وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
ملخص علم القراءات
مدخل إلى
علم القراءات
إعداد خادم القرآن الكريم
محمد بن محمود حوا
فكرة عامة حول نزول القرآن:
توثيق النص القرآني والعناية به:
أولاً: العناية الإلهية بالقرآن:
أنـزل الله سبحانه القرآن الكريم على خاتم الأنبياء ليكون آخر الكتب السماوية، وجعل لهذا القرآن من الخصائص ما لم يكن لغيره من الكتب كالتوراة والإنجيل، وأَوْلاه عناية خاصة ليكون في منأى عن التحريف والتبديل الذي وقع للكتب السابقة.
ومن مظاهر هذه العناية الإلهية:
1- منع الجن قبل بعثة النبي r من استراق السمع، ورجمهم بالشهب، قال تعالى مخبراً عن حال الجن قبل مبعث النبي r ونـزول القرآن: ]وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً [ [الجن]، وقال تعالى: ]وما تنـزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنَّهم عن السمع لمعزولون[[الشعراء] هذه الحراسة المشددة كانت لعزل الجن ومنعهم من سماع القرآن قبل نـزوله إلى النبي r بواسطة الأمين جبريل.
2- إنـزال القرآن بواسطة أمين الوحي جبريل u، قال تعالى: ]نـزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين[[الشعراء].
3- تكفل الله سبحانه بحفظ هذا القرآن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: ]إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون[[الحجر9].
4- تيسير القرآن للتلاوة والحفظ، حتى حفظه الآلاف المؤلفة من المسلمين في كل عصر من العصور، قال تعالى: ] ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[[القمر]
فكتاب هذا شأنه لم تكن يد التحريف لتصل إليه أو تنال منه، مهما بلغت مكانتها، حتى لو كانت يد النبي r قال تعالى: ]ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين[[الحاقة].
ثانياً: عناية النبي r بالقرآن:
لقد أدرك رسول الله r جسامة المسؤولية وثقل الأمانة التي سيتحملها منذ الأيام الأولى للدعوة، كيف لا وقد قال الله تعالى له: ]إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً[ [المزمل] فكان r حريصاً كل الحرص على ما ينـزل عليه من القرآن، يُعنى به كل العناية، وفيما يلي من المباحث نرى كيف كانت عناية النبي r بكتاب الله تعالى.
1- اهتمامه بالتلقي من جبريل u. ومعارضته له: لقد كان النبي r حريصاً كل الحرص على حفظ ما يوحي به جبريل إليه، خشية أن ينسى شيئاً منه، بل إنه ليتعجل حفظه ويبادر إلى أخذه ويسابق الملَك في قراءته، فقال الله سبحانه وتعالى له: ]لاتحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه[[القيامة]. فأمره الله سبحانه إذا جاءه الملَك بالوحي أن يستمع له، وتكفل له بأن يجمعه له في صدره وأن يُيَسِّره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه، قال ابن عباس: كان رسول الله r إذا أنـزل عليه الوحي يلقى منه شدة، وكان إذا نـزل عليه عرف في تحريكه شفتيه يتلقى ويحرك به شفتيه، خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره. فأنـزل الله عليه هذه الآيات.. فكان النبي r بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل([1]).
وقال سبحانه في آية أخرى: ]ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما[[طه].
2- معارضة القرآن مع جبريل عليه السلام في كل عام، حيث كان جبريل ينـزل للنبي r في رمضان من كل عام يدارسه القرآن، حتى كان العام الذي توفي فيه r عارضه القرآن مرتين.
3- اهتمامه r بتلقين الصحابة y وتعليمهم القراءة والقراءة عليهم: إن أعظم وظيفة للرسول r هي تعليم الناس كتاب ربهم، قال تعالى: ]هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[.
فما إن ينـزل عليه جبريل بالوحي حتى يبلغه لأصحابه ويقرأه عليهم فتتلقفه قلوبهم وعقولهم. قال تعالى:]وقرآناًَ فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونـزلناه تنـزيلاً[ [الإسراء].
وكانت طريقته في القراءة والكلام تساعد على حفظ كلامه، يقول أنس خادم النبي r يصف حديثه وكلامه r: كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه([2]).
وكان r يحث أصحابه ويشجعهم على حفظ القرآن وتعلمه، قال r: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)([3]) وكان يثني على القراء منهم، كقوله r عن صحابته(أقرؤهم أُبي)([4]) وقوله r عن ابن مسعود t: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً –وفي رواية رطباً- كما أنـزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد)([5]) وكان يقدم أهل القرآن على غيرهم في الإمارة والإمامة وقيادة الجيوش، بل وحتى في القبر كما فعل مع شهداء أحد حيث كان يقدم من كان أكثر أخذاً للقرآن من صاحبه.
إضافة إلى ترغيب أصحابه بحفظ القرآن والتسابق فيه من خلال ذكر الثواب الذي أعده الله لأهل القرآن مما لا يتسع المقام لذكره.
4- اهتمامه بالسماع من الصحابة.
لم يكتف النبي r بتعليم الصحابة القرآن فقط، بل كان يتعاهد حفظهم للقرآن ويسمع تلاواتهم، ويحدثنا عن ذلك عبد الله بن مسعود t إذ يقول: قال لي رسول الله r اقرأ عليَّ القرآن. قلت يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنـزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية:]فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا[ [النساء 41] قال حسبك الآن. فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان([6])، لماذا يحب r أن يسمع القرآن من غيره؟ لا بد أن السبب هو التأكد من حسن أخذ الصحابة للقرآن وحفظهم وتلاوتهم له .
وذات يوم كان يسير في طرقات المدينة فسمع أبا موسى الأشعري t يقرأ القرآن فوقف واستمع لقراءته، وفي اليوم التالي قال له r لو رأيتني يا أبا موسى وأنا أسمع قراءتك البارحة، لقد أُعطيت مزماراً من مزامير آل داود، قال أبو موسى قلت: أما والله يا رسول الله لو علمت أنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيراً)([7]).
5- اتخاذ كتاب للوحي:
لو أراد النبي أن يكتفي في توثيق القرآن بحفظ أصحابه ودقتهم في ذلك لكان كافياً لما كانوا عليه من ضبط لكتاب الله تعالى وحرص عليه، إلا أنه r لم يكتف بذلك بل كان يتخذ كتاباً للوحي، يكتبون كل ما ينـزل عليه من القرآن، وكان في أول الأمر ينهى عن كتابة غير القرآن حتى لا يشتبه به شيء، فعن أبي سعيد الخدري t أن النبي r قال: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)([8]) وفي رواية الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري t أن النبي r قال: (لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه)([9]).
ولم ينتقل r إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن كله مكتوب في ما تيسر للصحابة من العظام والجلود والعسب واللخاف وغيرها من أدوات الكتابة. يقول زيد بن ثابت t: كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع([10]).قال البيهقي يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نـزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي r.
فاجتمع للقرآن حفظ الصدور وحفظ الصدور تحقيقاً لوعد الله سبحانه ]إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون[.
6- قراءة القرآن في الصلوات والمواعظ وخطب الجمعة:
كان النبي r يقرأ القرآن في صلاته ومواعظه وخطبه، مما جعل القرآن يتردد على أسماع أصحابه كثيراً، وبالتالي يتمكنون من حفظه من فم النبي r مباشرة فلا يقتصر الأمر على من يجالسه وقت نـزول الوحي، بل يمتد إلى كل المسلمين وقتذاك، فعن أم هشام بنت حارثة ما أخذت ]ق والقرآن المجيد[ إلا على لسان رسول اللهr كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ([11]).
وكان r يقرأ في العيدين بقاف واقتربت. وقرأ r بالطور وبالصافات وبالأعراف وغيرها من سور القرآن الكريم.
ثالثا:عناية الصحابة بالقرآن:
لقد كان النبي r خير قدوة لأصحابه في العناية بكتاب الله تعالى، بل وكان خير مُرَبّ لهم على ذلك، حيث كان يشجعهم بكل الوسائل؛ على الأخذ بكتاب الله تعالى، والإكثار منه والعمل به، وكان الصحابة yالجيل الذي اختاره الله لصحبة نبيه r. وأودع فيهم من الميزات والخصائص ما جعلهم أهلاً لتحمل عبء الدعوة ونشر كتاب الله وسنة نبيه في أرجاء المعمورة.
الدواعي للعناية بالقرآن الكريم وحفظه عند الصحابة y.
1- أنهم أميون- في الغالب- جعلهم يعتمدون بالدرجة الأولى على حافظتهم وذاكرتهم.
2- أن الصحابة كانوا مضرب المثل في الذكاء والألمعية وقوة الحافظة حتى كان بعضهم يحفظ ما يسمعه من أول مرة.
3- بساطة حياتهم واقتصارها على الضروريات فرَّغ قلوبهم وأذهانهم للانشغال بكتاب الله تعالى وسنة نبيه r.
4- حبهم الصادق لله ورسوله r، مما حملهم على تلقي كل ما يصدر عنه وحفظه وترديده.
5- بلاغة القرآن الكريم وإعجازه البياني، وذلك أن الله تحدى بالقرآن أمة العرب وكافة الخلق، فكان ذلك داعياً لحفظه وأخذه كما لم يؤخذ كتاب قبله ولا بعده.لاسيما وأن من طبائع العرب أنهم كانوا يتنافسون في حفظ جيد المنظوم والمنثور.
6- الترغيب في الإقبال على القرآن الكريم علماً وعملاً وحفظاً وفهما وتعليماً ونشراً والتحذير والترهيب من إهماله والإعراض عنه. وأدلة ذلك كثيرة لا تحصى.
7- منـزلة القرآن الكريم من الدين إذ هو أصل التشريع ومصدره.
8- ارتباط كثير من كلام الله تعالى بأسباب نـزول وهي وقائع وأحداث وأسئلة تثير الاهتمام وتساعد على الحفظ.
9- حكمة الله ورسوله في التعليم جعلت كتاب الله تعالى يستقر في الأذهان ويسهل حفظه، فالقرآن جاء بأرقى أساليب اللغة العربية وتدرج نـزوله منجماً وارتبط بكثير من الحوادث ودعمه بالدليل والحجة وخاطب به العقول والضمائر.
10- تلقي الصحابة القرآن الكريم للعمل بما فيه والاهتداء بهديه، يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بما فيه من نصح وإرشاد، ولاشك أن إتْباعَ العلم بالعمل يساعد على الحفظ.
11- تشريع قراءة القرآن في الصلاة، فكان لا بد لمن أراد أن يصلي – والصلاة عمود الدين- أن يتعلم من القرآن ما تصح به صلاته.
مظاهر عناية الصحابة بالقرآن في عهد النبي r.
1- تعلمه من النبي r: لما كان تعليم القرآن أولى مهام الرسول r فقد كان الصحابة خير تلاميذ لخير معلم، فكانوا يتلقون منه r القرآن ويحفظونه، ويعملون بما فيه، يقول عبد الله بن عمر: (لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنـزل السورة على محمد r فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه)([12])
2- كتابة مصاحف خاصة بهم: لقد كان بعض الصحابة بعد أن يتلقى القرآن من النبي r يذهب إلى بيته فيكتب ما يحفظه، ويكتب فيه تفسير بعض الآيات، مثل ما كان يفعله عبد الله بن مسعود t حيث كان له مصحف خاص، وكذلك أبي بن كعب t.
3- الاجتماع على تدارس القرآن وحفظه: كان لصحابة النبي r مجالس يتدارسون فيها القرآن ويعلم بعضهم بعضاً، لا سيما أهل الصفة منهم حيث كان هؤلاء أضياف الإسلام متفرغون لتلقي القرآن والسنة عن رسول الله r والجهاد معه، ومنهم أبو هريرة t وأبو سعيد الخدري وغيرهم من الصحابة الكرام t.
فهذا عبادة بن الصامت t يعلم رجلاً من أهل الصفة القرآن فيهدي إليه قوساً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها([13]). فهذا الصحابي من أهل الصفة رغم فقره وحاجته إلا أنه يهدي قوسه لمن علمه القرآن.
5- جمعه في زمن أبي بكر t:
كتب القرآن كاملاً في حياة النبي r لكنه r لم يأمر بجمعه في مصحف، وذلك لما يلي:
1- أنه لم توجد الدواعي لكتابته كما وجدت في عهد أبي بكر t أو عثمان t، وذلك لوجود النبي rوكثرة القراء، وعدم تيسر أدوات الكتابة.
2- أن الوحي كان ما زال ينـزل على النبي r فينسخ ما شاء الله من آية أو آيات.
3- أن القرآن نـزل منجماً ولم ينـزل دفعة واحدة.
4- أن ترتيب النـزول كان على حسب الأسباب، في حين أن ترتيب المصحف كان لاعتبارات أخرى.
فلما انقضى نـزول القرآن بوفاة النبي r ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة.
وقصة ذلك:
يرويها زيد بن ثابت t فيقول فيما رواه عنه الإمام البخاري: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله r؟ قال عمر وهو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكرt: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله r فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول اللهr قال هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره ]لقد جاءكم رسول[حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر([14]).
من خلال هذا النص يظهر السبب الرئيسي الذي حمل الصحابة على جمع القرآن في زمن أبي بكر، ألا وهو اشتداد القتل في قراء القرآن حيث قتل منهم في حرب مسيلمة وحده سبعين قارئاً، فخشي عمر أن يضيع القرآن باستشهاد حملته من القراء الذين كانوا يتسابقون إلى ساحات الجهاد في سبيل الله تعالى.
كما أن الأسباب التي حالت دون جمع القرآن في ومن النبي r لم يعد لها وجود، وبالتالي كان لا بد من جمع كتاب الله في مصحف صيانة له من الضياع.
آلية جمع القرآن في عهد أبي بكر t:
1- الاقتصار على ما كتب بين يدي النبي r وأُخِذ منه مباشرة: أخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قدم عمر فقال من كان تلقى من رسول الله شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان([15]).
وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط. قال ابن حجر وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب([16])
وقال السخاوي في جمال القراء المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نـزل بها القرآن([17]).
قال أبو شامة وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي لا من مجرد الحفظ قال ولذلك قال في آخر سورة التوبة لم أجدها مع غيره أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
قلت أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي عام وفاته ([18]).
يقول الليث بن سعد قال أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت فقال: اكتبوها فإن رسول الله جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده([19])
مزايا جمع أبي بكر للقرآن.
1- جمعت القرآن على أدق وجوه البحث والتحري.
2- اقتصرت على ما لم تنسخ تلاوته.
3- ظفرت بإجماع الأمة عليها وتواتر ما فيها.
وينبغي أن نلاحظ هنا أن جمع المصحف بأمر أبي بكر لا ينافي أن الصحابة كان لهم صحف أو مصاحف كتبوا فيها القرآن كله أو بعضه، لكنها لم تظفر بما ظفرت به الصحف التي أمر بجمعها أبو بكر tمن العناية والتحري، ولا يطعن في ذلك ما روي من أن علياً t جمع القرآن قبل أن يبايع أبا بكر، بل إن علياً نفسه يقول: (أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله).
6- نسخ القرآن في عهد عثمان
أسبابه([20]):
اتسعت الفتوحات في زمن عثمان واستبحر العمران وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنـزيل وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة بطريقة فتحت باب الشقاق والنـزاع في قراءة القرآن أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نـزل على سبعة أحرف بل كان هذا الشقاق أشد لبعد عهد هؤلاء بالنبوة وعدم وجود الرسول بينهم يطمئنون إلى حكمه ويصدرون جميعا عن رأيه واستفحل الداء حتى كفر بعضهم بعضا وكادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير ولم يقف هذا الطغيان عند حد بل كاد يلفح بناره جميع البلاد الإسلامية حتى الحجاز والمدينة وأصاب الصغار والكبار على سواء.
أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق أبي قلابة أنه قال لما كانت خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل والمعلم يعلم قراءة الرجل فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين حتى كفر بعضهم بعضا فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال أنتم عندي تختلفون فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافا. وصدق عثمان فقد كانت الأمصار النائية أشد اختلافا ونـزاعا من المدينة والحجاز وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار إذا جمعتهم المجامع أو التقوا على جهاد أعدائهم يعجبون من ذلك وكانوا يمعنون في التعجب والإنكار كلما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن وتأدى بهم التعجب إلى الشك والمداجاة ثم إلى التأثيم والملاحاة.
وتيقظت الفتنة التي كادت تطيح فيها الرؤوس وتسفك الدماء وتقود المسلمين إلى مثل اختلاف اليهود والنصارى في كتابهم كما قال حذيفة لعثمان في الحديث الآتي قريبا أضف إلى ذلك أن الأحرف السبعة التي نـزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون إنما كان كل صحابي في إقليم يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نـزل عليها القرآن ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد
لهذه الأسباب والأحداث رأى عثمان بثاقب رأيه وصادق نظره أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع وأن يستأصل الداء قبل أن يعز الدواء فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة ووضع حد لذلك الاختلاف وحسم مادة هذا النـزاع
فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يرسل منها إلى الأمصار وأن يؤمر الناس بإحراق كل ما عداها وألا يعتمدوا سواها وبذلك يرأب الصدع ويجبر الكسر وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلام هذا الإختلاف ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة وحكمهم العدل في ذاك النـزاع والمراء وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء
آلية نسخ القرآن في عهد عثمان t.
وشرع عثمان في تنفيذ هذا القرار الحكيم حول أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين من الهجرة فعهد في نسخ المصاحف إلى أربعة من خيرة الصحابة وثقات الحفاظ وهم زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهؤلاء الثلاثة الأخيرون من قريش وأرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر فبعثت إليه بالصحف التي عندها وهي الصحف التي جمع القرآن فيها على عهد أبي بكر رضي الله عنه وأخذت لجنة الأربعة هؤلاء في نسخها وجاء في بعض الروايات أن الذين ندبوا لنسخ المصاحف كانوا اثني عشر رجلا
وما كانوا يكتبون شيئا إلا بعد أن يعرض على الصحابة ويُقرُّوا أن رسول الله قرأ على هذا النحو الذي نجده الآن في المصاحف .
النقل الصوتي للقرآن:
رأينا فيما سبق كيف كانت العناية الكاملة بكتاب الله تعالى، وكيف تعلمه صحابة النبي r وكيف جمعوه في المصاحف ونسخوه، بما تبقى من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
وفيما يلي سنستعرض معنى الأحرف السبعة
علاقة الأحرف السبعة بالقراءات القرآنية
الأحرف السبعة:
إثبات نزول القرآن على سبعة أحرف.
لقد ورد حديث (نزل القرآن على سبعة أحرف) من رواية جمع من الصحابة، وهم: أُبي بن كعب وأنس بن مالك وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وسليمان بن صرد وابن عباس وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعمرو بن أبي سلمة وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأبو بكرة وأبو جهم وأبو سعيد الخدري وأبو طلحة الأنصاري وأبو هريرة وأبو أيوب yفهؤلاء واحد وعشرون صحابيا، وقد نص أبو عبيد على تواتره.
وأخرج أبو يعلى في مسنده أن عثمان t قال على المنبر: أذكر الله رجلا سمع النبي r قال: (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام. فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك، فقال: وأنا أشهد معهم([21]).
ومن الأحاديث التي وردت في الأحرف السبعة:
- عن عمر بن الخطابt قال: سمعت هشام بن حكيم t يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها عليه، وكان رسول اللهr أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله rفقلت يا رسول الله: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله r: اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله r: (هكذا أنزلت) ثم قال لي: اقرأ، فقرأت فقال r: (هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه)([22]).
- وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة)([23]).
- عن ابن عباس t عن النبي r قال: (أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف)([24]).
- عن أبي بن كعب t قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضيا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله r، فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله r فقرءا، فحسّن النبي r شأنهما، فسُقِط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله r ما قد غشيني ضرب في صدري ففِضت عرقاً، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقاً، فقال يا أبي: (أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثالثة أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتكها مسأله تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة، ليوم يرغب إلي الخلائق حتى إبراهيم)([25]).
- عن أبي بن كعب t (أن النبي r كان عند أضاة بني غفار قال فأتاه جبريل u فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا)([26]).
- وعن عمرو بن العاص t أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو بن العاص: إنما هي كذا وكذا لغير ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله r. فخرجا إلى رسول الله حتى أتياه فذكرا ذلك له، فقال رسول الله r: (إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف بأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر)([27]).
- وعن حذيفة بن اليمان t عن النبي r قال: (لقيت جبريل u ثم أحجار المراء فقال يا جبريل إني أرسلت إلى أمة أمية إلى الشيخ والعجوز والغلام والجارية والشيخ الذي لم يقرأ كتابا قط فقال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)([28]).
- وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله r: (أتاني جبريل وميكائيل فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل بسم الله - في حديث الحسن وفي حديث حماد- يا محمد اقرأ القرآن على حرف. فنظرت إلى ميكائيل فقال: استزده. فقلت: زدني. فقال: بسم الله، اقرأه على حرفين. فنظرت إلى ميكائيل فقال: استزده. فقلت: زدني. فقال: بسم الله، اقرأه على ثلاثة أحرف، فنظرت إلى ميكائيل فقال استزده فقلت زدني قال بسم الله اقرأه على خمسة أحرف فنظرت إلى ميكائيل فقال استزده فقلت زدني قال بسم الله اقرأه على ستة أحرف فنظرت إلى ميكائيل فقال استزده قلت زدني قال بسم الله اقرأه على سبعة أحرف)([29]) وفي حديث الحسن بن دينار: (فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهى العدة فقال جبريل اقرأه على سبعة أحرف كلهن شاف كاف لا يضرك كيف قرأت ما لم تختم رحمة بعذاب أو عذابا برحمة) في حديث الحسن وفي حديث حماد: (ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب بمغفرة).
- وعن النَّزال بن سبرة قال سمعت عبد الله بن مسعود قال: سمعت رجلا قرأ آية سمعت من النبي r خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله r فقال: (كلاكما محسن فاقرآ) قال شعبة – أحد رواة الحديث – أكبر علمي أن النبي r قال: (فإن من كان قبلكم اختلفوا فأُهلكوا)([30]).
معنى حديث الأحرف السبعة.
قبل أن ندخل بيان المراد بالأحرف السبعة في الأحاديث لا بد أن نشير إلى مقدمات ومعالم لا بد منها في للوصول إلى فهم صحيح لهذا الحديث المتواتر([31]).
1- حديث نزول القرآن على سبعة أحرف بلغ حد التواتر، فصار قطعياً يجب الاعتقاد به، سواء علمنا المراد بالأحرف السبعة أو لم نعلم، ومن أنكر نزول القرآن على سبعة أحرف مع معرفته بهذه الأحاديث فقد كفر.
يقول الإمام الداني: وجملة ما نعتقده من هذا الباب... ونذهب إليه ونختاره أن القرآن منزل على سبعة أحرف، كلها شاف كاف وحق وصواب، وأن الله تعالى قد خير القراء في جميعها، وصوبهم إذا قرؤوا بشيء منها، وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى ليس فيها تضاد، ولا تناف للمعنى، ولا إحالة ولا فساد، وأنا لا ندري حقيقة أي هذه السبعة الأحرف كان آخر العرض، أو آخر العرض كان ببعضها دون جميعها، وأن جميع هذه السبعة أحرف قد كانت ظهرت واستفاضت عن رسول الله r، وضبطتها الأمة على اختلافها عنه وتلقتها منه، ولم يكن شيء منها مشكوكا فيه ولا مرتابا به)([32])
2- أن الأحاديث نصت على الحكمة من تعدد الأحرف: وهي التيسير على المسلمين الذين نزل القرآن بلغتهم بالقرآن إذ كانوا قبائل كثيرة وبينهم اختلاف في اللهجات ونبرات الأصوات وطريقة الأداء وشهرة بعض الألفاظ في بعض المدلولات على رغم أن لسانهم عربي، فلو أخذوا كلهم بقراءة القرآن على حرف واحد لشق ذلك عليهم، وهذا الأمر واضح في قول النبي r في الحديث: (فرددت إليه أن هون على أمتي) وقوله r (أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك) ومن أنه r لقي جبريلفقال يا جبريل (إني أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط) الخ.
3- أن هذه الأحرف كلها على اختلافها كلام الله تعالى لا مدخل لبشر فيها، بل كلها نازلة من عنده تعالى مأخوذ بالتلقي عن رسول الله r بدليل قوله r لكل من المختلفين بعد أن سمع قراءته (هكذا أنزلت) وقول المخالف لصاحبه (أقرأنيها رسول الله r)، ولو صح لأحد أن يغير ما شاء من القرآن بمرادفه أو غير مرادفه لبطلت قرآنية القرآن وأنه كلام الله ولذهب الإعجاز، ولما تحقق قوله سبحانه وتعالى ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[[الحجر 9]. وقوله سبحانه: ] وقال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاىء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم. قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون[[ يونس 15- 16] فلا يجوز لأحد مهما كان أمره أن يبدل في القرآن ويغير بمرادف أو غير مرادف ما لم يكن نازلاً على النبي r. ولو سلمنا بالآثار الواردة باستبدال كلمة بمرادفها فذلك محمول على الإذن في أول الأمر، ولكنه لم يستمر، حيث كان الأمر الصريح بقول النبي r: (اقرؤوا كما علمتم).
4- أن الأمة مخيرة في القراءة بأي حرف من هذه الأحرف من غير إلزام بواحد منها، ومن قرأ بحرف منها فقد أصاب، وليس لأحد أن ينكر عليه، بدليل قوله r (فاقرؤوا ما تيسر منه) وقول جبريل: (فأيما حرف قرؤوا به فقد أصابوا).
5- أن هذه التوسعة في نزول القرآن على سبعة أحرف مظهر من مظاهر التيسير والتخفيف على الأمة، فلا يجوز أن تصير مصدر اختلاف ونقمة، لقوله r: (فلا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر) وكذلك تغير وجهه الشريف r عند اختلافهم مع قوله (إنما أهلك من قبلكم الاختلاف) وضربه في صدر أُبي بن كعب t حين جال بخاطره حديث السوء في هذا الموضوع الجليل، وعدم موافقته لعمر وأُبي وابن مسعود وعمرو بن العاص y في إنكارهم الشديد لمن خالفهم في القراءة.
6- أن الصحابة y كانوا متحمسين في الدفاع عن القرآن مستبسلين في المحافظة على التنزيل، متيقظين لكل من يحدث فيه حدثا، ولو كان عن طريق الأداء واختلاف اللهجات، مبالغين في هذه اليقظة حتى ليأخذون في هذا الباب بالظنة، وينافحون عن القرآن بكل عناية وهمة، وحسبك استدلالا على ذلك ما فعل عمرt بصاحبه هشام بن حكيم t على حين أن هشاما t كان في واقع الأمر على صواب فيما يقرأ وأنه قال لعمر تسويغا لقراءته (أقرأنيها رسول الله) لكن عمر لم يقنع. بل لببه وساقه إلى المحاكمة ولم يتركه حتى قضى رسول الله لهشام بأنه أصاب، قل مثل ذلك فيما فعل أبي بن كعب بصاحبه وما كان من ابن مسعود وعمرو بن العاص وصاحبيهما.
7- أن المراد بالأحرف في الأحاديث السابقة وجوه في الألفاظ وحدها لا محالة، بدليل أن الخلاف الذي صورته لنا الروايات المذكورة كان دائراً حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعاني مثل قول عمر إذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله r ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما وقوله هكذا أنزلت وقوله (أي ذلك قرأتم فقد أصبتم) ونحو ذلك ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ لا شرح المعاني.
معنى قوله r (سبعة أحرف) من حيث اللغة:
المراد بالسبعة:
المراد بها حقيقة العدد المعروف في الآحاد بين الستة والثمانية، لأن توارد النصوص على العدد السبعة لا يعقل أن يكون غير مقصود، لا سيما إذا لاحظنا أن الحديث تناول قضية لا يمكن أن يكون الكلام فيها غامضاً لتعلقها المباشر بالقرآن وطريقة نزوله.
المراد بالأحرف: الأحرف جمع حرف، ويطلق في اللغة على معان كثيرة: فالحرف من كل شيء طرفه وشفيره وحده، ومن الجبل أعلاه المحدد، وواحد حروف التهجي، والناقة الضامرة أو المهزولة أو العظيمة، ومسيل الماء. وعند النحاة: ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، وقوله تعالى: ] ومن الناس من يعبد الله على حرف [ [الحج 11] أي وجه واحد وهو أن يعبده على السراء لا على الضراء أو على شك أو على غير طمأنينة من أمره أي لا يدخل في الدين متمكناً (قال أبو عبيد: قوله: سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا ما لم يسمع به قط ولكن يقول هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن فبعضه نزل بلغة قريش وبعضه بلغة هوزان وبعضة بلغة هذيل وبعضه بلغة أهل اليمن وكذلك سائر اللغات ومعانيها في هذا كله واحد ومما يبين لك ذلك قول بن مسعود فذكره قال وكذلك قال بن سيرين وإنما هو كقولك هلم تعال وأقبل ثم فسره بن سيرين فقال في قراءة بن مسعود إن كانت إلا زقية واحدة وفي قراءتنا صيحة واحدة والمعنى فيهما واحد وعلى هذا سائر اللغات)([33]).
وهذه المعاني الكثيرة تدل على أن لفظ الحرف من قبيل المشترك اللفظي والمشترك اللفظي يراد به أحد معانيه التي تعينها القرائن وتناسب المقام، وأنسب المعاني بالمقام هنا في إطلاقات لفظ الحرف أنه الوجه.
المراد بالأحرف السبعة:
الأحرف السبعة التي أنزلت على النبي r على نوعين:
1- مخالف للرسم. بزيادة أو نقص أو تقديم أو تأخير.
2- موافق للرسم ولو احتمالاً، ولكنه مختلف في اللهجات.
يقول الإمام المهدوي فيما نقله عنه الإمام ابن الجزري في منجد المقرئين: (الحروف السبعة التي أخبر النبي r أن القرآن نزل عليها تجري على ضربين:
أحدهما: زيادة كلمة ونقص أخرى، وإبدال كلمة مكان أخرى وتقدم كلمة على أخرى وذلك نحو ما روي عن بعضهم (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) وروي عن بعضهم (حم سق) و (إذا جاء فتح الله والنصر) فهذا الضرب وأشباهه متروك لا تجوز القراءة به، ومن قرأ بشيء منه غير معاند ولا مجادل عليه وجب على الإمام أن يأخذه بالأدب والضرب والسجن على ما يظهر له من الاجتهاد.
فإن قرأ وجادل عليه، ودعا الناس إليه وجب عليه القتل([34]) لقول النبي r "المراء في القرآن كفر" ولإجماع الأمة على اتباع المصحف المرسوم.
والضرب الثاني: ما اختلف القراء فيه من إظهار وإدغام وروم وإشمام وقصر ومدة تخفيف وشد وإبدال حركة بأخرى وياء بتاء وواوٍ بفاء وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا وهو الذي عليه خط مصاحف الأمصار، سوى ما وقع في حروف يسيرة
فثبت بهذا أن القراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن)([35]).
أما معنى حديث الأحرف السبعة:
فقد تعددت أقول العلماء في تفسير هذا الحديث، حتى بلغت أربعين قولاً، ومن أشهر هذه الأقوال:
القول الأول: أن الحديث مشكل، لأن لفظ الحرف مشترك لفظي لا يدرى أي معانيه هو المراد.
وهذا القول مردود لوجود قرائن تدل على تعيين المراد من الأحرف في الأحاديث، وهو الوجه. ويشهد لهذا الاستعمال قوله تعالى ] ومن الناس من يعبد الله على حرف [ أي على ضعف في العبادة أو على وجه واحد، وهو أن يعبده في السراء دون الضراء.
القول الثاني: أن المراد سبعة من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، أو سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة. وذلك مثل: أقبل، وهلم، وتعال، وإليّ، ونحوي، وقصدي، وقربي. وليس المراد من هذا الوجه أن كل كلمة تقرأ بسبع لغات، وإنما غاية ما ينتهي إليه الاختلاف في تأدية المعنى هو سبعة أوجه. وقد نسب ابن عبد البر هذا القول لأكثر العلماء، واستدل له بحديث أبي بكرة الذي رواه أحمد بسند جيد، وفي آخره (حتى بلغ سبعة أحرف، قال كل شاف كاف، ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو رحمة بعذاب)([36]).
وكذلك ما رواه أبو داود عن أُبي t، قلت (سميعاً عليماً. عزيزاً حكيماً، مالم تخلط آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب) أبوداود، كتاب الصلاة باب إنزال القرآن على سبعة أحرف رقم1477،1478
وعند أحمد من حديث أبي هريرة (أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليماً حكيماً، غفوراً رحيماً)([37]).
وعنده عن عمر (أن القرآن كله صواب مالم تجعل مغفرة عذاباً أو عذاباً مغفرة)([38])
القول الثالث: قول الإمام ابن الجزري:
وأما ابن الجزري فيقول: قد تتبعت صحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها
1 - وذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو البخل بأربعة أوجه ويحسب بوجهين
2 - أو بتغير في المعنى فقط نحو ] فتلقى ءادم من ربه كلمت[ 2 البقرة 37
برفع لفظ آدم ونصب لفظ كلمات وبالعكس
3 - وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو ]هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت[ أو ]تتلو[. ]فتبينوا[]فتثبتوا[.
4 - وعكس ذلك أي تغيير الصورة لا المعنى نحو ]بصطة[ و]بسطة[ ونحو ]الصراط[ و]السراط[.
5 - أو بتغيرالصورة والمعنى نحو ]فامضوا[ ]فاسعوا[.
6 - وإما في التقديم والتأخير نحو ]فَيَقتُلون ويُقتَلون[ بفتح ياء المضارعة مع بناء الفعل للفاعل في إحدى الكلمتين وبضمها مع بناء الفعل للمفعول في الكلمة الأخرى
7 - أو في الزيادة والنقصان كزيادة حرف نحو ]أوصى[ و]وصى[ أو زيادة كلمة نحو: ]تجري من تحتها الأنهار[ و ]تجري تحتها الأنهار[.
فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها
ونلاحظ أن ابن الجزري لم يذكر من أوجه الاختلاف ما كان من قبيل الأصول، نحو صلة الهاء والإمالة والإدغام والمدود وغير ذلك. رغم أنه نقل عن المهدوي أن أحد ضربي اختلاف الأحرف السبعة هو الاختلاف في الإظهار والإدغام والمد ونحو ذلك كما مر معنا.
القول الرابع: وهو قول الإمام أبو الفضل الرازي في اللوائح
وهو أن الاختلاف في الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه:
الأول: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث، مثاله: قوله سبحانه ]والذين هم لأمنـٰتهم وعهدهم راعون [ [ المؤمنون: 8] قرىء هكذا لأماناتهم جمعا وقرىء لأمانتهم بالإفراد
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، مثاله: قوله سبحانه: ]فقالوا ربَّنا بـٰعِد بين أسفارنا[ [ سبأ 19]قرىء هكذا بنصب لفظ ربنا على أنه منادى وبلفظ باعِد فعل (دعاء)، وقرىء هكذا (ربُّنا بعَّدَ) برفع (ربُّ) على الابتداء وبلفظ (بعَّدَ) فعلا ماضيا مضعّف العين جملته خبر .
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب، مثاله: قوله سبحانه ] ولا يضار كاتب ولا شهيد[ [البقرة 282] قرىء بفتح الراء وضمها، فالفتح على أن لا ناهية فالفعل مجزوم بعدها، أما الضم فعلى أن لا نافية فالفعل مرفوع بعدها .
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة، مثاله: قوله سبحانه: ]إن الله هو الغني الحميد [ [الحديد24] قرىء بهذا اللفظ، وقرىء أيضا ]إن الله الغني الحميد [ بنقص كلمة (هو).
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير، مثاله: ] وقاتَلوا وقُتِلوا [ [آل عمران195] قرىء ]وقُتِلوا وقاتلوا [.
السادس: الاختلاف بالإبدال، مثاله: قوله سبحانه ] وانظر إلى العظام كيف ننشزها[ [البقرة 259] بالزاي وقرىء ]ننشرها[ بالراء.
السابع: اختلاف اللغات (اللهجات) كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإظهار والإدغام ونحو ذلك.
وهذا المذهب هو أوسع المذاهب التي اعتمدت على الاستقراء، وقد قاربه كل القرب مذهب الإمام ابن قتيبة والمحقق ابن الجزري والقاضي ابن الطيب، ولا فرق بين آرائهم وبين هذا الرأي إلا اختلاف في طرق التتبع والاستقصاء والتعبير، وزاد عليهم الرازي بالوجه السابع، وهو اختلاف اللهجات. حتى قال العلامة ابن حجر ما نصه (وقد أخذ أي الرازي كلام ابن قتيبة ونقحه)([39]).
القول الرابع: سبع لغات موزعة في القرآن فقسم بلغة قريش وقسم بلغة هذيل وقسم بلغة هوازن، وهكذا حتى سبع لغات. وقد رُدّ هذا القول بأن عمر وهشام رضي الله عنهما كلاهما قرشي ومع ذلك اختلفا في القراءة كما سبق ذكره.
القول الخامس: أنها أوجه فصيحة من اللغات والقراءات التي نزل عليها القرآن، لا تزيد عن سبعة في الكلمة الواحدة، ولا يلزم أن تبلغ الأوجه هذا الحد في كل موضع من القرآن.
القول المختار:
وإذا استصحبنا الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف وهي التيسير: فليس فيما ذكره الرازي من أوجه الخلاف ما يقع به التيسير على الأمة إلا الوجه السابع وهو اختلاف اللغات، فمن كانت لهجته فيها الإدغام يصعب عليه الكلام بغيرها، وهكذا من كانت لهجته بالإمالة أو بالتسهيل أوغير ذلك. أما ما ذكره الرازي وغيره من الأوجه فلا أرى في الإتيان به صعوبة على القارئ والله أعلم.
قال الزرقاني عن وجه اختلاف اللهجات: (بل هذا قد يكون أولى بالحسبان وأحرى بالرعاية في باب التخفيف والتيسير لأنه قد يسهل على المرء أن ينطق بكلمة من غير لغته في جوهرها ولا يسهل عليه أن ينطق بكلمة من غير لغته نفسها بلهجة غير لهجته وطريقة في الأداء غير طريقته
ذلك لأن الترقيق والتفخيم والهمز والتسهيل والإظهار والإدغام والفتح والإمالة ونحوها ما هي إلا أمور دقيقة وكيفيات مكتنفة بشيء من الغموض والعسر في النطق على من لم يتعودها ولم ينشأ عليها، واختلاف القبائل العربية فيما مضى كان يدور على اللهجات في كثير من الحالات وكذلك اختلاف الشعوب الإسلامية وأقاليم الشعب الواحد منها الآن يدور في كثير من الحالات أيضا على اختلاف اللهجات، وإذن فتخفيف الله على الأمة بنزول القرآن على سبعة أحرف لا يتحقق إلا بملاحظة الاختلاف في هذه اللهجات
ونقل عن ابن قتيبة قوله: ولو أراد كل فريق من هؤلاء – أي قبائل العرب- أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا ويافعا وكهلا لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه ولا يمكن إلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل للسان وقطع للعادة فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا في اللغات ومتصرفا في الحركات كتيسيره عليهم في الدين) ([40])
الحكمة والفوائد من نزول القرآن على سبعة أحرف.
1- التخفيف على الأمة وإرادة التيسير بها، وهذا واضح في قول النبي r (هوِّن على أمتي) (وإن أمتي لا تطيق ذلك).
2- إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فتنوع القراءات تبعه تنوع في المعاني، وزيادة في الأحكام.
3- الأحرف السبعة حفظت لغة العرب من الضياع، لتضمنها خلاصة هذه اللغات.
4- في الأحرف السبعة دلالة قاطعة على مصدر القرآن وصدقه، فمع كثرة أوجه الاختلاف وتنوعها ليس فيه تضاد ولا تناقض، بل كله يصدق بعضه بعضاً.
5- نزول القرآن على سبعة أحرف فيه بيان لفضل الأمة المحمدية بتلقيها كتاب ربها والاعتناء به مما يزيد في أجور العاملين بكتاب الله تلاوة وحفظاً ودراسة واستنباطاً للأحكام والمعاني.
6- الأحرف السبعة خصيصة خاصة بالأمة المحمدية، لأن الكتب السابقة كانت تنْزل على وجه واحد، وأُوكِل حفظها للأمم السابقة، بينما نزل القرآن على سبعة أحرف، وتكفل لله بحفظه وصيانته وقيض له في كل عصر ومصر من يحفظه ويتلوه ويعلّمه بأوجهه المختلفة.
مسألة: هل الأحرف السبعة موجودة الآن في المصاحف؟
للعلماء في بقاء الأحرف السبعة في المصاحف ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الأحرف السبعة باقية كلها في المصاحف التي نسخها عثمان ومن معه من الصحابة، ودليلهم أنه لا يجوز للأمة أن تهمل نقل شيء منها، وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر، وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك.
يقول الإمام أبو عمرو الداني: (وأن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ومن بالحضرة من جميع الصحابة قد أثبتوا جميع تلك الأحرف في المصاحف وأخبروا عن صحتها وأعلموا بصوابها وخيروا الناس فيها كما كان صنع رسول الله.... وأن عثمان رحمه الله تعالى والجماعة إنما طرحوا حروفا وقراءات باطلة غير معروفة ولا ثابتة، بل منقولة عن الرسول نقل الأحاديث التي لا يجوز إثبات قرآن وقراءات بها). وهذا القول قول جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين.
القول الثاني: أن المصاحف تشتمل على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة، وهو قول جماهير العلماء وقد صوبه الإمام ابن الجزري.
القول الثالث: أن الصحابة اقتصروا على حرف واحد من الأحرف السبعة، وأثبتوه في المصاحف. وهو قول ابن جرير الطبري ومن وافقه من العلماء.
القراءات القرآنية:
تعريف علم القراءات، تعريف القراءة، الرواية، الطريق.
تعريف القراءات: القراءات جمع قراءة، وهي مصدر من قرأ يقرأ قراءة وقرآنا.
واصطلاحاً: القراءة: هي كيفية أداء كلمات القرآن وحروفه.
تعريف علم القراءات: هو علم يعنى بكيقية أداء كلمات القرآن الكريم واختلافها معزُواً (أي منسوباً) إلى ناقله([41]).
الرواية: هي ما ينسب للراوي عن الإمام القارئ، مثل رواية قالون عن نافع، وحفص عن عاصم.
الطريق: هو ما ينسب للآخذ من الراوي وإن نزل، مثل طريق الأزرق عن ورش، أو الأصبهاني عن ورش، أو عبيد بن الصباح عن حفص، ومثل طريق الشاطبية والدرة المضية، وطريق طيبة النشر. وهذه الطرق هي التي تؤخذ منها القراءات المتواترة في زماننا.
فيقال مثلاً: قراءة نافع برواية ورش طريق الأزرق. أو طريق الشاطبية.
وأما سبب تعدد هذه الطرق فقد أجاب عنه الشيخ على محمد الضباع فى رده على نفس السؤال من الشيخ إبراهيم شحاته السمنودى حيث قال: ـ
لما اجتمع رأى أهل الأمصار على اختيار القراء العشرة المشهورين وأخذوا فى تلقى قراءاتهم طبقة بعد طبقة إلى أن دونوها بالتأليف.
ولما كان من واجب كل مؤلف أن ينسب كل قراءة إلى صاحبها مع تعيين ناقليها عنه طبقة بعد طبقة تحقيقا لصحة سندها وعلوه وللأمن من الوقوع فى التركيب، فبتعيين الناقلين تعددت فروعهم إلى كل مؤلف وبتكرار الفروع فى التآليف تعددت الطرق حتى بلغت على ما فى الكتب التى آل الأمر فى أخذ القراءات منها فى العصور الوسطى وهى تسعون كتابا ذكرها ابن الجزرى فى نشره زهاء عشرة آلاف طريق.
أقول: هذا قبل أن يؤلف ابن الجزرى كتابه النشر ثم قال الضباع: ولما ألف الإمام ابن الجزرى كتابه المذكور اقتصر فيه على الفروع التى علا سندها وأكثر المؤلفون من ذكرها فجمع فيه منها ألف طريق من سبعة وثلاثين كتابا وذكر معها أيضا مختارات لم يسبق تدوينها وصح سندها وتوفرت شروطها.
فائدة : طرق الشاطبية والدرة ل تزيد عن واحد وعشرين طريقا لأن لكل راو طريقا واحدا ما عدا إدريس عن خلف فى اختياره فله طريقان فى الدرة ولذلك كانت تحريراتها سهلة وخفيفة.
أما طرق الطيبة فهى كما سبق زهاء ألف طريق لأن لكل راو من الرواة العشرين طريقين وكل طريق من طريقين الخ، يقول ابن الجزرى:باثنين فى اثنين وإلا أربع:: فهى زهاء ألف طريق تجمع ولذلك كانت تحريراتها صعبة وطويلة، فبذل المحررون جهدهم وحصروا الآيات القرآنية وبينوا ما فيها من الأوجه الممنوعة والجائزة من خلال هذه الطرق فى تصانيفهم فجزاهم اله خيرا.
هل كل ما ينسب للقراء السبعة أو العشرة فى كتب التفسير والنحو واللغة متواتر؟
فالجواب عن ذلك: ليس كل ما يراه القارئ فى كتب التفسير أو اللغة أو النحو من قراءات منسوبة إلى واحد من هؤلاء القراء السبعه أو العشرة متواترا إلا إذا كان مذكورا فى كتاب النشر أو الشاطبية أو الدرة فقط، وما عدا ذلك فليس بمتواتر ولا يقال له قراءة سبعية أو عشرية لانقطاع سندها عنهم
الأصول (أصول القراءات): ويقصد بها القواعد المطردة التي تنطبق على كل جزئيات القاعدة، والتي يكثر دورها ويتحد حكمها.
مثالها: الاستعاذة، البسملة، الإدغام الكبير، هاء الكناية، المد والقصر، الهمزتين من كلمة ومن كلمتين، الإمالة، إلخ.
الفرش ( الكلمات الفرشية): هي الكلمات التي يقل دورها وتكرارها، ولا يتحد حكمها. وتسمى أيضاً: الفروع.
التحريرات:
التحرير فى اللغة يطلق على عدة معان منها: التقويم، التدقيق، والإحكام.يقال: تحرير الكتاب وغيره، تقويمه،وحرر الوزن، دققه وحرر الرمى إذا أحكمه،
واصطلاحا: تنقيح القراءة من أى خطأ أو خلل كالتركيب مثلا, ويقال له التلفيق,
قال السخاوى فى جمال القراء: إن خلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ. وقال القسطلانى شارح البخارى فى لطائفه: يجب على القارئ الاحتراز من التركيب فى الطرق وتمييز بعضها من بعض وإلا وقع فيما لايجوز وقراءة ما لم ينزل.. وقال الشيخ مصطفى الأزميرى: التركيب حرام فى القرآن على سبيل الرواية ومكروه كراهة تحريم على ما حققه أهل الدراية، فالتدقيق فى القراءات وتقويمها والعمل على تمييز كل رواية على حده من طرقها الصحيحة، وعدم خلطها برواية أخرى، هو معنى التحرير وفائدته،وفيه محافظة على كلام الله من أن يتطرق إليه أى محرم أو معيب.
نشأة علم القراءات:
يمكن تقسيم مراحل تطور علم القراءات إلى المراحل التالية:
المرحلة الأولى: القراءات في زمن النبوة:
وتتميز هذه المرحلة بما يلي:
- مصدر القراءات هو جبريل عليه السلام.
- المعلم الأول للصحابة هو رسول الله r وهو المرجع لهم فيما اختلفوا فيه من أوجه القراءة.
- قيام بعض الصحابة بمهمة التعليم مع رسول الله r إما بأمر من رسول الله r أو بإقرار منه.
- ظهور طائفة من الصحابة تخصصت بالقراءة (القراء) ومنهم سبعين قارئا قتلوا في بئر معونة، كما أن منهم (أبا بكر وعثمان وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء) وقد قال عنهم الإمام الذهبي: (فهؤلاء الذين بلغنا أنهم حفظوا القرآن – أي كاملا- في حياة النبي r وأخذ عنهم عرضا، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة)([42]) .
المرحلة الثانية: القراءات في زمن الصحابة رضي الله عنهم:
وتبدأ هذه المرحلة من وفاة النبي r وحتى نهاية النصف الأول من القرن الهجري الأول تقريباً، وتتميز هذه المرحلة بما يلي:
- تتلمذ بعض الصحابة والتابعين على أئمة القراءة من الصحابة.
- بدأت تظهر أوجه القراءة المختلفة، وصارت تنقل بالرواية,
- تعيين الخليفة عثمان قارئاً لكل مصر معه نسخة من المصاحف التي نسخها عثمان ومن معه، وكانت قراءة القارئ موافقة لقراءة المصر الذي أرسل إليه في الأغلب. حيث أرسل عثمان إلى مكة (عبد الله بن السائب المخزومي) وأرسل إلى الكوفة (أبا عبد الرحمن السلمي) وكان فيها قبله عبد الله بن مسعود من أيام عمر t، وأرسل عامر بن قيس إلى البصرة، والمغيرة بن أبي شهاب إلى الشام، وأبقى زيد بن ثابت مقرئاً في المدينة، وكان هذا في حدود سنة ثلاثين للهجرة.
المرحلة الثالثة: القراءات في زمن التابعين وتابعي التابعين:
وتمتد هذه المرحلة من بداية النصف الثاني من القرن الأول، وحتى بداية عصر التدوين للعلوم الإسلامية وتتميز هذه المرحلة بما يلي:
- إقبال جماعة من كل مصر على تلقي القرآن من هؤلاء القراء الذين تلقوه بالسند عن رسول الله r و توافق قراءتهم رسم المصحف العثماني.
- تفرغ قوم للقراءة والأخذ واعتنوا بضبط القراءة حتى صاروا أئمة يقتدى بهم في القراءة، وأجمع أهل بلدهم على تلقي القراءة منهم بالقبول، ولتصديهم للقراءة وملازمتهم لها وإتقانهم نسبت القراءة إليهم وتميز منهم:
o في المدينة: أبو جعفر زيد بن القعقاع(ت130) وشيبة بن نصاح(130) ونافع بن أبي نعيم (169).
o وفي مكة: عبد الله بن كثير (120) وحميد الأعرج (130) ومحمد ابن محيصن (123).
o وفي الكوفة :يحيى بن وثاب (103) وعاصم بن أبي النجود (129) وسليمان الأعمش (148) وحمزة الزيات (156) وعلي الكسائي (189).
o وفي البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق (129) وعيسى بن عمر (149) وأبو عمرو بن العلاء (154) وعاصم الجحدري (128) ويعقوب الحضرمي (205).
o وفي الشام: عبد الله بن عامر (118) وعطية بن قيس الكلابي (121) ويحيى بن الحارث الذماري (145).
المرحلة الرابع: مرحلة التدوين:
ويمكن إبراز جوانب هذه المرحلة بما يلي:
- اختلف في أول من دون القراءات، فقيل هو الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (224) وقيل أبو حاتم السجستاني (225) وهو رأي ابن الجزري ، وقيل يحيى بن يعمر (90)
- تسبيع السبة والاقتصار عليهم، وأول من قام بذلك الإمام أبو بكر أمحمد بن موسى بن مجاهد (ت324) وكان لشهرته العلمية أثر كبير في اشتهار القراءات الشبع التي اختارها.
- بدأ ظهور وتبلور شروط القراءة الصحيحة وتمييز الصحيح من الشاذ. ويقال بأن أول من ألف في القراءات الشواذ هو ان مجاهد أيضاً حيث ألف كتابه أسماه (الشواذ) إلا أن هذا الكتاب مفقود.
- الاحتجاج للقراءات الصحيحة في جوانبها اللغوية (صوتيا وصرفيا ونحويا).
- توالي التأليف في القراءات السبع، فألف مكي ابن أبي طالب القيسي كتابيه التبصرة والكشف، وألف أبو عمرو الداني (ت444)التيسير في القراءات السبع وجامع البيان ونظم الإمام الشاطبي (ت590) التيسير في حرز الأماني ووجه التهاني(الشاطبية).
- مرحلة إفراد القراءات في مؤلفات خاصة بها ، أو جمع أقل من السبعة أو أكثر من السبعة لدفع ما علق في أذهان الكثيرين من أن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة، لبيان أن هناك قراءات أخرى غير السبعة التي جمعها ابن مجاهد وهي قراءات مقبولة وصحيحة، وتوج ذلك وختم بكتاب ابن الجزري النشر في القراءات العشر ومنظومته طيبة النشر في القراءات العشر.
المرحلة المعاصرة: القراءات في عصرنا:
لقد مر علم القراءات كغيره من العلوم الإسلامية بفترات ندر فيها طالبوه وقل راغبوه، إلا أنه وفي هذا العصر بدأت نهضة العلوم الإسلامية من جديد ومن بينها علم القراءات وكثر الراغبون في تعلم هذا العلم وتلقيه، وكما ظهرت التآليف المختلفة التي تسهل هذا العلم وتقربه لطلابه إما بتهذيب وتحقيق كتب السابقين أو بتأليف كتب معاصرة جديدة. كما ظهرت الإذاعات والقنوات الفضائية المتخصصة في القرآن الكريم، وأسست الهيئات والجمعيات والمجامع لنشر القرآن الكريم وعلومه.
وأما عن انتشار القراءات في العالم الإسلامي:
فإن رواية حفص عن عاصم تنتشر في معظم الدول الإسلامية لا سيما في المشرق.
ورواية قالون في ليبيا تونس وأجزاء من الجزائر.
ورواية ورش في الجزائر والمغرب وموريتانيا ومعظم الدول الإفريقية.
ورواية الدوري عن أبي عمرو في السودان والصومال وحضرموت في اليمن.
عرفنا فيما سبق من خلال تاريخ القراءات أن هناك شروطاً للقراءة المقبولة تميزها عن غيرها من القراءات وفيما يلي نبين هذه الشروط.
شروط القراءة المقبولة ([43]):
يشترط للقراءة الصحيحة توفر ثلاثة شروط:
1- موافقة وجه صحيح من اللغة العربية (قواعد النحو).
2- موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً، مثل (ملك) تحتمل (مالك)، ومثل (مكانتكم) (مكاناتكم).
3- حصول التواتر: وهو أن ينقلها عدد كبير يستحيل في العادة اجتماعهم على الكذب.
ويعتبر الشرطان الأول والثاني تبع للشرط الثالث، عند جمهور من اشترط التواتر من العلماء ومنهم ابن الجزري في قوله الأول من قوليه.
بينما يرى جمهور العلماء ومنهم أبو شامة وابن الجزري ومكي ابن أبي طالب وغيرهم أنه يكفي لصحة القراءة أن تكون مشهورة صحيحة الإسناد، إضافة إلى شرطي: موافقة الرسم ووجه من أوجه النحو([44])، وبالتالي يكون شرط موافقة اللغة والرسم أساسيان.
وكلا القولين – فيما أراه والله أعلم - مؤداه واحد والخلاف بينهما لفظي، لأن الرسم منقول بالتواتر ومجمع عليه من قبل الأمة، كما أن القولين في الواقع متفقان في النتيجة على قبول القراءات العشر كلها والقراءة بها.
قال ابن الجزري رحمه الله تعالى:
وكل ما وفق وجه نحو
وصح إسنادا هو القرآن
وحيثما يختل ركن أثبت
وكان للرسم احتمالا يحوي
فهذه الثلاثة الأركان
شذوذه لو أنه في السبعة
القراءات العشر المتواترة:
القراءات المتواترة هي عشر قراءات، تنسب كل قراءة إلى إمام من أئمة القراءة، وهذه النسبة ليست نسبة اختراع وإيجاد ولكنها نسبة ملازمة وإتقان، ولكل قارئ راويان:
قراءة الإمام نافع المدني. رواها عنه عيسى بن مينا:(قالون)، عثمان بن سعيد المصري: (وَرش).
قراءة الإمام عبد الله بن كثير المكي: رواها عنه أحمد بن عبد الله بن أبي بزة (البزي) محمد بن عبد الرحمن المكي (قنبل).
قراءة الإمام أبي عمر بن العلاء البصري: رواها عنه حفص بن عمر (الدوري) وصالح بن زياد الرستبي (السوسي).
قراءة الإمام عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي: رواها عنه: هشام بن عمار الدمشقي، وعبد الله بن أحمد بن ذكوان.
قراءة الإمام عاصم بن أبي النجود الكوفي: رواها عنه أبو بكر بن عياش الكوفي (شعبة)، حفص بن سليمان الغاضري.
قراءة الإمام حمزة بن حبيب الزيات الكوفي:رواها عنه خلف بن هشام بن ثعلب البزار، وخلاد بن خالد.
قراءة الإمام علي بن حمزة الكسائي الكوفي: رواها عنه أبو الحارث الليث بن خالد البغدادي، وحفص بن عمر الدوري رواي أبي عمر البصري.
قراءة الإمام أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني: رواها عنه عيسى بن وردان أبو الحارث الحذاء، وسليمان بن مسلم بن جماز.
قراءة الإمام يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري: رواها عنه محمد بن المتوكل (رُوَيْس)، ورَوْح بن عبد المؤمن.
قراءة الإمام خلف بن هشام البزار الكوفي: رواها عنه: إسحاق بن إبراهيم بن عثمان، وإدريس بن عبد الكريم الحداد.
القراءات الشاذة:
تعريف القراءة الشاذة: هي القراءة التي اختل فيها ركن من أركان القراءة الثلاثة.
وأشهر القراءات الشاذة أربعة:
قراءة ابن محيصن: محمد بن عبد الرحمن المكي.
قراءة يحيى اليزيدي: أبو محمد بن المبارك البصري.
قراءة الحسن البصري.
قراءة سليمان بن مهران الأعمش.
أنواع القراءات الشاذة:
1- ما ورد آحاداً وصح سنده، لكنه خالف رسم المصحف أو قواعد العربية.
2- ما لم يصح سنده مع موافقته للرسم وقواعد النحو.
3- القراءات الموضوعة المختلقة.
4- القراءات التفسيرية: وهي التي سيقت على سبيل التفسير، مثل قراءة سعد (وله أخ أو أخت من أمفلكل واحد منهما السدس) أو قراءة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما).
حكم القراءات الشاذة:
لا تعتبر القراءات الشاذة قرآنا، ولا يجوز اعتقاد قرآنيتها، كما لا تجوز قراءتها في الصلاة أو خارجها. ويجوز تعلمها وتعليمها وتدوينها في الكتب وتوجيهها.
وما صح من القراءات الشاذة حجة عند الأصوليين في استنباط الأحكام الشرعية.
العلاقة بين الأحرف السبعة والقراءات:
تقدم أن الأحرف السبعة هي الكيفيات المختلفة التي نزل بها القرآن الكريم على قلب النبي الكريم r، وأنه قد نسخ بعض الأحرف في العرضة الأخيرة من العام الذي توفي فيه النبي r.
ومن هنا يمكن القول بأن القراءات المتواترة هي جملة ما تبقى من الأحرف السبعة. قال ابن الجزري: (الذي لا يشط فيه أن قراءة الأئمة السبع والعشرة والثلاثة عشر وما وراء ذلك: بعض الأحرف السبعة من غير تعيين)([45]).
يقول الإمام البغوي: (جمع الله تعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة y على مصحف واحد، وهو آخر العرضات على رسول الله r، كان أبو بكر t أمر بكتبته([46]) جمعاً بعدما كان مفرقاً في الرقاع ليكون أصلاً للمسلمين، يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وأمر عثمان t بنسخه في المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه قطعاً لمادة الخلاف، فكان ما يخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع، كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة، والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد،وهو الإمام للأمة)([47]).
وذهب الإمام ابن جرير الطبري: إلى أن ما عليه الناس من القراءات مما يوافق خط المصحف هو حرف واحد من الأحرف السبعة، فتكون القراءات العشر على قوله بعض حرف
ومما استدل به لهذا القول أن عثمان عندما أمر الكتاب بنسخ المصاحف أمرهم أن يكتبوه بلسان قريش.
وقد فهم البعض هذا الأمر بأن اقتصار على حرف واحد هوإلغاء للحروف الأخرى
والجواب: كما ذكر ابن الجزري: أن المصحف كتب على حرف واحد، لكن: لكونه جرد عن النقط والشكل احتمل أكثر من حرف، إذ لم يترك الصحابة إدغاما ولا إمالة ولا تسهيلاً ولا نقلاً ولا نحو ذلك مما هو باقي الأحرف الستة وإنما تركوا ما كان قبل ذلك من زيادة كلمات ونقص أخرى، ونحو ذلك مما كان مباحاً لهم القراءة به) ([48]).
فوائد اختلاف القراءات([49])
1- جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسان واحد يوحد بينها وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن الكريم والذي انتظم كثيرا من مختارات ألسنة القبائل العربية التي كانت تختلف إلى مكة في موسم الحج وأسواق العرب المشهورة فكان القرشيون يستملحون ما شاؤوا ويصطفون ما راق لهم من ألفاظ الوفود العربية القادمة إليهم من كل صوب وحدب ثم يصقلونه ويهذبونه ويدخلونه في دائرة لغتهم المرنة التي أذعن جميع العرب لها بالزعامة وعقدوا لها راية الإمامة وعلى هذه السياسة الرشيدة نزل القرآن على سبعة أحرف يصطفي ما شاء من لغات القبائل العربية على نمط سياسة القرشيين بل أوفق ومن هنا صح أن يقال إنه نزل بلغة قريش لأن لغات العرب جمعاء تمثلت في لسان القرشيين بهذا المعنى وكانت هذه حكمة إلهية سامية فإن وحدة اللسان العام من أهم العوامل في وحدة الأمة خصوصا أول عهد بالتوثب والنهوض.
2- بيان حكم من الأحكام: كقوله سبحانه: ] وإن كان رجل يورث كلالة أو أمرأة وله أخ أو أخت فلكل وحد منهما السدس [ [النساء 12] قرأ سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم) بزيادة لفظ (من أم) فتبين بها أن المراد بالإخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقاء ومن كانوا لأب وهذا أمر مجمع عليه . ومثل ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين:]فكفرته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة [[المائدة 89 ] وجاء في قراءة (أو تحرير رقبة مؤمنة) بزيادة لفظ مؤمنة فتبين بها اشتراط الإيمان في الرقيق الذي يعتق كفارة يمين وهذا يؤيد مذهب الشافعي ومن نحا نحوه في وجوب توافر ذلك الشرط.
- ومنها الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين، كقوله تعالى: ] فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن[ [البقرة 222] قرىء بالتخفيف والتشديد في حرف الطاء من كلمة يطهرن ولا ريب أن صيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أما قراءة التخفيف فلا تفيد هذه المبالغة ومجموع القراءتين يحكم بأمرين أحدهما أن الحائض لا يقربها زوجها حتى يحصل أصل الطهر وذلك بانقطاع الحيض، وثانيهما أنها لا يقربها زوجها أيضا إلا إن بالغت في الطهر وذلك بالاغتسال فلا بد من الطهرين كليهما في جواز قربان النساء وهو مذهب الشافعي ومن وافقه أيضا.
- ومنها الدلالة على حكمين شرعيين ولكن في حالين مختلفين: كقوله تعالى في بيان الوضوء ]فأغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأمسحوا برءوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين[ [المائدة 6] قرىء بنصب لفظ (أرجلَِكم) وبجرها، فالنصب يفيد طلب غسلها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ (وجوهَكم) المنصوب وهو مغسول والجر يفيد طلب مسحها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ (رؤوسِكم) المجرور وهو ممسوح وقد بين الرسول أن المسح يكون للابس الخف وأن الغسل يجب على من لم يلبس الخف.
- ومنها دفع توهم ما ليس مرادا كقوله تعالى: ]يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله[[الجمعة 9] وقرىء (فامضوا إلى ذكر الله) فالقراءة الأولى يتوهم منها وجوب السرعة في المشي إلى صلاة الجمعة ولكن القراءة الثانية رفعت هذا التوهم لأن المضي ليس من مدلوله السرعة.
- ومنها بيان لفظ مبهم على البعض، نحو قوله تعالى: ]وتكون الجبال كالعهن المنفوش[ [القارعة 5] وقرىء (كالصوف المنفوش) فبينت القراءة الثانية أن العهن هو الصوف.
- ومنها تجلية عقيدة ضل فيها بعض الناس نحو قوله تعالى في وصف الجنة وأهلها ]وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا[ [الإنسان 20] جاءت القراءة بضم الميم وسكون اللام في لفظ (وملكا كبيرا) وجاءت قراءة أخرى بفتح الميم وكسر اللام في هذا اللفظ نفسه فرفعت هذه القراءة الثانية نقاب الخفاء عن وجه الحق في عقيدة رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة لأنه سبحانه هو الملك وحده في تلك الدار ]لمن الملك اليوم لله الوحد القهار[ [غافر16].
والخلاصة أن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات: وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدىء من جمال هذا الإيجاز وينتهي إلى كمال الإعجاز، أضف إلى ذلك ما في تنوع القراءات من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء وتضاد ولا إلى تهافت وتخاذل بل القرآن كله على تنوع قراءاته يصدق بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير وهدف واحد من سمو الهداية والتعليم وذلك من غير شك يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف ومعنى هذا أن القرآن يعجز إذا قرىء بهذه القراءة ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثانية ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثالثة وهلم جرا ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الوجوه والحروف، ولا ريب أن ذلك أدل على صدق محمد لأنه أعظم في اشتمال القرآن على مناح جمة في الإعجاز وفي البيان على كل حرف ووجه وبكل لهجة ولسان ] ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم[ [الأنفال 42].
من أين جاء اختلاف القراءات: وما هي الدوافع لاختيار القراءات:
كما كان الدافع لجمع القرآن في زمن أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم هو صيانة كتاب الله تعالى، فإن ذلك أيضا كان وراء تحديد القراءات التي يقرأ بها.
يقول ابن الجزري: (ثم كثر الاختلاف أيضا فيما يحتمله الرسم، وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد من المسلمين تلاوته، فوضعوها من عند أنفسهم وفاقاً لبدعهم، كم قال من المعتزلة ]وكلم الله موسى تكليما[بنصب لفظ الجلالة، ومنالرافضة ]وما كنت متخذ المضلين عضدا[ بفتح اللام يعنون أبا بكرو عمررضي الله عنهما.
فلما وقع ذلك : رأى المسلمون أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات، تجردوا للقيام بالقرآن العظيم، فاختاروا من كل مصر وجه إليه مصحف أئمةً مشهورين بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين، وكمال العلم، أفنوا عمرهم في الإقراء والقراءة واشتهر أمرهم وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم فيما نقلوا وثقتهم فيما قرأوا ورووا وعلمهم بما يقرئون ولم تخرج قراءتهم عن خط المصحف
وبعد أن عدد الأئمة قال:
ثم إن القراء بعد ذلك تفرقوا في البلاد، وخلفهم أمم بعد أمم، وكثر بينهم الخلاف، وقل الضبط، واتسع الخرق، فقام الأئمة الثقات النقاد وحرروا وضبطوا وجمعوا وألفوا على حسب ما وصل إليهم أو صح لديهم..
فالذي وصل إلينا اليوم متواتراً أو صحيحاً مقطوعاً به: قراءات الأئمة العشرة ورواتهم المشهورين) ([50]) .
شبهات حول القراءات([51]):
الشبهة الأولى: عدم تواتر القراءات:
زعم بعض من لا علم له في القراءات ولم يمهر فيها بأنها غير متواترة، لأنها منقولة بأسانيد آحاد، ولا يستطيع أحد أن يثبت تواترها، والبعض أثبت التواتر في القراءات السبع ونفاه عن القراءات الثلاث المتممة للعشر.
الجواب:
التواتر: هو أن ينقل الكلام جماعة تحيل العادة اجتماعهم على الكذب من أول السند إلى منتهاه.
وهذا المعنى متحقق في القراءات العشر إذ رواها عدد كبير من الصحابة، ورواها عنهم التابعون ومن تبعهم. ولم تخل الأمة في عصر من العصور ولا في مصر من الأمصار عن جم غفير ينقل القراءات ويرويها بالإسناد المتصل.
وأما الطعن في تواتر القراءات الثلاث: فمردود أيضاً لأنها لا تخرج عن القراءات السبع إلا في حروف يسيرة، وقد ذكر ابن الجزري رحمه الله أسماء عدد من أئمة القراءة قرؤوا بالقراءات الثلاث من زمنه إلى أن وصل إلى الأئمة الثلاثة، وعددهم في كل طبقة لا يقل عن الحد الأعلى للتواتر. وأئمة القراءات الثلاث تلقوا القراءة عن أئمة القراءات السبع، فإذا تواترت السبع لزم من تواترها تواتر الثلاث.
ونسبة القراءات إلى الأئمة لا تعني أنه لم يرويها غيرهم، بل قد رواها كثيرون غيرهم، ولكنهم كانوا أبرز القراء وأكثرهم إتقاناً وملازمة للقراءة التي رويت عنهم مع الثقة والعدالة وحسن السيرة، ولذلك نسبت إليهم.
وبهذا يتبين لنا أن هذه الشبهة في غاية السقوط، والله تعالى أعلم.
الشبهة الثانية: مصدر اختلاف القراءات هو رسم المصحف:
وذلك أن خلو رسم المصحف من النقط والشكل بالإضافة إلى ما في رسم المصحف من حذف وزيادة وإبدال، هو الذي جعل القراء يختلفون فيما بينهم، فمنهم من يقرأ (فتبينوا) ومنهم من يقرأ (فتثبتوا) وغير ذلك..
الجواب:
هذه الشبهة الباطلة يكذبها الواقع، وذلك أن هناك كلمات كثيرة جداً لو كان المرجع في اختلاف القراءات إلى الرسم لاختلفوا فيها ولكنك تجدهم متفقين على قراءتها بوجه واحد رغم احتمال رسمها لأكثر من قراءة.
ولو تتبعنا أسانيد القراءات كلها لوجدناها تصل إلى رسول الله r، فكل قارئ يقرأ وفق ما تلقاه من شيخه حتى يصل الإسناد إلى رسول الله r، فمرجع الاختلاف إذاً ليس الاعتماد على الرسم وإنما على التلقي والمشافهة. ولما كتب عثمان المصاحف أرسل مع كل مصحف قارئاً ليقرئ الناس، ولو جاز استخراج القراءات المختلفة من الرسم لما احتاج أن يرسل مع كل مصحف قارئاً معلماً.
و لو كان خلو المصاحف من الشكل والنقاط هو السبب في تنوع القراءات واختلافها لكانت كل قراءة يحتملها رسم المصحف صحيحة معتبرة قرآنًا، وواقع الأمر ليس كذلك، إذ إن القراءات القرآنية من جهة قبولها تنقسم إلى أقسام؛ فهناك القراءات مقبولة، وهناك القراءات المردودة، وهذا التقسيم الذي اعتمده أرباب هذا العلم يدلل على أن أي قراءة لا يُعتد بها، ولا تعتبر قرآنًا إلا إذا توفرت فيها شروط القبول الثلاثة.
غاية ما في الأمر أن خلو المصاحف من النقط والشكل سبباً معيناً للرسم لاستيعاب القراءات المختلفة في الكلمة والواحدة وليس موجباً لاختلاف القراءات أو مصدراً من مصادرها. والله تعالى أعلم.
الشبهة الثالثة: جواز القراءة بالمعنى:
يزعم أصحاب هذه الشبهة أنه يجوز استبدال لفظ مكان آخر في القرآن الكريم إذا كان يؤدي المعنى نفسه، مستدلين بما روي عن ابن مسعود t أنه كان يقرئ رجلاً ] إن شجرة الزقوم طعام الأثيم [ وكان الرجل يقول طعام اليتيم، فقال له ابن مسعود: أتستطيع أن تقول طعام الفاجر، قال نعم، قال فقل.
الجواب:
لو كانت القراءة بالمعنى حاصلة وجائزة لكان بين أيدينا اليوم مئات المصاحف.
ولذهب الإعجاز البياني من القرآن، إذ كل لفظ فيه مقدر في موضعه لا يمكن أن يسد لفظ آخر مسده.
وأما الأثر المروي عن ابن مسعود فهو ضعيف لا يصح الاحتجاج به، يقول القرطبي: ولاحجة في هذا للجهال من أهل الزيغ أنه يجوز إبدال حرف من القرآن بغيره، لأن ذلك إنما كان من عبد الله t تقريباً للمتعلم وتوطئة منه للرجوع إلى الصواب واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال الله تعالى وحكاية رسول الله r ([52]).
الشبهة الرابعة: تناقض القراءات:
زعم المستشرق جولد زيهر: وجود تناقض بين القراءات في المعنى، واستدل على ذلك بتناقض القراءتين في سورة الروم ] غُلِبت الروم [ بالبناء للمجهول و] سيَغلبون [ بالبناء للمعلوم، والقراءة الثانية (غَلبت الروم) بالبناء للمعلوم (سيُغلبون) بالبناء للمجهول.
الجواب:
أن القراءة المتواترة في هذه الآية هي ]غُلبت الروم[ بالبناء للمجهول، أما القراءة الثانية فهي قراءة شاذة غير متواترة، وبالتالي لا تصلح لمعارضة القراءة الأولى ولا تعد قرآناً أصلاً. ولن يجد جولد زيهر ولا غيره من المغرضين ما يمكن أن يكون مثالاً لتعارض القراءات، وصدق الله تعالى إذ يقول: ] ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً [ [النساء82].
ومن يرجع إلى كتب التفسير وكتب توجيه القراءات فسيرى ما في تلك القراءات من إعجاز.
الشبهة الخامسة: إقرار بعض الصحابة بوجود اللحن في كتابة المصحف:
يروى أن عثمان t قال: (إن في القرآن لحناً ستقيمه العرب بألسنتها) ، وقال ابن عباس في قوله تعالى ]حتى تستأنسوا وتسلموا [ [النور 27] إن الكاتب أخطأ والصواب حتى تستأذنوا، وعن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ ]والمقيمين الصلاة والمؤتون[ ويقول هو من لحن الكتاب، وأن عائشة قالت لعروة ابن الزبير عن قوله تعالى ] إن هذن لسحرن [[طه 63] وعن قوله تعالى ]والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة [ [ النساء 162 ] وعن قوله تعالى ] إن الذين أمنوا والذين هادوا والصبئون [ [ المائدة 69]. فقالت يا بن أخي هذا من عمل الكتاب قد أخطئوا في الكتاب.
روي عن أبي خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة فقال جئت أسألك عن آية في كتاب الله كيف كان رسول الله r يقرؤها قالت أية آية؟ قال ]الذين يؤتون ما آتوا[ أو الذين يأتون ما أتوا. قالت أيهما أحب إليك؟ قلت: والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعا. قالت أيهما؟ قلت الذين يأتون ما أتوا.
فقالت أشهد أن رسول الله r كذلك كان يقرؤها وكذلك أنزلت ولكن الهجاء (حرف).
والجواب على هذه الشبهة:
1- أن هذه الأخبار كلها لم تصح عمن نسبت إليهم، فهي ضعيفة لا تستحق أن يرد عليها ومعارضة بما ثبت بالتواتر في قراءة القرآن .
2- على فرض صحة الروايات المذكورة: فإن كلمة لحن تحمل على معنى (الوجه) أو اللهجة كما في حديث (اقرؤوا القرآن بلحون العرب) وليس على معنى الخطأ.
3- أن قول عائشة (الهجاء حرف) على فرض صحته هي بإسكان الراء وليس بتشديدها، فهي تريد أن تقول إن الهجاء أي رسم المصحف حرف من الأحرف السبعة.
4- أن هذه الرواية عم أم المؤمنين عائشة معارضة بما ورد من سؤالها عن هذا الموضع من سورة المؤمنون قد ورد في فيه حديث عائشة وسؤالها النبي r عن معنى الآية: (أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال: (لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم)([53]).
الشبهة السادسة: مخالفة بعض القراءات لقواعد العربية:
طعن عدد من علماء اللغة على بعض أوجه القراءات لمخالفتها المشهور من مذهبهم.
الجواب:
إن موافقة اللغة العربية ولو بوجه فصيح أو أفصح شرط من شروط القراءة المقبولة، فكون القراءة تخالف الوجه الأفصح في اللغة لا يعني أنها تخالف اللغة بالكلية، لأن اللغة واسعة فيها المشهور والضعيف والنادر والغريب، والأَولى بعلماء النحو أن يجعلوا القراءات المتواترة حجة على العربية وحاكمة عليها وأساساً لها. لا أن يجعلوا قواعد اللغة أساساً للقراءات.
والعجب كل العجب من بعض علماء النحو أنهم يثبتون لغة ببيت أو عبارة قد لا يعرف قائلها، ولا صدق ناقلها، ولا يثبتونها بالقراءات المتواترة التي نقلها أئمة القراءة.
وعِلم الله سبحانه محيط باللغات كلها، وقد اختار منها لغة العرب لتكون لغة كتابه، فقال عن القرآن ]بلسان عربي مبين [ فهل أحاط النحويون باللغة أكثر من إحاطة الله سبحانه بها حتى يقولوا هذا وجه لا يصح في اللغة مع أنه منقول بالتواتر؟ تعالى الله عن ذلك.
طرق تلقي القراءات في عصرنا:
الإفراد: وهو أن يقرأ التلميذ على شيخه ختمة لكل راو أو لكل قارئ، وهكذا حتى يتم القراءات العشر.
وهذه الطريقة هي الأصل في الإقراء، ولكن لطول الزمن الذي تستغرقه القراءة ولضعف الهمم توجه العلماء إلى القراءة بطريقة الجمع.
الجمع: هو أن يقرأ القارئ المقطع القرآني بقراءاته المختلفة، فإذا انتهى منه انتقل إلى مقطع آخر. وله عدة طرق:
طرق الجمع:
الجمع بالآية: وهو أن يحدد المقطع القرآني بآية واحدة، يستوفي فيه القارئ خلاف القراء ثم ينتقل إلى قارئ آخر. وهكذا ويبدأ في كل آية بقالون ثم بمن يوافقه وهكذا.
جمع الماهر بالآية: نفس الطريقة السابقة من حيث المقطع لكنها تختلف بأن التلميذ إذا انتهى بقارئ في الآية الأولى فإنه يبدأ به في الآية التالية.
الجمع بالوقف: وهو أن يحدد المقطع القرآني بالموضع الذي يقف عليه القارئ، ويستوفي فيه أوجه القراءة، ثم ينتقل إلى المقطع الذي يليه.
جمع الماهر بالوقف: نفس الطريقة السابقة من حيث المقطع لكنها تختلف بأن التلميذ إذا انتهى بقارئ في المقطع الأولى فإنه يبدأ به في المقطع التالي.
قال ابن الجزري:
فالماهر الذي إذا ما وقفا
يعطف أقربا به فأقربا
يبدا بوجه من عليه وقفا
مختصراً مستوعباً مرتبا
ضابط القراءة بالجمع: مراعاة حسن الوقف والابتداء، والبعد عن التلفيق وتركيب الأوجه في القراءة.
قال ابن الجزري:
وجمعنا نختاره بالوقف
بشرطه فليرع وقفا وابتدا
وغيرنا يختاره بالحرف
ولا يُرَكِّب وليُجد حسن الأدا
حكم التلفيق في القراءة:
الجمع بالحرف: وهو أن يقرأ القارئ الآية فإذا مر على كلمة فيها خلاف كرر الكلمة بحسب أوجه الخلاف فيها ثم يكمل القراءة لقارئ واحد، وهكذا.
طرق القراءات في عصرنا:
التيسير في القراءات السبع: ألفه الإمام أبو عمرو الداني (المتوفى444) نسبة إلى دانية بالأندلس، وقد اشتهر هذا الكتاب بالأندلس شهرة عظيمة وصار الطلبة يحفظونه ويروون القراءات بمضمنه.
ومما زاد في شهرة هذا الكتاب ما قام به الإمام الشاطبي من نظم له في منظمته حرز الأماني.
متن الشاطبية (حرز الأماني ووجه التهاني):
منظومة لامية مكونة من 117 بيتا، نظمها الإمام القاسم بن فيرُّه الشاطبي الأندلسي المتوفى سنة590هـ بمصر، وأصله من مدينة شاطبة بالأندلس، وقد ضمن الشاطبي كتاب التيسير للداني في هذه المنظومة وزاد عليه بعض الخلافات، وهي ما عرف فيما بعد بزيادات القصيد، أي ما زادته الشاطبية على التيسير، يقول الشاطبي رحمه الله:
وفي يسرها التيسير رمت اختصاره
وألفافها زادت بنشر فوائد
وسميتها حرز الأماني تيمنا
فأجنت بعون الله منه مؤملا
فلفت حياء وجهها أن تفضلا
ووجه التهاني فاهنه متقبلا
وقد استخدم رحمه الله تعالى في منظومته رموزا حرفية خاصة للدلالة على أسماء القراء
حيث رمز لكل قارئ بحرف، ولكل مجموعة من القراء برمز
يقول رحمه الله:
جعلت أبا جاد على كل قارئ
ومن بعد ذكري الحرف أسمي رجاله
دليلاً على المنظوم أول أولا
متى تنقضي آتيك بالواو فيصلا
والمقصود بـ أبا جاد، هجاء الحروف الأبجدية (أبج، دهز، حطي ، كلم ، نصع، فضق، رست ، ثخذ، ظغش). كل ثلاثة حروف لقارىء وراوييه، والثاء للكوفيين، والخاء لغير نافع (وهم ستة قراء) والذال للكوفيين وابن عامر، والظاء للكوفيين وابن كثير، والغين للكوفيين وأبي عمرو، والشين لحمزة والكسائي (الأخوين).
كما خص بعض مجموعات القراء برموز كلمة وهي:
صحبة: شعبة وحمزة والكسائي. صحاب: حفص وحمزة والكسائي.
عم: نافع وابن عامر. سما: نافع وابن كثير وأبو عمرو.
حق: ابن كثير وأبو عمرو نفر: ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
حرمي: نافع وابن كثير (الحرميان) حصن: نافع والكوفيين.
وإذا سمح له النظم بذكر اسم القارئ الصريح أو لقبه فإنه يسميه وفي ذلك يقول:
وسوف أسمي حيث يسمح نظمه به موضحاً جيداً معماً ومخولا.
وإذا اختص القارئ بمذهب معين فإنه يخصه بباب خاص مثل:
الإدغام لأبي عمرو والوقف لحمزة وهشام على الهمز، وفي ذلك يقول:
ومن كان ذا باب له فيه مذهب فلا بد أن يسمى فيدرى ويعقلا.
واصطلح على ألفاظ عدها من الأضداد ليكتفي بذكر أحد الضدين ولعرف الآخر منه: فيقول:
وما كان ذا ضد فإن بضده غني فزاحم بالذكاء لتفضلا.
وقد مالت هذه المنظومة شهرة عجيبة، فهي علاوة على كونها منظومة عليمة قيمة، فهي من عيون الشعر العربي وتحتوى على وصايا جمة لقارئ القرآن، ومنها قوله رحمه الله:
وعش سالماً صدراً وعن غيبة فغب
وهذا زمان الصبر من لك بالتي
ولو أن عينا ساعدت لتوكفت
ولكنها عن قسوة القلب قحطها
تحضر حظار القدس أنقى مغسلا
كقبض على جمر فتنجو من البَلا
سحائبها بالدمع ديماً وهطلا
فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا
من أشهر شروح الشاطبية:
فتح الوصيد في شرح القصيد للإمام علم الدين السخاوي (ت643)وهو تلميذ الإمام الشاطبي.
إبراز المعاني من شرح حرز الأماني. لأبي شامة المقدسي وهو تلميذ السخاوي.
إرشاد المريد إلى مقصود القصيد، للعلامة المحقق علي محمد الضباع، وله شرح آخر مختصر اسمه (تقريب النفع في القراءات السبع).
الوافي في شرح الشاطبية للشيخ عبد الفتاح القاضي.
تقريب المعاني في شرح حرز الأماني لكل من سيد لاشين أبو الفرح، وخالد الحافظ.
متن الدرة المضية في القراءات الثلاث:
منظمومة مكونة من (240) بيت نظمها الإمام ابن الجزري على وزن الشاطبية، ذكر فيها قراءات الأئمة الثلاثة المتممة للعشر وهي قراءة أبي جعفر، وقراءة يعقوب الحضرمي، وقراءة خلف البزار(العاشر). وذلك كما كما ورد في كتابه (تحبير التيسير) في القراءات العشر الذي جمع فيه الجزري بين كتاب التيسير للداني والقراءات الثلاث المتممة للعشرة.
وجعل لكل واحد من هؤلاء الثلاثة أصلاً من القراء السبع فجعل أصل أبي جعفر نافعا واعطاه رمزه في النظم (أبج) وجعل أصل يعقوب أبا عمرو البصري وأعطاه رمزه في النظم (حطي) وجعل أصل خلف حمزة وعطاه رمزه في النظم (فضق). ولم يذكر في منظمته إلى ما خالف فيه هؤلاء أصولهم في الشاطبية
ورمزهم ثم الرواة كأصلهم فإن خالفوا أذكر وإلا فأهملا
ومن شروحها:
الإيضاح على متن الدرة للزبيدي، وهو مطبوع بتحقيق عبد الرزاق علي موسى.
الإيضاح لعبد الفتاح القاضي.
شرح الدرة للسمنودي.
كتاب النشر في القراءات العشر:
كتاب حافل عظيم جمع فيه ابن الجزري خلاف القراء العشر في القرآن لكه بعد أن قدم بمقدمة نفيسة في بيان فضل حملة القرآن وبيان جمعه وحفظه وضوابط القراءة الصحيحة وأقسام القراءات الشاذة ، وتعريفاً موجزاً بالقراء العشرة وطرقهم، وبين مصادره فيما ذكره في النشر من القراءات فيما صار يعرف (بأصول النشر) وقام الدكتور أيمن سويد مع مجموعة من الباحثين بتحقيق بعضها فيما سماه (سلسلة أصول النشر).
وهذا الكتاب لا غنى عنه لكل طالب في علم التجويد والقراءة.
وقد اختصره ابن الجزري في كتاب أخر له سماه (تقريب النشر) وقام الشيخ زكريا الأنصاري باخصار التقريب وسماه (مختصر تقريب النشر).
متن طيبة النشر في القراءات العشر:
منظومة ألفها الإمام ابن الجزري ، عدد أبياتها (1015) بيتا ، ضمنها كتابه النشر، وجعلها على بحر الرجز، واستخدم فيها رموز الشاطبي واصطلاحاته، إلا فيما ليس في الشاطبية من القراء، وفي ذلك يقول، بعد أن بين منهجه فيها:
وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي ليسهل استحضار كل طالب.
وللطيبة شروح كثيرة ، من أشهرها:
شرح ابن الناظم، أحمد ابن الجزري.
شرح النويري تلميذ ابن الجزري.
ولما كانت الجزرية قد حوت زهاء ألف طريق فقد احتاجت إلى تحرير تلك الأوجه حتى لا يقع القارئ في التركيب، ومن أشهر التحريرات:
عمدة العرفان للإزميري.
الروض النضير للمتولي.
التحريرات في علم القراءات:
التحريرات:
التحرير فى اللغة يطلق على عدة معان منها: التقويم، التدقيق، والإحكام.يقال: تحرير الكتاب وغيره، تقويمه،وحرر الوزن، دققه وحرر الرمى إذا أحكمه،
واصطلاحا: تنقيح القراءة من أى خطأ أو خلل كالتركيب مثلا, ويقال له التلفيق.
قال السخاوى فى جمال القراء: إن خلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ. وقال القسطلانى شارح البخارى فى لطائفه: يجب على القارئ الاحتراز من التركيب فى الطرق وتمييز بعضها من بعض وإلا وقع فيما لايجوز وقراءة ما لم ينزل.. وقال الشيخ مصطفى الأزميرى: التركيب حرام فى القرآن على سبيل الرواية ومكروه كراهة تحريم على ما حققه أهل الدراية، فالتدقيق فى القراءات وتقويمها والعمل على تمييز كل رواية على حده من طرقها الصحيحة، وعدم خلطها برواية أخرى، هو معنى التحرير وفائدته،وفيه محافظة على كلام الله من أن يتطرق إليه أى محرم أو معيب.
أشهر كتب التحريرات:
1- كنز المعاني بتحرير حرز الأماني للشيخ سليمان الجمزوري. وقام الجمزوري بشرحه في كتابه (الفتح الرحماني شرج كنز المعاني).
2- مختصر بلوغ الأمنية على نظم تحرير الشاطبية للضباع.
3- عمدة العرفان للإزميري. (للطيبة)
4- الروض النضير للمتولي. (للطيبة) وقدجمع بين الكتابين جمال محمد الشرف في كتاب واحد أسماه (تحريرات الطيبة على ما جاء في عمدة العرفان...)
5- فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن الكريم للمتولي.
6- شرح تنقيح فتح الكريم للشيخ أحمد الزيات.
7- حل المشكلات وتوضيح التحريرات في القراءات لمحمد عبد الرحمن الخليجي.
([1]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 4/704.
([2]) رواه البخاري، رقم: 94،95، 1/49.
([3]) رواه البخاري رقم 4739، ج4 ص1919.
([4]) رواه الترمذي رقم 3790، ج5/ص664، وقال حسن غريب.
([5]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج4/ص278، والنسائي في السنن الكبرى رقم8256،ج5/ص71، وابن ماجةج1/ص49. وابن خزيمة في صحيحه ج2/ص186.
([6]) رواه البخاري رقم4306، ج4/ص1673.
([7]) رواه الحاكم في المستدرك، 2/384.
([8]) رواه مسلم رقم 3004 باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم.
([9]) رواه الحاكم، المستدرك، 1/216.
([10]) رواه الترمذي ج5/ص734، وقال حديث حسن غريب، و الحاكم في المستدرك ج2/249، وابن حبان ج1/ص320.
([11]) رواه مسلم 3/13.
([12]) رواه الحاكم ج1/ص91، والبيهقي في السننج3/ص20.
([13]) رواه أبو داود. وأما نهي النبي r عبادة عن أخذ القوس مقابل التعليم فلأنه تبرع بتعليم الرجل فلم يستحق أجرة، ولذلك أجاز العلماء أخذ الأجرة على تعليم القرآن لا سيما لمن شغله ذلك عن أمور معاشه وطلب رزقه.
([14]) رواه البخاري رقم: 4701، باب جمع القرآن، 4/1907
([15]) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1/ص162.
([16])الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1/ص162. وينظر فتح الباري: ج9/ص14.
([17]) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1/ص162.
([18])الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/163.
([19]) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/163.
([20]) ينظر: مناهل العرفان
([21]) مجمع الزوائد 7/152. وقال رواه أبو يعلى في الكبير وفيه راو لم يسم.
([22]) البخاري 4/1909 ومسلم (رقم818) 1/560
([23]) رواه البيهقي في السنن الصغرى 1/567.
([24]) رواه البخاري 3/1177. ومسلم رقم(819) 1/516.
([25]) رواه مسلم رقم (520) 1/516.
([26]) رواه مسلم رقم(821) 1/562.
([27]) رواه البيهقي في شعب الإيمان رقم(2265) 2/419. وابن حبان 1/275. وذكره ابن حجر في الفتح (9/26) وقال إسناده حسن. وعن أحمد نحوه في المسند 4/169.
([28]) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج5/ص405. ونحوه عند الترمذي 5/194 وقال حسن صحيح، و ابن حبان 3/14، رقم(739).
([29]) رواه أحمد 5/124. وابن عبد البر في التمهيد 5/286. ونحوه مختصراً عند النسائي في السنن الكبرى رقم(1013) 1/327. وابن حبان رقم(737) 3/2. في مجمع الزوائد 7/151.
([30]) رواه البخاري 4/1929.
([31]) ينظر: مناهل العرفان للزرقاني 1/147 وما بعدها. المدخل لأبي شهبة 156 وما بعدها.
([32]) أبو عمرو الداني، الأحرف السبعة
([33]) السنن الكبرى للبيهقي 2/385.
([34]) وذلك لأنه يعتبر مرتداً.
([35]) منجد المقرئين 182-183.
([36])رواه أحمد 5/41، فيه زيد بن جدعان سيء الحفظ كما قال الهيثمي(7/151)، وبقية رجال السند رجال الصحيح.
([37])المسند2/332، صحح إسناده أحمد شاكر16/167
([38])رواه أحمد 4/30.
([39]) فتح الباري9/29.
([40]) مناهل العرفان في علوم القرآن - الزرقاني ج1/ص115
([41]) ابن الجزري، منجد المقرئين، ومرشد الطالبين، ص 3.
([42]) الذهبي، معرفة القراء الكبار 1/39.
([43]) منجد المقرئين ص79.
([44]) مكي، الإبانة عن وجوه القراءات، ص 57. ابن الجزري، النشر، 1/14.
([45]) منجد المقرئين ص181.
([46]) لعل الصواب (بكتابته).
([47]) ينظر، مقدمات في علم القراءات، د محمد القضاة وآخرون، ص 39
([48]) منجد المقرئين ص 184.
([49]) ينظر: الزرقاني، مناهل العرفان 1/148-151
([50]) منجد المقرئين 97-99.
([51]) ينظر: المصدر السابق ص223-231
([52]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 16/149.
([53]) رواه الترمذي 5/327، والحاكم في المستدرك 2/427.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق