وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
الحمد لله
إذا وُجد العذر الذي يبيح التيمم وهو إما فقد الماء أو تعذر استعماله بسبب مرض ونحوه فإن التيمم يقوم مقام الوضوء والاغتسال ، فيتيمم الجنب ويصلي ، ثم إذا وجد الماء وجب عليه الاغتسال .
وقد دل على ذلك القرآن والسنة .
1- قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) المائدة/6 " فأَمَرَنَا الله سُبْحَانَهُ بِالطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَبِالتَّيَمُّمِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا" اهـ . قاله شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (21/396) بتصرف يسير . والطهارة الصغرى هي الوضوء ، والكبرى هي الاغتسال .
2- وروى البخاري في موضعين (344) (348) عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا مُعْتَزِلا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ ، فَقَالَ : يَا فُلانُ ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلا مَاءَ . قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ . وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد الماء فأَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ وقَالَ : ( اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ ) .
"وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكاف عن الماء لكن إذا وجد الماء فإنه يجب استعماله ، ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة " قاله ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (11/239) .
3- وروى مسلم (368) أَنَّ رَجُلا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ : إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً . فَقَالَ : لا تُصَلِّ . فَقَالَ عَمَّارٌ : أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ ) فَقَالَ عُمَرُ : اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ ! قَالَ : إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ : نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ . وفي رواية : ( قَالَ عَمَّارٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ شِئْتَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا ) .
فنسي عمر رضي الله عنه تلك الحادثة .
(فَقَالَ عُمَرُ : اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ!)
"مَعْنَاهُ : قَالَ عُمَر لِعَمَّارٍ : اِتَّقِ اللَّه تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيه وَتَثَبَّتْ . فَلَعَلَّك نَسِيت , أَوْ اِشْتَبَهَ عَلَيْك الأَمْر . وَأَمَّا قَوْل عَمَّار إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ فَمَعْنَاهُ , وَاَللَّه أَعْلَم ; إِنْ رَأَيْت الْمَصْلَحَة فِي إِمْسَاكِي عَنْ التَّحْدِيث بِهِ رَاجِحَة عَلَى مَصْلَحَة تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْت , فَإِنَّ طَاعَتك وَاجِبَة عَلَيَّ فِي غَيْر الْمَعْصِيَة , وَأَصْل تَبْلِيغ هَذِهِ السُّنَّة وَأَدَاء الْعِلْم قَدْ حَصَلَ , فَإِذَا أَمْسَكَ بَعْد هَذَا لا يَكُون دَاخِلا فِيمَنْ كَتَمَ الْعِلْم . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ تَحْدِيثًا شَائِعًا بِحَيْثُ يَشْتَهِر فِي النَّاس , بَلْ لا أُحَدِّث بِهِ إِلا نَادِرًا " اهـ . قاله النووي .
(فَقَالَ عُمَرُ نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ)
"أَيْ لا يَلْزَم مِنْ كَوْنِي لا أَتَذَكَّرُهُ أَنْ لا يَكُون حَقًّا فِي نَفْس الأَمْر , فَلَيْسَ لِي مَنْعُك مِنْ التَّحْدِيث بِهِ " قاله الحافظ في "فتح الباري "
4- وروى أبو داود (334) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا عَمْرُو ، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ ؟! فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ ، وَقُلْتُ : إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا .
قال الحافظ في الفتح (1/589) : إسناده قوي اهـ . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه : " إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوْ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلا " وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ" اهـ .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (21/451) :
"مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ مِنْ احْتِلامٍ أَوْ جِمَاعٍ حَلالٍ أَوْ حَرَامٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الاغْتِسَالُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِتَضَرُّرِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَزِيدُ الاغْتِسَالُ فِي مَرَضِهِ أَوْ يَكُونَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَإِنْ اغْتَسَلَ خَافَ أَنْ يَمْرَضَ بِصُدَاعِ أَوْ زُكَامٍ أَوْ نَزْلَةٍ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي . سَوَاءٌ كَانَ رَجُلا أَوْ امْرَأَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا" اهـ .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/201) :
هل التيمم يُسقط عن الجنب الاغتسال بتاتا ؟ وكم صلاة يمكن أن أصلي به ؟
فأجاب :
التيمم يقوم مقام الماء ، فالله جعل الأرض مسجداً وطهوراً للمسلمين ، فإذا فقد الماء أو عجز عنه لمرض قام التيمم مقامه ، فلا يزال كافيا حتى يجد الماء ، فإذا وجد الماء وجب عليه الغسل عن جنابته السابقة ، وهكذا المريض إذا برئ وعافاه الله يغتسل عن جنابته السابقة التي طهرها بالتيمم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ ) ثم قال : ( فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَك ) . رواه الترمذي ، من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، ورواه البزار ، وصححه ابن القطان ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
فإذا وجد الماء الجنب أمسه بشرته ، أي : اغتسل بعد ذلك عما مضى ، وأما صلواته الماضية فهي صحيحة بالتيمم عند فقده الماء أو عجزه عن استعماله ؛ لمرض يمنعه من الماء ، حتى ينتهي المرض ويشفى منه ، وحتى يجد الماء إذا كان فاقدا له ، ولو طالت المدة اهـ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق