فإنا لا نعلم دعاء أو ذكرا ثابتا معينا لتقوية الحفظ، ولا شك أن هناك طرقا ووسائل لتقوية الذاكرة، نقتصر منها على ما يلي:
أولا: تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله [البقرة: 282]. فالمتقون يمنُّ الله تعالى عليهم بنور البصيرة لبعدهم عن المعاصي والذنوب التي تجعل قلب صاحبها مظلما قاسيا منكوسا.
ثانيا: الجد والاجتهاد عن طريق كثرة الحفظ والفهم، حيث تقوى الذاكرة بتعودها على ذلك، قال الإمام ابن القيم في كتابه الطب النبوي: وأي عضو كثرت رياضته قوي، وخصوصا على نوع تلك الرياضة، بل كل قوة فهذا شأنها، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة، ولكل عضو رياضة تخصه.انتهى.
ثالثا: كثرة أكل الزبيب، قال الإمام ابن القيم أيضا في الطب النبوي: قال الزهري: من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب.
رابعا: كثرة أكل الزنجبيل، فقد ذكر ابن القيم أيضا في كتابه المتقدم: أن من فوائده كونه يزيد في الحفظ.
خامسا: أكل ما يسمى باللبان الحاسكي أو الجاوي، فقد روى البيهقي في مناقب الشافعيمن طريق ابن عبد الحكم عنه قال: دمت على أكل اللبان وهو الكندر للفهم فأعقبني صب الدم سنة، يعني أصيب بمرض الباسور.
ومن الجدير بأن ينبه عليه، كون المسلم يستعين على تذكر ما نسيه بالإكثار من ذكر الله تعالى، قال تعالى: واذكر ربك إذا نسيت [سورة الكهف: 24].
وأما حديث ابن عباس أنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءهعلي بن أبي طالب فقال: بأبي أنت وأمي تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك، قال: أجل يا رسول الله فعلمني، قال: إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصل علي وأحسن وعلى سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تُجب بإذن الله، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط ، قال عبد الله بن عباس: فو الله ما لبث علي إلا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله، إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن، وإذا قرأتهن على نفسي تفلتن، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها، وإذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا رددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: مؤمن ورب الكعبة يا أبا الحسن.
فهذا الحديث الطويل المشتمل على دعاء لحفظ القرآن الكريم، رواه الترمذي والحاكم في المستدرك، وهو حديث موضوع لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم، ولا يشرع التعبد بما فيه، لا سيما مع تضمنه لصلاة غريبة ليس لها نظير في الصلوات المشروعة الثابتة.
قال الإمام الذهبي رحمه الله في تعليقه على المستدرك: هذا حديث منكر شاذ.
وقال في سير أعلام النبلاءج9ص217 في ترجمة الوليد بن مسلم: قلت: أنكر ما له حديث رواه عثمان بن سعيد الدارمي وساق الحديث بتمامه، ثم قال: قلت: هذا عندي موضوع والسلام.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق