعل مع عدم المنع من الترك وهو الندب.
3- طلب الترك مع المنع من الفعل وهو الحرام.
4- طلب الترك مع عدم المنع من الفعل وهو المكروه.
والتخيير: معناه إباحة الفعل والترك للمكلف دون ترجيح أحدهما على الآخر، وذهب بعض الفقهاء[8] إلى إهمال هذا القيد (بالاقتضاء أو التخيير) وقالوا هو مفهوم من قولنا أفعال المكلفين، لأن قيد التكليف مراد هنا، والمعنى خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف من حيث هو مكلف، لأن لفظ المكلف مشتق وهو يأذن بعملية الاشتقاق، فيخرج عنه نحو قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)، لأنها متعلقة بفعل المكلف ولكن لا من حيث كونه مكلفاً، فلا تكون من الحكم.
أو الوضع: الوضع هو الجعل، والمراد به هنا جعل الشارع الشيء سبباً لغيره أو شرطاً له أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً أو عزيمة أو رخصة، وقد أتى بكلمة (أو الوضع) لتدخل كل هذه الأقسام في التعريف، لأنها من الحكم، واعترض بعض الأصوليين على إدخالها في تعريف الحكم[9]، واستدل بأن هذه الأنواع تدخل تارة تحت قيد الاقتضاء أو التخيير، فلا حاجة إلى زيادة كلمة (أو الوضع)، وتارة لا تكون من الحكم، فلا يصح إدخالها في تعريفه، أما من حيث إنها تدخل تحت تعريف الحكم تارة، فذلك لأن خطاب الوضع داخل في خطاب التكليف، إذ إن معنى جعل الزنا سبباً لوجوب الحد هو وجوب هذا الحد، وهو خطاب تكليفي، وكذلك معنى جعل طهارة المبيع شرطاً لصحة البيع هو جواز الانتفاع عندها وحرمته دونها، والحاصل أن مراد هم من الاقتضاء والتخيير أعم من أن يراد به الصريح فقط أو الضمني فقط، وخطاب الوضع داخل في نطاق التكليف ضمناً لما تقدم أنه دال عليه، فكان داخلاً فيه لذلك، فلا حاجة لأفراده بالذكر.
ولا شك بأن الاصطلاحين متقاربين من حيث الفائدة العملية، لما يوجد من تلازم بين مدلوليهما، وإن كان الاصطلاح الذي اتجه إليه الفقهاء أوضح وأدق في دلالته على المعنى المراد منه، ثم فيه تفريق بين الحكم ودليله، مما يجعل الحكم أكثر جلاء ووضوحاً.
وقد ترتب على هذا الاختلاف في الاصطلاح بين الفقهاء والأصوليين أن اعتبر الأصوليين الحكم قديماً، واعتبره الفقهاء حادثاً، لأن خطاب الله تعالى قديم أما أثره فحادث، ولما كان الحكم عند الأصوليين هو الخطاب نفسه كان الحكم قديماً، ولما كان عند الفقهاء هو أثر الخطاب كان حادثاً لذلك.

أقسام الحكم:
تبين معنا في تعريف الحكم أنه ينقسم إلى قسمين، حكم تكليفي وحكم وضعي، فالحكم التكليفي هو خطاب الله تعالى المتضمن طلباً لفعل من المكلف أو كف عنه أو تخيير فيه، والحكم الوضعي هو خطاب الله تعالى المتضمن ربط شيء بشيء آخر وتعليقه به على وجه السببية أو الشرطية أو المانعية.
ثم إن كلا من الحكمين التكليفي والوضعي ينقسم إلى أقسام متعددة سوف ندرسها تباعاً بإذن الله تعالى، وسوف نبدأ بدراسة أقسام الحكم التكليفي، ثم أقسام الحكم الوضعي، متبعين في ذلك مسلك الأصوليين رضي الله تعالى عنهم.
وللتمييز بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي، نود أن نورد النقاط الرئيسة التي يتميز بها كل منهما عن الآخر، وهذه النقاط يمكن أن ندرجها في ثلاثة، هي:
أ) المقصود المباشر من الحكم التكليفي هو طلب فعل من المكلف أو منعه عن فعل أو تخييره فيه، أما الحكم الوضعي، فإن المقصود المباشر منه ليس ذلك، بل هو ربط شيء بشيء آخر، فإن نتج عن ذلك تكليف في بعض الأحوال كان ذلك التكليف أثرا غير مباشر لهذا الحكم، بخلاف الحكم التكليفي، فأثره المباشر هو التكليف، وليس فيه ربط شيء بشيء آخر، مثال الأول: قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (الإسراء:78)، فإن فيه ربط وجوب الصلاة بدلوك الشمس، وهذا الربط نتج عنه وجوبها عند دلوكها، ولكن هذا الوجوب ناتج عن الدلوك المربوط به الوجوب لا عن الأمر بالربط مباشرة[10].
ب) الحكم التكليفي خاص بالمكلفين فلا يتعلق بغيرهم. أما الحكم الوضعي فهو يعم المكلفين وغيرهم من بني آدم، إذ يربط الشارع الضمان في المتلفات بأعمال الصبي  المميز وغير المميز، كما يربط الصحة أحياناً ببيع الصبي المميز والمعتوه، وكل أولئك ليسوا من أهل التكليف[11].
وأما من حيث أن هذه الأنواع لا تدخل تحت اسم الحكم تارة، ولا هي من مضمونه، فذلك لأنها علامات معرفة للأحكام وليست أحكاماً، ثم هي لا تختص بأفعال المكلفين، بل إن بعضها لا يختص بأفعال العباد مطلقاً، ولذلك لا يصح اعتبارها من أقسام الحكم وأنواعه.
وقد صرح بحذف هذا النوع من الأحكام من تعريف الحكم العضد في شرحه على ابن الحاجب، فقال: (ونحن لا نسمي هذه الأمور أحكاماً وإن سماها غيرنا به، فلا مشاحنة في الاصطلاح) [12].
وقد تعرض صدر الشريعة في التوضيح لهذا القول بالتضعيف، فذكره بعد ما ذكر القول بموجب إدخال الحكم الوضعي في التعريف فقال: (الحق هو الأول، لأن المفهوم من الحكم الوضعي تعلق شيء بشيء آخر، والمفهوم من الحكم التكليفي ليس هذا، ولزوم أحدهما للآخر في صورة لا يدل على اتحادهما نوعاً) [13].
ولكن صاحب التلويح تعقب المصنف في قوله هذا بالرد عليه، فقال: (وأنت خبير بأنه لا توجيه لهذا الكلام أصلا، أما أولاً: فلأن الخصم يمنع كون الخطاب الوضعي حكماً يصطلح على تسمية بعض أقسام الخطاب حكما دون البعض، فكيف يجب عليه ذكر الوضعي في تعريف الحكم، بل كيف يصح، وأما ثانيا: فلأنه يمنع كونه خارجاً عن التعريف، ويجعل الخطاب التكليفي أعم منه شاملاً له، فأي ضرر له في تغاير مفهوميهما، بل كيف يتحد مفهوم العام والخاص[14].
هذا ولابد من الإشارة هنا إلى أن جمهور علماء الأصول اصطلحوا على ذكر الحكم الوضعي في تعريف الحكم ،وأفردوه باسم مستقل به عن الحكم التكليفي لما تقدم.
وقد عرف الآمدي الحكم الشرعي بتعريف غير التعريف الأول الذي اتفق عليه الجمهور، فقال: (الحكم خطاب الشارع بفائدة شرعية تختص به) [15].
فقد استبدل بكلمة (الله تعالى) كلمة الشارع، ليعم كل المصادر التشريعية غير القرآن الكريم، كالسنة الشريفة والإجماع والقياس وغيرهما، وقد بينا أنها داخلة أيضاً في التعريف الأول، لأنها جميعاً معرِّفة لحكم الله سبحانه وتعالى ومبينة له، ووجَّهنا كل ذلك.
هذا تعريف الأصوليين للحكم، وقد خالف الفقهاء هذا التعريف، وذهبوا إلى أن الحكم هو ما ثبت بالخطاب لا هو[16]، أو هو أثر الخطاب، فقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103)، حكم عند الأصوليين، أما الفقهاء فالحكم عندهم هو وجوب الصلاة المستمد من هذه الآية الكريمة، والآية دليل الحكم.
لذلك رأينا بعض الأصوليين يستبدل بكلمة (مكلفين) كلمة (عباد) في تعريف الحكم ليدخل الحكم الوضعي في التعريف.
ج) الحكم التكليفي لا يتعلق إلا بما هو مقدور للمكلف، لأن القصد المباشر منه هو التكليف، والله سبحانه وتعالى قضت حكمته أن لا يكلف إلا بما هو مقدور للمكلف، رحمة منه ومنا، إذ التكليف بغير المقدور عبث والعبث محال على الشارع، أما الحكم الوضعي فليس فيه تكليف فجاز تعلقه بما هو غير مقدور للمكلف كما جاز تعلقه بما هو مقدور له أيضاً.
مثال الأول: قوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة:43)، فإنه تكليف، وهو مقدور للمكلف، إذ الإعطاء ممكن له ومقدور مادام يجد ما يستطيع الإنفاق منه من المال، فإذا لم يجد ما ينفق منه لم يجب عليه شيء.
ومثال الثاني: قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)(الإسراء:78) فإن دلوك الشمس ليس في مقدور الإنسان ولا من صنعه.

أقسام الحكم التكليفي:
قدمنا أن الحكم التكليفي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، وبينا معنى كل من الاقتضاء والتخيير، كما شرحنا بإيجاز أنواع الاقتضاء، ومن خلال هذا الموجز الذي قدمناه في تعريف الحكم نستطيع أن نقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام يقتضيها العقل، ذلك أن الطلب إما أن يكون للفعل أو للترك، وكلاهما إما أن يكون بطريق الجزم والمنع من المخالفة أولا يكون كذلك، أو يكون تخييراً بين الفعل والترك[17].
ـ فإن كان طلباً للفعل وكان بطريق الجزم، سمي واجباً.
ـ وإن كان طلباً للفعل وكان بغير جزم، سمي مندوباً.
ـ فان كان طلباً للترك وكان بطريق الجزم، سمي حراماً.
ـ وإن كان طلباً للترك وكان بغير جزم، سمي مكروهاً.
ـ وإن كان تخييراً بين الفعل والترك على حد سواء، سمي مباحاً.
وعلى ذلك تكون أقسام الحكم التكليفي خمسة، هي الواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح.
هذا هو التقسيم الذي مشى عليه جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك الحنفية، وزادوا قسمين اثنين على هذه الأقسام الخمسة، هما الفرض والمكروه تحريماً، فجعلوها سبعة بدل خمسة.
وذلك أنهم نظروا إلى الواجب المعرَّف في هذا الباب من زاوية خاصة، وقسموه إلى قسمين، فما كان ثابتاً منه بدليل قطعي في ثبوته ودلالته سموه فرضاً، وما كان ثابتاً منه بدليل ظني في ثبوته أو دلالته سموه واجباً.
كما أنهم نظروا إلى المحرَّم المعرف في هذا الباب من الزاوية الخاصة نفسها التي نظروا من خلالها إلى الواجب، فما كان منه ثابتاً بدليل قطعي سموه حراماً، وما كان ثابتاً منه بدليل ظني سموه مكروهاً تحريماً.
هذا التقسيم تفرد الحنفية باختياره دون غيرهم من الأئمة، حتى عرفوا به، وإن لهم (دون شك) في هذا الاختيار وجهاً قوياً ومستنداً من اللغة، ذلك أن الفرض في اللغة التقدير[18] وهو مناسب لما كان مقدراً بدليل قطعي من قبل الشارع ولا محل للرأي فيه، وهو حد الواجب عند الجمهور، أما لفظ الواجب، فهو في اللغة يطلق على اللازم والثابت كما يطلق على الساقط، فمن الأول قولهم: وجبت الشمس أي لزمت  وثبتت، ومن الثاني: وجب الحائط بمعنى سقط، ومنه قوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج:36)، أي سقطت[19]، فالمعنى الأول للواجب يتساوى فيه مع الفرض، إذ إن كليهما يفيد معنى اللزوم، أما المعنى الثاني فيفترق فيه عنه، إذ إن الواجب يعطي معنى السقوط دون الفرض، والطلب الثابت من الشارع بدليل ظني يتضمن هذا المعنى إذ أنه ساقط من المكلف اعتقاده، فكان هذا اللفظ أليق به دون الفرض.
هذا من ناحية اللغة، وأما من ناحية التقعيد الفقهي فهو دقيق أيضاً ومناسب، ذلك أن الفقهاء كادوا يتفقون على أن ما ثبت بدليل قطعي اعتبر منكره كافراً، وما ثبت بدليل ظني اعتبر منكره فاسقاً فقط، ولا يكفر لهذه الظنية.
ثم إن الفقهاء جميعاً نجدهم يفرقون بين كثير من الأحكام في أكثر العبادات والمعاملات من حيث أثرها على صحة تلك العبادات والمعاملات، فيجعلون فوات بعضها موجباً لفسادها، وفوات بعضها الآخر غير مفسد لها، وذلك دون أن يفردوا كلا من ذلك باسم خاص به.
كما أنهم في الصلاة يفرقون بين ما يقتضي تركه سجوداً لسهو منها، وبين ما لا يقتضي سجود السهو، كسنة الأبعاض عند الشافعية، فإن فوات واحد منها يقتضي سجودا السهو وينجبر به دون سنة الهيئة، ودون الواجبات التي يقتضي فوات واحد منها بطلان الصلاة.
ثم إنهم اضطروا في بعض الأحكام في العبادات إلى التفريق بين ما ثبت بدليل قطعي وبين ما ثبت بدليل ظني، فسموا الأول فرضاً وسموا الثاني واجباً جرياً على اصطلاح الحنفية، كما في الحج عند الشافعية.. كل هذه الفوارق التي نلحظها بين الفرض والواجب في اصطلاح الحنفية من الأحكام تدعونا لأن نرجح مذهبهم في تقسيم ما ثبت عن الشارع طلبه بجزم إلى ما كان ثبوته بدليل قطعي فنسيه فرضاً وما كان ثبوته بدليل ظني فنسيه واجباً.
وما دام الجمهور متفقين على التفريق بين ما ثبت بدليل قطعي وما ثبت بدليل ظني في كثير من الأحكام على الوجه المتقدم، فيصبح إفراد كل واحد منها باسم مستقل به عن الآخر علامة عليه إفرادا مستساغا ودقيقاً، وعلى كل فالخلاف بين الجمهور والحنفية إنما هو لفظي فقط لا يؤثر في جوهر الموضوع، إذ إن ما يترتب على ذلك من الأحكام متفق عليه، وقد عبر عن ذلك الأستاذ أبو النور زهير حيث قال: (وبذلك يكون غير الحنفية قد رتبوا على القطع والظن ما رتبه الحنفية على كل منهما، فلا خلاف بينهم في المعنى[20] كما أشار إلى ذلك في شرح العضد حيث قال: (والنزاع لفظي).
هذا ولابد من الإشارة إلى أن الحنفية قد يطلقون لفظ الفرض على الواجب ولفظ الواجب على الفرض تجوزاً في كثير من عباراتهم، فلا ينبغي أن يدعو ذلك إلى التشكيل في التزامهم بهذا الاصطلاح أبداً[21]، بل هم ملتزمون به في كل أبواب الفقه دون استثناء.
3

تعريف علم أصول الفقه

0
تعريف علم أصول الفقه

ينظر علماء أصول الفقه إلى تعريف هذا العلم من زاويتين اثنتين هما:
أ - أنه مركب إضافي يتألف من كلمتين هما أصول، وفقه.
ب- أنه علم مستقل له أبحاث قائمة بذاتها.

وعلى ذلك يكون لعلم أصول الفقه تعريفان لدى العلماء،  الأول من حيث إنه تركيب إضافي، والثاني من حيث إنه لقب لعلم قائم بذاته.
ولا بد من شرح هذين التعريفين للوقوف على حقيقة هذا العلم ومعرفة كنهه.
ونبدأ بشرح التعريف الإضافي:

شرح التعريف الإضافي لعلم أصول الفقه وبيان محترزاته:
نحن في تحليلنا لهذا التعريف أمام كلمات ثلاث لابد من تحليلها كل على حده، وهي: علم، وأصول، وفقه، فإن من مجموع معانيها يتضح معنى هذا العلـم.

معنى العلم في اللغة[1]:
العلم في اللغة يقع على أحد معان ثلاثة، هـي:
1- المعرفة مطلقا، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله    ولكنني عن علم ما في غد عـم
والمعرفة هذه تشمل اليقين والظن والشك والوهم.
2- اليقين، وهو القطع الذي ليس فيه احتمال للنقيض مطلقا ومنه قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)(محمد:19)، وعلى ذلك يخرج عنه الظن وما كان أدنى منه.
3- الشعور، ومنه قولهم: علمته وعلمت به، أي شعرت بوجوده أو دخوله.
والعلم إذا كان بمعنى المعرفة أو الشعور تعدى إلى مفعول واحد، وإذا كان بمعنى اليقين تعدى إلى مفعولين.

تعريف العلم في الاصطلاح:
يطلق العلم في الاصطلاح الشرعي على أحد معان ثلاثة أيضا، هي:
1- معرفة المسائل والأحكام والقضايا التي يبحث فيها العالم، سواء أكانت هذه المعرفة قاطعة أو مظنونة.
2- المسائل والقضايا التي يبحث فيها العالم نفسها، وعلى ذلك يقال: هذه البحوث من علم كذا، وتلك ليست من علم كذا، أي من باب إطلاق المصدر وإرادة المفعول، وهو (المعلوم).
3- القدرة العقلية المستفادة للعالم بنتيجة ممارسته قضايا العلم ومسائله.
فيقال: فلان صاحب علم، أي له ملكة يستطيع بها تفهم القضايا المعينة.

معنى الأصول لغــة[2]:
الأصول في اللغة جمع أصل، وهو أسفل الشيء وأساسه، يقال: أصل الحائط ويقصد به الجزء الأسفل منه، ثم أطلق بعد ذلك على كل ما يستند ذلك الشيء إليه حسا أو معنى، فقيل أصل الابن أبوه، وأصل الحكم آية كذا أو حديث كذا، والمراد ما يستند إليه.

معنى الأصول في الاصطلاح الشرعي:
ويطلق الأصول في الاصطلاح على معان عدة، أهمهــا:
1- الدليل الشرعي، فيقال أصل وجوب الصوم قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة:185). أي دليله.
2- الراجح، كقولهم: القرآن والسنة أصل للقياس والإجماع، أي راجحان عليهما.
3- القاعدة، كقولنا: (الضرر يزال) أصل من أصول الشريعة، أي قاعدة من قواعدها.
- الحال المستصحب، كأن يقال: الأصل في الأشياء الطهارة، أي الحال المستصحب فيها كذلك.
- المسألة الفقهية المقيس عليها، كأن يقال: الخمر أصل لكل مسكر غيره. أي أن كل المسكرات فروع تقاس على الخمر.
والمعنى المراد للأصوليين من إطلاق كلمة أصل هو المعنى الأول، وهو الدليل، وعلى ذلك فإن معنى أصول الفقه هو أدلة الفقه، وقد قصره الأصوليين على الأدلة الإجمالية دون الأدلة التفصيلية التي تدخل في تعريف الفقه، كما سنرى، وسوف نبين الفرق بين الدليل الإجمالي والدليل التفصيلي قريبا بإذن الله تعالى.

معنى الفقه لغــة[3]:
الفقه في اللغة الفهم مطلقا، وهو من باب تعب، ويأتي بالكسر والضم بالمعنى نفسه، فيقال: فقُه وفقِه، وقيل يأتي بالفتح بمعنى الفهم وبالضم بمعنى الاعتياد على الفهم، فيقال: فقِه إذا فهم، وفقُه إذا أصبح الفهم سجية له.
وقيل الفقه هو الفهم العميق الناتج عن التفكر والتأمل، لا مطلق الفهم، ويشهد له قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طـه:27-28)، مع أن مطلق الفهم متيسر لهم بدون ذلك، مما دل على أن الفقه هو الفهم العميق لا مطلق الفهم.

معنى الفقه في الاصطلاح الشرعي:
عرف أبو حنيفة الفقه بأنه معرفة النفس مالها وما عليها، ولكن هذا التعريف يدخل الأحكام الاعتقادية فيه، وهي ليست من الفقه عند جمهور الفقهاء، ولذلك زاد الحنفية على هذا التعريف كلمة: (عملا) لإخراج الأحكام الاعتقادية، وأبو حنيفة في تعريفه السابق للفقه، قصد إلى إدراج الأحكام الاعتقادية في الفقه، وكان يعده كذلك، حتى إنه ألف كتابا في التوحيد سماه (الفقه الأكبر).
إلا أن المتأخرين من الفقهاء رأوا قصر الفقه على الأحكام العملية دون الاعتقادية تيسيرا على الدارسين، وذلك دون شك اصطلاح، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
وعرف الشافعية الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية)، وقد درج الأصوليون على اختيار تعريف الشافعية للفقه لما فيه من زيادة تفصيلية وتوضيحية لمعنى الفقه تتناوله بالتحليل، مع الإشارة إلى أنه مطابق لتعريف الحنفية للفقه ولا يخالفه، إلا في أنه ينص على ضرورة استخراج الحكم من الدليل، فلا تسمى معرفة الحكم فقها إلا إذا كانت هذه المعرفة تصل بين الحكم ودليله، وهي نقطة هامة حرية بالاعتبار، وإلا دخل كثير من العوام في زمرة الفقهاء، وهذا المعنى ملحوظ أيضا في تعريف الحنفية للفقه وإن لم ينص عليه لفظا.
هذا وقد أطلق الفقه أخيرا على الأحكام نفسها بعد أن كان عَلَما على العلم بهذه– الأحكام، ومنه قولهم: هذا كتاب فقه، أي يضم أحكاما فقهية، وذلك من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.

تحليل تعريف الفقه في الاصطلاح الشرعي:
العلم: تقدم تفصيل معناه لغة وشرعا.
الأحكام: جمع حكم، وهو في اللغة المنع والقضاء معا، يقال حكمت عليه كذا إذا منعته من خلافة، وحكمت بين القوم فصلت بينهـم.
والحكم في اصطلاح الأصوليين هو: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا)، ويطلقه الحنفية على أثر الخطاب لا على الخطاب نفسه، وسيجيء مزيد تفصيل لهذا الموضوع في مبحث الحكم إن شاء الله تعالى.
وعلى ذلك يكون الحكم في معناه العام لدى الحنفية (الوصف الشرعي المتعلق بالفعل)، فيخرج بذلك الذوات والجمادات وغيرها.
الشرعيـــة: ما كانت من قبل الشارع الحكيم، وهو الله تعالى، فيدخل في ذلك الأحكام الواردة عن طريق القرآن الكريم، لأنه كلام الله تعالى، وكذلك عن طريق السنة الشريفة   الشريفة، لقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم:3)، وكذلك ما كان منها عن طريق الإجماع والقياس وغيره من أدلة الشريعة، لثبوت حجية هذه الأدلة بالقرآن الكريم أو السنة الشريفة   المطهرة كما هو معروف في بابه.
ويخرج بهذا القيد الأحكام اللغوية، كقولنا: الفاعل مرفوع، فإنه حكم لغوي وكذلك،   – الأحكام العقلية والطبيعية وغيرها.
العمليـــة: معناه ما يتعلق من الأحكام بأفعال العباد، فيخرج به ما يتعلق باعتقادهم، كالبحوث المتعلقة بوجود الله تعالى وصفاته والملائكة والكتب السماوية وغير ذلك من الأمور الاعتقادية التي أفرد الفقهاء لها علما مستقلا بها عرف بعلم الكلام أو علم التوحيد.
المكتسبة من الأدلـــة: أي المأخوذة من الأدلة، فيخرج بذلك علم العوام فلا يعتبر من الفقه اصطلاحا، لخلوه عن معرفة الدليل.
التفصيليـــة: هي الأدلة الجزئية المتعلقة بالمسائل الفرعية، كقولنا: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103). دليل تفصيلي لوجوب الصلاة، ويخرج بهذا الوصف الأدلة الإجمالية، كالقرآن الكريم والسنة الشريفة بجملتها، فإنهما مصدر للأحكام، ولكنهما مصدر عام غير متعلق بمسائل فرعية معينة.

شرح التعريف اللقبي لعلم أصول الفقــه:
عرف الشافعية علم أصول الفقه بالمفهوم اللقبي له بقولهم: (هو معرفة دلائل الفقه إجمالا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد).
المعرفـــة: معناها في اللغة العلم بالشيء بعد سبق الجهل به، ولا تكون إلا كذلك، بخلاف العلم، فإنه قد يكون كذلك فيكون مرادفا لها، وقد يكون تأكيدا لعلم سابق، أي إن بينهما عموما وخصوصا مطلقا، وقد ذكر الشافعية المعرفة هنا دون العلم للاحتراز عن علم الله تعالى القديم الذي لم يسبقه جهل أبدا.
دلائل الفقـــه: هي أدلته، وفيه احتراز عن معرفة دلائل غير الفقه، كالنحو وغيره، وعن معرفة غير الأدلة، كمعرفة الفقه وغيره، والمراد بالأدلة الفقهية إجمالا هنا العلم بمصادر الفقه الإسلامي الأصولية منها والتبعية.
إجمــــالا: فيه احتراز عن الأدلة التفصيلية، فهي ليست من علم الأصول، والفرق بين الأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية أن الأولى غير متعلقة بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا (الأمر للوجوب) دليل إجمالي، لأنه غير متعلق بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا: (الأمر للوجوب) غير متعلق بمسألة معينة، فهو دليل على وجوب الصلاة من قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) وهو دليل على وجوب الزكاة من قوله تعالى: (آتوا الزكاة)، وهكذا، أما الأدلة التفصيلية فهي متعلقة بأحكام فرعية محددة بذاتها، كقوله تعالى: (أقيموا الصلاة)، فإنه دليل على وجوب الصلاة دون غيرها.
وكيفية الاستفادة منهـــا: أي كيفية استخراج الأحكام من أدلتها التفصيلية، فيدخل في ذلك كل أنواع الأصول تقريبا، لأنها ضوابط تبين كيفية استخراج الحكم الشرعي من دليله تفصيلي.
وحال المســتفيد: يدخل في شروط من يصح تصديه لاستنباط الأحكام، وهي شروط الاجتهاد، ويفرق فيه بين المجتهد والمقلد وأحكام كل.

وعرف جمهور الفقهاء -وفيهم الحنفية والمالكية والحنبلية- أصول الفقه بأنه: (العلم بالقواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلته التفصيلية).

تحليل تعريف الجمهــور:
العلم: المراد به هنا المعرفة الحاصلة بطريق اليقين أو الظن، لأن بعض القواعد تكون ثابتة بطريق اليقين لقطعية الدليل ثبوتا ودلالة، وبعضها قد يثبت بطريق الظن نظرا لظنيه الدليل المثبت لها ثبوتا أو دلالة.
بالقواعد: هي جمع قاعدة، وهي في اللغة الأساس، وفي الاصطلاح (الأمر الكلي المنضبط على جميع جزئياته) مثل قولهم: (الأمر للوجوب)، فإنه ضابط كلي غير مقتصر على حكم جزئي بعينه، بل تشمل كل أمر ورد عن الشارع، فعن طريقها عرفنا فرضية الصلاة والزكاة من قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، وعن طريقها عرفنا إلزامية العقد من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة:1)، وهكذا كل أوامر الشارع، فإنها منضبطة بهذه القاعدة الأصولية.
وينبغي الانتباه هنا إلى أن معنى العلم بالقواعد إنما هو معرفتها من مصادرها، أي استنباطها من أدلتها وليس تطبيقاً على جزئياتها، فإن تطبيقها من مهمة الفقيه وليس من مهمة الأصولي.
الكلية: في هذا احتراز عن الأدلة الفقهية التفصيلية، فإنها ليست من علم الأصول، مثل قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، فهو قاعدة جزئية تثبت وجوب الصلاة وليس قاعدة كلية، وذلك لارتباطه بحكم معين، بخلاف القواعد الكلية مثل قولهم: المطلق يبقى على إطلاقه حتى يظهر دليل التقييد، فإنها لا علاقة لها بحكم فرعي بعينه.
التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام: يخرج بهذا القيد القواعد العقلية لأنها لا علاقة لها بالأحكام، وكذلك القواعد الفقهية التفصيلية التي لا تؤدي إلى استنباط الأحكام كقولهم: (الضرر يزال شرعاً) فإنها تضبط بضعة أحكام ولكنها لا تؤدي إلى استنباطها.
والأحكام: جمع حكم، وهو في اللغة القضاء، وأصله المنع، يقال حكمت عليه بكذا منعته من خلافه، ومنه قوله تعالى: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة:113)، أي يقضي، وهو في الاصطلاح الأصولي: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً)، أما في اصطلاح الفقهاء فهو: (أثر خطاب الله تعالى ..) دون الخطاب نفسه، فقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) هو الحكم عند الأصوليين، أما الفقهاء فلا يعتبرون ذلك هو الحكم، إنما الحكم عندهم هو الوجوب الناتج من هذا الخطاب.
الشرعية: يخرج به كل الأحكام غير الشرعية، كالأحكام اللغوية والعقلية وغيرها، فقولنا الفاعل مرفوع حكم، ولكنه لغوي، ولذلك لا يدخل في علم الأصول.
من أدلته التفصيلية: فيه احتراز عن الأدلة الإجمالية، فالأدلة الإجمالية هي المصادر التي تستنبط منها الأحكام، كالقرآن والسنة .. أما الأدلة التفصيلية فهي جزئيات هذه المصادر، مثل قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فإنه دليل تفصيلي لحكم شرعي هو وجوب الصلاة.

ثم أصبح علم الأصول يطلق على القواعد الكلية نفسها بعد أن كان يطلق على العلم بها، فيقال:  هذا كتاب في علم الأصول، أي يتضمن القواعد الخاصة بهذا العلم، مثل علم الفقه تماما، فبعد أن كان يطلق على العلم بالأحكام الشرعية العملية، أصبح عَلَماً على الأحكام الشرعية العملية نفسها.

3

مفهوه اصول الفقه مقتبس من كتاب تيسير علم اصول الفقه

0

3

اليكم مكتبة الكتاب الاسلامي

0
http://www.islamicbook.ws/ar.html
3

مبادئ علم أصول الفقه

0
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جعل صحة الاستنباط منوطا بمعرفة الأصول ، والصلاة والسلام على من بين الأحكام بالمنقول والمعقول ، وعلى آله وأصحابه العدول.
وبعد فإنني اطلعت على المواضيع المنشورة في منتدى أصول الفقه ولم أجد تعريفا بهذا العلم ، ومعلوم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وكيف ندرك مواضيع هذا العلم دون أن نفهم مبادئه ، ولذلك رأيت من الضرورة نشر هذا الموضوع ويفترض أن يفتتح به هذا المنتدى الأصولى كما أرجو تثبيته.
مبادئ علم أصول الفقه :
المبادئ في كل علم عشرة هي : ( حد العلم ، وموضوعه ، وثمرته ، وفضله ، ونسبته ، وواضعه ، واسمه ، واستمداده ، وحكمه شرعا ، ومسائله ) .
قال الناظم :
إن مبادئ كل فن عشرة الحد والموضوع ثم الثمرة
وفضله ونسبة والواضع الاسم لاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ومن درى الجميع حاز الشرفا
1/ أسم هذا العلم : علم أصول الفقه
2/حد أصول الفقه :
أ/تعريف أصول الفقه بالمعنى الإضافي:
تعريف معنى أصول الفقه التركيبي قبل التسمية ولا بد في ذلك من تعريف المضاف والمضاف إليه والإضافة لأن العلم بالمركب يتوقف على العلم بالمفرد ونبدأ ذلك بتعريف المضاف فنقول:
تعريف أصول لغة:
الأصول جمع وتعرفه بتعريف مفرده وهو الأصل والأصل لغة :
1/ ما يتفرع عنه غيره.
2/ والمحتاج إليه".
3/ ما يبنى عليه غيره.
وكل هذه التعريفات للأصل بحسب اللغة وإن كان أهل اللغة لم يذكروها في كتبهم وهو مما ينبهنا على أن الأصوليين يتعرضون لأشياء لم يتعرض لها أهل اللغة.
وأما في الاصطلاح فالأصل يطلقونه على أشياء:
أحدهما: الدليل يقولون الأصل في وجوب الصلاة قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة ).
والثاني : القاعدة المستمرة يقولون الأصل في الميتة التحريم أي القاعدة المستمرة.
الثالث : الاستصحاب على اليقين السابق يقولون الأصل العدم.
الرابع : الواقعة المقيس عليها في القياس وهي ما ورد النص بحكمه . مثلا جاء النص بتحريم الخمر وهي شراب العنب خاصة فيقاس عليها كل مسكر فالأصل هنا هو الخمر وكل مسكر هو الفرع.
الخامس : الراجح .
تعريف الفقه :
أ/الفقه لغةً:
1/ مطلق الفهم وهو الراجح.
2/ فهم الأشياء الدقيقة
3/ فهم غرض المتكلم من كلامه.
ب/ تعريف الفقه اصطلاحاً:
1/( العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية)
2/ (الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية)
ب/تعريف معنى أصول الفقه اللقبي( لقبا للفن المعروف) :
( معرفة دلائل الفقه إجمالاً وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد )
فالشرط في الأصولي معرفة أدلة الفقه من حيث دلالتها على الفقه خاصة وقد يكون لها عوارض أخرى لا يجب معرفته بها ثم معرفة الأدلة من حيث كونها أدلة لا بد معه من كيفية الاستدلال ومعظمها يذكر في باب التعارض والترجيح فجعلت جزءا آخر من أصول الفقه لتوقف الفقه عليها وليس كل أحد يتمكن من الاستدلال ولا يحصل له الفقه بمجرد علم تلك الأدلة وكيفية الاستدلال لأنها أدلة ظنية ليس بينها وبين مدلولاتها ربط عقلي فلا بد من اجتهاد يحصل به ظن الحكم فالفقه موقوف على الاجتهاد والاجتهاد له شروط يحتاج إلى بيانها فجعلت جزءا ثالثا من أصول الفقه لتوقف الفقه عليها.
وهذا مجموع ما يذكر في أصول الفقه الأدلة وكيفية الاستدلال وكيفية حال المستدل فالمعارف الثلاثة هي أصول الفقه .
فقوله (دلائل الفقه إجمالاً) إنما قيد دلائله بالإجمال ليخرج الفقه لأن دلائله مفصلة والمراد بالدلائل ما يتوصل بها إلى إثبات الأحكام كالإجماع والقياس والأخبار
فقولنا : ( وكيفية الاستفادة) معطوف على دلائل الفقه أي ومعرفة كيفية الاستفادة من الأدلة يشير إلى حال المجتهد إلى أنه مع معرفة الأدلة لا بد له من معرفة كيفية الاستدلال كحمل المطلق على المقيد وتقديم الخاص على العام والنظر في المسائل الغامضة وقوله نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيحال المستفيد) أي ومعرفة حال المستفيد والمراد بالمستفيد المجتهد لأنه الذي يستفيد الأحكام من أدلتها.
3/واضع علم أصول الفقه :
من المسلم به أن أصول الفقه باعتباره قواعد ونظريات وكيفية استنباط الأحكام من الأدلة بوجه عام، نشأ في عصر الصحابة -رضي الله عنهم- حيث كان مصاحباً للفقه، فإن من الصحابة من كان يتصدر للفتيا والقضاء بين الناس، كعمر بن الخطاب، وابن مسعود، وعلي بن أبي طالب وغيرهم، وكانوا على دراية تامة بقواعد اللغة العربية، التي نزل بها القرآن الكريم، وبأسباب النزول، وبالناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، وسائر المباحث التي تكفل ببيانها علم "أصول الفقه" فيما بعد. وهكذا كان لكل إمام من الأئمة المجتهدين قواعده وأصوله التي يسير عليها في اجتهاده، إلا أنه كان هناك خلاف حاد بين اتجاه أهل الحديث بالحجاز، وأهل الرأي بالعراق، حتى أخذ كل فريق في الطعن على طريقة الفريق الآخر، فأهل الرأي يعيبون على أهل الحديث الإكثار من الرواية التي تدل على عدم الفهم والتدبر، كما أن أهل الحديث يعيبون على أهل الرأي بأنهم يأخذون في دينهم بالظن ويحكمون العقل في الدين.
وظهر المتعصبون لكلا الفريقين، فاتسع الخلاف واحتدم النزاع، حتى قيض الله لهذا الأمة من أخذ بيدها إلى الطريق السوي، ويبين القواعد القوانين التي يحتكم إليها الجميع، وهو الإمام الشافعي رضي الله عنه -بعد أن كتب له الإمام الحافظ عبد الرحمن بن مهدي المتوفى سنة 198هـ. وهو أحد أئمة الحديث في الحجاز، أرسل إلى الإمام الشافعي أن يضع له كتاباً يبين فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب "الرسالة".
قال علي بن المديني: قلت لمحمد بن إدريس: أجب عبد الرحمن بن مهدي عن كتابه، فقد كتب إليك وهو متشوق إلى جوابك، قال: فأجابه الشافعي. وأرسل الكتاب إلى الإمام ابن مهدي مع الحارث بن سريج النقال الخوارزمي، ثم البغدادي وبسبب ذلك سمي النقال.
وعلى ذلك يتبين عدم صحة ما ينقله بعض العلماء من أن هناك من سبق الإمام الشافعي في التأليف في علم الأصول، كالإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين، المتوفى سنة 114هـ. وكالإمامين أبي يوسف، ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم. فإن هذا من قبيل القواعد والمناهج التي كان يسير عليها الأئمة، والتي سبق أن أشرنا إليها، وأنها كانت موجودة حتى في عصر الصحابة رضي الله عنهم.
فالتحقيق أن أول من ألف في ذلك كتاباً مستقلا متكاملاً هو الإمام الشافعي رضي الله عنه، كما قال الإمام السبكي وكما هو المتفق عليه بين الأئمة.
فالشافعي رضي الله عنه أول من صنف في أصول الفقه صنف فيه كتاب الرسالة، وكتاب أحكام القرآن، واختلاف الحديث، وإبطال الاستحسان وكتاب جماع العلم وكتاب القياس الذي ذكر فيه تضليل المعتزلة ورجوعه عن قبول شهادتهم، ثم تبعه المصنفون في الأصول. قال الإمام أحمد بن حنبل: لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي. وقال الجويني في شرح الرسالة: لم يسبق الشافعي أحد في تصانيف الأصول ومعرفتها.

رد مع اقتباس رد مع اقتباس
09-09-2012, 05:02 PM #2
المحب الفوزوي  المحب الفوزوي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
تاريخ التسجيل
Jul 2012
المشاركات
393
 الأسباب التي حملت الإمام الشافعي على تدوين علم أصول الفقه :
هناك أسباب حملت الإمام الشافعي على تدوين علم أصول الفقه هي :
أ/ ظهور مدرستي أهل الرأي ( الحنفية) والحديث ( المالكية والشافعية والحنابلة) واحتدام الجدل بينهما.
ب/ اختلاط اللسان العربي بالعجمي لكثرة الفتوحات الأسلامية فأراد أن يضع قواعد في اللغة العربية لضبط سلامة الاستنباط.
ج/ بعد العهد بين زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الإمام الشافعي.
د/ ظهور وقائع تحتاج إلى أحكام ولا سبيل لذلك إلاَّ بالقياس فأراد أن يبين القياس وشروطه وأركانه وأنواعه وحجيته.
4/موضوع علم أصول الفقه:
موضوع العلم ما يبحث فيه من أعراضه الذاتية. والمراد بالعرض هنا المحمول على الشيء الخارج عنه. وإنما يقال له العرض الذاتي؛ لأنه يلحق الشيء لذاته، كالإدراك للإنسان، أو بواسطة أمر يساويه كالضحك للإنسان بواسطة تعجبه، أو بواسطة أمر أعم منه داخل فيه كالتحرك للإنسان بواسطة كونه حيوانا.
والمراد بالبحث عن الأعراض الذاتية: حملها على موضع العلم، كقولنا: الكتاب يثبت به الحكم، أو على أنواعه، كقولنا: الأمر يفيد الوجوب، أو على أعراضه الذاتية، كقولنا: النص يدل على مدلوله دلالة قطعية، أو على أنواع أعراضه الذاتية، كقولنا: العام الذي خص منه البعض، يدل على بقية أفراده دلالة ظنية.
وجميع مباحث أصول الفقه راجعة إلى إثبات أعراض ذاتية للأدلة والأحكام، من حيث إثبات الأدلة للأحكام، وثبوت الأحكام بالأدلة، بمعنى أن جميع مسائل هذا الفن هو الإثبات، والثبوت.
وقيل: موضوع علم أصول الفقه هو الدليل السمعي الكلي فقط، من حيث إنه يوصل العلم بأحواله إلى قدرة إثبات الأحكام لأفعال المكلفين، أخذًا من شخصياته.
وبناء على هذا: فالفقيه يبحث في فعل المكلف لمعرفة الحكم الشرعي فيه. ودليله الجزئي والأصولي يبحث في الدليل الكلي الموصل إلى ذلك الحكم الفقهي ودليله الجزئي ونوع ذلك الدليل الكلي وأعراضه وأنواع تلك الأعراض.
فموضوع أصول الفقه : الأدلة الموصلة إلى معرفة الأحكام الشرعية وأقسامها. واختلاف مراتبها. وكيفية الاستدلا بها، مع معرفة حال المستدل.
5/فائدة علم الأصول وثمرته:
وأما فائدة هذا العلم: فهي العلم بأحكام الله سبحانه أو الظن بها.
ولما كانت هذه الغاية بهذه المنزلة من الشرف، كان علم طالبه بها ووقوفه عليها مقتضيًا لمزيد عنايته به، وتوفر رغبته فيه؛ لأنها سبب الفوز بسعادة الدارين.
فثمرته وفائدته: القدرة على استنباط الأحكام الشرعية على أسس سليمة.
6/استمداد علم أصول الفقه:
وأما استمداده فمن أشياء:
الأول:علم الكلام، لتوقف الأدلة الشرعية على معرفة الباري سبحانه، وصدق المبلغ، وهما مبنيان فيه، مقررة أدلتهما من مباحثه.
الثاني: اللغة العربية؛ لأن فهم الكتاب والسنة، والاستدلال بهما متوقفان عليها، إذ هما عربيان.
الثالث: الكتاب والسنة.
الرابع :الأحكام الشرعية من حيث تصورها؛ لأن المقصود إثباتها أو نفيها، كقولنا:الأمر للوجوب، والنهي للتحري، والصلاة واجبة، والربا حرام.
7/ حكم تعلمه : فرض كفاية
8/نسبة هذا العلم من العلوم: ونسبته إلى غيره من العلوم التباين؛ فهو علم مستقل من وجه، وإن تداخلت بعض مباحثه ومسائله في علومٍ أخرى
9/فضله : فضله عظيم لتعلقه بمعرفة حكم الله تعالى والعلوم ثلاثة أصناف:
الأول : عقلي محض، كالحساب والهندسة.
والثاني : لغوي، كعلم اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والعروض.
والثالث : الشرعي وهو علم القرآن والسنة، ولا شك أنه أشرف الأصناف، ثم أشرف العلوم بعد الاعتقاد الصحيح معرفة الأحكام العملية، ومعرفة ذلك بالتقليد ونقل الفروع المجردة يستفرغ جمام الذهن ولا ينشرح بها الصدر، لعدم أخذه بالدليل، وشتان بين من يأتي بالعبادة تقليدا لإمامه بمعقوله وبين من يأتي بها وقد ثلج صدره عن الله ورسوله، وهذا لا يحصل إلا بالاجتهاد، والناس في حضيض عن ذلك، إلا من تغلغل بأصول الفقه، وكرع من مناهله الصافية، وأدرع ملابسه الضافية، وسبح في بحره، وربح من مكنون دره. قال إمام الحرمين في كتاب المدارك وهو من أنفس كتبه: والوجه لكل متصد للإقلال بأعباء الشريعة أن يجعل الإحاطة بالأصول شوقه الآكد، وينص مسائل الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الأصول، ولا ينزف جمام الذهن في وضع الوقائع مع العلم بأنها لا تنحصر مع الذهول عن الأصول. وقال الغزالي في "المستصفى: خير العلم ما ازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه الرأي والشرع علم الفقه، وأصول الفقه من هذا القبيل، فإنه يأخذ من صفو العقل والشرع سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبني على التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد، ولأجل شرف علم أصول الفقه ورفعته وفر الله دواعي الخلق على طلبته، وكان العلماء به أرفع مكانا، وأجلهم شأنا، وأكثرهم أتباعا وأعوانا. وقال أبو بكر القفال الشاشي في كتابه الأصول: اعلم أن النص على حكم كل حادثة عينا معدوم، وأن للأحكام أصولا وفروعا، وأن الفروع لا تدرك إلا بأصولها، وأن النتائج لا تعرف حقائقها إلا بعد تحصيل العلم بمقدماتها.
10/مسائل علم أصول الفقه :
مسائل كل علم ما يذكر في كل فصل من فصوله وباب من أبوابه ومباحث أصول الفقه هي :
الأحكام والأدلة المتفق عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس والأدلة المختلف فيها وهذه الأدلة التي تضمنها المعرفة الأولى من أصول الفقه.
والتعادل والتراجيح المقصود بالمعرفة الثانية. الاجتهاد المقصود بالمعرفة الثالثة.
وهذا جملة أصول الفقه.
ومن أبواب أصول الفقه أقسام الكلام و الأمر و النهي و العام و الخاص والمجمل و المبين و الظاهر و المؤول و الأفعال و الناسخ والمنسوخ و الإجماع و القياس و الأخبار و الحظر و الإباحة و ترتيب الأدلة و صفة المفتي والمستفتي و أحكام المجتهدين.
منقول من منتدى الصوفية
3

كتاب تيسيرُ علم أصول الفقه تأليف عبدالله بن يوسف الجُديع

0
كتاب تيسيرُ علم أصول الفقه تأليف عبدالله بن يوسف الجُديع

حمل من احد الروابط التالية

http://www.saaid.net/book/open.php?cat=103&book=3693

http://www.gulfup.com/?SYv7bn

http://www.4shared.com/get/FPbG3aYa/_____.html
3

حمل كتب علم اصول الفقه من المكتبة الوقفية

0
حمل كتب علم اصول الفقه من المكتبة الوقفية

http://www.waqfeya.com/category.php?cid=16
3

علم اصول الفقه : كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

0

  •  عنوان الكتاب: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
  •  المؤلف: محمد بن علي الشوكاني
  •  المحقق: سامي بن العربي الأثري
  •  عدد المجلدات: 2
  •  نبذة عن الكتاب: مجلدان ، تم دمجهما لمراعاة تسلسل الصفحات
    تقديم : الشيخ عبد الله السعد ، الشيخ سعد الشثري
  • للتحميل اضغط على الرابط او انسخه
  • http://www.waqfeya.com/books/14/1305.rar


3

تعريف أصول الفقه وموضوعه وفائدته واستمداده

0
 الفصل الأول في تعريف أصول الفقه وموضوعه وفائدته واستمداده 

اعلم أن لهذا اللفظ اعتبارين : أحدهما باعتبار الإضافة ، والآخر باعتبار العلمية . 

أما الاعتبار الأول : فيحتاج إلى تعريف المضاف وهو ( الأصول والمضاف إليه وهو ( الفقه ) لأن تعريف المركب يتوقف على تعريف مفرداته ، ضرورة توقف معرفة الكل على معرفة أجزائه ، ويحتاج أيضا إلى تعريف الإضافة ; لأنها بمنزلة الجزء الصوري . 

أما المضاف : فالأصول جمع أصل ، وهو في اللغة ما ينبني عليه غيره . 

وفي الاصطلاح : يقال على الراجح ، والمستصحب ، والقاعدة الكلية ، والدليل ، والأوفق بالمقام الرابع . 

وقد قيل : إن النقل عن المعنى اللغوي هنا خلاف الأصل ولا ضرورة هنا تلجئ إليه ; لأن الانبناء العقلي كانبناء الحكم على دليله يندرج تحت مطلق الانبناء ; لأنه يشمل الانبناء الحسي كانبناء الجدار على أساسه ، والانبناء العقلي كانبناء الحكم على دليله ، ولما كان مضافا إلى الفقه هنا وهو معنى عقلي دل على أن المراد الانبناء العقلي . 

وأما المضاف إليه وهو الفقه فهو في اللغة : الفهم ، ص: 42 ] وفي الاصطلاح : العلم بالأحكام الشرعية عن أدلته التفصيلية بالاستدلال . 

وقيل : التصديق بأعمال المكلفين التي تقصد لا لاعتقاد . 

وقيل : معرفة النفس ما لها وما عليها عملا . 

وقيل : اعتقاد الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية . 

وقيل : هو جملة من العلوم ( بأحكام شرعية يستدل على أعيانها لا ) يعلم باضطرار أنها من الدين . 

وقد اعترض على كل واحد من هذه التعريفات باعتراضات ، والأول أولاها إن حمل العلم فيه على ما يشمل الظن ، لأن غالب علم الفقه ظنون . 

وأما الإضافة : فمعناها اختصاص المضاف بالمضاف إليه باعتبار مفهوم المضاف إليه ، فأصول الفقه ما يختص بالفقه من حيث كونه مبنيا عليه ومستندا إليه . 

وأما الاعتبار الثاني : فهو إدراك القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية ، وقيل : هو العلم بالقواعد . . إلخ . 

وقيل : هو نفس القواعد الموصلة بذاتها إلى استنباط الأحكام . . إلخ . 

وقيل : هو طرق الفقه على وجه الإجمال وكيفية الاستدلال بها ، وما يتبع الكيفية . وفيه أن ذكر الأدلة التفصيلية تصريح باللازم المفهوم ضمنا ; لأن المراد استنباط الأحكام تفصيلا ، وهو لا يكون إلا عن أدلتها تفصيلا ، ويزاد عليه ( على وجه التحقيق ) لإخراج علم الخلاف والجدل ، فإنهما وإن اشتملا على القواعد الموصلة إلى مسائل الفقه ، لكن لا على وجه التحقيق بل الغرض منه إلزام الخصم . 

ولما كان العلم مأخوذا في أصول الفقه عند البعض حسن هاهنا أن نذكر تعريف مطلق العلم . 

ص: 43 ] وقد اختلفت الأنظار في ذلك اختلافا كثيرا ، حتى قال جماعة منهم الرازي بأن مطلق العلم ضروري ، فيتعذر تعريفه ، واستدلوا بما ليس فيه شيء من الدلالة ، ويكفي في دفع ما قالوه ما هو معلوم بالوجدان لكل عاقل ، أن العلم ينقسم إلى ضروري ومكتسب . 

وقال قوم منهم الجويني إنه نظري ، ولكنه يعسر تحديده ، ولا طريق إلى معرفته إلا القسمة والمثال ، فيقال مثلا الاعتقاد إما جازم أو غير جازم ، والجازم إما مطابق أو غير مطابق ، والمطابق إما ثابت أو غير ثابت ، فخرج من هذه القسمة اعتقاد جازم مطابق ثابت وهو العلم . 

وأجيب عن هذا : بأن القسمة والمثال إن أفادا تمييزا لماهية العلم عما عداها صلحا للتعريف لها فلا يعسر ، وإن لم يفيدا تمييزا لم يصلح بهما معرفة ماهية العلم . 

وقال الجمهور : إنه نظري لا يعسر تحديده ثم ذكروا له حدودا . 

فمنهم من قال : هو اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة أو دليل ، وفيه أن الاعتقاد المذكور يعم الجازم وغير الجازم ، وعلى تقدير تقييده بالجازم يخرج عنه العلم بالمستحيل فإنه ليس بشيء اتفاقا . 

ومنهم من قال : هو معرفة المعلوم على ما هو به ، وفيه أنه يخرج عن ذلك علم الله عز وجل إذ لا يسمى معرفة . 

ومنهم من قال : هو الذي يوجب كون من قام به عالما أو يوجب لمن قام به اسم العالم ، وفيه أنه يستلزم الدور لأخذ العالم في تعريف العلم . 

ومنهم من قال : هو ما يصح ممن قام به إتقان الفعل ، ص: 44 ] وفيه أن في المعلومات ما لا يقدر العالم على إتقانه ، كالمستحيل . 

ومنهم من قال : هو اعتقاد جازم مطابق ، وفيه أنه يخرج عنه التصورات ، وهي علم . 

ومنهم من قال : هو حصول صورة الشيء في العقل ، أو الصورة الحاصلة عند العقل ، وفيه أنه يتناول الظن ، والشك ، والوهم ، والجهل المركب . 

وقد جعل بعضهم هذا حدا للعلم بالمعنى الأعم الشامل للأمور المذكورة ، وفيه أن إطلاق اسم العلم على الشك ، والوهم ، والجهل المركب يخالف مفهوم العلم لغة واصطلاحا . 

ومنهم من قال : هو حكم لا يحتمل طرفاه - أي المحكوم عليه وبه - نقيضه ، وفيه أنه يخرج عنه التصور ، وهو علم . 

ومنهم من قال : هو صفة توجب تمييزا لمحلها ، لا يحتمل النقيض بوجه ، وفيه أن العلوم المستندة إلى العادة تحتمل النقيض لإمكان خرق العادة بالقدرة الإلهية . 

ومنهم من قال : هو صفة يتجلى به المدرك للمدرك ، وفيه أن الإدراك مجاز عن العلم ، فيلزم تعريف الشيء بنفسه مع كون المجاز مهجورا في التعريفات ، ودعوى اشتهاره في المعنى الأعم الذي هو جنس الأخص غير مسلمة . 

ومنهم من قال : هو صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هي به . 

قال المحقق الشريف وهذا أحسن ما قيل في الكشف عن ماهية العلم ; لأن المذكور يتناول الموجود والمعدوم والممكن والمستحيل بلا خلاف ، ويتناول المفرد والمركب والكلي والجزئي . 

والتجلي : هو الانكشاف التام ، فالمعنى أنه صفة ينكشف بها لمن قامت به ما من شأنه أن يذكر - انكشافا تاما - لا اشتباه فيه ، فيخرج عن الحد الظن ، والجهل المركب ، واعتقاد المقلد المصيب أيضا ; لأنه في ص: 45 ] الحقيقة عقدة على القلب ، فليس فيه انكشاف تام وانشراح ينحل به العقدة . انتهى . 

وفيه : أنه يخرج عنه إدراك الحواس ، فإنه لا مدخلية للمذكور به فيه ، إن أريد به الذكر اللساني ، كما هو الظاهر ، وإن أريد به ما يتناول الذكر بكسر الذال والذكر بضمها ، فإما أن يكون من الجمع بين معنيي المشترك أو من الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وكلاهما مهجور في التعريفات . 

هذا جملة ما قيل في تعريف العلم وقد عرفت ما ورد على كل واحد منها . 

والأولى عندي أن يقال في تحديده : هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تاما وهذا لا يرد عليه شيء مما تقدم فتدبر . 

وإذا عرفت ما قيل في حد العلم فاعلم أن مطلق التعريف للشيء قد يكون حقيقيا ، وقد يكون اسميا ، فالحقيقي : تعريف الماهيات الحقيقية ، والاسمي : تعريف الماهيات الاعتبارية . 

وبيانه أن ما يتعقله الواضع ليضع بإزائه اسما إما أن يكون له ماهية حقيقية أو لا ، وعلى الأول إما أن يكون متعقله نفس حقيقة ذلك الشيء ، أو وجوها واعتبارات منه ، فتعريف الماهية الحقيقية بمسمى الاسم من حيث إنها ماهية حقيقية تعريف حقيقي يفيد تصور الماهية في الذهن بالذاتيات كلها أو بعضها أو بالعرضيات أو بالمركب منهما ، وتعريف مفهوم الاسم وما تعقله الواضع فوضع الاسم بإزائه تعريف اسمي يفيد تبيين ما وضع الاسم بإزائه بلفظ أشهر . 

فتعريف المعدومات لا يكون إلا اسميا إذ لا حقائق لها ، بل لها مفهومات فقط ، وتعريف الموجودات قد يكون اسميا ، وقد لا يكون حقيقيا إذ لها مفهومات وحقائق ، والشرط في كل واحد منهما الاطراد والانعكاس ، فالاطراد : هو أنه كلما وجد الحد وجد المحدود فلا يدخل فيه شيء ليس من أفراد المحدود فهو بمعنى طرد الأغيار فيكون مانعا ، والانعكاس هو أنه كلما وجد المحدود وجد الحد فلا يخرج عنه شيء ص: 46 ] من أفراده ، فهو بمعنى جمع الأفراد فيكون جامعا . ثم العلم ينقسم بالضرورة إلى ضروري ونظري ، فالضروري : ما لا يحتاج في تحصيله إلى نظر . 

والنظري : ما يحتاج إليه . 

والنظر : هو الفكر المطلوب به علم أو ظن . 

وقيل : هو ملاحظة المعقول لتحصيل المجهول . 

وقيل : هو حركة النفس من المطالب التصورية ، أو التصديقية ، طالبة للمبادئ وهي المعلومات التصورية ، أو التصديقية ، باستعراض صورها ، صورة صورة . 

وكل واحد من الضروري والنظري ينقسم إلى قسمين : تصور وتصديق ، والكلام فيهما مبسوط في علم المنطق 

والدليل ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري . 

وقيل : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بالغير . 

وقيل : ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر . 

وقيل : هو ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى مجهول . 

والأمارة : هي التي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيها إلى الظن . 

والظن : تجويز راجح . 

والوهم : تجويز مرجوح . 

والشك : تردد الذهن بين الطرفين . 

فالظن فيه حكم لحصول الراجحية ، ولا يقدح فيه احتماله للنقيض المرجوح ، والوهم لا حكم فيه لاستحالة الحكم بالنقيضين ; لأن النقيض الذي هو متعلق الظن قد حكم به ، فلو حكم بنقيضه المرجوح - وهو متعلق الوهم - لزم الحكم بهما جميعا . 

والشك لا حكم فيه بواحد من الطرفين لتساوي الوقوع واللاوقوع في نظر العقل ، ص: 47 ] فلو حكم بواحد منهما لزم الترجيح بلا مرجح ، ولو حكم بهما جميعا لزم الحكم بالنقيضين . 

والاعتقاد في الاصطلاح : هو المعنى الموجب لمن اختص به كونه جازما بصورة مجردة ، أو بثبوت أمر أو نفيه ، وقيل هو الجزم بالشيء من دون سكون نفس ، ويقال على التصديق سواء كان جازما أو غير جازم ، مطابقا أو غير مطابق ، ثابتا أو غير ثابت ، فيندرج تحته الجهل المركب ; لأنه حكم غير مطابق ، والتقليد لأنه جزم بثبوت أمر أو نفيه لمجرد قول الغير . 

وأما الجهل البسيط : فهو مقابل للعلم والاعتقاد مقابلة العدم للملكة ; لأنه عدم العلم والاعتقاد عما من شأنه أن يكون عالما أو معتقدا . 

موضوع أصول الفقه . 

وأما موضوع علم أصول الفقه فاعلم أن موضوع العلم ما يبحث فيه من أعراضه الذاتية ، والمراد بالعرض هنا المحمول على الشيء الخارج عنه ، وإنما يقال له العرض الذاتي ; لأنه يلحق الشيء لذاته كالإدراك للإنسان ، أو بواسطة أمر يساويه كالضحك للإنسان بواسطة تعجبه أو بواسطة أمر أعم منه داخل فيه كالتحرك للإنسان بواسطة كونه حيوانا . 

والمراد بالبحث عن الأعراض الذاتية حملها على موضع العلم كقولنا : الكتاب يثبت به الحكم ، أو على أنواعه كقولنا : الأمر يفيد الوجوب ، أو على أعراضه الذاتية كقولنا : النص يدل على مدلوله دلالة قطعية ، أو على أنواع أعراضه الذاتية كقولنا : العام الذي خص منه البعض يدل على بقية أفراده دلالة ظنية 

وجميع مباحث أصول الفقه راجعة إلى إثبات أعراض ذاتية للأدلة والأحكام من حيث إثبات الأدلة للأحكام ، وثبوت الأحكام بالأدلة . بمعنى أن جميع مسائل هذا الفن هو الإثبات والثبوت . 

وقيل : موضوع علم أصول الفقه هو الدليل السمعي الكلي فقط ، من حيث إنه ص: 48 ] يوصل العلم بأحواله إلى قدرة إثبات الأحكام لأفعال المكلفين ، أخذا من شخصياته . 

والمراد بالأحوال : ما يرجع إلى الإثبات وهو ذاتي للدليل . والأول أولى . 

وأما فائدة هذا العلم فهي العلم بأحكام الله سبحانه أو الظن بها . ولما كانت هذه الغاية بهذه المنزلة من الشرف كان علم طالبه بها ووقوفه عليها مقتضيا لمزيد عنايته به وتوفر رغبته فيه ; لأنها سبب الفوز بسعادة الدارين . 

وأما استمداده فمن ثلاثة أشياء : 

الأول : علم الكلام لتوقف الأدلة الشرعية على معرفة البارئ سبحانه ، وصدق المبلغ ، وهما مبنيان فيه مقررة أدلتهما في مباحثه . 

الثاني : اللغة العربية لأن فهم الكتاب والسنة ، والاستدلال بهما متوقفان عليها إذ هما عربيان . 

الثالث : الأحكام الشرعية من حيث تصورها لأن المقصود إثباتها أو نفيها ، كقولنا : الأمر للوجوب ، والنهي للتحريم ، والصلاة واجبة ، والربا حرام، ووجه ذكرنا لما اشتمل عليه هذا الفصل أن يوجب زيادة بصيرة لطالب هذا العلم كما لا يخفى على ذي فهم . 
3

استمع للدروس العلمية في جميع اقسام الشريعة الاسلامية والمواعظ والقران الكريم

تصفح موقع اسلام ويب هذا الموقع مهم وشامل للكل مايبحث عنه طالب الشريعة والدراسات الإسلامية

موضيع المدونة

موقع روح الإسلام للتحميل الموسوعات الاسلامية

الإذاعة العامة للقران الكريم اذاعة متنوعة لمختلف القراء

تلاوات خاشعة من القران الكريم

استمع الى إذاعة الرقية الشرعية الاولى من القرآن الكريم ومن السنة النبوية

استمع الى راديو إذاعة آيات السكينة على موقع

استمع الى إذاعة الرقية الشرعية من القرآن الكريم تعمل 24 /24 ساعة

الرقية الشرعية لعلاج السحر والمس والعين للشيخ احمد العجمي

الرقية الشرعية للعلاج من السحر والمس والعين والحسد بصوت الشيخ ماهر المعيقلي

افضل مواضيع المدونة

افضل مواضيع هذا الشهر

افضل المواضيع هذا الاسبوع

جميع الحقوق محفوظه © شعبة الدراسات الاسلامية

تصميم htytemed