وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
ملخص النازلة دارت
أولا: صورتها:
أن يتفق مجموعة من الأشخاص على أن يدفع كل
واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً عند نهاية كل شهر، يأخذه أحدهم حسب الاتفاق
بينهم، وغالب من يتعامل بهذه المعاملة هم الموظفون، وبخاصة رجال التعليم، لأن
الموظف يتحصَّل على مرتَّب شهري مطرد. وقد تكون بين التجار أو الصُنَّاع ونحو ذلك.
ثانيا: حكمها:
لقد اختلف العلماء في هذه المعاملة على
قولين:
القول الأول: أنها معاملة جائزة
ولا بأس بها، وبهذا قال أكثر العلماء المتأخرين، منهم: الشيخ عبد العزيز بن باز،
وفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ محمد بن عثيمين وغيرهم كثير.
: أنها محرمة، ومن أشهر من قال بهذا الشيخ صالح الفوزان، وكذلك الشيخ عبد العزيز
آل الشيخ.
أدلة المجيزين:
- قالوا: إن هذا العقد من العقود
التي جاءت الشريعة بجوازه، لأن حقيقة هذا العقد هو: قرض فيه إرفاق بالمقترض[1]، حيث إن المقترض يأخذ القرض ويرد مثله ولا زيادة عليه، فهو
مثلاً إذا أخذ عشرة آلاف فإنه يرد المبلغ نفسه من غير زيادة ولا نقصان، فهذا
قرض لا يخرج عن القرض المعتاد إلا أن الفرق بينه وبين القرض المعتاد، أن
الإقراض في الجمعية يشترك فيه أكثر من شخص والقرض المعتاد يكون بين شخص وآخر.
وما يفعله الموظفون في جمعيتهم إنما هو تسهيل أمورهم، بأن يأخذ كل واحد منهم
مجموع المبالغ التي يدفعها الجميع شهرياً فيأخذه كل منهم في كل مرة حسب مدة
الجمعية وهذا العمل من باب التعاون على الخير وفيه ابتعاد عن القروض المحرمة
شرعاً.
- كذلك استدلوا بالأصل، إذ الأصل
في المعاملات الحل، ما لم يرد دليل على المنع، والقرض المحرم في الشريعة
الإسلامية هو القرض المشروط بالزيادة عند السداد، كما هو الحال في قروض
البنوك الربوية التي تفرض فيها الفوائد الربوية وهو ذات الربا المحرم في كتاب
الله وسنة رسوله، قال تعالى: (وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ([1]. وقال تعالى
- : }يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{[
- وأما في جمعية
الموظفين، فلا يوجد زيادة على القرض، حيث إن كل واحد من المشاركين في الجمعية
يسترد المبالغ التي دفعها بدون زيادة، فهو قرض غير مشروط بزيادة نفع ولا
ينطبق عليها ما ورد في الحديث: ( كل قرض جر نفعاً فهو ربا
وكذلك أيضاً قالوا: في هذا تعاون على البر والتقوى؛ فهذه مثلاً
هذه الجمعية طريق لسد حاجة المحتاجين، وإعانة لهم على البعد عن البنوك الربوية
والمعاملات المحرمة كالربا ونحو ذلك
2 ـ أدلة المانعين ومناقشتها
يستدل
المانعون لهذا النوع من المعاملة بأدلة أهمها:
الأول
ـ إن هذا النوع من المعاملة فيه قرض مشروط فيه القرض، وبعبارة أخرى سلف بشرط
السلف، والقرض الذي يجر منفعة حرام إجماعا؛ بدليل أن "رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (نهى عن قرض جر منفعة) وروي أنه قال: (كل قرض جر نفعا فهو ربا).
هذا
الحديث أورده باللفظ الثاني القاضي حسين، وأورده الغزالي في ـ وسيطه ـ بالأول،
وتبع فيه إمامه، فإنه كذلك أورده، وزاد: إنه صح. ورواه الحارث بن أبي أسامة وغيره
من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ القاضي والرافعي، لكن في إسناده سوار
بن مصعب، وهو متروك"[13].
وقد
نوقش هذا الدليل بكونه ليس فيه قرض مشروط من الطرف الآخر، بل هو قرض معتاد، حيث
"إن كل واحد من المشتركين إنما هو مقرض لمن يأخذ هذه الجمعية قبله، ومستقرض
ممن يأخذها بعده، عدا آخرهم، فهو يستوي حقه الذي أقرضه لهم جميعا"[14]؛
بهذا يكون كل واحد يأخذ نفس المقدار الذي يأخذه الآخر من غير زيادة.
كما
يرد هذا الدليل بكون الحديث ضعيفا، ومن ثم لا يصح الاحتجاج به في تحريم هذه
المعاملة.
كما
لا يصح تحريم كل قرض جر نفعا بإطلاق؛ لأن النفع الذي وقع الإجماع على تحريمه هو ما
يشترطه المقرض على المقترض من منفعة فيها زيادة على المقترض، والذي يكون في مقابلة
القرض.
الثاني
ـ يعتبر القرض أحد القضايا "الثلاث التي لا تكون إلا لله، والمجموعة في قول
القائل:
القرض
والضمان[15] رفق
الجاه[16] *** تمنع
أن ترى لغير الله"[17].
وهذا القرض كما يقول
العلامة محمد التاويل: "لا يقصد به وجه الله"[18]،
والقرض المشروع ما كان يبتغى به وجه الله تعالى.
وقد
رُدّ هذا الدليل بكون الأصل في استحباب القرض الإرفاق، وتفريج كربة المحتاج، إلا
أنه إن ابتغي به وجه الله تعالى أثيب عليه، وإن ابتغي به منفعة دنيوية لم يثب
عليه، فهو من قبيل المباح، مثله مثل إنظار المعسر.
الثالث
ـ إن الأضرار الناجمة عن هذه المعاملة أكثر من منافعها؛ لما تضمنته من المخاطر،
مثل: لو مات المدين، أو أفلس، أو عزل من وظيفته، وهكذا، فإن الدائنين سيضيع حقهم.
بيد أن
هذا الدليل لم يسلم؛ لأن المنفعة تعم كل المشاركين، وليس فيها ضرر على واحد منهم،
والشرع الحكيم لا يحرم المصلحة التي لا ضرر فيها، وإنما شرعها وأمر بها
هذه هي بعض الأدلة التي استدل بها كل فريق على ما ذهب إليه،
ويظهر والله أعلم أن القول الراجح في هذه المعاملة هو الجواز، وهو مذهب أكثر
العلماء في العصر الحاضر، بل أذهب إلى أكثر من هذا وأقول إنها من الأعمال
المندوبة، لأنها تفك حاجات المحتاجين وتغني كثيراً من الناس عن الالتجاء إلى
البنوك الربوية وغير ذلك ولما فيها من التعاون على البر والتقوى والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق