وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
تعريف الإيمان
الإيمان هو : تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من ربه تعالى (1)
وهذا التصديق يجب أن يصل إلى درجة اليقين ، والإذعان ، والانقياد لله تعالى . فلا تكفي مجرد معرفة الله .
أ ـ فقد كان أهل الكتاب يعرفون سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ، ولم تنفعهم هذه المعرفة .
قال تعالى : { الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون (146) } [ البقرة ] .
ب ـ وأبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم مات كافرا رغم أنه عرف أن الإسلام حق ، قال أبو طالب :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدني سمحا بذاك مبينا
ج ـ بل إن إبليس اللعين يعرف ربه . فهل هذه المعرفة جعلته مؤمن ؟ قال تعالى : { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (36)} [ الحجر] وقال سبحانه : { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83) } [ ص ]
فلابد أن يصل التصديق إلى درجة الإذعان ، والانقياد ، والتسليم .
ومكان هذا التصديق هو قلب المؤمن قال تعالى :
• { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } [ المجادلة /22].
• { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل 106].
• { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } [الحجرات/7]
• { يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } [ المائدة /41].
ومن الأحاديث النبوية الدالة على أن الإيمان محله القلب :
• قال صلى الله عليه وسلم : " يا مقلب القلوب. ثبت قلبي على دينك " (2)
• وقال صلى الله عليه وسلم : " يدخل الله أهل الجنة الجنة . يدخل من يشاء برحمته ، ويدخل أهل النار النار . ثم يقول : انظروا من وجــــــــــــــــــــــدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخـــــرجوه" (3)
• وعن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فصبحنا الخرقات من جهينة ، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله . فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك . فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم : " أقال لا إله إلا الله وقتلته " ؟ قال قلت : يا رسول الله . إنما قالها خوفا من السلاح . قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا " (4).
والنطق بالشهادتين علامة تدل على التصديق القلبي ، وهو شرط لإجراء الأحكام النبوية. كالزواج والميراث ، والصلاة خلفه ، وعليه ، والدفن في مقابر المسلمين ، فلما كان الإيمان خفيا في القلب ، كان النطق بالشهادتين علامة تدل عليه . فمن صدق بقلبه ، ونطق بالشهادتين ، فهو مؤمن عند الله ، فيدخله جنته ، ومؤمن عندنا فنعامله معاملة المسلمين .
ومن صدق بقلبه ، ولم ينطق بالشهادتين ، فهو مؤمن عند الله فقط ، وليس مؤمنا عندنا ، فلا نعامله معاملة المسلمين .
3ـ وأما العمل بالشريعة من الأوامر والنواهي، فهو شرط كمال الإيمان ، لا يضيع الإيمان بضياعه ، ولا يفقد بفقده ، فالإيمان شئ ، والعمل بالشرع شئ آخر . ويتضح ذلك مما يأتي :
أ ـ الآيات الدالة على الأوامر والنواهي بعد إثبات الإيمان تدل على أن الإيمان شئ والأوامر والنواهي شئ آخر . قال تعالى :
* { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام } [ البقرة /183].
* { يأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم } [ البقرة /254]
* { يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا } [ آل عمران / 130]
* { يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء} [ المائدة / 51]
ب ـ النصوص الدالة على أن الإيمان والأعمال أمران مختلفان . قال تعالى :
*{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم (8)} [لقمان]
*{ من يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته } [ التغابن / 9 ]
فعطف الأعمال على الإيمان يفيد المغايرة .
وعن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان الله قال : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : ثم ماذا ؟ قال حج مبرور " (5)
ج ـ النصوص الدالة على أن الإيمان والمعاصي قد يجتمعان . قال تعالى :
* { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } [ الحجرات / 9 ]
* { يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض } [ التوبة / 38] .
* { يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى }[ البقرة /264]
* { يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } [ الحجرات/2]
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد قال : لا إله إلا الله . ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت : وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال : وإن زنى ، وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر " (6)
فكل هذه الأدلة تبين أن الإيمان شئ ، والعمل الصالح شئ آخر إنه غذاء الإيمان وثمرته ، كما أن النبات يصنع الغذاء ، ويتغذى على ما صنع.
4ـ وأما الأحاديث النبوية التي تصرح بعدم دخول الجنة من ارتكب بعض المعاصي مما قد يفهم منه أن العمل بالشرع ركن من أركان الإيمان ، يفقد الإيمان بفقده ، فهذه الأحاديث من باب الترهيب والمبالغة في التنفير والزجر عن هذه الذنوب ، وليس المراد نفي الإيمان أو عدم دخول الجنة حقيقة.
من هذه الأحاديث النبوية : ـ
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من لم يأمن جاره بوائقه " (7)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " (8)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " (9)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قاطع رحم"(10)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يزمي الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " (11)
أي لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان
فمثل هذه الأحاديث ينفي كمال الإيمان ، ولا ينفي أصله وصحته.
5ـ وأما الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإيمان ، وتذكر الأعمال مثل : الصلاة ، والذكاة ، والهجرة ، والجهاد ، وحفظ الأمانة .. الخ فهذه الآيات تتكلم عن الإيمان الكامل ، وعن المؤمن الكامل ، وتوضح أن هذه الأعمال علامات على وجود التصديق القلبي الذي هو الإيمان ، والذي ينجي من الخلود في النار ـ من هذه الآيات : ـ
• { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4) } [ الأنفال ]
• { والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } [الأنفال /74]
• { قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم على صلواتهم يحافظون (9) } [المؤمنون]
6ـ وقد ورد عن بعض السلف وعلماء الحديث أنهم قالوا : الإيمان : تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان"
وهذا لا يخالف ما سبق ذكره ، لأنهم لا يجعلون هذه الأمور الثلاثة في درجة واحدة . بدليل أنهم لم يكفروا العصاة تاركي العمل بالشرع.
وقد نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال : " الإيمان هو التصديق، والإقرار ، والعمل ، فالمخل بالأول وحده : منافق ، وبالثاني وحده : كافر ، وبالثالث وحده : فاسق ، ينجو من الخلود في النار ، ويدخل الجنة " (12)
7ـ وقد خالف أهل السنة في تعريفهم للإيمان : المعتزلة ، والخوارج :
أما المعتزلة فقالوا : الإيمان : تصديق ، وإقرار ، وعمل ، ولكنهم قالوا : إن تارك العمل في منزلة بين المنزلتين ، أي بين الإيمان والكفر.
وقولهم هذا مخالف لما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور المبتدعة، ولما جاء في القرآن والسنة من أن الإنسان إما مؤمن أو كافر ، ولا وسط بينهما
وأما الخوارج فقالوا أيضا : الإيمان : تصديق ، وإقرار ، وعمل . ولكنهم كفروا من لم يعمل بالشرع ، وسنرد عليهم عند الحديث عن مرتكب الكبيرة إن شاء الله .
وأركان الإيمان حددها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام عندما سأله عن الإيمان فقال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " (13).
===============
المراجع والهوامش :
1ـ هذا هو المعنى الشرعي للإيمان ، أما معناه في اللغة ، فهو التصديق مطلقا قال تعالى على لسان إخوة يوسف { وما أنت بمؤمن لنا } أي بمصدق ، وقال تعالى : { ذلكمم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا } [ غافر /12] أي يصدقوا .
2ـ رواه الترمذي في كتاب الدعوات 5/538
3ـ رواه مسلم في الإيمان عن أبي سعيد الخدري 1/172
4ـ رواه مسلم في الإيمان ومعنى ( فصبحنا الخرقات ) أي وصلنا منطقة الخرقات صباحا .
5ـ رواه مسلم في الإيمان 1/88
6ـ رواه البخاري في كتاب اللباس ـ الفتح 10/283
7ـ رواه مسلم في كتاب الإيمان 1/68
8ـ المرجع السابق 1/93
9ـ المرجع السابق 1/101
10ـ رواه مسلم في البر والصلة 4/1981
11ـ رواه مسلم في الإيمان 1/76
12ـ شعب الإيمان لأسعد الصانمرجي 1/477
13ـ رواه مسلم في الإيمان 1/37 .
4
الإيمان هو : تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من ربه تعالى (1)
وهذا التصديق يجب أن يصل إلى درجة اليقين ، والإذعان ، والانقياد لله تعالى . فلا تكفي مجرد معرفة الله .
أ ـ فقد كان أهل الكتاب يعرفون سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ، ولم تنفعهم هذه المعرفة .
قال تعالى : { الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون (146) } [ البقرة ] .
ب ـ وأبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم مات كافرا رغم أنه عرف أن الإسلام حق ، قال أبو طالب :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدني سمحا بذاك مبينا
ج ـ بل إن إبليس اللعين يعرف ربه . فهل هذه المعرفة جعلته مؤمن ؟ قال تعالى : { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (36)} [ الحجر] وقال سبحانه : { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83) } [ ص ]
فلابد أن يصل التصديق إلى درجة الإذعان ، والانقياد ، والتسليم .
ومكان هذا التصديق هو قلب المؤمن قال تعالى :
• { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } [ المجادلة /22].
• { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل 106].
• { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } [الحجرات/7]
• { يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } [ المائدة /41].
ومن الأحاديث النبوية الدالة على أن الإيمان محله القلب :
• قال صلى الله عليه وسلم : " يا مقلب القلوب. ثبت قلبي على دينك " (2)
• وقال صلى الله عليه وسلم : " يدخل الله أهل الجنة الجنة . يدخل من يشاء برحمته ، ويدخل أهل النار النار . ثم يقول : انظروا من وجــــــــــــــــــــــدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخـــــرجوه" (3)
• وعن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فصبحنا الخرقات من جهينة ، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله . فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك . فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم : " أقال لا إله إلا الله وقتلته " ؟ قال قلت : يا رسول الله . إنما قالها خوفا من السلاح . قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا " (4).
والنطق بالشهادتين علامة تدل على التصديق القلبي ، وهو شرط لإجراء الأحكام النبوية. كالزواج والميراث ، والصلاة خلفه ، وعليه ، والدفن في مقابر المسلمين ، فلما كان الإيمان خفيا في القلب ، كان النطق بالشهادتين علامة تدل عليه . فمن صدق بقلبه ، ونطق بالشهادتين ، فهو مؤمن عند الله ، فيدخله جنته ، ومؤمن عندنا فنعامله معاملة المسلمين .
ومن صدق بقلبه ، ولم ينطق بالشهادتين ، فهو مؤمن عند الله فقط ، وليس مؤمنا عندنا ، فلا نعامله معاملة المسلمين .
3ـ وأما العمل بالشريعة من الأوامر والنواهي، فهو شرط كمال الإيمان ، لا يضيع الإيمان بضياعه ، ولا يفقد بفقده ، فالإيمان شئ ، والعمل بالشرع شئ آخر . ويتضح ذلك مما يأتي :
أ ـ الآيات الدالة على الأوامر والنواهي بعد إثبات الإيمان تدل على أن الإيمان شئ والأوامر والنواهي شئ آخر . قال تعالى :
* { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام } [ البقرة /183].
* { يأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم } [ البقرة /254]
* { يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا } [ آل عمران / 130]
* { يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء} [ المائدة / 51]
ب ـ النصوص الدالة على أن الإيمان والأعمال أمران مختلفان . قال تعالى :
*{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم (8)} [لقمان]
*{ من يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته } [ التغابن / 9 ]
فعطف الأعمال على الإيمان يفيد المغايرة .
وعن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان الله قال : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : ثم ماذا ؟ قال حج مبرور " (5)
ج ـ النصوص الدالة على أن الإيمان والمعاصي قد يجتمعان . قال تعالى :
* { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } [ الحجرات / 9 ]
* { يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض } [ التوبة / 38] .
* { يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى }[ البقرة /264]
* { يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } [ الحجرات/2]
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد قال : لا إله إلا الله . ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت : وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال : وإن زنى ، وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر " (6)
فكل هذه الأدلة تبين أن الإيمان شئ ، والعمل الصالح شئ آخر إنه غذاء الإيمان وثمرته ، كما أن النبات يصنع الغذاء ، ويتغذى على ما صنع.
4ـ وأما الأحاديث النبوية التي تصرح بعدم دخول الجنة من ارتكب بعض المعاصي مما قد يفهم منه أن العمل بالشرع ركن من أركان الإيمان ، يفقد الإيمان بفقده ، فهذه الأحاديث من باب الترهيب والمبالغة في التنفير والزجر عن هذه الذنوب ، وليس المراد نفي الإيمان أو عدم دخول الجنة حقيقة.
من هذه الأحاديث النبوية : ـ
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من لم يأمن جاره بوائقه " (7)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " (8)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " (9)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قاطع رحم"(10)
• قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يزمي الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " (11)
أي لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان
فمثل هذه الأحاديث ينفي كمال الإيمان ، ولا ينفي أصله وصحته.
5ـ وأما الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإيمان ، وتذكر الأعمال مثل : الصلاة ، والذكاة ، والهجرة ، والجهاد ، وحفظ الأمانة .. الخ فهذه الآيات تتكلم عن الإيمان الكامل ، وعن المؤمن الكامل ، وتوضح أن هذه الأعمال علامات على وجود التصديق القلبي الذي هو الإيمان ، والذي ينجي من الخلود في النار ـ من هذه الآيات : ـ
• { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4) } [ الأنفال ]
• { والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } [الأنفال /74]
• { قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم على صلواتهم يحافظون (9) } [المؤمنون]
6ـ وقد ورد عن بعض السلف وعلماء الحديث أنهم قالوا : الإيمان : تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان"
وهذا لا يخالف ما سبق ذكره ، لأنهم لا يجعلون هذه الأمور الثلاثة في درجة واحدة . بدليل أنهم لم يكفروا العصاة تاركي العمل بالشرع.
وقد نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال : " الإيمان هو التصديق، والإقرار ، والعمل ، فالمخل بالأول وحده : منافق ، وبالثاني وحده : كافر ، وبالثالث وحده : فاسق ، ينجو من الخلود في النار ، ويدخل الجنة " (12)
7ـ وقد خالف أهل السنة في تعريفهم للإيمان : المعتزلة ، والخوارج :
أما المعتزلة فقالوا : الإيمان : تصديق ، وإقرار ، وعمل ، ولكنهم قالوا : إن تارك العمل في منزلة بين المنزلتين ، أي بين الإيمان والكفر.
وقولهم هذا مخالف لما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور المبتدعة، ولما جاء في القرآن والسنة من أن الإنسان إما مؤمن أو كافر ، ولا وسط بينهما
وأما الخوارج فقالوا أيضا : الإيمان : تصديق ، وإقرار ، وعمل . ولكنهم كفروا من لم يعمل بالشرع ، وسنرد عليهم عند الحديث عن مرتكب الكبيرة إن شاء الله .
وأركان الإيمان حددها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام عندما سأله عن الإيمان فقال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " (13).
===============
المراجع والهوامش :
1ـ هذا هو المعنى الشرعي للإيمان ، أما معناه في اللغة ، فهو التصديق مطلقا قال تعالى على لسان إخوة يوسف { وما أنت بمؤمن لنا } أي بمصدق ، وقال تعالى : { ذلكمم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا } [ غافر /12] أي يصدقوا .
2ـ رواه الترمذي في كتاب الدعوات 5/538
3ـ رواه مسلم في الإيمان عن أبي سعيد الخدري 1/172
4ـ رواه مسلم في الإيمان ومعنى ( فصبحنا الخرقات ) أي وصلنا منطقة الخرقات صباحا .
5ـ رواه مسلم في الإيمان 1/88
6ـ رواه البخاري في كتاب اللباس ـ الفتح 10/283
7ـ رواه مسلم في كتاب الإيمان 1/68
8ـ المرجع السابق 1/93
9ـ المرجع السابق 1/101
10ـ رواه مسلم في البر والصلة 4/1981
11ـ رواه مسلم في الإيمان 1/76
12ـ شعب الإيمان لأسعد الصانمرجي 1/477
13ـ رواه مسلم في الإيمان 1/37 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق