آخر الأخبار
... مرحبا بزورا موقع شعبة وتخصص الدراسات الاسلامية

تذكر ان الله هو الموفق للمسلم في جميع امور دنياه واخرته فتوكل عليه

بحث هذه المدونة الإلكترونية

إذاعة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقران الكريم - المصحف المجود بث مباشر 24 ساعة

افضل موضوع في المدونة اضغط في عنوان هذا الموضوع لقراءته

حمل اكبراسطوانة وموسوعة لكتب الزهد و الرقائق موجودة الانترنت اكثر 900 كتاب 5.6 GB

 كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه، أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبت...

ملخص تاريخ التشريع الاسلامي الخمائل

0

وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله


المحاضرة الأولى
معنى التشريع و أدواره
و التشريع في عصر النبي ﷺ
عناصر المحاضرة
معنى التشريع والشريعة.
أدوار التشريع ومراحله في تاريخ الفكر الإسلامي.
 حالة العرب قبل الإسلام.
معنى الشريعة و التشريع
معنى الشريعة والتشريع
الشرع في اللغة:
مصدر شَرَعَ, بالتخفيف,والتشريع, مصدر شرَّع بالتشديد.
والشريعة في أصل الاستعمال اللغوي:
مورد الماء الذي يقصد للشرب, ثم استعملها العرب في الطريقة المستقيمة.
وذلك باعتبار أن مورد الماء سبيل الحياة والسلامة للأبدان, وكذلك الشأن في الطريقة المستقيمة التي تهدي الناس إلى الخير, ففيها حياة نفوسهم وري عقولهم.
معنى التشريع والشريعة
قال تعالى:
(ثُمَّ جعلناكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فاتَّبِعْهَا)
ويقال:
"شرعت الإبل" إذا وردت شريعة الماء, و"شرع له الأمر" بمعنى سنّه وبين طريقته.
قال تعالى:
(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا)
وقال:
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)
معنى التشريع والشريعة
قال صاحب القاموس:
الشريعة ما شرعه الله لعباده. وقال الراغب: الشرع: نهج الطريق الواضح. يقال: شرعت له طريقاً, والشرع:مصدر, ثم جعله اسماً لطريق النهج, فقيل له: شرع وشريعة, واستعير ذلك للطريقة الإلهية, قال بعضهم: سميت الشريعة شريعة: تشبيهاً بشريعة الماء من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة رُوي وتطهّر.


معنى التشريع والشريعة
الشريعة الإسلامية في الاصطلاح:
ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونُظُمِ الحياة, في شعبها المختلفة, لتحقيق سعادتها في الدنيا والآخرة.
والشريعة بهذا المعنى خاصة بما جاء عن الله تعالى, وبلغه رسله لعباده, والله هو الشارع الأول, وأحكامه هي التي تسمى شرعاً, فلا يجوز إطلاق هذا على القوانين الوضعية, لأنها من صنع البشر.
أدوار التشريع ومراحله في تاريخ الفكرالإسلامي
يمكن تقسيم أدوار التشريع الإسلامي باعتبارات مختلفة, والاعتبار الأول اعتبار النشأة والتطور
الدور الأول:وهو عصر التشريع في عهد رسول الله ﷺ, وفي عهد الخلفاء الراشدين.
الدور الثاني:الدور التأسيسي للفقه, ويشمل العمل الفقهي في العصر الأموي, والكلام على مدرسة الحجاز ومدرسة العراق.
الدور الثالث:دور النهضة الفقهية, وتأسيس المذاهب, وتدوين الحديث والفقه.
الدور الرابع:دور التقليد وسد باب الاجتهاد بعد أن استقرت المذاهب.
الدور الخامس:دور اليقظة الفقهية وحركة الإصلاح الديني في الوقت الحاضر لفتح باب الاجتهاد.
الاعتبار الثاني: مراعات الأحداث السياسية والاجتماعية
عهد التشريع: من البعثة إلى وفاة الرسول ﷺ سنة 11هـ.
الدور الفقهي الأول:الفقه في عصر الخلفاء الراشدين 11-40 هـ.
الدور الفقهي الثاني:الفقه في عهد صغار الصحابة وكبار التابعين إلى أوائل القرن الثاني الهجري.
الدور الفقهي الثالث:الفقه من أوائل القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع.
الدور الفقهي الرابع:الفقه من منتصف الرابع إلى سقوط بغداد سنة 656 هـ.
الدور الفقهي الخامس:من سقوط بغداد إلى الوقت الحاضر.
وسوف تكون الدراسة بمراعاة التقسيم الثاني أي التقسيم بحسب الأحداث السياسية والاجتماعية
عصر التشريع من البعثة إلى وفاة الرسول سنة 11 هـ
حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
ساد العالم في القرن السادس الميلادي _قبيل البعثة_ دولتان كبيرتان على مقربة من جزيرة العرب, إحداهما دولة الفرس في الشمال الشرقي, والأخرى دولة الروم في الشمال والغرب, ولكل دولة من هاتين الدولتين حضارة ذات ثقافة وقانون, ولها عقائد تدين بها.
واشتهر الفرس بميلهم إلى عبادة المظاهر الطبيعية, وكانت تعاليم "زرادشت" _الذي زعموه نبياً لهم_ تقوم على أساس أن هناك نزاعاً وتصادماً بين القوى المختلفة: بين النور والظلمة, والخصب والجدب ... الخ, وأن للعالم أصلين أو إلهين: أصل الخير, وأصل الشر, وهما في نزاع دائم, ولكل من هذين الأصلين قدرة الخلق. ولكن الفوز النهائي لروح الخير.
واتخذ الفرس النار, رمزاً لآلهة الخير, يشعلونها في معابدهم, وينفخونها بأمدادهم حتى تقوى على آلهة الشر وتنتصر عليها.
حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
ظهر في فارس "مزدك" ودعا إلى مذهب وثني جديد, فكان يقول أيضاً بالنور والظلمة, ولكنه عُرف بتعاليمه الاشتراكية, فكان يرى أن الناس ولدوا سواءً فليعيشوا سواءً, وأهم ما تجب فيه المساواة: المال والنساء.
قال الشهرستاني: "وكان "مزدك" ينهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال, ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال, فأحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والكلأ والنار".

حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
أما دولة الروم التي كان يحكمها القياصرة, فقد قامت حضارتها على الفلسفة النظرية والجدل المنطقي "اليوناني" ثم " الروماني" وتوارثت آراء سقراط وأفلاطون وأرسطو, وسيطرت على مناطق البحر الأبيض المتوسط, بما في ذلك الشام ومصر والمغرب, حيث سادت عقائد النصرانية على اختلاف مذاهبها, ولقد لجأت النصرانية إلى الفلسفة اليونانية لتستعين بها على الجدل, ولتؤيد تعاليمها وعقائدها أمام الوثنيين.
وبإزاء هذا كله, كانت بقايا اليهودية متناثرة في بعض الأماكن, بشمال الجزيرة العربية وفي داخلها بـ "يثرب" ولهؤلاء كذلك عقائدهم ومورثاتهم الدينية.
حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
  وأما العرب فكان أكثرهم من البدو الرحل الذين يعيشون في الصحراء, يربطهم نظام القبيلة بأعرافه الاجتماعية, وعاداته التقليدية.
  وأقام بعضهم في المدن كمكة, ويثرب, والطائف. وباشروا الزراعة, وامتهنوا بعض  الصناعات, وهذا من شأنه أن يقيم قواعد للمعاملات المالية والعلاقات التجارية.
  وساعد على هذا أسواقهم الكبرى, واجتماعهم في الحج, واشتهرت قريش في مكة بالتجارة, وكان لها علاقة تجارية مستمرة بسوريا "الرومانية" والعراق ”الساساني" وباليمن في رحلتي الشتاء والصيف.
حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
ولم يكن العرب في معزل عن الثقافات المحيطة بهم, بل إن النزاع الدائم بين الفرس والروم أدى إلى استفادة كل من الجانبين بالعرب, فأسس الفرس إمارة الحيرة على نهر الفرات, وأمروا عليها عمرو بن عدي, كما كون الغساسنة إمارة لهم في الشام. وكان آخر ملوك الحيرة النعمان بن المنذر الخامس.
وكان آخر ملوك الغساسنة جبلة بن الأيهم سنة 614 م, لما فتح المسلمون الشام أسلم جبلة وقدم المدينة, لكنه ارتد عن الإسلام.
حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
وقد تأثر عرب الحيرة بثقافة الفرس, كما تأثر الغساسنيون بثقافة اليونان والديانة الرومية, وهؤلاء وأولئك كانوا على صلة بالعرب في قلب الجزيرة العربية.
وتسربت اليهودية إلى بلاد العرب, واتخذت لها معامل في "تيماء" و“فدك" و"خيبر" و"يثرب" كما تسربت النصرانية واتخذت مواطنها الأساسي في "نجران".
حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
وهذه الأمور الثلاثة:
التجارة.    2-الإمارات على تخوم فارس والروم.   3-اليهودية والنصرانية.
كانت وسائل نقل المدنية إلى العرب في الجاهلية, ومع أن العرب قد ورثوا شيئاً من ملة إبراهيم وإسماعيل, فإن طبيعتهم الخشنة ظلت مستعصية أمام هذه العوامل, لغلبة الجهل, وانتشار الوثنية, يعيشون في تناحر وفوضى.
ومع ذلك كله فقد كانت لهم تقاليد في مأكلهم ومشربهم وملبسهم, وفي نكاحهم وطلاقهم, وفي بيوعهم وسائر معاملاتهم, وكانت لهم محارم يحرمونها كالأمهات والبنات والأخوات, ولهم مزاجر في مظالمهم في مثل الجنايات والديات والقسامة وما شاكلها.
حالة العرب والعالم عند البعثة, وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:
تلك هي حال العرب والعالم قبل البعثة, وهي حال يستطير شرها, ويتفاقم خطرها بما أورثته الإنسانية من استبداد وظلم وشقاء وفساد, وفي وسط هذا الجو الخانق القاتل لقيم الحياة الإنسانية ومطالبها الروحية, انبعثت من بطحاء مكة صوت رهيب يقول: لا إله إلا الله, كان ذلك الصوت الداوي صوت محمد ﷺ الذي اختاره الله ليهدي العقول الحائرة إلى نور الإيمان, بالعقيدة الصحيحة, ويفتح لها مسالك العلم النافع.
وقد أرسل نبي الرحمة للناس كافة, قال تعالى:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا), (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)
 وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)


المحاضرة الثانية
تتمة التشريع في عصر النبي ﷺ
عناصر المحاضرة
التشريع في حياة الرسول:
مصادر التشريع في هذا العصر:
أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي.
خصائص التشريع في القرآن والسنة
 التشريع في حياة الرسولﷺ
التشريع إما أن يكون وحياً إلهياً بالمعنى واللفظ, وذلك يتمثل في القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسولنا محمد ﷺ, وإما أن يكون وحياً إلهياً بالمعنى دون اللفظ, وذلك يتمثل في سنة رسول الله ﷺ, فإن لفظ الحديث من كلامه ﷺ, وإن كان معناه وحياً, لقوله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
فالله وحده هو المشرع, ورسوله هو المبين لشرعه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)
وقد أوجب الله طاعة رسوله لأنها من طاعته: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)
بين حديث عائشة كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ , وأن الرؤيا الصالحة كانت أول أمره, ثم حبب إليه الخلاء, حتى جاءه الملك وهو يتعبد في غار حراء, فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: "أول ما بدء به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم, فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح, ثم حبب إليه الخلاء, وكان يخلو بغار حراء فيحنث فيه _وهو التعبد_ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك, ثم يرجع إلى خديجة لمثلها, حتى جاءه الحق وهو في غار حراء, فجاءه الملك, فقال: اقرأ, قال: ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني, فقال: اقرأ, قلت ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني, فقال: اقرأ, فقلت: ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني, فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)
    فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده, فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها,       فقال: زملوني زملوني, فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي, فقالت خديجة: كلا, والله ما يخزيك الله أبداً, إنك لتصل الرحم, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى "ابن عم خديجة" وكان امرءاً تنصر في الجاهلية, وكان يكتب الكتاب العبراني, فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب, وكان شيخاً كبيراً قد عمي, فقالت له خديجة: يا ابن العم: اسمع من ابن أخيك, فقال له ورقة: يا ابن أخي, ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى, فقال له ورقة, هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى, يا ليتني فيها جذعاً, ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك, فقال رسول الله ﷺ : أوَمُخرجيَّ هم؟ قال: نعم, لم يأت رجل قطُّ  بمثل ما جئت به إلا عودي, وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي ". والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما.


ووقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين, وبه جزم ابن إسحاق, وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر, وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو شهر ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة, وبدئ بذلك ليكون تمهيداً وتوطئة لليقظة, ثم كان ابتداء وحي اليقظة في رمضان في الليلة السابعة عشرة منه, ثم كان نزول سورة المدثر بعد فترة الوحي, وفي الصحيحين عن أبي سلمة عن جابر, قال رسول الله  ﷺ وهو يحدث عن فترة الوحي, قال في حديثه: بينما أنا أمشي سمعت صوتاُ من السماء, فرفعتُ بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ففرقتُ  منه, فرجعت فقلت: زملوني زملوني, فدثروني فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنذِرْ {2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ {4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)
التشريع في حياة الرسولﷺ
   وقد جاء في القرآن الكريم ثلاث آيات بينات تتعلق بنزول القرآن:
الأولى في سورة البقرة:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)
والثانية في سورة الدخان: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ)
والثالثة في سورة القدر: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
ولا يجد الإنسان تعارضاً بين هذه الآيات, فالليلة المباركة, هي ليلة القدر من شهر رمضان,    وإنما يلتبس عليه التوفيق بين هذه الآيات والواقع التاريخي في نزول القرآن على رسول الله ﷺ منجماً في أكثر من عشرين عاماً, فكيف تجتمع هذه الأعوام في شهر, بل في ليلة؟!! وللعلماء في التوفيق مذهبان.
التشريع في حياة الرسولﷺ
المذهب الأول:
يتزعمه ابن عباس, فيرى أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا, في ليلة القدر من شهر رمضان, ثم نزل بعد ذلك مفرقاً على رسول الله ﷺ , وفق الحوادث والمقتضيات مدة البعثة, وعلى هذا فلا تنافي بين الآيات والواقع.
المذهب الثاني:
يتزعمه الشعبي, فيرى أن أول ما بدئ به الوحي على رسول الله ﷺ إنما كان في شهر رمضان في الليله المباركة "ليلة القدر" ثم نزل القرآن الكريم تباعاً على رسول الله ﷺ بقية حياته, وعلى هذا فالآيات الثلاث أخبرت عن بدء نزول القرآن لا عن نزوله كله, ولا يتعارض هذا مع الواقع.
آخر ما نزل من القرآن
فيه أقوال:
آخر ما نزل آية الربا, لما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت آية الربا. والمراد بها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) الآية.
وقيل: آخر ما نزل من القرآن قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ) الآية. لما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس وسعيد بن جبير: آخر شيء نزل من القرآن (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ).
وقيل: آخر ما نزل آية الدين, لما روي عن سعيد بن المسيب: أنه بلغه أن أحدث القرآن عهداً بالعرش آية الدين, والمراد بها: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ).
 
آخر ما نزل من القرآن
وقيل: آخر من نزل آية الكلالة. فقد روى الشيخان عن البراء بن عازب قال: آخر آية (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) الآية.
  وحمل هذا من البراء على أنه آخر ما نزل فيما يتعلق بالمواريث.
وقيل: آخر ما نزل قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) إلى آخر السورة, ففي المستدرك عن أبي بن كعب قال: آخر آية نزلت (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) إلى آخر السورة.
وعن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت : (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ).
وهذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي  ﷺ , وكلٌّ قال بضربٍ من الاجتهاد وغلبة الظن.
مصادر التشريع في عصر النبي ﷺ :
أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً: السنة النبوية.
أولاً: القرآن الكريم
تعريفه لغةً:
القرآن في الأصل مصدر.
 قال تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {75/17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ), قال ابن عباس: "إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به" وقد خص بالكتاب المنزل على محمد ﷺ , فصار له كالعالم, كما أن التوراة أنزلت على موسى والإنجيل أنزل على عيسى عليهما السلام.
ومعنى القرآن لغةً:
الجمع والضم, وقد صار علماً بالغلبة على الكتاب العزيز.
 
أولاً: القرآن الكريم
تعريف القرآن اصطلاحاً:
كلام الله الذي أنزله على محمد ﷺ ونقل إلينا تواتراً لنتعبد بتلاوته وأحكامه, وكان آية دالة على صدقه فيما ادعاه ممن الرسالة.
وقد نزل به جبريل على رسول الله ﷺ بلسان عربي
(وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ {194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ). فتحدى به رسول الله العرب وهم أرباب الفصاحة والبيان, فظهر عجزهم, وبهذا كانت الحجة عليهم (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
 
أولاً: القرآن الكريم
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بعشر سور مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
(قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بمثلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
أولاً: القرآن الكريم
أركان الإعجاز:
عجز العرب عن معارضة القرآن مع توافر الداعي عجز أهل اللغة في ريعان شبابها وعنفوان قوتها مع انتفاء موانع التحدي.
أولاً: القرآن الكريم
مظاهر الإعجاز:
فهو معجز في ألفاظه وأسلوبه, والحرف الواحد منه في موضعه من الإعجاز الذي لا يغني عن غيره في تماسك الكلمة. والكلمة في موضعها من الإعجاز في تماسك الجملة, والجملة في موضعها من الإعجاز في تماسك الآية.
وهو معجز في بيانه ونظمه, يجد فيه القارئ صورة حية للحياة والكون والإنسان.
وهو معجز في معانيه التي كشفت الستار عن الحقيقة الإنسانية ورسالتها في الوجود.
وهو معجز في تشريعه وصيانته لحقوق الإنسان, وتكوين مجتمع مثالي تسعد الدنيا على يديه.
أولاً: القرآن الكريم
والقرآن الكريم, هو أساس الدين ومصدر التشريع, وحجة الله البالغة في كل عصر ومصر, قال جل شأنه: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ {49} أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
وتلقاه الصحابة عن رسول الله ﷺ تلاوة له وحفظاً ودراسة لمعانيه وعملاُ لما فيه, قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن, عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل. قال: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
وهكذا استمر حفظ المسلمين للقرآن في كل عصر, وتوارثت الأمة نقله بالكتابة على مر الدهور, جيلاُ بعد جيل  ممن غير تحريف أو تبديل, وذلك مصداق قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
أولاً: القرآن الكريم
ما جاء مجملاً وما جاء مفصلاً:
وقد اشتمل القرآن الكريم على أصول الشريعة وقواعدها من الحلال والحرام, وجاءت أكثر أحكامه مجملة تشير إلى مقاصد الشريعة وتضع بين الأئمة والمجتهدين المصباح الذي يستنبطون في ضوئه أحكام جزئيات الحوادث, في كل زمان ومكان.
وإنما فصّل القرآن ما لا بد فيه من التفصيل الذي يجب أن يسمو عن مواطن الخلاف والجدل, كما في العقائد وأصول العبادات, أو لأنه يبنى على أسباب لا تختلف ولا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة, وذلك كما في تشريع المواريث ومحرمات النكاح وعقوبة بعض الجرائم.
أولاً: القرآن الكريم
نزول القرآن منجماً  (مفرّقاً ) :
قال تعالى: (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)
فهذه الآيات وغيرها تدل على نزول جبريل بالقرآن على قلب رسول الله ﷺ , وأن هذا النزول غير النزول الأول إلى السماء الدنيا, فالمراد به نزوله منجماُ. ويدل التعبير بلفظ التنزيل دون الإنزال, على أن المقصود النزول على سيبل التدرج والتنجيم.
والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة, أن التنزيل يختص الموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقاً, ومرة بعد أخرى, والإنزال عام.
أولاً: القرآن الكريم
الحكم من نزول القرآن منجماً:
الحكمة الأولى: تثبيت فؤاد رسول الله ﷺ:
لقد وجه رسول الله ﷺ دعوته إلى الناس, فوجد منهم نفوراً وقسوة, وتصدى له قوم غلاظ الأكباد فطروا على الجفوة, وجبلوا على العناد, يتعرضون له بصنوف الأذى والعنت, مع رغبته الصادقة في إبلاغهم الخير الذي يحمله إليهم, حتى قال الله فيه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا), فكان الوحي يتنزل على رسول الله ﷺ فترة بعد فترة, بما يثبت قلبه على الحق, ويشحذ عزمه للمضي قدماُ في طريق دعوته.
وهذه كانت سنة الأنبياء من قبله كذلك جاء القرآن يأمره بالصبر كما صبر الرسل من قبله (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
أولاً: القرآن الكريم
الحكم من نزول القرآن منجماً:
الحكمة الأولى: تثبيت فؤاد رسول الله ﷺ:
وكلما اشتد ألم رسول الله ﷺ لتكذيب قومه, ودخله الحزن لأذاهم نزل القرآن دعماً وتسليه له, يهدد المكذبين بأن الله يعلم أحوالهم, ويجازيهم على ما كان منهم.
(ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)
(وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
أولاً: القرآن الكريم
الحكمة الثانية : التحدي و الإعجاز:
فالمشركون تمادوا في غيهم , وبالغوا في عتوهم, وكانوا يسألون أسئلة تعجيز وتحد يمتحنون بها رسول الله في نبوته, ويسوقون له من ذلك كل عجيب من باطلهم, كعلم الساعة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) واستعجال العذاب (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ), فيتنزل القرآن بما يبين وجه الحق لهم, وبما هو أوضح معنى في مؤدى أسئلتهم.
أولاً: القرآن الكريم
الحكمة الثالثة : تيسير حفظه وفهمه :
لقد نزل القرآن الكريم على أمة أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة, سجلها ذاكرة حافظة, ليس لها دراية بالكتابة والتدوين حتى تكتب وتدون, ثم تحفظ وتفهم (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ). فما كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة, ,وأن تفهم معانيه وتتدبر آياته, فكان نزوله مفرقاً خير عون لها على حفظه في صدورها وفهم آياته.
 
أولاً: القرآن الكريم
الحكمة الرابعة : مسايرة الحوادث و التدرج في الشريعة:
لقد كان القرآن الكريم بادئ ذي بدء يتناول أصول الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسلة واليوم الآخر.
وكان يأمر بمحاسن الأخلاق التي تزكو بها النفس ويستقيم عوجها, وينهى عن الفحشاء والمنكر.
ثم تدرج التشريع بالأمة في علاج ما تأصل في النفوس من أمراض اجتماعية.
كما كان القرآن يتنزل وفق الحوادث التي تمر بالمسلمين في جهادهم الطويل لإعلاء كلمة الله.
أولاً: القرآن الكريم
الحكمة الرابعة : مسايرة الحوادث و التدرج في الشريعة:
ففي مكة شرعت الصلاة, وشرع الأصل العام للزكاة مقارناً بالربا : (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {38} وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)
ونزلت سورة الأنعام –وهي مكية- تبين أصول الإيمان, وأدلة التوحيد.
ثم نزل بعد ذلك تفصيل هذه الأحكام.
فأصول المعاملات المدنية نزلت بمكة, ولكن تفصيل أحكامها نزل بالمدينة كآية المداينة وآيات تحريم الربا.
أولاً: القرآن الكريم
وأسس العلاقات الأسرية نزلت بمكة, أما بيان حقوق كل من الزوجين وواجبات الحياة الزوجية فقد جاء في التشريع المدني.
وأصل حرمة الدماء نزل بمكة: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ)
ولكن تفصيل عقوباتها من الاعتداء على النفس والأطراف نزل بالمدينة.
ومثال التدرج في التشريع التدرج في تحريم الخمر:
فقد نزل قوله تعالى : (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ), من معالم الامتنان بنعمه سبحانه –وإذا كان المراد بالسكر ما يسكر من الخمر, وبالرزق ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب- وهذا ما عليه جمهور المفسرين- فإن وصف الرزق بأنه حسن دون وصف السكر يشعر بمدح الرزق والثناء عليه وحده دون السكر.
ثم نزل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)
فقارنت الآية بين منافع الخمر وفيما يصدر عن شربها من مضار ومفاسد.
ثم نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى).
فاقتضى هذا الامتناع عن شرب الخمر من الأوقات التي يستمر تأثيرها إلى وقت الصلاة.
ثم نزل التحريم القاطع للخمر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).
تتمة الحكمة الرابعة : مسايرة الحوادث و التدرج في الشريعة:
ويوضح هذه الحكمة ما روي عن عائشة رضي الله عنها, قالت: إنما نزل أو ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار, حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام, ولو نزل أول شيء "لا تشربوا الخمر" لقالوا: لا ندع الخمر أبداً, ولو نزل "لا تزنوا" لقالوا: "لا ندع الزنا أبداً".
الحكمة الخامسة : الدلالة القاطعة على أن القرآن الكريم تنزل من حكيم حميد:
إن هذا القرآن الذي نزل منجماً على رسول الله ﷺ في أكثر من عشرين عاماُ تنزل الآية أو الآيات على فترات من الزمن يقرؤه الإنسان ويتلو سوره فيجده محكم النسج, دقيق السبك, مترابط المعاني, رصين الأسلوب, متناسق الآيات والسور, كأنه عقد فريد نظمت حباته بما لم يعهد له مثيل في كلام البشر: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ), ولو كان هذا القرآن من كلام البشر لوقع فيه التفكك ولانفصام, واستعصى أن يكون بينه التوافق والانسجام (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا).
التشريع في مكة:
اتجه التشريع طوال العصر المكي – قرابة ثلاثة عشر قرناً- إلى إصلاح العقيدة وتعميق جدورها والحفاظ على تطهيرها. وجعل الإسلام الشهادتين "أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله" عنواناً لتحقيق العقيدة, ومفتاحاً يدخل به الإنسان في الإسلام وتجري عليه أحكامه.
ومنهج الإسلام في الدعوة إلى تلك العقائد يعتمد على الحجة العقلية وذلك بلفت أنظار الناس إلى التفكير في الكون, وتدبر ما فيه من دلائل القدرة وبديع الخلق.
مثال: قال تعالى:
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)
التشريع في مكة:
وإلى جانب هذا نزل القرآن الكريم في مكة بإبطال ما توارثته الجاهلية من عقائد فاسدة وتقاليد باطلة, وحثهم على مكارم الأخلاق, وتطهير النفس, وبين لهم الأصول الكلية في الحلال والحرام أمراً ونهياً.
فحرم وأد البنات وقتل النفس:
(وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ {8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ), (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ).
وورد المكي من القرآن بتحريم الزنى, والأمر بحفظ الفروج إلا على الأزواج أو ملك اليمين:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {70{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)
ونهى القرآن المكي عن الذبح لغير الله , والتقرب إلى الشركاء, وندد بما حرموه على أنفسهم وخصوا به آلهتهم, وأمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه.
 
التشريع في المدينة:
نزل التشريع في المدينة لمواجهة الطوائف المختلفة التي تعيش فيها.
العرب من المهاجرين والأنصار.
المنافقون.
اليهود.
وتناول التشريع في المدينة بقية العبادات, وهي الأركان العملية التي يبنى عليها الإسلام.
فشرع الله الزكاة والصوم والحج.
وتناول شؤون التعامل, فأحل الله البيع وحرم الربا, وبين ما يجب في المداينة من كتابة أو إشهاد, وما يكون من أداء أو إمهال, وأرشد إلى التجارة ونهى عن أكل الأموال بالباطل.
التشريع في المدينة:
وتناول نظام الأسرة في النكاح, العشرة في الحياة الزوجية, والطلاق والميراث والوصية.
وتناول مشروعية القتال وفرضية الجهاد, وما يتبع ذلك من عهود أو فيء أو غنيمة أو أسر.
وتناول العقوبات على الجرائم الكبرى, صيانة للحقوق الإنسانية العامة التي جاءت بها الملل جميعاً, وهي الكليات الخمس: حفظ الدين, والنفس, والمال, والنسل, والعقل. فيما فرض من قصاص أو حد.
وتناول شؤون القضاء والحكم بالعدل بين الناس, وتحكيم كتاب الله تعالى.
(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ).
تعداد السور المكية و المدنية
أولاً: القرآن الكريم
تعداد السور المكية و المدنية:
أقرب ما قيل في تعداد السور المكية والمدنية إلى الصحة: أن المدني بالاتفاق عشرون سورة:                              
  والمختلف فيها اثنتا عشرة سورة:
ما سوى ذلك مكي باتفاق, وهو اثنتان وثمانون سورة, فيكون مجموع القرآن مئة وأربع عشرة سورة.
ولا يقصد بوصف السورة بأنها مكية أو مدنية أنها بأجمعها كذلك, فقد يكون في المكية بعض آيات مدنية, وفي المدنية بعض آيات مكية, ولكنه وصف بحسب أكثر آياتها.
ولذلك يأتي في االتسمية: سورة كذا مكية إلا آية كذا فإنها مدنية, وسورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية, كما نجد ذلك في المصاحف.
ضابط معرفة المكي والمدني:
للعلماء في المكي والمدني ثلاثة آراء اصطلاحية, كل رأي منها مبني على اعتبار خاص
الاعتبار الأول:
اعتبار زمن النزول, فالمكي ما نزل قبل الهجرة, وإن كان بغير مكة, والمدني ما نزل بعد الهجرة,
 وإن كان بغير المدينة. فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة أو عرفة أو غيرهما مدني, ومثالة ما نزل عام الفتح أو بحجة الوداع, كقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
 
الاعتبار الثاني:
اعتبار مكان النزول, فالمكي ما نزل بمكة وما جاورها كمنى وعرفات والحديبية, والمدني: ما نزل بالمدينة وما جاورها كأحد وقباء وسلع.
 الاعتبار الثالث:
اعتبار المخاطب, فالمكي: ما كان خطاباً لأهل مكة, والمدني: ما كان خطاباً لأهل المدينة.
ويبنى على هذا الرأي عند أصحابة أن ما في من القرآن من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) مكي, وما فيه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) مدني.
مميزات المكي :
الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده, وإثبات الرسالة وبالبعث والجزاء بآيات الله الكونية, والرد على المشركين ومجادلتهمم, وذكر القيامة وأهوالها,
وضع الأسس العامة للتشريع والفضائل التي عليها يقوم المجتمع, وفضح جريمة المشركين في سفك الدماء, وأكل أموال اليتامى ظلماً, و وأد البنات, وما كانوا عليه من سوء العادات.
ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجراً للكفار حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم, وتسلية لرسول الله ﷺ حتى يصبر على أذاهم, ويطمئن إلى الانتصار عليهم.
قِصَرُ الفواصل مع قوة الألفاظ, وإيجاز العبارات.
صيغة الخطاب في المكي تكون عامة كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ), وقوله: (يَا بَنِي آدَمَ). أما المدني فصيغة الخطاب فيه غالباً للمؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ).
ولم يرد في المدني توجيه الخطاب إلى الناس إلا في سبع آيات:
 اثنتان من البقرة ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ), (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)
وأربع في النساء أولها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ), (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ), (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ), (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ).
وواحدة في الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى).
6. يكثر القسم في الآيات المكية, فقد جاء القسم فيها ثلاثين مرة, ولم يأت إلا مرة واحدة في المدنية في قوله تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
مميزات المدني:
بيان العبادات والمعاملات والحدود والمواريث وفضيلة الجهاد, ونظام الأسرة وصلات المجتمع والدولة وقواعد الحكم, ومسائل التشريع.
مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ودعوتهم إلى الإسلام, وبيان تحريفهم لكتب الله وتجنيهم على الحق واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم.
الكشف عن سلوك المنافقين وتحليل نفسيتهم وإزاحة الستار عن خباياهم وبيان خطرهم على الدين.
طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها.
 










المحاضرة الثالثة
تتمة التشريع في عصر النبي ﷺ
عناصر المحاضرة
تابع:خصائص التشريع في القرآن والسنة
حفظ القرآن في الصحف والصدور وأشهر الحفاظ
الفقه في عصر الخلفاء الراشدين من سنة 11هـ إلى سنة 40 هـ

ثانياً: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي
السنة لغةً:
هي الطريقة والسيرة , سواء أكانت محمودة أم مذمومة, وقد ورد استعمالها في القرآن الكريم, وفي الحديث النبوي بهذا المعنى.
ففي القرآن يقول تعالى: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ).
ويقول: (سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً).
ومن الحديث يقول ﷺ "لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع, حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه, قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى, قال: فمن؟" متفق عليه.
السنة اصطلاحاً :
السنة عند  الفقهاء :
ما ثبت عن النبي ﷺ من غير وجوب, فهي أحد الأحكام الخمس"الواجب والفرض والسنة والمكروه والمباح" وقد يستعملونها في مقابل البدعة, فيقولون طلاق السنة كذا, وطلاق البدعة كذا.
السنة عند  الأصوليين :
ما صدر عن النبي ﷺ غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير.
السنة عند  المحدثين :
ما أُثر عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة أو سيرة, وهي مرادفة للحديث عن أكثرهم.
وجوب الأخذ بالسنة:
والسنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي, وتلي كتاب الله في المرتبة , فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن نبيه بقوله: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).
وأمر باتباعه وطاعته: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا), (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ).
وحذرنا من مخالفته: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وجوب الأخذ بالسنة:
ولم يجعل لنا الخيرة أمام حكمه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).
وجعل ذلك من أصول الإيمان: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).
وفرض على المؤمنين إطاعته لأنها من طاعة الله: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ).

أقسام الأحكام الواردة في السنة:
ما أبانه الله لخلقه نصاً, كمجمل فرائضه من الزكاة والصلاة والحج وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتحريم الزنى والخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير وبيان فرض الوضوء.
ما جاء حكمه في القرآن مجملاً, وبينه الرسول ﷺ بسنته القولية والعملية, كتفصيل مواقيت الصلاة وعدد ركعاتها وسائر أحكامها, وبيان مقادير الزكاة وأوقاتها والأموال التي تزكى, وبيان أحكام الصوم, ومناسك الحج, والذبائح والصيد ومايؤكل وما لا يؤكل, وتفاصيل الأنكحة, والبيوع, والجنايات, مما وقع مجملاً في القرآن الكريم. وهو الذي يدخل في الآية الكريمة: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
ما سنًهُ رسول الله ﷺ مما ليس فيه نص على حكمه في القرآن, حيث فرض الله في كتابه طاعة رسول, والانتهاء إلى حكمه: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فمن قبل هذه السنة امتثل أمر الله.
علاقة أحكام السنة بأحكام القرآن
السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه,فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها.
والثاني:أن تكون بياناً لما أريد بالقرآن و تفسيراً له.
والثالث:أن تكون موجبة لحكم يسكت القرآن عن إيجابه ,أو محرمة لما سكت عن تحريمه.
وكل هذه الأحكام يجب الأخذ بها و العمل بها
التحذير من ترك السنة اكتفاءً بالقرآن
وقد أشار الرسول ﷺ إلى هؤلاء المكابرين ذامّاً لهم ومحذراً منهم, بقوله: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر بما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه".
 وحذر الشاطبي منهم فقال: "إن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة, إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء, فاطرحوا أحكام السنة, فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله".
وقد نهى رسول الله  ﷺ في بادئ الأمر عن كتابة الحديث خشية أن يختلط بالقرآن, فقال: "لا تكتبوا عني, ومن كتب عني غير القرآن فليمحه, وحدثوا عني ولا حرج, ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري
ثم أذن بكتابة الحديث.
التحذير من ترك السنة اكتفاءً بالقرآن
قال ابن الصلاح: "ثم إنه زال الخلاف, وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك- أي تدوين السنة- وإباحته, ولولا تدوينه في الكتب لدرس( أي لضاع ) في الأعصر الأخيرة".
وروى البخاري عن أبي حجيفة, قال: "قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة, قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر".
وروى أحمد عن أبي الطفيل: سُئل علي رضي الله عنه, هل خصّكم رسول الله ﷺ بشيء؟ قال: ما خصنا إلا ما كان في قراب سيفي هذا. فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله.
حفظ القرآن في الصحف والصدور وأشهر الحفاظ
أما جمع القرآن – بمعنى حفظه واستظهاره- فقد كان رسول الله ﷺ أول الحفاظ له بهذا المعنى, وعن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: سمعت النبي ﷺ يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب.
وعن معاذ قال: "سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله ؟ فقال: أربعة كلهم من الأنصار: أبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد, قلت: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي".
الفقه في عصر الخلفاء الراشدين من سنة 11هـ إلى سنة 40 هـ
الفقه في عصر الخلفاء الراشدين
الفقه لغةً:
الفاء والقاف والهاء أصل واحد يدل على إدراك الشيء والعلم به, تقول: فقِهت الحديث أفقهه, وكل علم بشيء فهو فقه, ثم اختص بذلك علم الشريعة, فقيل لكل عالم بالحلال والحرام فقيه, وإن كان الفقه في الأصل بمعنى العلم بالشيء والفهم.
الفقه اصطلاحاً:
هو مجموع الأحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية
 وموضوع علم الفقه: هو فعل المكلف من حيث ما يثبت له من الأحكام الشرعية.
مبايعة الصحابة لأبي بكر بالخلافة:
لم يكد النبي ﷺ يتوفى أو يفارق أصحابه حتى ظهر بينهم خلاف أو شك يشكل خطراً عظيماً على وحدتهم , حيث اختلفوا فيمن يخلف النبي ﷺ في سياستهم وتدبير شؤونهم.
أما الأنصار فظنوا أن الأمر ينبغي أن يكون فيهم,فقد آووا النبي ﷺ والذين هاجروا, وخاضوا المعارك في سبيل الله, واجتمعوا بالفعل, وأزمعوا أن يبايعوا رجلاً منهم بالخلافة, ورشحوا سعد بن عبادة زعيم الخزرج.
ولكن الأمر انتهى إلى زعماء المهاجرين, فأسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح إلى الأنصار ودار بينهم شيء من الجدال, وخطب فيهم أبو بكر وقال لهم: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. وأقنعهم بالأمر حتى سمحت نفوسهم وكرهوا أن يأخذوا الخلافة أجراً على ما أبلوا في دين الله من البلاء, ثم أسرع عمر إلى بيعة أبي بكر, فتبعه الأنصار وبايع بعد ذلك سائر المسلمين في المدينة, واستقام الأمر لأبي بكر.
مبايعة الصحابة لأبي بكر بالخلافة:
واجه أبو بكر قوماً امتنعوا عن الزكاة, وقالوا: نقيم الصلاة ولا نؤتي الزكاة, فأبى إلا أن يؤدوا إليه ما كانوا يؤدونه لرسول الله ﷺ, إذ لا فرق بين الصلاة والزكاة, وقال كلمته المأثورة: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه ما استمسك السيف بيدي".
وواجه قوماً آخرين ظهر منهم كذابون ادعوا لأنفسهم النبوة, وتلوا على قومهم كلاماً زعموا أنه وحي من الله, ظهر الأسود العنسي في اليمن, ومسيلمة من بني حنيفة باليمامة, وطلحة من بني أسد, وظهرت سجاح في أحياء من بني تغلب.
وحارب أبو بكر هؤلاء وأولئك, لأنهم مرتدون, حتى فاءت الجزيرة العربية إلى ربها وعادت خالصة للإسلام, ثم شرع في فتح العراق والشام, ثم أدركته المنية.
 










المحاضرة الرابعة
تتمة الفقه في عصر الخلفاء الراشدين من سنة 11هـ إلى سنة 40 هـ
عناصر المحاضرة
خلافة عمر – رضي الله عنه – وسياسته .
خلافة عثمان – رضي الله عنه – .
الفتنة التي وقعت في آخر عصر عثمان .
الفقه والفتوى في هذا العصر .
جمع القرآن ونسخه .
عمر بعد أبي بكر ومواصلة الفتوحات:
جاء عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر, وواصلت جيوش المسلمين زحفها, ففتحت بلاد فارس والشام ومصر من بلاد الروم. وكثرت الغنائم وواجه عمر مشكلات جديدة في إرسال الجيوش وإمدادها وتنظيم الجند، وإقامة حكم الله في البلاد المفتوحة , وكلما أمعن المسلمون في الغزو وأبعدوا في الأرض كلما كثرت المشكلات.
وقد وفق الله عمر إلى حل هذه المشكلات وتدبير أمور الدولة في حكم الأقطار البعيدة عنه والقريبة منه توفيقاً معدوم النظير.
والتزم عمر القرآن وسيرة النبي ﷺ وسيرة أبي بكر, ومشورة الصحابة, في حل ما عرض له من المشكلات التي نشأت عن الفتوحات واتساع الدولة وانتشار الجيوش وكثرة الغنائم والفيء.
عثمان بعد عمر:
وولي أمور المسلمين بعد عمر عثمان رضي الله عنه, فاستقامت له الأمور أعواماً, ومضت جيوش المسلمين في الفتح شرقاً وغرباً, ولكن كرم خلقه ولين طبعه ورقة عاطفته أغرى قوماً من قريش عامة, ومن بني أمية رهطة خاصة في الحصول على مظاهر الغنى والجاه من ورائه, حتى طمعوا فيه واستأثروا بكثير من الأقاليم والأمصار, وحضر الجنود من البصرة والكوفة ومصر يضجون بالشكوى إلى أن انتهت ثائرتهم بقتل الخليفة في وضح النهار.
وبمقتل عثمان تفتحت أبواب الفتنة على مصاريعها حيث أقبل الناس على علي رضي الله عنه فبايعوه, واتخذ الكوفة عاصمة الخلافة, وأبى معاوية في الشام أن يبايع علياً لاجتهادٍ رآه بسبب تأخير علي القصاص من قتلةِ عثمان حتى تهدأ الفتنة .
حرب الجمل ثم صفين وانقسام جيش علي وظهور الخوارج:
ذهب فريق من الصحابة مغاضبين إلى البصرة, على رأسهم أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام, ثم كانت موقعة الجمل, وتبعتها موقعة صفين, وقصة التحكيم فيها برفع المصاحف على الأسنة من قِبَل جيش معاوية دعوة لعلي وأصحابه إلى كتاب الله يحتكمون إليه , وكانت الهدنة بين الفريقين, إلا أن عاقبتها كانت فرقة واختلافاً.
فقد رضيت كثرة جيش علي بالهدنة, وفُرض على عليّ أن يتقبل اختيار أبي موسى الأشعري حكماً, واختار معاوية عمرو بن العاص, وأبت قلة من جيش عليّ هذه الهدنة وأعلنوا أن علياً وأصحابه الذين قبلوا الهدنة قد كفروا, لأنهم خالفوا عن أمر الله في قوله تعالى:" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ"
عظم أمر الخوارج واغتيال علي رضي الله عنه:
ثم عظم أمر الخوارج فائتمر نفر منهم بقتل ثلاثة زعموا أنهم ملأوا الأرض شراً, وهم: علي ومعاوية وعمرو بن العاص, ولم يبلغ أربه من هؤلاء الثلاثة إلا صاحب علي: عبد الرحمن بن ملجم, قتله في المسجد غيلة.
ثم اجتمع أمر جمهور المسلمين بعد ذلك على معاوية بن أبي سفيان, وبهذا انتهى عصر الخلفاء الراشدين وقد قسم المسلمون ثلاث فرق:
الأولى:  جمهور المسلمين, وهم الذين رضوا بإمرة معاوية.
الثانية: الشيعة وهم الذين والوا علياً وظلوا على حبه.
الثالثة:  الخوارج, وهم الذين نقموا على عليّ ومعاوية معاً.
وكان لهذه الفرق الثلاث دور في الفقه الإسلامي
طريقة أبي بكر وعمر في الفتوى والقضايا:
يجسد ذلك كتاب عمر إلى شريح القاضي : وقد جاء فيه :
"إذا وجدت شيئاً في كتاب الله فاقض به, ولا تلتفت إلى غيره, وإن أتاك شيء ليس في كتاب الله, فاقض بما سن فيه رسول الله ﷺ, فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يسن فيه رسول الله ﷺ فاقضِ بما أجمع عليه الناس, وإن أتاك بما ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله ﷺ ولم يتكلم فيه أحد, فإن شئت أن تجتهد رأيك فتقدم وإن شئت أن تتأخر فتأخر, وما أرى التأخر إلا خيراً لك".
وكانت طريقة أبي بكر وعمر على هذا المنوال
طريقة أبي بكر وعمر في الفتوى والقضايا:
وعن ميمون بن مهران "كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى, فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به. وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة سول الله ﷺ , فإن وجد فيها ما يقض به قضى به, فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله ﷺ قضى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القوم فيقولون: قضى فيه كذا أو بكذا, فإن لم يجد سنة سنها النبي ﷺ جمع رؤساء الناس فاستشارهم, فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به.
 وكان عمر يفعل ذلك.
أولاً: جمعه في عهد أبي بكر بعد معركة اليمامة بإشارة من عمر
ففي غزوة أهل اليمامة التي ضمّت عدداً كبيراً من الصحابة القراء, استشهد منهم الجم الغفير, فهال ذلك عمر بن الخطاب ودخل على أبي بكر رضي الله عنه, وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشية الضياع, فنفر أبو بكر من هذه المقالة وكبر عليه أن يفعل ما لم يفعله رسول الله ﷺ, وظل عمر يراود أبا بكر حتى شرح الله صدره لهذا الأمر, ثم أرسل إلى زيد بن ثابت, لمكانته في القراءة والكتابة والحفظ والفهم والعقل, فكلفه بجمع القرآن من المحفوظ في الصدور والمكتوب في السطور.
وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر رضي الله عنه حتى توفي, ثم صارت بعده إلى عمر, وظلت عنده حتى مات, ثم كانت عند حفصة بنته صدراً من ولاية عثمان حتى طلبها عثمان من حفصة.
أولاً: جمعه في عهد أبي بكر بعد معركة اليمامة بإشارة من عمر
روى البخاري وغيره أن زيد بن ثابت قال: "أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة, فإذا عمر بن الخطاب عنده, فقال أبو بكر إن عمر أتاني, فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن, وإني أخشى أن يستمر القتل بالقراء في المواطن, فيذهب كثير من القرآن , وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن, فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ﷺ؟ قال عمر: هو والله خير, فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك, ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ, فتتبع القرآن فاجمعه, فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن, قلت كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله ﷺ؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر, فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال, ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري, لم أجدها مع غيره " لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ" حتى خاتمه براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله, ثم عند عمر طيلة حياته ثم عند حفصة بنت عمر.
ثانياً: جمع عثمان القرآن وكتابة المصاحف وإرسالها إلى الأمصار
ثبت أن القرآن نزل على سبعة أحرف, كما روي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: "أقرأني جبريل (القرآن) على حرف, فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" رواه البخاري.
وذلك تخفيفاً على الناس.
وفي عهد عثمان اتسعت الفتوحات الإسلامية, وتفرق القراء في الامصار وأخذ أهل كل مصر عمن وفدت إليهم قراءته, واختلفوا في القراءة حتى كاد يكفر بعضهم بعضاً.



ثانياً: جمع عثمان القرآن وكتابة المصاحف وإرسالها إلى الأمصار
فلما كانت غزوة "أرمينية" وغزوة "أذربيجان" من أهل العراق, كان فيمن غزاها "حذيفة بن اليمان" فرأى اختلافاً كثيراً في وجوه القراءة, ومما رآه من المخالفة حينئذ فزع إلى عثمان رضي الله عنه, وأخبره بما رأى, فأكبر الصحابة هذا الأمر مخافة أن ينجم منه التحريف والتبديل, وأجمعوا أمرهم أن ينسخوا الصحف الأولى التي كانت عند أبي بكر, ويجمعوا الناس عليها بالقراءات الثابتة.
الفقه في عصر الخلفاء الراشدين
نسخ المصحف - من المصحف الذي كُتب في عهد أبي بكر واستقر عند السيدة حفصة بعد وفاة عمر- وتوزيع نسخه على الأمصار وهي سبعة نسخ
كتبت المصاحف على القراءات المتواترة, ورد عثمان المصحف إلى حفصة, وبعث إلى كل أفق بمصحف من المصاحف, واحتبس بالمدينة واحداُ وهو مصحفة الذي  يسمى "الإمام" حيث جاء في بعض الروايات.
"يا أصحاب محمد, اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً"
وأمر أن يحرق ما عدا ذلك من صحيفة أو صحف.
وبهذا قطع عثمان دابر الفتنة وحسم مادة الاختلاف وحصن القرآن,وكانت المصاحف سبعة عدد الآفاق التي أرسل إليها: مكة والشام والبصرة والكوفة واليمن والبحرين والمدينة.





















المحاضرة الخامسة
تتمة التشريع في عصر الخلفاء الراشدين
عناصر المحاضرة
أسباب اختلاف الصحابة في الفقه والفتوى:
تفاوت الصحابة في فهم ما أجمل من القرآن
تفاوتهم في السماع من رسول الله ﷺ والتحري في الأخذ بالسنة, والاجتهاد في فهمها
تفاوتهم في الاجتهاد حيث لا نص
من أمثلة ذلك:
أ‌- تردد اللفظ بين معنيين, وذلك مثل كلمة "قُرء" الواردة في قوله تعالى بياناً لعدة المطلقات ذوات الحيض: " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ" فإنها مشتركة بين الحيض والطهر:
فقالت عائشة القروء: الأطهار, وقال بمثل قولها زيد بن ثابت وابن عمر وغيرهما,
وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
وقال عمر وابن مسعود ونفر من الصحابة: المراد بها الحيض, فلا يُحلّوا المطلقة حتى  تغتسل من الحيضة الثالثة, وبه قال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الثانية
وهذا هو الذي يعرف بالمشترك اللفظي وهو اللفظ الموضوع لكل واحد من معنيين فأكثر, كالعين: فإنه وضع للباصرة ووضع للجارية ووضع للذهب ووضع لذات الشيء.
ب- ما يوهم ظاهره التعارض بين حكمين لتردده بينهما, كعدة الحامل المتوفى عنها زوجها فإنها مترددة بين أن تشملها آية معتدة الوفاة التي تتربص أربعة أشهر وعشراً, وآية معتدة الطلاق التي جعلت عدة الحامل وضع الحمل.
.2تفاوتهم في السماع من رسول الله ﷺ والتحري في الأخذ بالسنة, والاجتهاد في فهمها
 ولذلك أمثلة كثيرة منها:
أ- أن يكون الصحابي قد سمع حكماً أو فتوى من الرسول ﷺ, ولم يسمع الآخر ذلك الحديث, فيجتهد برأيه وقد يوافق اجتهاده الحديث وقد يخالفه, فكان حكم الاستئذان عند أبي موسى وجهله عمر, وكان حكم الجدة عند المغيرة ومحمد بن مسلمة, وجهله أبو بكر وعمر, وكان حكم أخذ الجزية من المجوس عند عبد الرحمن بن عوف وجهله جمهور من الصحابة.
لما سئل أبو بكر رضي الله عنه عن ميراث الجدة قال: "مالك في كتاب الله من شيء, وما علمت لك في سنة رسول الله ﷺ من شيء, ولكن اسأل الناس, فسألهم فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما: فشهدا أن النبي ﷺأعطاها السدس, وقد بلغ هذه السنة عمران بن حصين رضي الله عنه أيضاً. كما رواه أبو داود والترمذي من حديث قبيصة بن ذؤيب مرسلاً وله طرق مرسلة منها حديث عمران بن حصين.
تفاوتهم في السماع من رسول الله ﷺ والتحري في الآخذ بالسنة, والاجتهاد في فهمها
وقضى عمر كذلك في دية الأصابع أنها مختلفة بحسب منافعها, وقد كان عند أبي موسى وابن عباس –وهما دونه بكثير في العلم- علم بأن النبي ﷺ قال: "هذه هذه سواء, يعني الإبهام والخنصر". رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه ولم يكن ذلك عيباً في حق عمر حيث لم يبلغه الحديث.
تفاوتهم في السماع من رسول الله ﷺ والتحري في الآخذ بالسنة, والاجتهاد في فهمها
ب‌- أن يبلغه الحكم أو الحديث ولكنه يقع في نفسه أن راوي الخبر قد وهم كفعل عمر في خبر فاطمة بنت قيس.
جـ - أن يرى الصحابة الرسول ﷺ فعل فعلاً فيحمله بعضهم على القربة, ويحمله بعضهم على أنه كان على وجه الاتفاق أو لسبب زال فلا يكون مطلوباً لأمته, كالرمل في الطواف: فذهب ابن عباس إلى أن الرسول فعله لسبب وهو قول المشركين عن المسلمين أوهنتهم حمى يثرب, فذهب بذهاب سببه وليس بسنة, وقال غيره: إنه سنة.
             
3- تفاوتهم في الاجتهاد حيث لا نص
ومن ذلك أن عبد الله بن عمر كان يأمر النساء إذا اغتسلن _ يعني من الجنابة _ أن ينقضن رؤوسهن _ أي ينقضن ضفائرهن _ فبلغ ذلك عائشة – رضي الله عنها- فقالت عجباً لابن عمر, كنتُ أغتسل أنا ورسول الله من إناءٍ واحد وما أزيد أن أُفرغ على رأسي ثلاث إفراغات .
فهذا مثالٌ لاجتهادٍ من صحابي ظهر النص بخلافهِ
 وبحديث عائشة أخذ الأئمة الأربعة فقالوا لا يجب على المرأة الجنب أن تنقض ضفائرها ، لكن عند الإمام أحمد تنقضه إذا اغتسلت من الحيض لحديث أم سلمة في ذلك ، حيث سألت النبي ﷺ عن الحائض أتنقض شعره فقال نعم
ومن ذلك مسائل في الميراث منها الغراوية وتتكون من زوج وأب وأم, أو من زوجة وأم وأب
لقد فرض الله للأم مع عدم الفرع الوارث والعدد من الأخوة الثلث, قال تعالى : " فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ"  ولم توضح الآية حكم ما إذا وجد مع الأبوين أحد الزوجين, ولم يأت عن رسول الله ﷺ شيء في ذلك.
اجتهد عمر في المسألة, ورأى أنه لو أعطى في الصورة الأولى الزوج النصف والأم الثلث لم يبق للأب غير السدس, وهذا يتنافى مع قوله تعالى: " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ", ولو أعطى في الصورة الثانية الزوجة الربع والأم الثلث والباقي للأب, فإنه لا يفضلها إلا بواحد من اثني عشر, وهذا لا يحقق معنى : " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ" فرأى أن يقسم التركة –بعد الزوج أو الزوجة- بين الأم والأم للذكر مثل حظ الأنثيين ووافقه على هذا عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وغيرهم, وهو ما أخذ به الأئمة الأربعة.
وخالفهم ابن عباس رضي الله عنهما, ورأى أن للأم ثلث التركة مطلقاً, سواء كانت مع الزوج أو الزوجة تمسكاً بظاهر الآية, وبالحديث المتفق عليه " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر".















المحاضرة السادسة
تتمة التشريع في عصر الخلفاء الراشدين
عناصر المحاضرة
التثبت في الرواية
فقهاء الصحابة
التثبت في الرواية
التثبت في الرواية
أ- تقليل الرواية:
روى الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ قال: ومن مراسيل ابن أبي مليكة: أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: "إنكم تحدثون عن رسول الله ﷺ أحاديث تختلفون فيها, والناس بعدكم أشد اختلافاُ, فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً, فمن سألكم فقولوا بينا وبينكم كتاب الله, فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه".
وروي عن قرظة بن كعب قال: "خرجنا نريد العراق, فمشى معنا عمر إلى حراء, ثم قال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا: نعم, نحن أصحاب رسول الله ﷺ مشيت معنا. فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل, فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم, جودوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله ﷺ, امضوا وأنا شريككم".  فلما قدم قرظة, قالوا: "حدثنا, فقال: نهانا عمر". روى ذلك الدرامي في سننه.
وعرف عن ابن مسعود أنه كان يقلل الرواية فروي عن أبي عمر الشيباني قال: كنت أجلس إلى ابن مسعود حولاً لا يقول قال رسول الله ﷺ فإذا قال: قال رسول الله ﷺ أخذته الرّعدة وقال: "هكذا" أو "نحو ذلك" أو "قريب من ذا".
ب - التثبت في الرواية:
وروى الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ, كما رواه أبو داود والترمذي قال: روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تُورّث, فقال لها: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً وما علمت أن رسول الله ﷺ ذكر لك شيئاً, ثم سأل الناس, فقام المغيرة فقال: سمعت رسول الله ﷺ يعطيها السدس, فقال: هل معك أحد؟ وشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك, فأنفذ أبو بكر رضي الله عنه.
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري, قال: "كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبو موسى فزعاً, فقالوا: ما أفزعك؟ قال: أمرني عمر أن آتيه, فأتيته فاستأذنت ثلاثاً, فلم يؤذن لي, فرجعت فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم يردوا علي, وقد قال رسول الله ﷺ : إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع, قال عمر: لتأتينّي عليها بالبينة, فقالوا لا يقوم إلا أصغر القوم, فقام أبو سعيد معه فشهد له, فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك ولكنه الحديث عن رسول الله ﷺ".
ج - الاجتهاد والرأي فيما لم يرد فيه نص أو إجماع:
وقد كان الاجتهاد في هذا الدور لدى الصحابة المسلك الذي يلجأون إليه عندما يعوزهم النص في كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ, بالمشاورة التي تصل بهم إلى الإجماع أو القياس الذي كان يسمى بالرأي.
أمثلة على أخذهم بالقياس:
وقد أخذ الصحابة في كثير من المسائل بالقياس الصحيح:
1- فجعلوا العبد على النصف من الحر في النكاح والطلاق والعدة, قياساً على ما نص الله عليه من قوله:" فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ".
فللعبد أن يتزوج اثنتين لا أربع ، وله طلقتان لا ثلاثة ، وعدة الأمة نصف عدة الحرة .
2- وقدموا الصديق في الخلافة, وقالوا: رضيه رسول الله ﷺ لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟ فقاسوا الإمامة الكبرى على إمامة الصلاة.
3- وقاسوا حد الشرب على حد القذف, وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الناس في حد الخمر, وقال: إن الناس قد شربوها واجترءوا عليها, فقال له علي رضي الله عنه: إن السكران إذا سكر هذى, وإذا هذى افترى, فاجعله حد الفرية, فجعله عمر حد الفرية ثمانين.

د - أمثلة على المسائل التي اجتهد فيها الصحابة عند فقد النص:
1-روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل في إملاص المرأة وهو لا يعلم قضاء رسول الله ﷺ فيه فسأل الناس هل أحدٌ سمع من رسول الله في الجنين شيئاً فقام حمل بن مالك بن النابغة, فقال: كنت بين جارتين لي –يعني ضرتين- فضربت إحداهما الأخرى بمسطح, فألقت جنيناً ميتاً, فقضى فيه رسول الله بغرة, فقال عمر: إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا". وعبر عن الضرتين بالجارتين  للمجاورة بينهما, والمِسطَح: عود من أعواد الخباء والفسطاط, وفسر الغرة في بعض الروايات بالعبد أو الأمة, وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتاً, فإن سقط حياً ثم مات فيه الدية كاملة, فأنت ترى في عبارة عمر: "إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا" أنه لو لم يجد قضاء قضى به رسول الله ﷺ لاجتهد برأيه.
و من الأمثلة على اجتهادهم فيما لا نص فيه
2- اجتهاد عبد الله بن مسعود في المفوَّضة. فقد روى أصحاب السنن "أنه أفتى عبد الله بن مسعود في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً, فمات قبل أن يدخل بها, حيث أتوا ابن مسعود فقال: التمسوا فلعلكم أن تجدوا في ذلك أثراً, فأتوا ابن مسعود فقالوا: قد التمسنا فلم نجد, فقال ابن مسعود: أقول فيها برأيي, فإن كان صواباً فمن الله, أرى لها مثل صداق نسائها, لا وكس ولا شطط, وعليها العدة, فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله ﷺ في امرأة منا يقال لها بَروَع بنت واشق بمثل ما قلت, ففرح عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بموافقة قضاء رسول الله ﷺ".
و معنى قوله لا وكس ولا شطط : أي لا نقصان ولا زيادة .
و من الأمثلة أيضاً :
3- ما رواه الطحاوي و البيهقي من أن امرأةً في صنعاء اجتمعت مع رجلين على قتل ابن زوجها  ، ثم كُشف أمرها فأُخذت فاعترفت واعترف من معها ، فكتب يعلى – وهو أمير صنعاء إلى عمر بشأنهم ، فكتب عمر بقتلهم جميعاً ، وقال : لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعين .
وفي رواية مالك في الموطأ : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا ً
 وفي رواية أن عمر تردد في المسألة فاستشار الناس فقال له علي : يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفراً اشتركوا في سرقة جذور ، فأخذ هذا عضواً وهذا عضواً أكنت قاطعه ؟ فأرسل عمر إلى عامله على صنعاء وأمره بقتلهم جميعاً .
ومن أمثلة ذلك
4- ما كان من موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طاعون الشام وذلك أنه لما وقع الطاعون في الشام أرسل أبو عبيدة إلى عمر فجاء إلى الشام فاستشار المهاجرين فاختلفوا عليه ، ثم استشار الأنصار فاختلفوا عليه ، ثم استشار مسلمة الفتح فلم يختلف عليه منهم أحد وأشاروا عليه بالرجوع فأخذ برأيهم وأمر المسلمين بالرجوع وعدم دخول الشام ، فقال له أبو عبيدة أفراراً من قدر الله ؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، إنما نفرّ من قدر الله إلى قدر الله أرأيت إن كان لك إبل هبطت وادياً له غدوتان ، إحداهما خصبة والأخرى جدبه ، أليس إذا رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ، وإذا رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله . ثم جاء عبد الرحمن بن عوف – وكان متغيّباً في بعض حاجته – فروى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( إذا سمعتم به – أي الطاعون – بأرض فلا تقدموا عليها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه ) فحمد عمر الله ثم انصرف. و هذا ما يسمى في هذه الأيام بالحجر الصحي .
فقهاء الصحابة
المكثرون من الفقه سبعة هم:
عمر بن الخطاب.
 وعلي بن أبي طالب.
 وعبد الله بن مسعود.
وعائشة أم المؤمنين.
وزيد بن ثابت.
وعبد الله بن عباس.
وعبد الله بن عمر.


فقهاء الصحابة
ومن المتوسطين:
أبو بكر الصديق.                8 . وعبد الله بن عمر بن العاص .
وأم سلمة.                       9 . وعبد الله بن الزبير.
وعثمان بن عفان.
وأبو سعيد الخدري.
وأبو موسى الأشعري.
وجابر بن عبد الله.
ومعاذ بن جبل.
فقهاء الصحابة
ومن المقلين:
أبو الدرداء.                             8 . و حفصة .
وأبو عبيدة بن الجراح.                    9 . وأم حبيبة وأخرون .
والنعمان بن البشير.
وأبي بن كعب.
 وأبو طلحة.
وأبو ذر.
وصفية.











المحاضرة السابعة
التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
من ولاية معاوية إلى أوائل القرن الثاني الهجري من سنة 39 هـ إلى سنة 172 هـ
عناصر المحاضرة
الحالة السياسية في هذا العهد
ظهور الفرق:
الخوارج
الحالة السياسية في هذا العهد
ظهور الفرق
انقسم المسلمون بعد الفتنة إلى ثلاث فرق, وهم:
الشيعة والخوارج والجماعة
التعريف بأهم الفرق وأفكارها وفقهها
1- الخوارج:
الخوارج من أشد الفرق الإسلامية دفاعاً عن مذهبها وحماساً لآرائها, وغلواً في عبادتها, وتضحية في سبيل عقيدتها, أخلصوا لباطلهم إخلاصاً معدوم النظير.
ويرى الخوارج أن علياً أخطأ في التحكيم, لأنه يتضمن شك كل فريق من المحاربين أيهما المحق؟ وليس الأمر كذلك, فإنهم حاربوا وهم مؤمنون أن الحق في جانبهم, وقالوا: لا حكم إلا لله فسرت هذه الجملة إلى من يعتنق هذا الرأي, وأصبحت شعاراً لهم.
وسموا كذلك "الشرَّاة" أي الذين باعوا أنفسهم لله , من قوله تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ". وقد حاربهم علي رضي الله عنه وهزمهم, وقتل منهم كثيراً في وقعة "النهروان" فأمعنوا في عدائه وكادوا له, حتى دبروا له مؤامرة قتله, وقتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي.
وظل الخوارج شوكة في جنب الدولة الأموية يهددونها ويحاربونها في جرأة وشجاعة, وكبدوها خسائر فادحة في معارك متواصلة.
آراء الخوارج :
1- رأيهم في الخلافة:
‌أ.  يقول الخوارج بصحة خلافة أبي بكر وعمر, لصحة انتخابهما, وبصحة خلافة عثمان في صدرها الأول, فلما حاد عن سيرة أبي بكر وعمر وجب عزله , وبصحة خلافة علي إلى أن قبل التحكيم.
ب. ويقولون بكفر عليّ لما قبل التحكيم, وبكفر معاوية, وأبي موسى الأشعري, وعمرو بن العاص, ويطعنون في أصحاب الجمل: طلحة والزبير وعائشة.
‌ج. ويرون أن الخلافة يجب أن تكون باختيارهم من المسلمين, ولا يشترط أن يكون الخليفة قرشياً, خلافاً لنظرية الشيعة القائلة بانحصار الخلافة في بيت النبي ﷺ ولكثير من أهل السنة القائلين بأن الخلافة في قريش, وإذا تم اختيار الخليفة صار رئيساً للمسلمين, ولا يصح أن يتنازل أو يحكم, ويجب أن يخضع خضوعاً تاماً لأمر الله, وإلا وجب عزله فإن لم يقبل وجب قتله.
آراء الخوارج :
2- رأيهم في الإيمان والعمل:
أ‌.  يرى الخوارج أن العمل بأوامر الدين كلها جزء من الإيمان, كالصلاة والصوم والزكاة والصدق والعدل, وليس الإيمان الاعتقاد وحده, أو الاعتقاد مع الإقرار باللسان.
ب. وإذا كان العمل بأوامر الدين جزء من الإيمان وهو كذلك عند أهل السنة والجماعة, فإنهم يرون أن من لم يعمل بأوامر الدين أو يرتكب الكبائر يكون كافراً.
فقالوا بتكفير أهل الذنوب, ولم يفرقوا بين ذنب وذنب, بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنباً, ولذلك كفروا علياً رضي الله عنه بالتحكيم.
آراء الخوارج :
أدلتهم على تكفير مرتكب الكبيرة:
قوله تعالى: " وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ".
وقوله تعالى: " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ".
الرد عليهم:
وهذه النصوص عند أهل السنة والجماعة لا يراد بها الكفر الذي يخرج من الملة, ولا ينفي حقيقة الإيمان, إنما يراد بها نفي كماله.
أشهر فرقهم :
ذكر بعض الباحثين أن فرق الخوارج بلغت نحو العشرين كل فرقة تخالف الأخرى في بعض تعاليمها.
أشهر فرقهم :
1- الأزارقة:
 أتباع نافع بن الأزرق من بني حنيفة, وكان من أكثرهم فقهاً, وقد كفر جميع المسلمين من عداهم, واستباح قتل النساء والأطفال وأهل الذمة, وحرم التقيّة, لأن الله يقول: " إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً", واستحل الغدر بمن خالفه, وأشهر من تولى إمارة الأزارقة بعد نافع: قطري بن الفجاءة المازني التميمي الذي قاتل المهلب بن أبي صفرة قتالاً مريراً حتى هزم بأرض فارس.
2- النجدات:
 أتباع نجدة بن عامر, من بني حنيفة كذلك, ويرى أن الدين أمران: معرفة الله ومعرفة رسوله, وتحريم دماء المسلمين وتحريم غصب أموالهم والإقرار بما جاء من عند الله جملة, وما عدا ذلك فالناس معذورون بجهله إلى أن تقوم عليهم الحجة.
  بايعه خوارج اليمامة سنة 66 هـ , وغزا بهم البحرين "الأحساء" وعمان واليمن والطائف, لكنه لم يبسط نفوذه إلا في البحرين. وقال بالتقية.
3- الإباضية:
أتباع عبد الله بن إباض التميمي,وكانوا أقل غلواً في الحكم على مخالفيهم, ونزعتهم أميل إلى المسالمة, فهم أبعد الخوارج عن الشطط, يرون أن مخالفيهم كفار نعمة, لا كفار في الاعتقاد, فتجوز شهادتهم ومناكحتهم والتوارث معهم, ولذا بقي لهم فقه جيد, ولهم أتباع في ساحل عمان وزنجبار.

4- الصفرية:
أتباع زياد بن الأصفر, وهم لا يختلفون كثيراً في تعاليمهم عن الأزارقة وإن كانوا أقل تطرفاً منهم, وأشد من غيرهم, فلا يكفرون بالذنوب كلها, إنما يكفرون بالذنوب التي فيها حد, ولا يحكمون بقتل أطفال مخالفيهم, ولا يرون كفرهم وتخليدهم في النار خلافاً للأزارقة, وقد انتشروا في الموصل وأهل الجزيرة.
1- الخوارج:
فقه الخوارج:
1- لقد كان من آثار اهتمام الخوارج بالناحية العملية وتشددهم في سلوك المسلم أنهم ترفعوا في مقاييسهم الفقهية بأمور العبادات, فاعتبروا المعاني الأخلاقية والروحية بإزاء العمل البدني, ففي طهارة البدن للصلاة مثلاً, يرون أن الطهارة إنما تكون بطهارة اللسان من الكذب والقول الباطل الذي يوقع الناس في الأذى, وعلى هذا جعلوا من مبطلات الوضوء: الوشاية والعداوة والبغضاء بين الناس والقول الفاحش, أي أنهم راعوا مع الطهارة البدنية الطهارة المعنوية.
2- ومن فرق الخوارج من غلا في أخذ الأحكام من مصادر الشريعة, واعتبر القرآن وحده المصدر الحقيقي ولم يعترف بغيره, وقد نجم عن هذا مخالفتهم لإجماع المسلمين في بعض المسائل محتجين بأن القرآن يبطلها.

إنكار رجم المحصنة:
قالوا: رويتم أن رسول الله ﷺ رجم, ورجم الأئمة بعده, والله تعالى يقول في الإماء: " فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ", والرجم إتلاف للنفس لا يتبعض, فكيف يكون على الإماء نصفه؟ والمحصنات ذوات الأزواج, وفي هذا دليل على أن المحصنة حدها الجلد, وهو الذي ورد في القرآن, لقوله تعالى: " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ".
التعريف بالفرق وأفكارها وفقهها
1- الخوارج:
فقه الخوارج:
ب- جواز جمع المرة على عمتها وخالتها, وجواز الزواج من غير الأم من الرضاع:
قالوا: رويتم أن رسول الله ﷺ قال: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" وأنه قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" والله عز وجل يقول: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ" إلى آخر الآية ... ولم يذكر الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها, ولم يحرم الرضاع إلا الأم المرضعة والأخت بالرضاع. ثم قال: " وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ" فدخلت المرأة على عمتها وخالتها وكل رضاع سوى الأم والأخت فيما أحله الله تعالى.
التعريف بالفرق وأفكارها وفقهها
1- الخوارج:
فقه الخوارج:
ج. وقالوا: إنكم ترون أن حد القذف يثبت على من يقذف المحصنين من الرجال, ونحن نقول: إن حد القذف لا يثبت إلا على من يقذف محصنة بالزنا, لأن الله تعالى يقول: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً", فذكر رمي المحصنات ولم يذكر رمي المحصنين.














المحاضرة الثامنة
تتمة التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
عناصر المحاضرة
تفرق الصحابة في الأمصار
جهود علماء الحديث
ظهور الوضع في الحديث
تفرق علماء الصحابة في البلاد المفتوحة
لتعليم الناس أحكام الدين
تفرق العلماء في الأمصار
كان عمر بن الخطاب يميل إلى استبقاء كبار فقهاء الصحابة بالمدينة, للاستعانة بهم في الفتيا عند عرض المشكلات, والحيلولة بينهم وبين الاشتغال بالحياة الدنيا ومظاهر الحكم, ولكنه مع ذلك أرسل بعض الصحابة معلمين في الأمصار بعد أن اتسعت الفتوحات
كتب عمر إلى أهل الكوفة: إني بعثت إليكم بعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً, وآثرتكم به على نفسي فخذوا عنه, فقدم الكوفة ونزلها وابتنى بها داراً إلى جانب المسجد.

انتشار الصحابة في الأمصار
وبعد عهد عمر كثر انتشار الصحابة في البلاد المفتوحة, وقد أنشأ هؤلاء الصحابة العلماء الذين تفرقوا في الأمصار حركة علمية في كل مصر نزلوا فيه, ولدى كل واحد منهم من العلم ما قد لا يكون لدى الآخر, وكونوا مدارس منهجية في تعليهم, وكان لهم تلاميذ ينقلون عنهم العلم, فتخرج عليهم التابعون وتأثرت البلاد التي نزلوا فيها بشخصياتهم ونهجوا في العلم مناهجهم.
ذكر من نزل من الصحابة في الأمصار
مكــــــــة:
ذهب ابن عباس إلى مكة وعلم بها, فكان يجلس في البيت الحرام ويعلّم التفسير والحديث والفقه والأدب. وأشهر من تخرج على يديه من التابعين مجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح وطاووس كيسان.
المدينـــــة:
وأشهر من تفرغ في المدينة للحياة العلمية وكثر أصحابه وتلاميذه فيها: زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر بن الخطاب.
وتخرج على يد علماء المدينة من الصحابة كثير من التابعين, وأشهرهم:
سعيد بن المسيب, وعروة بن الزبير بن العوام, ثم كان ابن شهاب الزهري القرشي الذي أخذ عن كبار التابعين فحفظ فقه علماء المدينة وحديثهم.
الكـــــــــوفة:
ونزل الكوفة من أصحاب رسول الله ﷺ الكثير وكان أشهرهم في العلم: علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود, وتلقى عن عبد الله بن مسعود: علقمة والأسود ومسروق وشريح الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير.
البصــــــــرة:
كذلك نزل في البصرة عدد كبير من الصحابة أشهرهم في العلم: أبو موسى الأشعري وأنس بن مالك.
ومن أشهر من خرّجته مدرسة البصرة: أبو الحسن البصري, ومحمد بن سيرين وكلاهما من أبناء الموالي.
الشـــــــــــام:
ونزل في الشام معاذ بن جبل وعبادة وأبوالدرداء, فقضى معاذ آخر حياته بالشام معلماً, وانتهت إقامته في فلسطين, وتولى عبادة بن الصامت إمرة حمص, واستقر أبوالدرداء في دمشق, وتخرج على يدهم جميعاً كثير من التابعين, كأبي إدريس الخولاني, ثم مكحول الدمشقي, وعمر بن عبد العزيز, ورجاء بن حيوة, ثم كان إمام أهل الشام عبد الرحمن الأوزاعي.
مصــــــــــر:
وفي مصر يعدّ عبد الله بن عمرو بن العاص أشهر الصحابة الذين نزلوا فيها  وعلموا بها, وكان من أكثر الناس حديثاً عن رسول الله ﷺ فقام بحركة علمية في مصر, وأخذ عنه كثير من أهلها, واشتهر من بعده يزيد بن حبيب أستاذاً لليث بن سعد.
اليمــــــــــن:
وعرف من فقهاء اليمن من التابعين: مطرف بن حازمة قاضي صنعاء وعبد الرزاق بن همام وهشام بن يوسف.
رواية الحديث
أما السنة فلم تدون كما دون القرآن لأسباب أشرنا إل بعضها من قبل, أهمها: الخوف من اختلاط بعض أقوال الرسول ﷺ بالقرآن, وما ورد من النهي عن كتابة شيء غيره, وهذا لا ينفي أن يكون قد كتب على عهد رسول الله ﷺ شيء من السنة, كما ذكرنا من قبل عن الصحف التي كتبها بعض الصحابة.
ولكن رسول الله ﷺ أوصى صحابته بتبليغ السنة إلى من وراءهم مع التثبت فيما يروون.
وقد كان الصحابة متفاوتين في التحديث عن رسول الله ﷺ قلة وكثرة, فمن المقلين: الزبير وزيد بن أرقم وعمران بن حصين, ولعل ذلك كان لحذرهم من الوقوع في الكذب من غير قصد, ولذلك روي أن أنس بن مالك كان يتبع الحديث عن النبي ﷺ بقوله: "أو كما قال".
ومن المكثرين: أبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وجابر وأنس بن مالك . فلأبي هريرة كما يذكر بعض الباحثين 5374 حديثاً, ولعائشة 2210 ولعبد الله بن عمر وأنس بن مالك ما يقرب من مسند عائشة, ولكل من جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس أزيد من 1500 ونرى بعض الصحابة لم يرد عنه إلا القليل النادر, ومما ساعد هؤلاء المكثرين في الحديث طول حياتهم بعد النبي ﷺ وطول صحبتهم وكثرة من أخذ عنهم.
بدء الوضع في الحديث
"أي الكذب على رسول الله ﷺ"
أهم أسباب وبواعث الوضع
1- الخلافات السياسية : فقد كانت بعض الفرق تضع الأحاديث على رسول الله لنصرة مذهبها وأرائها الباطلة . وقد روي عن  حماد بن سلمه عن شيخ من إحدى الفرق أنه كان يقول : كنا إذا استحسنا سيئاً جعلناه حديثاً .
ومن أمثلة ذلك الحديث الذي وضعه بعضهم (ما في الجنة شجرة إلا مكتوب على ورقة منها: لا إله إلا الله محمد رسول الله, أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين. الأمناء ثلاثة: أنا وجبريل ومعاوية).
ومن أمثلة ذلك ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي ) .
وقد وجد الوضع في كل الفرق ، لكن كان أقلها وضعاً وكذباً الخوارج لأنهم يعدون الكذب من الكبائر والكبيرة عندهم مكفّرة .
2- الزندقة :أظل الإسلام بلواء دعوته ودولته كثيراً من البلاد, ودخلت في حوزته عروش وإمارات وزعامات لها ماضٍ في الحكم وتراث في الفلسفة, وربما عز على بعض هذه النفوس أن تظل العقيدة الإسلامية صافية المنبع, سائغة الشراب لحقد دفين, أو كراهية للإسلام وأهله, فهمت إلى الانتقام من  هذا الدين ورجاله بالعمل على إفساد عقائده, وتشويه محاسنه وتفريق صفوف أتباعه وجنوده, فكان الدس في السنة من أوسع ميادين الإفساد لدينهم
3- عصبية الجنس أو الإمام أو البلد :
ووضع المتعصبون لأبي حنيفة: سيكون رجل من أمتي يقال له أبو حنيفة النعمان هو سراج أمتي. والمتحاملون على الشافعي: سيكون من أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس.
وضع الشعوبيون حديث: إن الله إذا غضب أنزل الوحي بالعربية, وإذا رضي أنزل الوحي بالفارسية, فقابلهم جهلة العرب بالمثل فقالوا: إن الله إذا غضب  أنزل الوحي بالفارسية, وإذا رضي أنزل الوحي بالعربية.


4- التساهل في باب الفضائل والترغيب والترهيب
سلك بعض من تصدوا للوعظ إلى ابتكار قصص مكذوبة للتأثير على عواطف الناس وإحراز إعجابهم, ونبسوا ذلك إلى النبي ﷺ. ومن أمثلة ذلك: من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان.
ومن هذا القبيل كثير من أحاديث فضائل القرآن سورة سورة, وقد اعترف نوح بن أبي مريم بوضع مثل هذا, واعتذر لذلك بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق.
وسيأتي في المحاضرة التالية جهود العلماء في صيانة السنة ومقاومة الوضع






















المحاضرة التاسعة
تتمة التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
عناصر المحاضرة
جهود العلماء لصيانة السنة ومقاومة حركة الوضع .
علامات الوضع في متن الحديث.
ظهور مدرسة أهل الرأي ومدرسة أهل الحديث.
مدرسة أهل الرأي في العراق.
جهود العلماء لصيانة السنة ومقاومة حركة الوضع
1- التحري في إسناد الحديث
فقد أخذ علماء الصحابة والتابعين بعد أن وقعت الفتنة وظهرت الفرق يتحرون فلي نقل الأحاديث, ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها ورواتها واطمأنوا إلى ثقتهم وعدالتهم.
وقد نقل مسلم في مقدمة صحيحة عن ابن مسعود قوله: لم يكونوا يسألون عن الإسناد, فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم, فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم.
2- نقد الرواة
فقد تتبع العلماء الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم لمعرفة حالهم من صدق أو كذب, ولم تأخذهم في الله لومة لائم, ووضعوا لذلك قواعد ساروا عليها لبيان من يؤخذ منه ومن لا يؤخذ, وعدل هؤلاء النقاد الصحابة ولم ينسبوا لأحد منهم كذباً.
3- وضع أمارات للدلالة على أن الحديث موضوع
كمخالفته لصريح القرآن أو فساد معناه, وهذا ما يعرف في مصطلح الحديث بـ (الجرح والتعديل).
4 - الجرح والتعديل
نشأ من ثمار هذه الجهود المباركة علم (الجرح والتعديل) وهو علم يبحث فيه عن أحوال الرواة وأمانتهم وثقتهم وعدالتهم وضبطهم أو عكس ذلك من كذب أو غفلة أو نسيان, وهو من أجل العلوم الإسلامية التي امتازت بها أمتنا.
1 - من أهم علامات الوضع في المتن
 أ. ركاكة اللفظ وضعف الأسلوب. قال ابن دقيق العيد: كثيراً ما يحكمون بذلك, أي الوضع باعتبار أمور ترجع إلى المروى.
ب‌- فساد المعنى: بأن يكون الحديث مخالفاً لبدهيات المعقول, من غير أن يمكن تأويله, أو مخالفاً للقواعد العامة في الأخلاق, أو مشتملاً على سخافات يصان عنها العقل, أو مخالفاً لصريح القرآن, أو لحقائق التاريخ المعروفة من عصر النبي ﷺ.
جـ - موافقة الحديث لمذاهب الراوي, كرواية الرافض حديثاً في التغالي في فضل أهل البيت و رواية الحنفي حديثاً في الطعن بالشافعي .
د- اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير, والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير.
وقد أشبع الدكتور مصطفى السباعي هذا البحث, فليرجع إليه من شاء في كتابه:(السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)
نشأة مدرسة أهل الرأي ومدرسة أهل الحديث
أدى انتشار الصحابة – رضوان الله عليهم – في الأمصار مع اختلاف مناهجهم الفقهية إلى تأثر تلامذتهم بهم مما أدى إلى ظهور مدرستين فقهيتين هما :
    أ – مدرسة أهل الرأي ، أو مدرسة الكوفة بالعراق
    ب – مدرسة أهل الحديث ، أو مدرسة المدينة في الحجاز .

نشوء مدرسة الرأي في العراق
عوامل نشوء مدرسة أهل الرأي:
نشأت هذه المدرسة بسبب تأثر علماء العراق بالمنهج الفقهي لصحابيين جليلين هما :
   أ – عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي كان من أكثر الصحابة فقهاً للنصوص ، واجتهاداً واقداماً على و الرأي في المسائل الجديدة التي عرضت للصحابة بعد و فاة النبي ﷺ
فعن الشعبي : كانت القضية ترفع إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فربما تأمل في ذلك شهراً ، ويستشير أصحابه ، و اليوم يفصل في المجلس في مائة قضية .
ب – عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – الذي تأثر بطريقة عمر و
منهجه وآرائه:
  قال ابن القيم في كتابه ( إعلام الموقعين ) : إن عبد الله بن مسعود كان لا يكاد يخالف عمر في شيء من مذهبه
  وقال الشعبي : كان عبد الله لايقنت – يعني في صلاة الفجر – و لو قنت عمر لقنت عبد الله .
  وقد علمنا أن عمر أرسل عبد الله إلى الكوفة ليعلم أهلها فتأثر علمائها بمنهجه ومنهج عمر ، روي عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يعدل بقول عمر وابن مسعود إذا اجتمعا ، فإذا اختلفا كان قول عبد الله أعجب أي : أرجح
أسباب انتشار مدرسة الرأي في العراق :
  1 – تأثرهم بمنهج الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي كان ينهج منهج عمر و كان أستاذ الكوفة.
  2 – كان الحديث في العراق قليلاً إذا قيس بما لدى أهل الحجاز موطن الرسول ﷺ و أصحابه .
  3 – كون العراق متاخماً للفرس أدى إلى اتصاله بالحضارة الفارسية، و هذا أدى إلى حدوث العديد من المسائل الجزئية الجديدة والمشكلات المتعددة التي تحتاج إلى إعمال الرأي والاجتهاد .
4 - كان العراق موطن ظهور الفرق الإسلامية كالشيعة والخوارج ، وعلى أرضه دارت الفتنة ، و شاع وضع الأحاديث تأييداً للمذاهب السياسية ، و هذا جعل علماء العراق يُقلّون من رواية الحديث ، ويتحفظون فيها ، تحرّزاً من الوقوع في الأحاديث الموضوعة ، فكانت الأحاديث التي يعتمد و يعوّل عليها في الأحكام قليلة، مما دفعهم إلى النظر في المسائل و القول فيها بالاجتهاد و الرأي حيث لا نص .
مميزات مدرسة أهل الرأي :
1 – كثرة تفريعهم للفروع لكثرة ما يعرض لهم من الحوادث ، وقد ساقهم ذلك إلى فرض المسائل قبل وقوعها ، فأكثروا من قولهم :  ( أرأيت لو كان كذا )  ، فيسألون المسالة ويبدون فيها حكماً ، ثم يفرّعونها بقولهم ( أرأيت لو كان كذا ؟ ) ، و يقلبونها على سائر وجوهها الممكنة ، حتى سماهم أهل الحديث (الأرأيتيون ).
 قال سعيد بن المسيب لربيعة الرأي ، وقد اعترض عليه في مسألةٍ : أعراقي أنت ؟ !
وقدم على الإمام مالك تلميذه أسد بن الفرات ، قال أسد : وكان أصحاب مالك يهابونه في السؤال ، فكنت اسأل عن المسألة ، فإذا أجاب يقولون : قل له : فإن كان كذا ، فأقول له ، فضاق عليَّ يوماً ، فقال : هذه سليسلة بنت سليسلة ، إذا أردت ذلك فعليك بالعراق – يعني فقهاء أهل الرأي في العراق - .
  2 – قلة روايتهم للحديث و اشتراطهم فيها شروطاً لا يسلم منها إلا القليل .





المحاضرة العاشرة
تتمة التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
عناصر المحاضرة
نشوء مدرسة الحديث .
أهم مسائل الخلاف بين مدرستي الرأي والحديث.
مشاهير المفتين في هذا العصر .
نشوء مدرسة الحديث في الحجاز
منزلة المدينة المنورة :
نشأت مدرسة أهل الحديث في المدينة المنورة وقد كان للمدينة مكانة خاصة في تاريخ التشريع الإســـــلامي  لأنها دار الهجرة ومهبط الوحي ، وفيهاعاش الخلفاء الراشدون وألتقى فيها الصحابة وهي منبع الحديث , وأهلها أشد الناس تمسّكاً بالرواية ، ووقوفاً عند الآثار.
ومدرسة المدينة تستقي منهجها من شيوخها الأوائل وفي مقدمتهم زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر الذي كان شديد التتبع للآثار شديد التمسك بها ، و تأثر بهذا المنهج تلاميذهم من التابعين
  ومن أشهر هؤلاء العلماء :
       أ – سعيد بن المسيب الذي عكف على جمع الأحاديث و الآثار و فتاوى الصحابة وحفظها و الإفتاء بها ، غكان أفقه أهل المدينة
      ب – عامر الشعبي الذي كان يقول : ما جاءكم به هؤلاء من أصحاب رسول الله ﷺ فخذوه ، وما كان من رأيهم فاطرحوه في الحش – أي : مكان قضاء الحاجة –
وكان مذهب أهل المدينة أنهم إذا سئلوا عن شيء ، فإن عرفوا فيه آيةً أو حديثاً أفتوا ، وإلاّ توقفوا .
أسباب وقوف أهل الحجاز ( أصحاب مدرسة الحديث ) عند النصوص:
1 – تأثر مدرستهم بمنهج علمائهم الذي ذكرناه قبل قليل ، حيث كانوا يفتون بالأحاديث والآثار و يتجنبون الأخذ بالرأي والقياس إلا إذا كانت هناك ضرورة ملجئة .
2 – ما لديهم من ثروة كبيرة من الأحاديث الآثار.
3 – يسر الحياة لى أهل الحجاز وقلة مشكلاتهم ، حيث كانوا على الفطرة الأولى ،بمنأى عما تحدثه المدنية الفارسية و اليونانية من تفريع للمسائل .
4 – بعدهم عن مواطن الفتنة ، وبواعث النزاع كما كان عليه الأمر في العراق .
  مميزات مدرسة الحديث :
    1- كراهيتهم لكثرة السؤال ، وفرض المسائل ، وتشعب القضايا .
    2 – الاعتداد بالحديث ، والوقوف عند الآثار .
نموذج من المناقشات التي جرت بين أهل الرأي وأهل الحديث :
جرت مناقشات بين الفريقين وكان يعيب بعضهم على بعض ، ومن ذلك ما جرى من نقاش بين شيخ الإمام مالك ربيعة بن عبد الرحمن ( ربيعة الرأي ) و سعيد بن المسيب ، حيث سأل ربيعة سعيداً : كم في إصبع المرأة ؟ – أي : ديّتها – قال : عشرة من الإبل ،قلت : ففي إصبعين ؟ قال : عشرون ، قلت ففي ثلاثة ؟ قال : ثلاثون ، قلت : ففي أربعة ؟ قال : عشرون ، قلت :حين عظم جرحها و اشتدت مصيبتها نقص عقلها ؟ قال : أعراقي أنت ؟ قلت : بل عالم متثبت أو جاهل متعلم ، فقال سعيد هي السنة. أي هذا الحكم الثابت في السنة ، مشيراً بذلك إلى الحديث الذي رواه النَّسائي عن النبي ﷺ ( عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها ) .
أشهر فقهاء مدرسة الحديث :
اشتهر من فقهاء المدينة سبعة يعرفون بالفقهاء السبعة وهم :
1 – سعيد بن المسيب            7 – عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
2 – عروة بن الزبير                  بن مسعود .
3 –القاسم بن محمد بن أبي بكر .
4 – خارجة بن زيد .
5 – أبو بكر بن الحارث بن هشام .
6 – سليمان بن يسار .
أهم مسائل الخلاف بين أهل الرأي وأهل الحديث
القراءة خلف الإمام في صلاة الجماعة :
ذهب أكثر فقهاء مدرسة الحديث أنه يجب على المأموم أن يقرأ خلف الإمام فيما أسرّ به من الصلوات السرية كالظهر والعصر والركعة الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء ، ولا يقرأ في الصلوات الجهرية كالفجر و الركعتين الأوليين من المغرب و العشاء
وهو مذهب المالكية والحنابلة كما استحب الحنابلة القراءة في سكتات الإمام .
وذهب بعض أهل الحديث أنه يقرأ الفاتحة مطلقاً في كل الصلوات و هو مذهب الشافعي
وذهب أهل الرأي إلى أنه لا يقرأ خلف الإمام شيئاً ، لا في سرية ولا في جهرية ، و هو مذهب الحنفية .
استدل أهل الحديث بأحاديث صحيحة مثل حديث ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، وحديث أن النبي سمع بعض أصحابه يقرؤون خلفه فقال ( لا تفعلوا إلا بأم الكتاب ) ، و روى هشام بن عروة عن أبيه أنه  كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة.
و استدل أهل الرأي بحديث ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ) لكنه حديث ضعيف ، كما استدلوا بأن المسبوق إذا كبرقائماً ثم أدرك الركوع مع الإمام صحت الركعة منه بالإجماع  وعللوا ذلك بأن القراءة غير واجبة عليه ، بينما علل أهل الحديث ذلك بأن الركعة صحت منه للضرورة .
2 – صفة الجلوس في الصلاة :
ذهب أهل الحديث إلى أن الجلوس يكون على الورك الأيسر مع نصب القدم اليمنى .
فقد روى يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس فنصب رجله اليمنى وجلس على وركه اليسرى ، ثم روى ذلك من فعل عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما - .
وذهب أهل الرأي إلى أنه يفترش قدمه اليسرى وينصب اليمنى  ، أي : يضع قدمه اليسرى بحيث يكون ظاهرها إلى الأسفل وباطنها إلى أعلى ويجلس عليها ، وهذه الهيئة رويت عن إبراهيم النخعي
وتوسط بعضهم فقالوا يكون الجلوس الأول على مذهب أهل الكوفة والثاني على مذهب أهل الحديث
القضاء بالشاهد مع اليمين في قضايا الأموال :
ذهب جمهور أهل الحجاز إلى جواز القضاء بالشاهد الواحد مع يمين المدّعي في أمور الأموال ، بدليل ما رواه الشافعي عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله ﷺ قضى باليمين مع الشاهد ، وبه أفتى سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار .
وذهب أهل الرأي إلى أنه لا يُقضى إلاّ بشهادة رجلين أو رجل و امرأتين تمسكاً بنص الآية وهي قوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ و امرأتان ممن ترضون من الشهداء ) .

مشاهير المفتين في هذا العصر
أشهر المفتين في هذا العصر من الصحابة وغيرهم :
1 – عبد الله بن عباس .
2 – فقهاء المدينة السبعة .
3 – نافع مولى ابن عمر .
4 – محمد بن عبيد الله بن شهاب الزهري .
5- محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( زين العابدين )
6 – مجاهد بن جبر
7 – عكرمة بن عبد الله ( مولى ابن عباس ) .
8 – عطاء بن أبي رباح .
9 – علقمة بن قيس النخعي .
10 – إبراهيم بن يزيد النخعي .
11 – الحسن البصري .
12 – محمد بن سيرين .
13 – عمر بن عبد العزيز بن مروان ( الخليفة ) .
14 – طاووس بن كيسان .  
مشاهير المفتين في هذا العصر
15 – أئمة المذاهب الأربعة :
  أ – أبو حنيفة ، النعمان بن ثابت الكوفي .
  ب – مالك بن أنس ( إمام دار الهجرة ) .
  ج – محمد بن إدريس الشافعي .
  د – أحمد بن حنبل الشيباني .
وسنتكلم عن كل واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة على حده في محاضرة مستقلة











المحاضرة الحادية عشرة
تتمة التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
عناصر المحاضرة
الإمام أبو حنيفة
أصول مذهب الإمام أبي حنيفة .
تلاميذ الإمام أبي حنيفة .
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
اسمه : النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي ، فارسي الأصل ، ولد والده ثابت على الإسلام و أدرك علي بن أبي طالب – رضي الله عنه –
طبقته : أبو حنيفة من أتباع التابعين ولد سنة 80 هـ وتوفي سنة 150 هـ ، أدرك زمن عدد من الصحابة منهم : أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد و أبو الطفيل عمرو بن واثلة ، وذكر الخطيب البغدادي أن أبا حنيفة لقي أنس بن مالك  ، و ادعى بعض أصحاب أبي حنيفة أنه لقي عدداً من الصحابة لذلك صنفوه في طبفة التابعين .
عمله : كان تاجراً من تجار الخز في الكوفة ، ثم حبب إليه مجالسة العلماء فأخذعنهم الفقه والعلوم الإسلامية حتى صار إمام أهل الرأي في الكوفة.
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
 شيوخه : أخذ عن عدد من مشاهير علماء عصره ومنهم عطاء بن أبي رباح ، وعكرمة مولى ابن عباس ، ونافع مولى ابن عمر ، والإمام زيد بن علي و جعفر الصادق من أئمة أهل البيت ، لكن أهم شيوخة حمّاد بن أبي سليمان الذي أخذ فقه مدرسة الرأي عن إبراهيم النخعي إمام مدرسة الرأي في الكوفة ، وقد لازم أبو حنيفة حماداً زمناً طويلاً و تأثر به ، وما كاد حماد يموت حتى رأى أصحابه أن أباحنيفة وحده الذي يستحق الجلوس مكان شيخه ، فصار أبو حنيفة إمام أهل الرأي في الكوفة .
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
صفاته و ثناء العلماء عليه : كان أبوحنيفة فقيهاً ، تقياً، ورعاً ، كثير العبادة ( ظل أربعين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء ) ، وكان ذكياً بارعاً في العلوم الشرعية العقلية والنقلية .
قال عنه الإمام الشافعي : الناس في الفقه عيالٌ على أبي حنيفة.
وقال عنه الإمام الذهبي : الإمامة في الفقه مسلّمةٌ إلى هذا الإمام
بلغ من خوفه من الله أنه قام ليلةً كاملةً بهذه الآية ( بل السّاعة موعدهم و السّاعة أدهى وأمرّ ) فما زال يرددها و يبكي ويتضرع حتى طلع الفجر
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
 أصول مذهب الإمام أبي حنيفة :
1 – القرآن الكريم : فهو الأصل الأول من أصول مذهبه ، يقول أبو حنيفة : آخذ بكتاب الله فإن لم أجد فبسنةرسول الله ﷺ فإن لم أجد أخذتُ بقول أصحابه ، آخذ بقول من شئتُ منهم ، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم .
وأبو حنيفة يأخذ في الأحكام بقراءة آحاد الصحابة إذا كانت الرواية عن الصحابي مشهورة لذلك اشترط التتابع في الصوم في كفارة اليمين عملاً بقراءة ابن مسعود ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
2 – السنة النبوية المطهرة :
السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع عند أبي حنيفة لكن يتحرى عن رجال الحديث ، ويتثبت من صحة روايتهم ، ويعمل بخبر الآحاد إذا كان مقبول السند ، ويميل للعمل بالأحاديث المشهورة ، لكنه وضع ضواط للعمل بالأحاديث منها :أ – أن لا يخالف الراوي (من الصحابة) العمل بما روى
                  ب – أن لايخالف الحديث الأصول و القواعد العامة في الشرع وهو ما يسميه قياس الأصول ولذلك أمثلة منها إثبات ولاية التزويج للمرأة البالغة العاقلة فلها أن تعقد لنفسها ولغيرها
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
ولم يعمل بحديث ( لا نكاح إلا بوليّ .. ) بل حمله على نفي الكمال  فقال باستحباب الولي لا بوجوبه ، وذلك لأن الحديث في رأيه مخالف للقواعد والأصول الشرعية التي أثبتت للمرأة أهلية التعاقد في كل العقود . ومن أمثلة ذلك ردّه لحديث ( لا تُصِرّوا الإبل و الغنم ، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها و صاعاً من تمر ) فلم يأخذ بالشطر الثاني من الحديث المتعلق بالضمان لمخالفته لقواعد الضمان وهو أن القيمي يضمن بالقيمة و المثلي يضمن بالمثل لقوله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عُقبتم ) ،ثم إن الحديث مخالف لقاعدة ( الخراج بالضمان ) و الشاة عندما حُلبت كانت في ضمان المشتري قلا يضمن ما حلب أوشرب من لبنها
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
ولم يعمل أبو حنيفة بالأحاديث التي لم تصل إليه , و كان إذا سئل في مسألة ولم يجد فيهاحديثاً أفتى فيها برأيه ، وهذا دفع بعض العلماء إلى القول إنه ليس من أهل الحديث وليس من أئمته ، ولم يُروى له أي حديث في الصحيحين .لكن روى له النسائي في سننه وروى له الترمذي في الشمائل ، ولأبي حنيفة مسندٌ في الحديث يُنسب إليه وله أحاديث رواها عنه تلميذه محمد بن الحسن في كتاب الآثار ، لكنه لم يبلغ في علم الحديث و روايته مبلغ غيره من الأئمة كمالك أو الشافعي أو أحمد .
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
3 – القياس : وقد توسع أبو حنيفة في الأخذ بالقياس حيث لم يجد نصاً في القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة .
والقياس أحد أهم المصادر الشرعية الاجتهادية التي يلجأ إليها الفقهاء عندما لا يجدون نصاً شرعياً يفتون به .
ومعنى القياس :إلحاق فرعٍ ( لم يرد فيه نص شرعي ) بأصل ( ورد فيه نص شرعي ) لاتفاقهما أو تساويهما في علة حكم الأصل . كقياس تحريم النبيذ على الخمر لاتفاقهما في علة الإسكار ، وكتحريم بيع الأرز بالأرز متفاضلاً قياساً على تحريم بيع الحنطة بالحنطة مع التفاضل لاتفاقهما في علة تحريم ربا الفضل وهي الكيل أو الوزن .
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
4 – الاستحسان : وهو من أصول الأدلة المشهورة في مذهب أبي حنيفة ، وقد توسع الأحناف في الأخذ به .
تعريفه : عدول المجتهد عن مقتضى قياس جلي إلى مقتضى قياس خفي ، أو العدول عن قاعدة كلية إلى مسألة جزئية لدليل شرعي رجح هذا العدول .
وليس الاستحسان مبنياً على الهوى والتشهي ، وهو الاستحسان الذي أنكره الإمام الشافعي عندما قال : من استحسن فقد شرّع .
أمثلة الاستحسان :
   1 – أن الواقف إذا وقف أرضاً زراعية دخل فيها حقوق الارتفاق كحق
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
المسيل وحق الشرب وحق المرور استحساناً ، والقياس الجلي على عقد البيع يقتضي عدم دخولها إلا أن يُنص عليها في العقد، والاستحسان إلحاقها بالإجارة لأنه لاينتفع بها بدون هذه الحقوق .
  2- سؤر سباع الطير كالنسر والصقر طاهر استحساناً لأنها تشرب بمناقيرها وهي طاهرة والقياس الحكم بنجاسة سؤرها قياساً على سباع البهائم كالأسد والنمر ونحوهما . والسؤر هو بقية الماء القليل المتبقي بعد الشرب .
  3 – جواز السلم بالنص عليه استحساناً و كذلك الاستصناع للإجماع عليه استحساناً ، مع أن القاعدة العامة في الشريع تقتضي بطلانهما لأنهما يدخلان في بيع المعدوم  لكنهما استثنيا لحاجة الناس إليهما
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
5 – الحيل الشرعية :
 تعريفها : الحيل جمع حيلة ، وهي في اللغة بمعنى الخدمة وجودة النظر .
وشرعاً : الوسائل المشروعة التي تكون مخلصاً من ضيق أومشقة.
فهي وسائل مشروعة لا يدركها إلا من أُتي ذكاءً وحذقاً وجودة نظر تؤدي إلى مقاصد مشروعة وهي تخليص بعض المسلمين مما قد يصيبهم من مشقة وضيق بسبب بعض الفتاوى الشرعية ، وليس المراد منها التوصل إلى استحلال محارم الله أو إسقاط الواجبات الشرعية أو إسقاط حقوق الله أو العباد ، وغالباً ما تستخدم الحيل في باب الطلاق و الأيمان والنذور و نحوها .
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
ومثال الحيل من رأى زوجته تصعد على السلم فلما بلغت منتصفه قال : إن صعدت فأنتِ طالق وإن نزلتِ فأنتِ طالق . قالوا الحيلة في ذلك أن تـبقى في مكانها حتى تنام ثم يأتي من يحملها فيصعد بها أو ينزل بها .
ومثاله أيضاً من قال لزوجته أن خرجتِ من الدار فأنت طالق بالثلاث .فالحيلة في ذلك أن يخالعها فينفسخ عقد الزواج بما تعلق به من طلاق ثم تخرج ثم يعقد عليها بمهر جديد وهذا كله عند من يرى أن الخلع فسخ لعقد النكاح و ليس طلاقاً وهو قول بعض الشافعية وقول عند الحنابلة
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
و الحيل باب واسع من أبواب الفقه عند الحنفية يسمونه المخارج ويذكرون له أدلة شرعية منها :
  أ – أن أيوب عليه السلام لما حلف أن يضرب زوجته مئة ضربة أذن الله له بالتحلل من يمينه بان يأخذ ضغثاً أي شمراخاً فيه مئة قضيب فيضربها به ضربة واحدة قال تعالى ( وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب ) سورة ص / 44 /
 ب -حديث أبي سعيد الخدري ، وفيه أن الرجل لما جاء بتمر خيبر قال له النبي ﷺ ( أكل تمر خيبر هكذا ؟ ) فقال لا  إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله ﷺ: ( لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم و ابتع بالدراهم جنيباً ) أخرجه الشيخان . والجمع التمر الرديء      والجنيب التمر الجيد
الإمام أبو حنيفة مذهبه وتلاميذه
تلاميذ أبي حنيفة :أشهر تلاميذه ثلاثة : أ – قاضي القضاة أبو يوسف ، يعقوب بن إبراهيم . ب – محمد بن الحسن الشيباني . ج – زفر بن الهذيل .
كتب أبي حنيفة وكتب المذهب : يُنسب لأبي حنيفة كتاب الفقه الأكبر وهو أول كتاب في علم التوحيد مؤلف على طريقة السلف ، كما ينسب إلية كتاب المسند في الحديث و كتاب الآثار الذي رواه عنه تلميذه محمد بن الحسن
أما كتب أصول المذهب فهي الكتب الستة التي ألفها محمد بن الحسن وتسمى كتب ظاهر الرواية : وهي الجامع الكبير و الجامع الصغير و السير الكبير و السير الصغير والزيادات ، و يضاف إليها كتاب الخراج لأبي يوسف .














المحاضرة الثانية عشرة
تتمة التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
عناصر المحاضرة
الإمام مالك بن أنس
أصول مذهب الإمام مالك.
تلاميذ الإمام مالك .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
اسمه :مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ( من قبائل اليمن ) ، جاء جده أبو عامر إلى المدينة بعد غزوة بدر وكان من أصحاب النبي ﷺ وشهد المغازي كلها عدا بدراً وارتبط ببني تميم بالمصاهرة .
طبقته : هو من طبقة أتباع التابعين ولد سنة 93 هـ - وتوفي سنة 179 هـ .
طلبه للعلم : نشأ الإمام مالك في بيت علم في دار الهجرة ، فحفظ القرآن في صدر حياته ، ثم اتجه إلى حفظ الحديث وهو صغير فلازم علماء الحديث والفقه وأخذ عنهم .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
يروي مالك قصة طلبه للحديث فيقول : كان لي أخ في سن ابن شهاب ، فألقى أبي علينا مسألةً فأصاب أخي وأخطأتُ ، فقال لي أبي : ألهتك الحمام عن طلب العلم ( يعني اللعب بالحمام ) ،  فغضبتُ وانقطعتُ إلى ابن هرمز سبع سنين ( يعني عبد الرحمن بن هرمز ) ، لم أخلطه بغيره . أي : لم آخذ عن غيره في هذه الفتره . و ابن هرمز من علماء الحديث في المدينة .
 شيوخه :أخذ الإمام مالك عن كبار علماء عصره من التابعين منهم :
  1 – عبدالرحمن بن هرمز       4 – محمد بن شهاب الزهري
  2 – نافع مولى ابن عمر        5 – يحيى بن سعيد الأنصاري
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
فلما اكتملت دراسة الإمام للحديث والفقه اتخذ مجلساً في المسجد النبوي للتدريس والإفتاء ، وكان مقصد طلاب العلم وموضع ثقتهم ، وقيل كان عمره وقتئذٍ سبع عشرة سنة .
صفاته وثناء العلماء عليه : كان عالماً فقيهاً محدثاً ، قوي الحافظة ( حفظ نيفاً وأربعين حديثاً سمعها من ابن شهاب الزهري مرة واحدة ، لم يكن يحفظها غيره في عصره )،وكان مالك يتصف بالوقار و السكينة والابتعاد عن لغو الكلام ، وكان لايضحك إلا تبسماً ويرى ذلك من آداب العالم. وكان ثقة موثوق الرواية وأسانيده من أصح الأسانيد .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
من أسانيده :
  1 – رواية مالك عن نافع عن ابن عمر ( ويسمى سلسلة الذهب )
  2 – رواية مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر .
  3 – رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة .
  قال عبد الرحمن بن مهدي : أئمة الحديث الذين يقتدى بهم أربعة : سفيان الثوري بالكوفة، و مالك بالحجاز ، والأوزاعي بالشام ، وحماد بن زيدبالبصرة ، وفضل مالكاً على سفيان و الأوزاعي لأنه جمع بين إمامتين ،الأولى في الحديث و الثانية في السنة ( فقه السنة ) ، وذكر بعض العلماء أن النبي ﷺ بشر بالإمام مالك في الحديث الذي رواه الترمذي ( يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلايجدون       عالماً أعلم من عالم المدينة )
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
أصول مذهب الإمام مالك :
1 – القرآن الكريم : فهو المصدر الأول من مصادر التشريع
2 – السنة النبوية المطهرة :و هي المصدر الثاني من مصادر التشريع ، والإمام مالك من أئمة الحديث وهو يشدد في قبول الرواية لكنه يقبل الحديث المرسل ما دام رجال سنده ثقات ، وفي موطئه كثير من المراسيل . ( والمرسل هو الحديث الذي رواه التابعي عن النبي ﷺ دون أن يذكر اسم الصحابي الذي روى عنه ) . والإمام مالك يقدم خبر الواحد على القياس في المشهور عنه .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
3 – عمل أهل المدينة ( أو إجماع أهل المدينة ) :
 يرى الإمام مالك أن المدينة المنورة دار الهجرة ، وأهلها أعرف الناس بالوحي والتنزيل ، والناس تبعٌ لهم ، فإذا أجمعوا على أمرٍ كان إجماعهم حجة قطعية يجب العمل بها و هي تقدم عل خبر الآحاد ، و تقدم على القياس . وهذا قول أنفرد به مالك عن سائر الأئمة .
 قول الصحابي : وهو من مصادر التشريع فيما لم يرد فيه حديث ، فقول الصحابي حجة عند مالك ما لم يعلم له مخالفاً من الصحابة  ، لكنه يقدم عليه عمل أهل المدينة ولذلك أمثلة :
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
من أمثلة تقديم عمل أهل المدينة على مذهب الصحابي : قوله ليس العمل على أن ينزل الإمام – يعني وهو يخطب خطبة الجمعة –إذا قرأ السجدة من على المنبر فيسجد – يعني سجدة التلاوة - . وخالف في ذلك فعل عمر – رضي الله عنه - .
3 – القياس :فهو حجة عند مالك فيما لم يرد فيه نصٌ أو إجماعٌ لأهل المدينة أو قولٌ لصحابي , ومثاله قوله بأن الحائض إذا طهرت و لم تجد الماء فإنها تتيمم قياساً على
   الجُنُب .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
6 – المصالح المرسلة :
وهي المصالح التي لم يشهد لها دليلٌ شرعيٌّ خاص بالاعتبار أو الإلغاء . ولذلك سميت مرسلة لأنها مرسلة عن الدليل ولكنها من جنس المصالح المعتبرة في الشرع ، ( والمصلحة تتحقق إما بجلب منفعة أو دفع مفسدة أو مضرة )، وهي في الشريعة على ثلاثة مستويات :أ – المصالح الضرورية  : وهي ما لا يمكن أن تقوم الحياة بدونها وهي خمس : حفظ الدين و النفس و النسل والعقل والمال .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
ب – المصالح الحاجية : وهي ما يؤدي فقدها إلى وقوع الناس في الضيق والحرج .
ج – المصالح التحسينية : وهي المتعلقة بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات .
وقد توسع الإمام مالك في الأخذ بالمصالح المرسلة حتى عدّها بعض الباحثين من خصوصيات مذهب الإمام مالك .
ومثال ذلك : أ – قوله بأن الزعفران المغشوش إذا وجد في يد صاحبه فإنه يتصدّق به قلَّ أو كثر . على وجه التأديب .
         ب – قوله بجواز بيعة الإمام المفضول مع وجود الأفضل إذا خيف اضطراب الناس و الفتنة
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
7 – سد الذرائع : والمقصود به منع الوسائل أو الأسباب المباحة إذا أدت إلى الحرام ، كمنع بيع العنب لمن يعصره خمراً ، ومنع بيع السلاح في زمن الفتنة بين المسلمين .
وقد توسع الإمام مالك في الأخذ بمبدأ سد الذرائع ، ومن أمثلة ذلك قوله بأن من رأى هلال شوال وحده ,ولم يثبت القاضي رؤيته فإنه لا يفطر حتى لا يتخذ الفسّاق ذلك ذريعةً للفطر ، ومن ذلك مناشدته لأبي جعفر المنصور أن لا يهدم الكعبة لإعادة بنائها على قواعد إبراهيم كما فعل عبد الله بن الزبير خشية أن يتخذ الملوك ذلك ملعبة بعده فتذهب هيبة الكعبة من قلوب الناس
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
تلاميذ الإمام مالك :
كثر تلاميذه حتى صاروا من بعده مقصداً لطلاب العلم ، ومن أشهر تلاميذه :
   1 – عبد الله بن وهب  .  
   2 – عبد الرحمن بن القاسم .
   3 – أشهب بن عبد العزيز العامري .
   4 – أسد بن الفرات بن سنان .
   5 – عبد الملك بن الماجشون .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
كتب الإمام مالك :
  1 – الموطأ : وهو من أوائل كتب الحديث التي دوّنت في هذه الأمة ، بدأ في تأليفه بناءً على طلب الخليفة أبوجعفر المنصور ، لكنه استغرق في تأليفه زمناً طويلاً فلم يتمه إلا في سنة 159 هـ بعد وفات المنصور .
و الموطأ جامع لمرويات الإمام مالك من الأحاديث ، وكذا إجماع أهل المدينة ، و فقه الإمام مالك .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
 وقد روى كتاب الموطأ عن مالك عدد كبير من العلماء المشهور والمتداول منها الآن روايتان الأولى لمحمد بن الحسن الشيباني والثانية رواية يحيى بن يحيى الليثي وهي الأكثر شهرةً .
2 – المدونة : وهي تنسب للإمام مالك وليس هو الذي ألفها ، بل هي تحوي فقهه الذي كتبه عنه تلاميذه ، وأصلها كتاب الأسدية التي جمعت فتاوى الإمام مالك و المسائل التي سئل عنها فأجاب عنها جمعها تلميذه أسد بن الفرات ، ( قاضي القيروان ) ، ثم اخذ الأسدية سحنون ( عبد السلام بن سعيد التنوخي ) ، فهذبها و عرضها على كبير تلاميذ مالك عبد الرحمن بن القاسم و صححها و سماها المدونة .وتعد المدونة أصل المذهب ومنه كانت كتب المذهب .
الإمام مالك مذهبه وتلاميذه
انتشار المذهب المالكي :
انتشر المذهب المالكي قديماً في كثيرِ من البلاد الإسلامية منها : الحجاز والبصرة ومصر وبلاد إفريقية والأندلس والمغرب الأقصى .
وهو ينتشر في هذه الأيام في بلاد المغرب العربي ، و بعض الدول الأفريقية كموريتانيا وصعيد مصر .










المحاضرة الثالثة عشرة
تتمة التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
عناصر المحاضرة
الإمام الشافعي .
أصول مذهب الإمام الشافعي .
تلاميذ الإمام الشافعي .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
اسمه : هو محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان القرشي ، يلتقي نسبه مع نسب النبي ﷺ في جده عبد مناف .
طبقته : الشافعي من طبقة تابعي التابعين فقد ولد في غزة  ســـنة ( 150 ) هـ في السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة , وتوفي في مصر سنة ( 204 ) هـ ، و دفن في مقبرة القرافة في القاهرة .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
 طلبه للعلم وشيوخه :
  1 – بدأ الشافعي بحفظ القرآن وهو صغير ، ثم اتجة لحفظ أحاديث النبي ﷺ بالاستماع والكتابة و التدوين والحفظ .
  2 – أقام عشر سنين في البادية في بني هذيل (وكانوا من أفصح العرب ) فتعلم منهم الفصاحة و فنون العربية كالشعر والآداب والأخبار ، حتى صار شاعراً من أفصح العرب .
  3 – أخذ الفقه عن مفتي مكة مسلم بن خالد الزنجي .
  4 – أخذ فقه الليث بن سعد ( فقيه مصر )عن صاحبه يحيى بن
   حسان.
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
 5 – أخذ الحديث عن عالمين كبيرين جليلين من كبار علماء الحجاز و هما :   أ – سفيان بن عيينة .
        ب – مالك بن أنس ، أخذ و قرأ عيه الموطأ بعد أن حفظه
  6 – أخذ علم الحنفية وأهل الرأي عن محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة ، وذلك في محنته المعروفة حين حمل إلى الرشيد ببغداد بتهمة التشيع ، ثم تمت تبرئته منها فاتصل بمحمد بن الحسن وأخذ منه , وقال : حملتُ عن محمد بن الحسن وقر بعير ليس عليه إلاّ سماعي منه . وبهذا خرج الشافعي بفقهٍ جديد جمع فيه بين منهج مدرستي الحديث والرأي فاجتمع فيه العلم الغزير وقوة الحجة و فصاحة اللسان فكان لا يُغلب في النقاش فسمّي ( ناصر السنة ) .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
 صفاته وثناء العلماء عليه : كان الشافعي علماً ، فقيهاً ،محدثاً ،فصيحاً ،عالماً بالمنقول و المعقول ،وكان يتمتع فوق ذلك بقوة الحافظة ،والبديهة الحاضرة ، وعمق التفكير ، والبصيرة النافذة ، وقوة الفراسة وطهارة النفس ، والإخلاص لله تعالى .
قال عنه الإمام أحمد : ( يروى عن النبي ﷺ أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة رجلا يقيم لها أمر دينها ، فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة ، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى ) .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
وقال داود الظاهري : ( للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره .... ) .
وقال محمد بن الحكم : ( لولا الشافعي ماعرفت أن أرد على أحد ، وبه عرفت ما عرفت ، وهو الذي علمني القياس رحمه الله ، فكان صاحب سنة وأثر و فضل ، مع لسان فصيح طويل ، وعقل صحيح رصين ) .
أصول مذهب الإمام الشافعي :
1 – القرآن الكريم والسنة: فهما الأصل الأول من أصول مذهبه ، وقد قرن القرآن والسنة لأنهما عنده بمنزلة واحدة،لأن النبي لا ينطق عن الهوى .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
2 – الإجماع : وهو حجة عند الشافعي بعد القرآن والسنة ، و المقصود به إجماع علماء العصر جميعاً. وقد خالف شيخه مالك بن أنس فلم يعد إجماع أهل المدينة حجة .
3 – قول الصحابي : حجة في مذهب الشافعي القديم عندما كان في الحجاز ، لكنه رجع عن ذلك فقال إن مذهب الصحابي ليس حجة، و هذا مذهبه الجديد عندما رحل إلى مصر . لكنه يحترم أقوال الصحابة وعند اختلافهم يرجح من أقوالهم ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة .
4 – القياس : وهو يأتي في المرتبة الثالثة بعد الكتاب و السنة  والإجماع .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
تلاميذ الشافعي : نهل من علم الشافعي عدد كبير من علماء عصره و طلاب العلم منهم :
     1 – الإمام أحمد بن حنبل .
     2 – إسحاق بن راهوية .
     3 – أبو علي الحسن بن الصباح الزعفراني .
     4 –أبو ثور الكلبي .
     5 – حرملة بن يحيى بن حرملة .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
 
    6 – أبو يعقوب بن يحيى البويطي .
    7 – أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني .
    8 – الربيع بن سليمان الجيزي .
    9 – محمد بن عبد الله بن عبد الحكم .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
كتب الإمام الشافعي :
1 – كتاب الأم : وهو كتاب جمع فقه الشافعي أملاه على طلابه فكتبوه عنه  , و الظاهر أن الذي رواه عنه تلميذه الربيع بن سليمان . وقد طبع الكتاب عدة طبعات منها الطبعة الأزهرية في ثمانية أجزاء .
2 – كتاب الرسالة : وهو أول كتاب دوّن في علم أصول الفقه . قال الإمام الفخر الرازي : ( اعلم أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة أرسطو إلى علم المنطق ، و كنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض ) .
الإمام الشافعي مذهبه وتلاميذه
وللشافعي كتب أخرى منها :
  1 – كتاب الحجة : وهو كتاب فقه ألفه عندما كان في العراق .
  2 – مسند في الحديث .
  3 – أحكام القرآن .
المحاضرة الرابعة عشرة
تتمة التشريع في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين
عناصر المحاضرة
الإمام أحمد بن حنبل .
أصول مذهب الإمام أحمد .
تلاميذ الإمام أحمد .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
اسمه و نسبه  : أحمد بن حنبل بن أسد الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي . وهو عربي الأصل و النسب فشيبان قبيلة من ربيعة ،عدنانية ، كانت منازلها في البصرة و باديتها
طبقته : الإمام أحمد من طبقة تابعي التابعين ، خرجت أمه من مرو وهي حامل به فولدته في بغداد سنة ( 164 ) هـ  ، و توفي سنة ( 241 ) هـ .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
طلبه للعلم و شيوخه :
  أخذ الإمام أحمد الحديث والتفسير والفقه وأصول الفقه عن كبار علماء عصره ورحل لطلب العلم إلى البصرة والكوفة والحجاز واليمن
  ومن أشهر مشايخه :
     1 – هشيم بن بشير ، أبي حازم الواسطي ، لازمه أحمد حوالي أربع سنين وكتب عنه نحواً من ألف حديث و شيئاً من التفسير و الفقه .
     2 – الإمام الشافعي : أخذ عنه الفقه و الأصول .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
     3 – الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، صاحب المصنف في الآثار ، سمع منه الإمام أحمد في مكة ثم رحل إليه فسمع منه الحديث في صنعاء .
     4 – سفيان بن عيينة .
     5 – يحيى بن سعيد القطان .
     6 – الوليد بن مسلم .
     7 – عبد الرحمن بن مهدي .
     8 – القاضي ، أبويوسف ، يعقوب بن إبراهيم ، صاحب الإمام أبي حنيفة : والظاهر أنه سمع و كتب عنه فقه أهل الرأي .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
وسمع من غيرهم من علماء بغداد ، ولم يكن يكتفي بالسماع بل يدون ما يسمع ، فلما استوثق من علمه بعد رحلاته جلس للتحديث و الفتيا .
 أصول مذهب الإمام أحمد :
1 – النصوص من الكتاب و السنة : كان أحمد إذا وجد نصاً من الكتاب أو السنة أفتى ولم يعدل عنه إلى غيره ولو خالفه قول أحد الصحابة ، لذلك أفتى بأن المطلقة المبتوتة ليس لها نفقة ولا سكنى عملاً بحديث فاطمة بنت قيس التي قال لها النبي ﷺ ( ليس لك عليه نفقة ولا سكنى ) ، ولم يلتفت لمخالفة عمر في هذه المسألة .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
2 – فتاوى الصحابة : يرى الإمام أحمد أن فتوى الصحابي إذا لم يوجد لها مخالف من الصحابة حجة يجب العمل بها ، فكان إذا  لم يجد نصاً شرعياً في مسألة ثم وجد لأحد الصحابة قولاً فيها ولم يعلم له مخالفاً من الصحابة أفتى بقول الصحابي ولم يعدل عنه إلى غيره
3 – الاختيار من فتاوى الصحابة إذا اختلفوا : من أصول الإمام أحمد أن الصحابة إذا اختلفوا تخير من أقوالهم ما كان أقرب إلى الكتاب و السنة ، فإذا لم يترجح لديه إحدها حكى الخلاف فيها ولم يجزم فيها بقول .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
4 – الأخذ بالحديث المرسل و الحديث الضعيف :
من أصول الإمام أحمد الأخذ بالحديث المرسل مطلقاً سواء أكان من مراسيل الصحابة أم التابعين ، فلو قال العدل الثقة من التابعين : قال رسول الله ﷺ ولم يذكر الصحابي الذي روى عنه قبلت روايته في الراجح عند الإمام أحمد .وهو مقدم عنده على القياس لكن قول الصحابي الذي لا يُعلم له مخالف مقدم على المرسل .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
كذلك من أصول الإمام أحمد العمل بالحديث الضعيف بشروط :
  أ – أن لا يكون الحديث باطلاً كأن يكون منكراً أو فيه راوٍ متهم بالكذب
  ب – أن لا يكون في الباب أو المسألة أثر أقوى منه يدفعه أو قول صحابي
  فإذا تحققت هذه الشروط فيه فإنه حجة يجب العمل به و يقدم على القياس عنده ، وهو كما قال مقدم على أقوال الرجال . ويرى بعض العلماء أن الحديث الضعيف بهذه الشروط يقابل الحديث الحسن عند المتأخرين .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
3 – القياس :
 وهو حجة عند الإمام أحمد إذا لم يوجد في المسألة نص ، ولا قول لأحد الصحابة  ، ولا حديث مرسل ، أو حديث ضعيف مما يعمل به بشروطه ، ففي هذه الحالة يعمل بالقياس ، وقد نقل الخلال عن أحمد قال : سألتُ الشافعي عن القياس فقال : إنما يصار إليه عند الضرورة .
 ومن أمثلة أخذ أحمد بالقياس قوله لا يجوز بيع الحديد بالحديد متفاضلاً ، ولا الرصاص بالرصاص متفاضلاً قياساً على الذهب و الفضة ، بجامع علة كونها من الموزونات .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
ملاحظة : هنال مصادر تشريعية تعدّ حجة في مذهب الإمام أحمد ، أو يحتج بها علماء المذهب ، ولم يذكرها المؤلف منها :
               1 – الإجماع
               2 – الاستحسان
               3 – المصالح المرسلة
               4 – سد الذرائع
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
تلاميذ الإمام أحمد:
أخذ العلم عن الإمام أحمد ونشر مذهبه عدد كبير من العلماء منهم :
          1 – صالح ، أكبر أولاد الإمام أحمد ( راوية الفقه               الحنبلي ) .
          2 – عبد الله بن الإمام أحمد ، وقد اعتنى برواية الحديث و خصوصاً المسند .
          3 – أحمد بن محمد بن هانيء ، أبو بكر الأثرم ، روى عنه الفقه والحديث
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
     
          4 – عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني .
          5 – أحمد بن محمد بن الحجاج ، أبوبكر المروزي ، ثم تلميذ المروزي ( أبو بكر الخلال ، محمد بن هارون ) .
  كتب الإمام أحمد :
  خلّف الإمام أحمد كتاباً واحداً يعد مرجعا وثروة عظــــــــــيمة للأمة الإسلامية , وهو كتاب ( المسند ) ، الذي دون فيه جميع ما سمعه من مرويات عن مشــايخة طيلة حياته ، و التي بلغت ما يزيد على ثلاثين ألف حديثاً ، وقد رتب كتاب المسند ورواه عنه ابنه عبد الله
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
  ويحوي المســــــــــــــــــــــــــند جميع أنواع الحديث ( الصحيح و الحسن و الضعيف )، وليس فيه شيء من الأحاديث الموضوعة المكذوبة.
  محنة الإمام أحمد :
 تعرّض الإمام أحمد مع غيره من العلماء لفتنة ومحنة شديدة  ، كانت أشد ما تكون على الإمام أحمد ، وكان ذلك في زمن ثلاثة من خلفاء بني العباس , هم : المأمون والمعتصم والواثق ، وكان ذلك عندما سيطر بعض المعتزلة على عقل المأمون و من جاء بعده من الخلفاء وأقنعوهم ببدعة القول بأن القرآن مخلوق .
الإمام أحمد مذهبه وتلاميذه
ورفض علماء الســــــــــنة هذا القول ( لأنه لم يرد عن النبي ﷺ  وأصحابه، ولأن القرآن كلام الله والكلام صفة المتكلم ، وصفات الله كلها قديمة وليست حادثةً أو مخلوقة )، فتعرضوا للتعذيب و القتل ، وكان منهم الإمام أحمد الذي ضرب بالســـــــــــــــــياط و سجن ثمانية و عشرين شهراً ، ثم أخرج من السجن ، و منع من التدريس مدة تزيد على خمس سنين ، و اســـتمرت محنته ، حتى توفي الواثق  ســــنة ( 232 هـ ) ، وجاء الخليفة المتوكل فهداه الله وردّه إلى منهج أهل السنة و الجماعة فرفع المحنة عن الإمام أحمد وغيره من علماء أهل السنة و رد إليهم اعتبارهم . ولله الحمد

4

وانت تقرأ هذا الموضوع استمع للرقية الشرعية تعمل 24 ساعة طوال اليوم لابطال السحر والعين والحسد والمس العاشق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

استمع للدروس العلمية في جميع اقسام الشريعة الاسلامية والمواعظ والقران الكريم

تصفح موقع اسلام ويب هذا الموقع مهم وشامل للكل مايبحث عنه طالب الشريعة والدراسات الإسلامية

موضيع المدونة

موقع روح الإسلام للتحميل الموسوعات الاسلامية

الإذاعة العامة للقران الكريم اذاعة متنوعة لمختلف القراء

تلاوات خاشعة من القران الكريم

استمع الى إذاعة الرقية الشرعية الاولى من القرآن الكريم ومن السنة النبوية

استمع الى راديو إذاعة آيات السكينة على موقع

استمع الى إذاعة الرقية الشرعية من القرآن الكريم تعمل 24 /24 ساعة

الرقية الشرعية لعلاج السحر والمس والعين للشيخ احمد العجمي

الرقية الشرعية للعلاج من السحر والمس والعين والحسد بصوت الشيخ ماهر المعيقلي

افضل مواضيع المدونة

افضل مواضيع هذا الشهر

افضل المواضيع هذا الاسبوع

جميع الحقوق محفوظه © شعبة الدراسات الاسلامية

تصميم htytemed