وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
ملخص فقه الزكاة
د.سمير
الحراسيس
تعريف الزكاة:
في
اللغة : النّمو والزيادة ، زكا الزرع أي نما وزاد، وقد
تطلق بمعنى الطهارة، قال تعالى { قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } أي طهرها من
الدنس، وقد تطلق بمعنى المدح، قال تعالى { فّل تُزَكُّوُا أنْفُسَكُم } .
والزكاة
في الشرع : الزكاة اسم لما يخرجه الإنسان
من حق الله تعالى إلى الفقراء.
وسميت
زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة، وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات. فإنها مأخوذة من الزكاة، وهو النماء والطهارة
والبركة. قال الله تعالى: {خُّذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيِهِمْ بِهَا } ([1]).
حكم
الزكاة :
هي
أحد أركان الإسلام الخمسة، وقرنت بالصلاة في اثنتين وثمانين آية. فُرضت في المدينة
في شوال من السنة الثانية للهجرة بعد فرض رمضان وزكاة الفطر، وقد فرضها الله تعالى
بكتابه، وسنة رسوله e،
وإجماع أمته.
من
القرآن الكريم :
قال
تعالى { وأقِيِمُوُا الْصّلاَةَ وَآتُوُا الْزَّكَاةَ }(2) .
وقال تعالى { خُّذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيِهِمْ
بِهَا } وقوله تعالى { وَآتُوُا حَقَّهُ يَومَ حَصَادِهِ }(3) .
من
السنّة الشريفة :
1 - روى الجماعة عن ابن عباس tما،
أن النبي e
لما بعث معاذ بن جبل t
إلى اليمن قال: (إنك تأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس
صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم
صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك
وكرائم (4)
أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). 2 - وروى الطبراني
في الأوسط والصغير، عن علي كرم الله وجهه، أن النبي e قال: (إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع
فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم (5)،
ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا، ويعذبهم عذابا أليما)(6).
وكانت
فريضة الزكاة بمكة في أول الإسلام مطلقة، لم يحدد فيها المال الذي تجب فيه، ولا
مقدار ما ينفق منه، وإنما ترك ذلك لشعور المسلمين وكرمهم.قال الله تعالى: (خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها). أي خذ - أيها الرسول - من أموال المؤمنين صدقة
معينة كالزكاة المفروضة، أو غير معينة، وهي التطوع (تطهرهم وتزكيهم بها) أي تطهرهم
بها من دنس البخل والطمع، والدناءة والقسوة على الفقراء والبائسين، وما يتصل بذلك
من الرذائل، وتزكي أنفسهم بها. أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية
والعملية، حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والأخروية.وقال الله تعالى: (إن
المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين، كانوا
قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم).
جعل الله أخص صفات الأبرار الإحسان، وأن مظهر إحسانهم يتجلى في القيام من الليل،
والاستغفار في السحر تعبدا لله وتقربا إليه. كما يتجلى في إعطاء الفقير حقه، رحمة
وحنوا عليه. وقال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله
أولئك سيرحمهم الله). أي إن الجماعة التي يباركها الله ويشملها برحمته، هي الجماعة
التي تؤمن بالله، ويتولى بعضها بعضا بالنصر والحب، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن
المنكر، وتصل ما بينها وبين الله بالصلاة، وتقوي صلاتها ببعضها، بإيتاء الزكاة. وقال
الله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا
بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). جعل الله إيتاء الزكاة غاية من
غايات التمكين في الأرض.
من
السنّة الشريفة :ما روى الترمذي عن أبي كبشة الانماري، أن النبي e قال: (ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال من
صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا فتح عبد باب مسألة،
إلا فتح الله عليه باب فقر). وأحمد والترمذي، وصححه، عن أبي هريرة: أن رسول الله e قال: (إن الله عز وجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم
كما يربي أحدكم مهرة أو فلوه، أو فصيله ([2])
حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد). قال وكيع: وتصديق ذلك في كتاب الله قوله: (وهو
الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات). (يمحق الله الربا ويربي الصدقات). وغيرها .
الإجماع
:
أجمع
المسلمون في جميع العصور على وجوب الزكاة، واتفق الصحابة على قتال مانعيها، فمن
أنكر فرضيتها كفر وارتدّ إن كان مسلماً
ناشئاً في ديار الإسلام .
الترهيب من منعها :
1 -
قال الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم
بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما
كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}(2).
2 -
وقال: {لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم
سيطوقون ([3])
ما بخلوا به يوم القيامة}2.
1 -
وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله e: (ما من صاحب كنز ([4])
لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى
يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله، إما إلى
الجنة، وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح ([5])
لها بقاع قرقر ([6])
كأوفر ([7])
ما كانت، تسنن ([8])
عليه، كلما مضى ([9])
عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي
زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها ([10])،
وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ([11])
ولا جلحاء ([12])،
كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار.)
2- وروى
ابن ماجه، والبزار، والبيهقي - واللفظ له - عن ابن عمر tما،
أن رسول الله e
قال: (يا معشر المهاجرين خصال خمس - إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن
تدركوهن -: لم تظهر الفاحشة ([13])
في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع ([14])
التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين ([15])
وشدة المؤونة وجور السلطان. ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر ([16])
من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط
عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا
جعل بأسهم ([17])
بينهم).
عقوبة مانعها في الدنيا :
الزكاة
من الفرائض التي أجمعت عليها الأمة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين، بحيث لو
أنكر وجوبها أحد خرج عن الإسلام، وقتل كفرا، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، فإنه
يعذر لجهله بأحكامه.
أما
من امتنع عن أدائها بسبب التقصير والإهمال فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن
الإسلام، وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره، ولا يأخذ من ماله أزيد منها، إلا
عند أحمد والشافعي في القديم، فإنه يأخذها منه، ونصف ماله، عقوبة له ([18])
لما رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والحاكم، والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن
جده قال، سمعت رسول الله e
يقول: (من منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة ([19])
من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شئ).
ولو
امتنع قوم عن أدائها - مع اعتقادهم وجوبها، وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون
عليها حتى يعطوها. لما رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر tما
أن النبي e
قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق
الإسلام وحسابهم على الله). ولما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول
الله e،
وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر: كيف تقاتل الناس ([20])
؟ وقد قال رسول الله e:
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله
ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى ؟ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة
والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا ([21])
كانوا يؤدونها إلى رسول الله e
لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر
للقتال فعرفت أنه الحق. ولفظ مسلم، وأبي داود، والترمذي: لو منعوني عقالا ([22])
بدل (عناقا).
على من تجب الزكاة ؟
تجب
الزكاة على المسلم البالغ العاقل الحر المالك للنصاب المخصوص بشرائطه.
1- الإسلام : فلا زكاة على الكافر بالإجماع، ولا
تصحّ منه، ولا تكون ديناً في ذمته يؤديها إذا أسلم . أما من فُتن وارتدّ فلا تسقط
عنه الزكاة بردته لأنها حق ثبت وجوده، كما عند الشافعية .
فغير المسلمين يؤخذ العشور على تُجّارهم
والحربيين إذا اتّجروا إلى بلد من بلاد المسلمين، وكل ذلك على خلاف بين الفقهاء،
وأرى أن ذلك يُقدّر برأي الإمام .
2- البلوغ والعقل : هو شرط فقط عند الحنفية لأنهما غير مخاطبين بأداء العبادات
كالصلاة والصوم .. . أما عند الجمهور فتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويخرجهما
الولي من مالهما، بدلي قوله تعالى { خّذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيِهِمْ بِهَا }[23] فهو عموم لكل صغير وكبير
وعاقل ومجنون، لأنهم كلهم بحاجة إلى طهرة الله تعالى لهم وتزكيته إياهم وكلهم من
الذين آمنوا . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله
e قال: (من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا
يتركه حتى تأكله الصدقة ([24])) وإسناده ضعيف، قال الحافظ:
وله شاهد مرسل عند الشافعي. وأكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة
مطلقا. وكانت عائشة tا تخرج زكاة أيتام كانوا في
حجرها. وما جاء في وصية معاذ t حين أرسله e إلى اليمن وفيه : (فأعلمهم أن الله افترض
عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتُرد على فقرائهم) فهذا كذلك عموم لكل
غني من المسلمين يدخل فيه الصغير والكبير والمجنون والعاقل إن كانوا أغنياء .
3- الملك التام للنصاب : بأن يكون المال مملوكاً
له، قادراً على التصرف فيه .
ويشترط في النصاب:
1 -
أن يكون فاضلا عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم، والملبس،
والمسكن، والمركب، وآلات الحرفة.
2 -
وأن يحول عليه الحول الهجري، ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب، ولابد من كماله في
الحول كله. فلو نقص أثناء الحول ثم كمل اعتبر ابتداء الحول من يوم كماله. قال
النووي: مذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور: أنه يشترط في المال الذي يجب الزكاة
في عينه - ويعتبر فيه الحول، كالذهب، والفضة والماشية - وجود النصاب في جميع الحول،
فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول. فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من
حين يكمل النصاب. وقال أبو حنيفة: المعتبر وجود النصاب في أول الحول وآخره، ولا
يضر نقصه بينهما، حتى لو كان معه مائتا درهم، فتلفت كلها في أثناء الحول إلا درهما،
أو أربعون شاة، فتلفت في أثناء الحول إلا شاة، ثم ملك في آخر الحول تمام المائتين
وتمام الأربعين، وجبت الزكاة الجميع ([25]).
وهذا الشرط لا يتناول زكاة الزروع والثمار فإنها تجب يوم الحصاد قال الله تعالى (وآتوا
حقه يوم حصاده ([26])).
وقال العبدري: أموال الزكاة ضربان، أحدهما ما هو نماء في نفسه، كالحبوب، والثمار،
فهذا تجب الزكاة فيه، لوجوده. والثاني ما يرصد للنماء كالدراهم، والدنانير، وعروض
التجارة، والماشية، فهذا يعتبر فيه الحول، فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول،
وبه قال الفقهاء كافة، انتهى، من المجموع للنووي.
*
المالك المدين: من كان في يده مال تجب الزكاة فيه - وهو
مدين أخرج منه ما يفي بدينه وزكى الباقي، إن بلغ نصابا، وإن لم يبلغ النصاب فلا
زكاة فيه، لأنه في هذه الحالة فقير والرسول e يقول: (لا صدقة إلا عن ظهر غني) رواه أحمد. وذكره البخاري معلقا.
وقال الرسول e: (تؤخذ
من أغنيائهم وترد على فقرائهم). ويستوي في ذلك الدين الذي عليه لله، أو للعباد،
ففي الحديث: (فدين الله أحق بالقضاء) وسيأتي.
*
من مات وعليه الزكاة: من مات وعليه الزكاة، فإنها
تجب في ماله ([27])
وتقدم على الغرماء ([28])
والوصية والورثة، لقول الله تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصي بها أو دين)
والزكاة دين قائم لله تعالى. فعن ابن عباس tما:
أن رجلا جاء إلى رسول الله e
فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها ؟ فقال (لو كان على أمك دين أكنت
قاضيه عنها ؟ !) قال: نعم. قال: (فدين الله أحق أن يقضى). رواه الشيخان.
*
شرط النية في أداء الزكاة: الزكاة عبادة، فيشترط
لصحتها النية، وذلك أن يقصد المزكي عند أدائها وجه الله، ويطلب بها ثوابه ويجزم
بقلبه أنها الزكاة المفروضة عليه. قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين). وفي الصحيح: أن النبي e قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
واشترط
مالك والشافعي: النية عند الأداء. وعند أبي حنيفة: أن النية تجب عند الأداء أو عند
عزل الواجب. وجوز أحمد تقديمها على الأداء زمنا يسيرا.
*
أداؤها وقت الوجوب: يجب إخراج الزكاة فورا عند
وجوبها، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب، إلا إذا لم يتمكن من أدائها فيجوز له
التأخير حتى يتمكن. لما رواه أحمد والبخاري عن عقبة بن الحارث قال: صليت مع رسول
الله e
العصر، فلما سلم، قام سريعا فدخل على بعض نسائه. ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من
تعاجبهم لسرعته، قال: (ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ ([29])
عندنا، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته) ([30]).
وروى الشافعي، والبخاري في التاريخ عن عائشة، أن النبي e قال: (ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته). رواه الحميدي وزاد،
قال: (يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها، فيهلك الحرام الحلال).
*
التعجيل بأدائها: يجوز تعجيل الزكاة وأداؤها قبل الحول
ولو لعامين. فعن الزهري: أنه كان لا يرى بأسا أن يعجل زكاته قبل الحول. وسئل الحسن
عن رجل أخرج ثلاث سنين، يجزيه ؟ قال: يجزيه.
قال
الشوكاني: وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبه قال الهادي، والقاسم، قال
المؤيد بالله: وهو أفضل. وقال مالك، وربيعة، وسفيان الثوري، وداود، وأبو عبيد بن
الحارث، ومن أهل البيت، الناصر: إنه لا يجزئ حتى يحول الحول. واستدلوا بالأحاديث
التي فيها تعلق الوجوب بالحول وقد تقدمت، وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل
لان الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع، وإنما النزاع في الأجزاء قبله. انتهى. قال ابن
رشد: وسبب الخلاف، هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين ؟ فمن قال: إنها عبادة، وشبهها
بالصلاة، لم يجز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة، أجاز
إخراجها قبل الأجل على جهة التطوع. وقد احتج الشافعي لرأيه بحديث علي t: أن النبي صلى الله عليه ومسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها،
انتهى.
*
الدعاء للمزكي: يستحب الدعاء للمزكي عند أخذ الزكاة منه.
لقول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل ([31])
عليهم إن صلاتك سكن لهم). وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله e كان إذا أتي بصدقة قال: (اللهم صل عليهم). وأن أبي أتاه بصدقة فقال
(اللهم صل على آل أبي أوفى). رواه أحمد وغيره. وروى النسائي عن وائل بن حجر قال،
قال رسول الله e -
في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة -: (اللهم بارك فيه وفي إبله). قال الشافعي:
السنة للإمام - إذا أخذ الصدقة - أن يدعو للمتصدق، ويقول: آجرك الله فيما أعطيت،
وبارك لك فيما أبقيت.
الأموال التي تجب فيها الزكاة
أوجب
الإسلام الزكاة في الذهب، والفضة، والزروع، والثمار وعروض التجارة. والسوائم،
والمعدن، والركاز.
زكاة
النقدين: الذهب، والفضة وجوبها: جاء في زكاة الذهب
والفضة، قول الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم
هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون). وقال e ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة
صفحت له صفائح من نار، فاُحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره،
كلما بردت اُعيدت له في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد،
فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )[32]
والزكاة
واجبة فيهما، سواء أكانا نقودا، أم سبائك، أم تبرأ، متى بلغ مقدار المملوك من كل
منهما نصابا، وحال عليه الحول، وكان فارغا عن الدين، والحاجات الأصلية.
نصاب
الذهب ومقدار الواجب: نصاب الذهب عشرون مثقالاً أي عشرين ديناراً، فإذا بلغ عشرين
دينارا، وحال عليها الحول، ففيها ربع العشر، أو نصف دينار، وما زاد على العشرين
ديناراً يؤخذ ربع عشره كذلك، فعن علي t:
أن النبي e
قال: (ليس عليك شئ - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك
عشرون دينارا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار. فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال
زكاة حتى يحول عليه الحول.)[33].
نصاب
الفضة ومقدار الواجب: وأما الفضة فنصابها مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها
ربع العشر، وما زاد فبحسابه، قل أم كثر، فإنه لا عفو في زكاة النقد بعد بلوغ
النصاب. فعن علي t،
أن النبي e
قال: (قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة (الفضة) من كل أربعين
درهما: درهم، وليس في تسعين ومائة شئ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم)[34].
قال: والعمل عند أهل العلم، ليس فيما دون خمسة أواق صدقة، والأوقية أربعون درهما،
وخمس أواق مائتا درهم.
ضم
النقدين: من ملك من الذهب أقل من نصاب، ومن الفضة كذلك لا يضم أحدهما إلى الآخر،
ليكمل منهما نصابا، لأنهما جنسان: لا يضم أحدهما إلى الثاني، كالحال في البقر
والغنم، فلو كان في يده 199 درهما وتسعة عشر دينارا، لا زكاة عليه.
والعبرة
في نصاب الذهب والفضة للوزن، لقوله e
(المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة)[35]
. وهذا يعني أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة وزن أهل مكة وهي دراهم الإسلام
المعدلة منها العشرة بسبعة مثاقيل، وقد بلغ وزن الدينار (4،25)غم فيكون وزن النصاب
(85)غم، ووزن الدرهم (2،975)غم فيكون وزن الفضة (5،95)غم .
زكاة
الحلي :
اتفق
العلماء على أنه لا زكاة في الماس، والدر، والياقوت، واللؤلؤ، والمرجان، والزبرجد،
ونحو ذلك من الأحجار الكريمة إلا إذا اتخذت للتجارة ففيها زكاة. واختلفوا في حلي
المرأة، من الذهب والفضة. فذهب إلى وجوب الزكاة فيه، أبو حنيفة، وابن حزم، إذا بلغ
نصابا، استدلالاً بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت النبي e امرأتان في أيديهما أساور من ذهب: فقال لهما رسول الله e: (أتحبان أن يسوركما ([36])
الله يوم القيامة أساور من نار ؟) قالتا: لا، قال: (فأديا حق ([37])
هذا الذي في أيديكما). وعن أسماء بنت يزيد
قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي e،
وعلينا أسورة من ذهب، فقال لنا: (أتعطيان زكاته ؟) قالت: فقلنا: لا. قال: (أما
تخافان أن يسور كما الله أسورة من نار؟ أديا زكاته)[38].
وذهب
الأئمة الثلاثة إلى أنه لا زكاة في حلى المرأة، بالغا ما بلغ. فقد روى البيهقي أن
جابر بن عبد الله سئل عن الحلي: أفيه زكاة ؟ قال جابر: لا. فقيل: وإن كان يبلغ ألف
دينار ؟ فقال جابر: أكثر. وروى البيهقي: أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحلي بناتها
بالذهب، ولا تزكيه، نحوا من خمسين ألفا. وفي الموطأ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه: أن عائشة كانت تلي بنات أخيها، يتامى في حجرها، لهن الحلي فلا تخرج من حليهن
الزكاة، وفيه أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من
حليهن الزكاة. قال الخطابي: الظاهر من الكتاب ([39])
يشهد لقول من أوجبها، والأثر يؤيده، ومن أسقطها ذهب إلى النظر، ومعه طرف من الأثر.
والاحتياط أداؤها. هذا الخلاف بالنسبة للحلي المباح، فإذا اتخذت المرأة حليا ليس
لها اتخاذه - كما إذا اتخذت حلية الرجل، كحلية السيف - فهو محرم، وعليها الزكاة،
وكذا الحكم في اتخاذ أواني الذهب والفضة.
زكاة
صداق المرأة :
ذهب
أبو حنيفة إلى أن صداق المرأة لا زكاة فيه، إلا إذا قبضته، لأنه بدل عما ليس بمال،
فلا تجب فيه الزكاة قبل القبض، كدين الكتابة. ويشترط بعد قبضه أن يبلغ نصابا،
ويحول عليه الحول، إلا إذا كان عندها نصاب آخر سوى المهر، فإنها إذا قبضت من
الصداق شيئا ضمته إلى النصاب، وزكته بحوله. وذهب الشافعي إلى أن المرأة يلزمها
زكاة الصداق، إذا حال عليه الحول، ويلزمها الإخراج عن جميعه آخر الحول، وإن كان
قبل الدخول ولا يؤثر كونه معرضا للسقوط بالفسخ، بردة أو غيرها، أو نصفه بالطلاق.
وعند الحنابلة: أن الصداق في الذمة دين للمرأة، حكمه حكم الديون عندهم، فإن كان
على ملئ ([40])
به فالزكاة واجبة فيه، إذا قبضته أدت لما مضى، وإن كان على معسر أو جاحد، فاختيار
الخرقي وجوب الزكاة فيه. ولا فرق بين ما قبل الدخول أو بعده. فإن سقط نصفه بطلاق
المرأة قبل الدخول، وأخذت النصف، فعليها زكاة ما قبضته، دون ما لم تقبضه. وكذلك لو
سقط كل الصداق قبل قبضه، لانفساخ النكاح بأمر من جهتها، فليس عليها زكاته.
زكاة
الدين: للدين حالتان:
1 -
الدين إما أن يكون على معترف به، باذل له، وللعلماء في ذلك عدة آراء:
(الرأي
الأول) أن على صاحبه زكاته، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى،
وهذا مذهب علي، والثوري، وأبي ثور، والأحناف والحنابلة. (الرأي الثاني) أنه يلزمه
إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه، فلزمه
إخراج زكاته كالوديعة، وهذا مذهب عثمان، وابن عمر، وجابر، وطاووس، والنخعي، والحسن،
والزهري، وقتادة، والشافعي. (الرأي الثالث) أنه لا زكاة فيه، لأنه غير نام فلم تجب
زكاته، كعروض القنية، وهذا مذهب عكرمة، ويروى عن عائشة، وابن عمر. (الرأي الرابع)
أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. وهذا مذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح.
2 -
وإما أن يكون الدين على معسر، أو جاحد، أو مماطل به. فإن كان كذلك، فقيل: إنه لا
تجب فيه الزكاة وهذا قول قتادة، وإسحاق وأبي ثور، والحنفية، لأنه غير مقدور على الانتفاع
به. وقيل: يزكيه إذا قبضه لما مضى. وهو قول الثوري وأبي عبيد، لأنه مملوك يجوز
التصرف فيه، فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء، وروي عن الشافعي الرأيان. وعن
عمر بن عبد العزيز، والحسن، والليث، والأوزاعي، ومالك: يزكيه إذا قبضه، لعام واحد.
زكاة
الزروع والثمار :
وجوبها:
أوجب الله تعالى زكاة الزروع والثمار بالكتاب والسنة والإجماع :
ففي
الكتاب الكريم، قال: (يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم
من الأرض) والزكاة تسمى نفقة، قال تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير
معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من
ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده). قال ابن عباس وأنس رضي الله عنهم: حقه،
الزكاة المفروضة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : العشر، ونصف العشر، ويم يكال أو
يعلم كيله .
وفي
السنّة قوله e: (
فيما سقت السماء والعيون أو كان عشرياً العشر، وفيما سُقي بالنضح نصف العشر)[41]
.
وأجمع
أهل العلم على أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، كما ذكر ابن
المنذر وابن عبد البر .[42]
الأصناف
التي كانت تؤخذ منها الزكاة على عهد الرسول:
وقد
كانت الزكاة على عهد رسول الله e تؤخذ
من الحنطة والشعير والتمر والزبيب. فعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ tما،
أن رسول الله e
بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه
الأربعة: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.[43]
قال ابن المنذر وابن عبد البر: وأجمع العلماء: على أن الصدقة واجبة في الحنطة،
والشعير، والتمر، والزبيب.
الأصناف
التي لم تكن تؤخذ منها:
ولم
تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات، ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب. فعن عطاء
بن السائب: أن عبد الله بن المغيرة أراد أن يأخذ صدقة من أرض موسى بن طلحة من
الخضروات فقال له موسى بن طلحة: ليس لك ذلك، إن رسول الله e كان يقول: (ليس في ذلك صدقة)[44].
وقال موسى بن طلحة: جاء الأثر عن رسول الله e في خمسة أشياء: الشعير، والحنطة، والسلت ([45])
والزبيب، والتمر، وما سوى ذلك مما أخرجت الأرض فلا عشر فيه. وقال: إن معاذا لم
يأخذ من الخضر صدقة. قال البيهقي: هذه الأحاديث كلها مراسيل، إلا أنها من طرق
مختلفة، فيؤكد بعضها بعضا، ومعها من أقوال الصحابة عمر وعلي وعائشة. وروى الأثرم:
أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك ([46])
والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا ؟ فكتب إليه: إنه ليس عليها عشر، هي من
العضاه. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل ([47])
العلم: أنه ليس في الخضروات صدقة. وقال القرطبي: إن الزكاة تتعلق بالمقتات، دون
الخضروات وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والاترج فما ثبت أن النبي e أخذ منها زكاة، ولا أحد من خلفائه. قال ابن القيم: ولم يكن من
هديه أخذ الزكاة من الخيل والرقيق، ولا البغال، ولا الحمير، ولا الخضروات، ولا
الاباطخ والمقاتي، والفواكه التي لا تكال ولا تدخر إلا العنب والرطب فإنه يأخذ
الزكاة منه جملة، ولم يفرق بين ما يبس وما لم ييبس. رأي الفقهاء: لم يختلف أحد من
العلماء في وجوب الزكاة في الزروع والثمار، وإنما اختلفوا في الأصناف التي تجب
فيها، إلى عدة آراء نجملها فيما يلي:
1 - رأي الحسن البصري والشعبي أنه لا زكاة إلا
في المنصوص عليه، وهو الحنطة، والشعير والذرة، والتمر، والزبيب. لان ما عداه لا نص
فيه، واعتبر الشوكاني هذا، المذهب الحق.
2 - رأي أبي حنيفة: أن الزكاة واجبة في كل ما
أنبتته الأرض، لا فرق بين الخضروات وغيرها، واشترط أن يقصد بزراعته استغلال الأرض
ونماؤها عادة، واستثنى الحطب، والقصب الفارسي ([48])
والحشيش، والشجر الذي لا ثمر له. واستدل لذلك بعموم قوله e. (فيما سقت السماء العشر) وهذا عام يتناول جميع أفراده، ولأنه
يقصد بزراعته نماء الأرض فأشبه الحب.
3 - رأي أبي يوسف ومحمد: أن الزكاة واجبة في
الخارج من الأرض، بشرط أن يبقى سنة بلا علاج كثير، سواء أكان مكيلا كالحبوب، أو
موزونا كالقطن والسكر. فإن كان لا يبقى سنة، كالقثاء والخيار، والبطيخ، والشمام
ونحوها من الخضروات والفواكه، فلا زكاة فيه.
4-
مذهب مالك: أنه يشترط فيما يخرج من الأرض أن يكون مما يبقي وييبس ويستنبته بنو
آدم، سواء أكان مقاتا كالقمح والشعير، أو غير مقتات، كالقرطم والسمسم، ولا زكاة
عنده في الخضروات والفواكه، كالتين، والرمان والتفاح.
5 -
وذهب الشافعي: إلى وجوب الزكاة فيما تخرجه الأرض. بشرط أن يكون مما يقتات ويدخر،
ويستنبته الآدميون، كالقمح والشعير. قال النووي: مذهبنا: أنه زكاة في غير النخل
والعنب من الأشجار. ولا في شئ من الحبوب إلا فيما يقتات ويدخر، ولا زكاة في
الخضروات. وذهب أحمد: إلى وجوب الزكاة في كل ما أخرجه الله من الأرض، من الحبوب،
والثمار، مما ييبس، ويبقى، ويكال ويستنبته الآدميون في أراضيهم ([49])
سواء أكان قوتا: كالحنطة، أو من القطنيات ([50])،
أو من الأباريز، كالكسبرة: والكراويا، أو من البذور: كبذر الكتان، والقثاء،
والخيار، أو حب البقول: كالقرطم والسمسم. وتجب عنده أيضا، فيما جمع هذه الأوصاف من
الثمار اليابسة كالتمر، والزبيب، والمشمش، والتين واللوز والبندق والفستق. ولا
زكاة عنده في سائر الفواكه كالخوخ، والكمثرى والتفاح، والمشمش والتين، اللذين لا
يجففان ولا في الخضروات كالقثاء، والخيار، والبطيخ، والباذنجان واللفت والجزر.
زكاة
الزيتون: قال النووي: وأما الزيتون، فالصحيح عندنا أنه لا زكاة فيه: وبه قال الحسن
بن صالح، وابن أبي ليلى، وأبو عبيد. وقال الزهري والأوزاعي، والليث، ومالك،
والثوري، وأبو حنيفة وأبو ثور: فيه الزكاة. قال الزهري، والليث، والأوزاعي: يخرص
فتؤخذ زكاته زيتا. وقال مالك: لا يخرص، بل يؤخذ العشر بعد عصره وبلوغه خمسة أوسق.
انتهى.
سبب
الخلاف ومنشؤه: قال ابن رشد: وسبب الخلاف: أما بين من قصر الزكاة على الأصناف
المجمع عليها، وبين من عداها إلى المدخر المقتات، فهو اختلافهم في تعلق الزكاة
بهذه الأصناف الأربعة، هل هو لعينها، أو لعلة فيها، وهي الاقتيات ؟ فمن قال:
لعينها، قصر الوجوب عليها. ومن قال: لعلة الاقتيات، عدى الوجوب لجميع المقتات.
وسبب الخلاف بين من قصر الوجوب على المقتات، وبين من عداه إلى جميع ما تخرجه الأرض
- إلا ما وقع عليه الإجماع من الحشيش، والحطب، والقصب - معارضة القياس لعموم
اللفظ: أما اللفظ الذي يقتضي العموم، فهو قوله عليه الصلاة والسلام: (فيما سقت
السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) و (ما) بمعنى الذي، و (الذي) من ألفاظ
العموم. وقوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) الآية إلى قوله: (وآتوا حقه
يوم حصاده). وأما القياس فهو أن الزكاة إنما المقصود بن سد الحلة، وذلك لا يكون
غالبا إلا فيما هو قوت. فمن خصص العموم بهذا القياس، أسقط الزكاة مما عدا المقتات.
ومن غلب العموم، أوجبها فيما عدا ذلك، إلا ما أخرجه الإجماع. والذين اتفقوا على
المقتات، اختلفوا في أشياء، من قبل اختلافهم فيها، هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة،
وهل يقاس على ما اتفق عليه أو ليس يقاس ؟ مثل اختلاف مالك، والشافعي، في الزيتون،
فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه ومنع الشافعي ذلك في قوله الأخير بمصر. وسبب
اختلافهم، هل هو قوت، أو ليس بقوت.
نصاب
زكاة الزروع والثمار:
ذهب
أكثر أهل العلم إلى أن الزكاة لا تجب في شئ من الزروع والثمار، حتى تبلغ خمسة أوسق
بعد تصفيتها من التبن والقشر، فإن لم تصف، بأن تركت في قشرها ([51])
فيشترط أن تبلغ عشرة أوسق.
1 - فعن أبي هريرة: أن النبي e قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)[52].
2 -
وعن أبي سعيد الخدري t أن
النبي e
قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة). والوسق، ستون صاعا بالإجماع،
وقد جاء ذلك في حديث أبي سعيد، وهو حديث منقطع. وذهب أبو حنيفة ومجاهد إلى وجوب
الزكاة في القليل والكثير، لعموم قوله e:
(فيما سقت السماء العشر)، ولأنه لا يعتبر له حول، فلا يعتبر له نصاب. قال ابن
القيم - مناقشا هذا الرأي - وقد وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب
المعشرات بخمسة أوسق، بالمتشابه من قوله: (فيما سقت السماء العشر وما سقي بنضح أو
غرب فنصف العشر). قالوا. وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص، ودلالة العام
قطعية كالخاص وإذا تعارضا قدم الأحوط، وهو الوجوب. فيقال: يجب العمل بكلا
الحديثين، ولا يجوز معارضة أحدهما بالآخر، وإلغاء أحدهما بالكلية، فإن طاعة الرسول
e
فرض في هذا، وفي هذا، ولا تعارض بينهما - بحمد الله تعالى - بوجه من الوجوه فإن
قوله (فيما سقت السماء العشر) إنما أريد به التمييز، بين ما يجب فيه العشر، وما
يجب فيه نصفه، فذكر النوعين، مفرقا بينهما في مقدار الواجب. وأما مقدار النصاب
فسكت عنه في هذا الحديث، وبينه نصا في الحديث الآخر، فكيف يجوز العدول عن النص
الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما أول عليه البتة، إلى المجمل المتشابه،
الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر
العمومات بما يخصصها من النصوصين ؟ اه وقال ابن قدامة: قول النبي e: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) متفق عليه: هذا خاص يجب تقديمه
وتخصيص عموم ما رووه به كما خصصنا قوله: (في كل سائمة من الإبل الزكاة) بقوله:
(ليس فيما دون خمس ذود صدقة) وقوله: (في الرقة ربع العشر) بقوله: (ليس فيما دون
خمس أواق صدقة) ولأنه مال تجب فيه الصدقة، فلم تجب في يسيره، كسائر الأموال
الزكوية. وإنما لم يعتبر الحول، لأنه يكمل نماؤه باستحصاده، لا ببقائه. واعتبر
الحول في غيره، لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموال. والنصاب اعتبر ليبلغ حدا
يحتمل المواساة منه، فلهذا اعتبر فيه. يحققه: أن الصدقة إنما تجب على الأغنياء ولا
يحصل الغني بدون النصاب، كسائر الأموال الزكوية. هذا، والصاع قدح وثلث. فيكون
النصاب خمسين كيلة فإن كان الخارج لا يكال، فقد قال ابن قدامة: (ونصاب الزعفران
والقطن، وما ألحق بهما من الموزونات، ألف وستمائة رطل بالعراقي، فيقوم وزنه مقامه.
([53])
قال أبو يوسف: إن كان الخارج مما لا يكال، لا تجب فيه الزكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب
من أدنى ما يكال. فلا تجب الزكاة في القطن إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق، من أقل
ما يكال، كالشعير ونحوه. لأنه لا يمكن اعتباره بنفسه، فاعتبر بغيره، كالعروض يقوم
بأدنى النصابين من ألاثمان.
وقال
محمد: يلزم أن يبلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه، ففي القطن لا تجب فيه
الزكاة إن بلغ خمسة قناطير، لان التقدير بالوسق فيما يوسق كان باعتبار أنه أعلى ما
يقدر به نوعه.
مقدار
الواجب: يختلف القدر الذي يجب إخراجه، باختلاف السقي: فما سقي بدون استعمال آلة -
بأن سقي بالراحة - ففيه عشر الخارج، فإن سقي بآلة أو بماء مشترى، ففيه نصف العشر.
1 - فعن جابر t أن النبي e
قال: (فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سُقي الساقية نصف العشر)[54].
والساقية هي الناضحة، وهي الإبل يستقى بها لشرب الأرض .
2 - وعن ابن عمر tما:
أن النبي e قال:
(فيما سقت السماء والعيون، أو كان عشريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)[55].
فإن
كان يسقى تارة بآلة، وتارة بدونها، فإن كان ذلك على جهة الاستواء ففيه ثلاثة أرباع
العشر. قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل
تابعا للأكثر، عند أبي حنيفة، وأحمد، والثوري، وأحمد قولي الشافعي. وتكاليف الزرع
من حصاد وحمل ودياسة، وتصفية، وحفظ، وغير ذلك من خالص مال المالك، ولا يحسب منها
شئ من مال الزكاة. وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما .
زكاة
الحيوان
جاءت
الأحاديث الصحيحة، مصرحة بإيجاب الزكاة في الإبل، والبقر، والغنم، وأجمعت الأمة
على العمل. ويشترط لإيجاب الزكاة فيها:
(1)
أن تبلغ نصابا
(2)
وأن يحول عليها الحول
(3) وأن تكون سائمة، أي راعية من الكلأ المباح
أكثر العام ([56]).
والجمهور على اعتبار هذا الشرط، ولم يخالف فيه غير مالك، والليث فإنهما أوجبا
الزكاة في المواشي مطلقا: سواء أكانت سائمة، أو معلوفة، عاملة ([57])
أو غير عاملة. لكن الأحاديث جاءت مصرحة بالتقييد بالسائمة، وهو يفيد بمفهومه: أن
المعلوفة لا زكاة فيها، لأنه لا بد للكلام عن فائدة، صونا له عن اللغو. قال ابن
عبد البر: لا أعلم أحدا قال بقول مالك، والليث، من فقهاء الأمصار.
زكاة
الإبل: لا شئ في الإبل حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغت خمسا، سائمة، وحال عليها الحول،
ففيها شاة ([58]).
فإذا بلغت عشرا، ففيها شاتان، وهكذا كلما زادت خمسا زادت شاة. فإذا بلغت خمسا
وعشرين، ففيها بنت مخاض (وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية) أو ابن لبون ([59])
(وهو الذي له سنتان ودخل في الثالثة). فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون. وفي
ست وأربعين حقه (وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة). وفي إحدى وستين جذعة
(وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة) وفي ست وسبعين بنتا لبون. وفي إحدى
وتسعين حقتان، إلى مائة وعشرين. فإذا زادت، ففي كل أربعين، ابنة لبون. وفي كل
خمسين حقة. فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة -
وليست عنده جذعة، وعنده حقة - فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له،
أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة - وليست عنده إلا جذعة - فإنها تقبل منه
ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة الحقة - وليست عنده.
وعنده ابنة لبون - فنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين، إن استيسرتا له، أو عشرين
درهما. ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون - وليست عنده الاحقة - فإنها تقبل منه،
ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون - وليست عنده
ابنة لبون، وعنده ابنة مخاض - فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين، إن استيسرتا له
أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض - وليس عنده إلا ابن لبون ذكر -
فإنه يقبل منه، وليس معه شئ. ومن لم تكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها شئ، إلا
أن يشاء ربها ([60]).
هذه فريضة صدقة الإبل، التي عمل بها الصديق t، بمحضر من الصحابة، ولم يخالفه أحد. فعن الزهري عن سالم عن أبيه
قال: كان رسول الله e قد
كتب الصدقة، ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي فأخرجها أبو بكر t فعمل بها حتى توفي، ثم أخرجها عمر t من بعده فعمل بها، قال: فلقد هلك عمر يوم هلك، وإن ذلك لمقرون
بوصيته.
زكاة
البقر ([61]):
وأما
البقر فلا شئ فيها، حتى تبلغ ثلاثين سائمة، فإذا بلغت ثلاثين سائمة، وحال عليها
الحول ففيها تبيع، أو تبيعة (وهو ما له سنة) ولا شئ فيها غير ذلك حتى تبلغ أربعين،
فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ([62])
(وهي ما لها سنتان) ولا شئ فيها حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت ستين، ففيها تبيعان.
وفي
السبعين مسنة، وتبيع، وفي الثمانين، مسنتان، وفي التسعين، ثلاثة أتباع. وفي المائة،
مسنة، وتبيعان، وفي العشرة والمائة، مسنتان، وتبيع. وفي العشرين والمائة، ثلاث
مسنات، أو أربعة أتباع وهكذا ما زاد ففي كل ثلاثين، تبيع، وفي كل أربعين مسنة.
زكاة
الغنم ([63]):
لا
زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين سائمة وحال عليها الحول، ففيها
شاة، إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا
بلغت مائتين وواحدة، ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة، ففي
كل مائة شاة. ويؤخذ الجذع من الضأن، والثني من المعز. هذا ويجوز إخراج الذكور في
الزكاة اتفاقا، إذا كان نصاب الغنم كله ذكورا. فإن كان إناثا، أو ذكورا وإناثا،
جاز إخراج الذكور عند الأحناف وتعينت الأنثى عند غيرهم.
زكاة غير الأنعام:
لا
زكاة في شئ من الحيوانات غير الأنعام. فلا زكاة في الخيل والبغال والحمير، إلا إذا
كانت للتجارة. فعن علي t:
أن النبي e
قال: (قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق، ولا صدقة فيهما) رواه أحمد وأبو داود بسند
جيد. وعن أبي هريرة: أن رسول الله e
سئل عن الحمر، فيها زكاة ؟ فقال: (ما جاء فيها شئ إلا هذه الآية الفذة (فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) رواه أحمد. وقد تقدم جميعه. وعن
حارثة بن مضرب: أنه حج مع عمر فأتاه أشراف الشام، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا
أصبنا رقيقا، ودواب، فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها، وتكون لنا زكاة، فقال: هذا
شئ لم يفعله اللذان قبلي ([64])
ولكن انتظروا حتى أسأل المسلمين. أورده الهيثمي، وقال: رواه أحمد، والطبراني في
الكبير، ورجاله ثقات. وروى الزهري عن سلمان بن يسار: أن أهل الشام قالوا لأبي
عبيدة بن الجراح t:
(خذ من خيلنا ورقيقنا صدقه، فأبى، ثم كتب إلى عمر فأبى، فكلموه أيضا، فكتب إلى
عمر. فكتب إليه عمر: (إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم ([65])
وارزق رقيقهم) رواه مالك والبيهقي.
زكاة
الفصلان والعجول والحملان ([66]):
من ملك نصابا من الإبل، أو البقر، أو الغنم، فنتجت في أثناء الحول، وجبت زكاة
الجميع، عند تمام حول الكبار وأخرج عن الأصل وعن النتاج، زكاة المال الواحد، في
قول أكثر أهل العلم.
لما
رواه مالك، والشافعي، عن سفيان بن عبد الله الثقفي أن عمر بن الخطاب قال: تعد
عليهم السخلة ([67])
يحملها الراعي، ولا تأخذها، ولا تأخذ الأكولة، ولا الربى، ولا الماخض ولا فحل
الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء ([68])
المال وخياره. ويرى أبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور: أنه لا يحسب النتاج ولا يعتد
به، إلا أن تكون الكبار نصابا. وقال أبو حنيفة أيضا: تضم الصغار إلى النصاب، سواء
كانت متولدة منه، أم اشتراها، وتزكى بحوله. واشترط الشافعي: أن تكون متولدة من
نصاب، في ملكه قبل الحول. أما من ملك نصابا من الصغار، فلا زكاة عليه، عند أبي
حنيفة، ومحمد، وداود، والشعبي، ورواية عن أحمد. لما رواه أحمد، وأبو داود،
والنسائي، والدار قطني، والبيهقي، عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله e، فسمعته يقول: (إن في عهدي أن لا تأخذ من راضع لبن) الحديث وفي
إسناده هلال بن حباب، وقد وثقه غير واحد، وتكلم فيه بعضهم. وعند مالك، ورواية عند
أحمد: تجب الزكاة في الصغار كالكبار، لأنها تعد مع غيرها، فتعد منفردة. وعند
الشافعي وأبي يوسف: يجب في الصغار واحدة صغيرة منها.
زكاة أجرة الدور المؤجرة:
ذهب
أبو حنيفة ومالك، إلى أن المؤجر لا يستحق الأجرة بالعقد، وإنما يستحقها بانقضاء
مدة الإجارة. وبناء على هذا، فمن أجر دارا لا تجب عليه زكاة أجرتها حتى يقبضها،
ويحول عليها الحول، وتبلغ نصابا. وذهبت الحنابلة إلى أن المؤجر يملك الأجرة من حين
العقد، وبناء عليه، فإن من أجر داره تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا وحال
عليها الحول، فإن المؤجر يملك التصرف في الأجرة بأنواع التصرفات، وكون الإجارة
عرضة للفسخ لا يمنع وجوب الزكاة، كالصداق قبل الدخول، ثم إن كان قد قبض الأجرة
أخرج الزكاة منها، وإن كانت دينا فهي كالدين، معجلا كان أو مؤجلا ([69]).
وفي المجموع للنووي: وأما إذا أجر داره أو غيرها بأجرة حالة، وقبضها، فيجب عليه
زكاتها بلا خلاف.
زكاة
التجارة
حكمها:
ذهب جماهير العلماء من الصحابة، والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء إلى وجوب الزكاة
في عروض ([70])
التجارة. لما رواه أبو داود البيهقي عن سمرة بن جندب قال: أما بعد، فإن النبي e كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع. وروى الدار قطني
والبيهقي عن أبي ذر: أن النبي e
قال: (في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها، وفي البز ([71])
صدقته) وروى الشافعي، وأحمد وأبو عبيد، والدار قطني والبيهقي وعبد الرزاق عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال: كنت
أبيع الادم والجعاب، فمر بي عمر بن الخطاب t فقال: أد صدقه مالك، فقلت يا أمير المؤمنين، إنما هو الادم. قال:
قومه، ثم أخرج صدقته. قال في المغني وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم تنكر، فيكون إجماعا.
وقالت الظاهرية: لا زكاة في مال التجارة. قال ابن رشد: والسبب في اختلافهم في وجوب
الزكاة بالقياس. واختلافهم في تصحيح حديث سمرة، وحديث أبي ذر. أما القياس الذي
اعتمده الجمهور، فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الأجناس
الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق - أعني الحرث، والماشية، والذهب، والفضة. وفي
المنار: جمهور علماء الملة يقولون بوجوب زكاة عروض التجارة، وليس فيها نص قطعي من
الكتاب أو السنة وإنما ورد فيها روايات، يقوي بعضها بعضا، مع الاعتبار المستند إلى
النصوص، وهو أن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود، لا فرق بينها وبين الدراهم
والدنانير التي هي أثمانها إلا في كون النصاب يتقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد،
والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة لامكن لجميع الأغنياء، أو
أكثرهم أن يتجروا بنقودهم، ويتحروا أن لا يحول على نصاب من النقدين أبدا، وبذلك
تبطل الزكاة فيهما عندهم. ورأس الاعتبار في المسألة: أن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء
صدقة لمواساة الفقراء ومن في معناهم، وإقامة المصالح العامة، وأن الفائدة في ذلك للأغنياء،
تطهير أنفسهم من رذيلة البخل، وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء وسائر أصناف
المستحقين، ومساعدة الدولة والأمة في إقامة المصالح العامة، والفائدة للفقراء وغيرهم،
إعانتهم على نوائب الدهر، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد، في تضخم الأموال،
وحصرها في أناس معدودين، وهو المشار إليه بقوله تعالى في حكمة قسمة الفيء (كي لا
يكون دولة بين الأغنياء منكم) فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها،
التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الأمة في أيديهم ؟
متى
تصير العروض للتجارة ؟
قال صاحب المغني ([72]):
(ولا يصير العرض للتجارة، إلا بشرطين: الأول: أن يملك فعله كالبيع، والنكاح،
والخلع، وقبول الهبة، والوصية، والغنيمة، واكتساب المباحات، لان ما لا يثبت له حكم
الزكاة بدخوله في ملكه، لا يثبت بمجرد النية، كالصوم، ولا فرق بين أن يملكه بعوض
أم بغير عوض، لأنه ملكه بفعله، فأشبه الموروث. والثاني: أن ينوي عند تملكه، أنه
للتجارة، فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة، وإن نواه بعد ذلك. وإن
ملكه بإرث، وقصد أنه للتجارة، لم يصر للتجارة، لان الأصل القنية، والتجارة عارض،
فلا يصير إليها بمجرد النية، كما لو نوى الحاضر السفر، لم يثبت له حكم السفر بدون
الفعل، وإن اشترى عرضا للتجارة فنوى به الاقتناء صار للقنية، وسقطت الزكاة منه.
كيفية
تزكية مال التجارة:
من
ملك من عروض التجارة قدر نصاب، وحال عليه الحول قومه آخر الحول، وأخرج زكاته، وهو
ربع عشر قيمته. وهكذا يفعل التاجر في تجارته كل حول، ولا ينعقد الحول حتى يكون
القدر الذي يملكه نصابا ([73])،
فلو ملك عرضا، قيمته دون النصاب، فمضى جزء من الحول، وهو كذلك، ثم زادت قيمة
النماء به، أو تغيرت الأسعار، فبلغ نصابا، أو باعه بنصاب، أو ملك في أثناء الحول
عرضا آخر، أو أثمانا، تم بها النصاب، ابتدأ الحول من حينئذ ولا يحتسب بما مضى.
وهذا
قول الثوري والأحناف، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر. ثم إذا
نقص النصاب أثناء الحول، وكمل في طرفيه، لا ينقطع الحول عند أبي حنيفة، لأنه يحتاج
إلى أن تعرف قيمته في كل وقت، ليعلم أن قيمته فيه تبلغ نصابا، وذلك يشق. وعند
الحنابلة: أنه إذا نقص أثناء الحول، ثم زاد حتى بلغا نصابا، استأنف الحول عليه،
لكونه انقطع بنقصه في أثنائه.
زكاة الركاز والمعدن
معنى
الركاز: الركاز مشتق من ركز يركز: إذا خفي، ومنه قول الله تعالى: (أو تسمع لهم
ركزا) أي صوتا خفيا. والمراد به هنا: ما كان من دفن الجاهلية ([74]).
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولون: إن
الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة
ولا كبير عمل، ولا مؤونة. فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل، فأصيب مرة وأخطئ
مرة فليس بركاز. وقال أبو حنيفة: هو اسم لما ركزه الخالق، أو المخلوق.
معنى
المعدن وشرط زكاته عند الفقهاء: والمعدن: مشتق من عدن في المكان، يعدن عدونا، إذا
أقام به إقامة، ومنه قوله تعالى (جنات عدن) لأنها دار إقامة وخلود.
وقد
اختلف العلماء في المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة. فذهب أحمد: إلى أنه كل ما خرج
من الأرض مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة، مثل الذهب، والفضة، والحديد،
والنحاس، والرصاص، والياقوت، والزبرجد، والزمرد، والفيروز، والبلور، والعقيق،
والكحل والزرنيخ، والقار ([75])
والنفط ([76])
والكبريت، والزاج، ونحو ذلك. واشترط فيه، أن يبلغ الخارج نصابا بنفسه، أو بقيمته.
وذهب أبو حنيفة: إلى أن الوجوب يتعلق بكل ما ينطبع ويذوب بالنار، كالذهب، والفضة،
والحديد والنحاس. أما المائع، كالقار، أو الجامد الذي لا يذوب بالنار، كالياقوت،
فإن الوجوب لا يتعلق به، ولم يشترط فيه نصابا، فأوجب الخمس، في قليله، وكثيره.
وقصر مالك، والشافعي، الوجوب على ما استخرج من الذهب والفضة، واشترطا - مثل أحمد -
أن يبلغ الذهب عشرين مثقالا، والفضة مائتي درهم، واتفقوا على أنه لا يعتبر له
الحول، وتجب زكاته حين وجوده، مثل الزرع. ويجب فيه ربع العشر عند الثلاثة. ومصرفه
مصرف الزكاة عندهم. وعند أبي حنيفة مصرفه مصرف الفئة.
مشروعية الزكاة فيهما:
الأصل
في وجوب الزكاة في الركاز، والمعدن: ما رواه الجماعة عن أبي هريرة، أن النبي e قال: (العجماء جرحها جبار ([77])
والبئر جبار ([78])،
والمعدن جبار. وفي الركاز الخمس). قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث،
إلا الحسن، فإنه فرق بين ما وجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال: فيما يوجد في أرض
الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة.
وقال
ابن القيم: وفي قوله: (المعدن جبار) قولان: (أحدهما) أنه إذا استأجر من يحفر له
معدنا، فسقط عليه، فقتله، فهو جبار. ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: البئر جبار،
والعجماء جبار. (والثاني) أنه لا زكاة فيه. ويؤيد هذا القول، اقترانه بقوله: (وفي
الزكاة الخمس) ففرق بين المعدن، والركاز، فأوجب الخمس في الركاز، لأنه مال مجموع
يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، وأسقطها عن المعدن، لأنه يحتاج إلى كلفة، وتعب، في
استخراجه.
صفة
الركاز الذي يتعلق به وجوب الزكاة:
الركاز
الذي يجب فيه الخمس، هو كل ما كان مالا، كالذهب والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر،
والآنية، وما أشبه ذلك. وهو مذهب الأحناف، والحنابلة، وإسحق، وابن المنذر، ورواية
عن مالك، وأحد قولي الشافعي. وله قول آخر: أن الخمس لا يجب إلا في ألاثمان: الذهب
والفضة.
مكانه:
لا يخلو موضعه من الأقسام الآتية:
1 - أن يجده في موات، أو في أرض لا يعلم لها
مالك، ولو على وجهها، أو في طريق غير مسلوك، أو قرية خراب، ففيه الخمس بلا خلاف، والأربعة
الأخماس له. لما رواه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله e عن اللقطة فقال: (ما كان في طريق مأتي ([79])):
أو قرية عامرة، فعرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فلك ([80])،
وما لم يكن في طريق مأتي، ولا قرية عامرة: ففيه وفي الركاز الخمس).
2- أن يجده في ملكه المنتقل إليه، فهو له، لان
الركاز مودع في الأرض، فلا يملك مملكها وإنما يملك بالظهور عليه فينزل منزلة
المباحات، من الحشيش، والحطب، والصيد الذي يجده في أرض غيره، فيكون أحق به إلا إذا
ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه: أنه له، فالقول قوله: لان يده كانت عليه،
لكونها على محله. وإن لم يدعه فهو لواجده، وهذا رأي أبي يوسف والأصح عند الحنابلة.
وقال الشافعي: هو للمالك قبله، إن اعترف به وإلا فهو لمن قبله كذلك، إلى أول مالك.
وإن انتقلت الدار بالميراث حكم أنه ميراث، فإن اتفقت الورثة على أنه لم يكن
لمورثهم، فهو لأول مالك. فإن لم يعرف أول مالك، فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له
مالك. وقال أبو حنيفة ومحمد: هو لأول مالك للأرض، أو لورثته، إن عرف، وإلا وضع في
بيت المال.
3 - أن يجده في ملك مسلم، أو ذمي، فهو لصاحب
الملك عند أبي حنيفة ومحمد، ورواية عن أحمد. ونقل عن أحمد أنه لواجده، وهو قول
الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف، لما تقدم من أن الركاز لا يملك بملك الأرض،
إلا إن ادعاه المالك، فالقول قوله، لان يده عليه تبعا للملك، وإن لم يدعه فهو
لواجده. وقال الشافعي: هو للمالك إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك.
الواجب
في الركاز
تقدم
أن الركاز هو ما كان من دفن الجاهلية، وأن الواجب فيه الخمس، وأما الأربعة الأخماس
الباقية، فهي لأقدم مالك للأرض إن عرف، وإن كان ميتا فلورثته، إن عرفوا، وإلا وضع
في بيت المال. وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ومحمد.
وقال
أحمد وأبو يوسف: هو لمن وجده، هذا ما لم يدعه مالك الأرض. فإن ادعى أنه ملكه،
فالقول قوله اتفاقا. ويجب الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب فيه. عند أبي
حنيفة، وأحمد، وأصح الروايتين عن مالك، وعند الشافعي في الجديد: يعتبر النصاب فيه.
وأما الحول، فإنه لا يشترط بلا خلاف. على من يجب الخمس: جمهور العلماء: على أن
الخمس واجب على من وجده، من مسلم، وذمي، وكبير، وصغير، وعاقل، ومجنون، إلا أن ولي
الصغير والمجنون هو الذي يتولى الإخراج عنهما. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ
عنه من أهل العلم على أن الذمي في الركاز يجده: الخمس، قاله مالك، وأهل المدينة،
والثوري، والاوزاعي وأهل العراق، وأصحاب الرأي، وغيرهم. وقال الشافعي: لا يجب
الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لأنه زكاة.
مصرف
الخمس:
مصرف
الخمس - عند الشافعي - مصرف الزكاة. لما رواه أحمد، والبيهقي عن بشر الخثعمي، عن
رجل من قومه قال: سقطت علي جرة من دير قديم
بالكوفة، عند جباية بشر، فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها
إلى علي t،
فقال: اقسمها خمسة أخماس، فقسمتها، فأخذ علي منها خمسا، وأعطاني أربعة أخماس، فلما
أدبرت دعاني فقال: في جيرانك فقراء ومساكين ؟ قلت: نعم، قال: فخذها، فاقسمها بينهم.
ويرى أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، أن مصرفه مصرف الفئة، لما رواه الشعبي: (أن رجلا
وجد ألف دينار مدفونة، خارجا من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب t، فأخذ منها الخمس، مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر t يقسم المائتين، بين من حضره من المسلمين، إلى أن أفضل منها فضلة،
فقال: أين صاحب الدنانير ؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك). وفي
المغني: ولو كانت زكاة لخص بها، أهلها، ولم يرده على واجده، ولأنه يجب على الذمي،
والزكاة لا تجب عليه.
زكاة
الخارج من البحر
الجمهور: على أنه لا تجب الزكاة في كل ما يخرج
من البحر، من لؤلؤ، ومرجان، وزبرجد، وعنبر، وسمك، وغيره إلا في إحدى الروايتين عن
أحمد: إذا بلغ ما يخرج من ذلك نصابا، ففيه الزكاة. ووافقه أبو يوسف، في اللؤلؤ،
والعنبر. قال ابن عباس tما:
ليس في العنبر زكاة، وإنما هو شئ دسره ([81])
البحر. وقال جابر: ليس في العنبر زكاة، إنما هو غنيمة لمن أخذه.
المال المستفاد
من استفاد مالا، مما يعتبر فيه الحول - ولا مال
له سواه - وبلغ نصابا، أو كان له مال من جنسه ولا يبلغ نصابا، فبلغ بالمستفاد
نصابا، انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ. فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه. وإن كان
عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام.
1 - أن يكون المال المستفاد من نمائه، كربح
التجارة، ونتاج الحيوان، وهذا يتبع الأصل في حوله، وزكاته. فمن كان عنده من عروض
التجارة، أو الحيوان، ما يبلغ نصابا، فربحت العروض، وتوالد الحيوان أثناء الحول،
وجب إخراج الزكاة عن الجميع: الأصل، والمستفاد. وهذا لا خلاف فيه.
2- أن يكون المستفاد من جنس النصاب، ولم يكن
متفرعا عنه أو متولدا منه - بأن استفاده بشراء أو هبة أو ميراث - فقال أبو حنيفة
يضم المستفاد إلى النصاب، ويكون تابعا له في الحول، والزكاة، وتزكى الفائدة مع الأصل.
وقال الشافعي وأحمد: يتبع المستفاد الأصل في
النصاب، ويستقبل به حول جديد، سواء كان الأصل نقدا، أم حيوانا. مثل أن يكون عنده
مائتا درهم، ثم استفاد في أثناء الحول أخرى فإنه يزكي كلا منهما، عند تمام حوله.
ورأي مالك مثل رأي أبي حنيفة، في الحيوان، ومثل رأي الشافعي وأحمد في النقدين.
3 - أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده. فهذا
لا يضم إلى ما عنده في حول، ولا نصاب، بل إن كان نصابا استقل به حولا، وزكاه آخر
الحول، وإلا فلا شئ فيه، وهذا قول جمهور العلماء.
الزكاة
في المال المشترك
إذا كان المال مشتركا بين شريكين، أو أكثر، لا
تجب الزكاة على واحد منهم، حتى يكون لكل واحد منهم نصاب كامل، في قول أكثر أهل
العلم. هذا في غير الخلطة في الحيوان التي تقدم الكلام عليها والخلاف فيها.
الفرار
من الزكاة
ذهب
مالك، وأحمد، والاوزاعي، وإسحاق، وأبو عبيد إلى أن من ملك نصابا، من أي نوع من
أنواع المالك، فباعه قبل الحول، أو وهبه، أو أتلف جزءا منه، بقصد الفرار من الزكاة
لم تسقط الزكاة عنه، وتؤخذ منه في آخر الحول إذا كان تصرفه هذا، عند أقرب الوجوب،
ولو فعل ذلك في أول الحول لم تجب الزكاة، لان ذلك ليس بمظنة للفرار. وقال أبو
حنيفة والشافعي: تسقط عنه الزكاة، لأنه نقص قبل تمام الحول، ويكون مسيئا وعاصيا
لله، بهروبه منها. استدل الأولون بقول الله تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب
الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ([82])
ولا يستثنون ([83])
فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم) ([84])
فعاقبهم الله بذلك، لفرارهم من الصدقة. ولأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب
استحقاقه فلم يسقط، كما لو طلق امرأته، في مرض موته. ولأنه لما قصد قصدا فاسدا،
اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض مقصودة، كمن قتل مورثه، لاستعجال ميراثه، عاقبه الشارع
بالحرمان.
مصارف الزكاة
مصارف
الزكاة ثمانية أصناف، حصرها الله في قوله: " إنما الصدقات للفقراء ([85])
والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله
وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ". وعن زياد بن الحارث الصدائي
قال: أتيت رسول الله e
فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال: " إن الله لم يرض بحكم نبي،
ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء. فإن كنت من تلك الأجزاء
أعطيتك "[86].
وهذا هو بيان الأصناف الثمانية المذكورة في الآية:
(1 و 2) - الفقراء والمساكين:
وهم المحتاجون الذين لا يجدون كفايتهم، ويقابلهم
الأغنياء المكفيون ما يحتاجون إليه. وتقدم أن القدر الذي يصير به الإنسان غنيا، هو
قدر النصاب الزائد عن الحاجة الأصلية، له ولأولاده، من أكل وشرب، وملبس، ومسكن،
ودابة، وآلة حرفة، ونحو ذلك، مما لا غنى عنه. فكل من عدم هذا القدر، فهو فقير،
يستحق الزكاة. ففي حديث معاذ: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم). فالذي تؤخذ منه، هو الغني المالك للنصاب. والذي
ترد إليه هو المقابل له وهو الفقير الذي لا يملك القدر الذي يملكه الغني.
وليس
هناك فرق بين الفقراء، وبين والمساكين، من حيث الحاجة والفاقة ومن حيث استحقاقهم
الزكاة، والجمع بين الفقراء والمساكين في الآية، مع العطف المقتضي للتغاير، لا
يناقض ما قلناه، فإن المساكين - وهم قسم من الفقراء - لهم وصف خاص بهم، وهذا كاف
في المغايرة. فقد جاء في الحديث، ما يدل على أن المساكين هم الفقراء الذين يتعففون
عن السؤال، ولا يتفطن لهم الناس فذكرتهم الآية، لأنه ربما لا يفطن إليهم، لتجملهم.
فعن أبي هريرة: أن رسول الله e
قال: " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما
المسكين الذي يتعفف، اقرءوا إن شئتم: " لا يسألون الناس إلحافا " وفي
لفظ: " ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة
والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه، ولا يفطن له، فيصدق عليه، ولا
يقوم فيسأل الناس ". رواه البخاري، ومسلم. مقدار ما يعطى الفقير من الزكاة:
من مقاصد الزكاة كفاية الفقير وسد حاجته، فيعطى من الصدقة، القدر الذي يخرجه من
الفقر إلى الغني، ومن الحاجة إلى الكفاية، على الدوام، وذلك يختلف باختلاف الأحوال
والأشخاص. قال عمر t:
إذا أعطيتم فأغنوا. يعني في الصدقة. وقال القاضي عبد الوهاب: لم يحد مالك لذلك حدا،
فإنه قال: يعطي من له المسكن، والخادم، والدابة الذي لا غنى له عنه. وقد جاء في
الحديث ما يدل على أن المسألة تحل للفقير حتى يأخذ ما يقوم بعيشه، ويستغني به مدى
الحياة. فعن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة ([87])
فأتيت رسول الله e
أسأله فيها، فقال: " أقم حتى تأتينا الصدقة، فتأمر لك بها "، ثم قال:
" يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له
المسألة حتى يصيبها تم يمسك، ورجل أصابته جائحة ([88])
اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش " أو قال: سدادا ([89])
من عيش، ورجل أصابته فاقة ([90])
حتى قول ثلاثة من ذوي الحجا ([91])
من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش " أو
قال سدادا من عيش، " فما سواهن من المسألة - يا قبيصة - فسحت، يأكلها صاحبها
سحتا ([92])
". رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
هل
يعطى القوي المكتسب من الزكاة ؟
القوي
المكتسب لا يعطى من الزكاة مثل الغني.
1 - فعن عبيد الله بن عدي الخيار، قال: أخبرني
رجلان أنهما أتيا النبي e في
حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين ([93])
فقال: " إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب ([94])
". رواه أبو داود، والنسائي. قال الخطابي: هذا الحديث أصل، في أن من لم يعلم
له مال فأمره محمول على العدم. وفيه دليل على: أنه لم يعتبر في أمر الزكاة ظاهر
القوة والجلد، دون أن يضم إليه الكسب، فقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة بدنه،
ويكون مع ذلك أخرق اليد لا يعتمل، فمن كان هذا سبيله لم يمنع من الصدقة، بدلالة
الحديث.
2 - وعن ريحان بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، عن
النبي e
قال: " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ([95])
". رواه أبو داود والترمذي، وصححه.
وهذا
مذهب الشافعي، وإسحق، وأبي عبيد، وأحمد. وقال الأحناف: يجوز للقوي أن يأخذ الصدقة
إذا لم يملك مائتي ([96])
درهم فصاعدا. قال النووي: سئل الغزالي عن القوي من أهل البيوتات الذين لم تجر
عادتهم بالتكسب بالبدن، هل له أخذ الزكاة من سهم الفقراء ؟ قال: نعم. وهذا صحيح
جار على أن المعتبر حرفة تليق به. المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته: ومن ملك
نصابا، من أي نوع من أنواع المال - وهو لا يقوم بكفايته، لكثرة عياله، أو لغلاء
السعر - فهو غني، من حيث إنه يملك نصابا، فتجب الزكاة في ماله، وفقير من حيث إن ما
يملكه لا يقوم بكفايته فيعطى من الزكاة كالفقير. قال النووي: ومن كان له عقار،
ينقص دخله عن كفايته، فهو فقير، يعطي من الزكاة تمام كفايته، ولا يكلف بيعه. وفي
المغني قال الميمون: ذاكرت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - فقلت: قد يكون للرجل الإبل
والغنم، تجب فيها الزكاة وهو فقير، وتكون له أربعون شاة، وتكون له الضيعة لا تكفيه،
فيعطى الصدقة ؟ قال: نعم، وذلك، لأنه لا يملك ما يغنيه، ولا يقدر على كسب ما يكفيه،
فجاز له الأخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملك، لا تجب فيه الزكاة.
(3) العاملون على الزكاة:
وهم الذين يوليهم الإمام أو نائبه، العمل على جمعها، من الأغنياء، وهم الجباة،
ويدخل فيهم الحفطة لها، والرعاة للأنعام منها، والكتبة لديوانها. ويجب أن يكونوا
من المسلمين، وأن لا يكونوا ممن تحرم عليهم الصدقة، من آل رسول الله e، وهم: بنو عبد المطلب.
فعن
المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: أنه، والفضل بن العباس انطلقا إلى رسول
الله e
قال: ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله، جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات، فنصيب ما
يصيب الناس من المنفعة، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس، فقال: " إن الصدقة لا
تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس " رواه أحمد، ومسلم. وفي لفظ:
" لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد ". ويجوز أن يكونوا من الأغنياء. فعن أبي
سعيد: أن النبي e
قال: " لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله،
أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين، تصدق عليه منها فأهدى منها لغني "
رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأن أخذهم
من الزكاة، إنما هو أجر نظير أعمالهم. فعن عبد الله بن السعدي: أنه قدم على عمر بن
الخطاب t من
الشام، فقال: ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين فتعطى عليه عمالة ([97])
فلا تقبلها ؟ قال: أجل، إن لي أفراسا واعبدا، وأنا بخير، وأريد أن يكون عملي صدقة
على المسلمين، فقال عمر: إني أردت الذي أردت، وكان النبي e يعطيني المال فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، وإنه أعطاني مرز
مالا، فقلت له: أعطه من هو أحوج إليه مني، فقال: " ما آتاك الله عز وجل من
هذا المال، من غير مسألة، ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به، ومالا، فلا تتبعه
نفسك " رواه البخاري والنسائي. وينبغي أن تكون الأجرة بقدر الكفاية. فعن
المستورد بن شداد: أن النبي e
قال: " من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج،
أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئا سوى ذلك
فهو غال " رواه أحمد، وأبو داود، وسنده صالح. قال الخطابي: هذا يتأول على
وجهين:
أحدهما:
أنه إنما أباح اكتساب الخادم والمسكن، من عمالته، التي هي أجر مثله وليس له أن
يرتفق بشئ سواها. والوجه الثاني: أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن،
ولا خادم استؤجر له من يخدمه، فيكفيه مهنة مثله، ويكترى ([98])
له مسكن يسكنه، مدة مقامه في عمله.
(4) والمؤلفة قلوبهم:
وهم الجماعة الذين يراد تأليف قلوبهم وجمعها على الإسلام أو تثبيتها عليه، لضعف
إسلامهم، أو كف شرهم عن المسلمين، أو جلب نفعهم في الدفاع عنهم. وقد قسمهم الفقهاء
إلى مسلمين وكفار. أما المسلمون فهم أربعة:
1 -
قوم من سادات المسلمين وزعمائهم، لهم نظراء من الكفار، إذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم،
كما أعطى أبو بكر t
عدي بن حاتم، والزبرقان بن بدر، مع حسن إسلامهما، لمكانتهما في قومهما.
2 -
زعماء ضعفاء الإيمان من المسلمين، مطاعون في أقوامهم يرجى بإعطائهم تثبيتهم، وقوة
إيمانهم، ومناصحتهم في الجهاد وغيره، كالذين أعطاهم النبي e العطايا الوافرة من غنائم هوازن. وهم بعض الطلقاء من أهل مكة،
الذين أسلموا، فكان منهم المنافق، ومنهم ضعيف الإيمان، وقد ثبت أكثرهم بعد ذلك،
وحسن إسلامه.
3 -
قوم من المسلمين في الثغور، وحدود بلاد الأعداء يعطون، لما يرجى من دفاعهم، عما
وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو. قال صاحب المنار: وأقول: إن هذا العمل هو
المرابطة وهؤلاء الفقهاء يدخلونها في سهم سبيل الله، كالغزو المقصود منها: وأولى
منهم بالتأليف في زماننا، قوم من المسلمين يتألفهم الكفار ليدخلوهم تحت حمايتهم،
أو في دينهم.
فإننا
نجد دول الاستعمار الطامعة في استعباد جميع المسلمين، وفي ردهم عن دينهم يخصصون من
أموال دولهم سهما، للمؤلفة قلوبهم من المسلمين، فمنهم من يؤلفونه لأجل تنصيره،
وإخراجه من حظيرة الإسلام، ومنهم من يؤلفونه لأجل الدخول في حمايتهم ومشاقة الدول الإسلامية،
والوحدة الإسلامية، أفليس المسلمون أولى بهذا منهم ؟
4 -
قوم من المسلمين يحتاج إليهم لجباية الزكاة، وأخذها ممن لا يعطيها إلا بنفوذهم
وتأثيرهم - إلا أن يقاتلوا، فيختار بتأليفهم وقيامهم بهذه المساعدة للحكومة أخف
الضررين، أرجح المصلحتين. وأما الكفار فهم قسمان:
1 - من يرجى إيمانه بتأليفه، مثل صفوان بن أمية،
الذي وهب له النبي e الأمان
يوم فتح مكة، وأمهله أربعة أشهر لينظر في أمره ويختار لنفسه، وكان غائبا، فحضر وشهد
مع المسلمين غزوة حنين قبل إسلامه. وكان النبي e استعار سلاحه منه لما خرج إلى حنين، وقد أعطاه النبي e إبلا كثيرة محملة، كانت في واد فقال: هذا عطاء من لا يخشى الفقر.
وقال: والله لقد أعطاني النبي e
وإنه لأبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.
2 - من يخشى شره، فيرجى بإعطائه كف شره. قال ابن
عباس: إن قوما كانوا يأتون النبي e،
فإن أعطاهم، مدحوا الإسلام، وقالوا: هذا دين حسن، وإن منعهم، ذموا، وعابوا. وكان
من هؤلاء أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، وعيينة ابن حصن، وقد أعطى النبي e كل واحد من هؤلاء، مائة من الإبل. وذهبت الأحناف: إلى أن سهم
المؤلفة قلوبهم قد سقط بإعزاز الله لدينه، فقد جاء عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس،
وعباس بن مرداس، وطلبوا من أبي بكر نصبهم، فكتب لهم به، وجاءوا إلى عمر، وأعطوه
الخط، فأبى ومزقه، وقال: هذا شئ كان النبي e يعطيكموه، تأليفا لكم على الإسلام، والآن قد أعز الله الإسلام،
وأغنى عنكم، فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف (وقل الحق من ربكم
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فرجعوا إلى أبي بكر t، فقالوا: الخليفة أنت أم عمر ؟ بذلت لنا الخط فمزقه عمر، فقال: هو
إن شاء. قالوا: إن أبا بكر وافق عمر، ولم ينكر أحد من الصحابة كما أنه لم ينقل عن
عثمان وعلي أنهما أعطيا أحدا من هذا الصنف. ويجاب عن هذا: بأن هذا اجتهاد من عمر،
وأنه رأى أنه ليس من المصلحة إعطاء هؤلاء، بعد أن ثبت الإسلام في أقوامهم، وأنه لا
ضرر يخشى من ارتدادهم عن الإسلام. وكون عثمان وعلي لم يعطيا أحدا من هذا الصنف، لا
يدل على ما ذهبوا إليه، من سقوط سهم المؤلفة قلوبهم، فقد يكون ذلك لعدم وجود
الحاجة إلى أحد من الكفار، وهذا لا ينافي ثبوته، لمن احتاج إليه من الأئمة، على أن
العمدة في الاستدلال هو الكتاب والسنة فهما المرجع الذي لا يجوز العدول عنه بحال.
وقد روى أحمد، ومسلم عن أنس: أن النبي e لم
يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه، فأتاه رجل فسأله، فأمر له بشاء كثير، بين
جبلين، من شاء الصدقة، فرجع إلى قومه فقال، يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من
لا يخشى الفاقة. قال الشوكاني: وقد ذهب إلى جواز التأليف العترة والجباني، والبلخي،
وابن مبشر ([99]).
وقال الشافعي: لا تتألف كافرا، فأما الفاسق فيعطى من سهم التأليف. وقال أبو حنيفة
وأصحابه: قد سقط بانتشار الإسلام وغلبته، واستدلوا على ذلك، بامتناع أبي بكر من
إعطاء أبي سفيان، وعيينة، والأقرع، وعباس ابن مرداس. والظاهر جواز التأليف عند
الحاجة إليه. فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا، ولا يقدر على
إدخالهم تحت طاعته إلا بالقسر ([100])
والغلب فله أن يتألفهم، ولا يكون لفشو الإسلام تأثير، لأنه لم ينفع في خصوص هذه
الواقعة. وفي المنار: " وهذا هو الحق في جملته، وإنما يجئ الاجتهاد في تفصيله
من حيث الاستحقاق، ومقدار الذي يعطى من الصدقات، ومن الغنائم إن وجدت، وغيرها من
أموال المصالح. والواجب فيه الأخذ برأي أهل الشورى، كما كان يفعل الخلفاء في الأمور
الاجتهادية، وفي اشتراط العجز عن إدخال الإمام إياهم تحت طاعته بالغلب نظر، فإن
هذا لا يطرد، بل الأصل فيه ترجيح أخف الضررين. وخير المصلحتين ".
(5)
وفي الرقاب: ويشمل المكاتبين، والأرقاء فيعان
المكاتبون بمال الصدقة لفك رقابهم من الرق، ويشترى به العبيد، ويعتقون.
فعن
البراء قال: جاء رجل إلى النبي e
فقال، دلني على عمل يقربني من الجنة، ويبعدني من النار، فقال: " أعتق النسمة
وفك الرقبة " فقال: يا رسول الله، أو ليسا واحدا ؟ قال: " لا، عتق
الرقبة، أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين بثمنها " رواه أحمد، والدارقطني
ورجاله ثقات. وعن أبي هريرة أن النبي e
قال: " ثلاثة كلهم حق على الله عونه: الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي
يريد الأداء، والناكح والمتعفف ([101])
" رواه وأحمد، وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح. قال الشوكاني: "
قد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: " وفي الرقاب " فروي عن علي بن
أبي طالب، وسعيد بن جبير، والليث، والثوري، والعترة، والحنفية، والشافعية، وأكثر
أهل العلم: أن المراد به المكاتبون، من الزكاة على الكتابة. وروي عن ابن عباس،
والحسن البصري، ومالك، وأحمد بن حنبل، وأبي ثور، وأبي عبيد - وإليه مال البخاري،
وابن المنذر -: أن المراد بذلك أنها تشترى رقاب لتعتق. واحتجوا بأنها لو اختصت
بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين، لأنه غارم، وبأن شراء الرقبة لتعتق أولى من إعناة
المكاتب، لأنه قد يعان ولا يعتق، لان المكاتب عبد، ما بقي عليه درهم، ولان الشراء
يتيسر في كل وقت، بخلاف الكتابة. وقال الزهري: إنه يجمع بين الأمرين، وإليه أشار المصنف
([102])
وهو الظاهر، لان الآية تحتمل الأمرين. وحديث البراء المذكور، فيه دليل على أن فك
الرقاب غير عتقها، وعلى أن العتق، وإعانة المكاتبين على مال الكتاب، من الأعمال
المقربة إلى الجنة والمبعدة من النار.
(6)
والغارمون: وهم الذين تحملوا الديون، وتعذر عليهم أداؤها،
وهم أقسام: فمنهم من تحمل حمالة، أو ضمن دينا فلزمه، فأجحف بماله أو استدان لحاجته
إلى الاستدانة، أو في معصية تاب منها، فهؤلاء جميعا يأخذون من الصدقة ما بقي
بديونهم. 1 - روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه، عن أنس t: أن النبي e
قال: " لا تحل المسألة إلا لثلاث، لذي فقر مدقع ([103])
أو لذي غرم ([104])
مفظع ([105])،
أو لذي دم موجع ([106])"
2 - وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري t، قال: أصيب رجل في عهد رسول الله e في ثمار ابتاعها ([107])،
فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: " تصدقوا عليه "، فتصدق
الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبي e لغرمائه. " خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك ([108])
"
3 - وتقدم حديث قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة
فأتيت رسول الله e
أسأله فيها، فقال: " أقم حتى تأتينا الصدقة فتأمر لك بها " الحديث. قال
العلماء: والحمالة، ما يتحمله الإنسان، ويلتزمه في ذمته بالاستدانة، ليدفعه في
إصلاح ذات البين، وقد كانت العرب إذا وقعت بينهم فتنة، اقتضت غرامة في دية، أو
غيرها: قام أحدهما فتبرع بالتزام ذلك والقيام به، حتى ترتفع تلك الفتنة الثائرة،
ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق. وكانوا إذا علموا أن أحدهم تحمل حمالة بادروا إلى
معونته، وأعطوه ما تبرأ به ذمته، وإذا سأل في ذلك لم يعد نقصا في قدره، بل فخرا.
ولا يشترط في أخذ الزكاة فيها، أن يكون عاجزا عن الوفاء بها، بل له الأخذ، وإن كان
في ماله الوفاء.
(7) وفي سبيل الله:
سبيل الله، الطريق الموصل إلى مرضاته من العلم،
والعمل. وجمهور العلماء، على أن المراد به هنا الغزو، وأن سهم (سبيل الله) يعطى
للمتطوعين من الغزاة، الذين ليس لهم مرتب من الدولة. فهؤلاء لهم سهم من الزكاة،
يعطونه، سواء كانوا من الأغنياء أم الفقراء. وقد تقدم حديث رسول الله e: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة. الغازي في سبيل الله.. الخ
". والحج ليس من سبيل الله. التي
تصرف فيها الزكاة، لأنه مفروض على المستطيع، دون غيره.
وفي
تفسير المنار: " يجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج، وتوفير الماء،
والغذاء وأسباب الصحة للحجاج، إن لم يوجد لذلك مصرف آخر. " وفيه: " وفي
سبيل الله " وهو يشتمل سائر المصالح الشرعية العامة، التي هي ملاك أمر الدين،
والدولة: وأولها، وأولاها بالتقديم، الاستعداد للحرب، بشراء السلاح، وأغذية الجند،
وأدوات النقل، وتجهيز الغزاة. ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت
المال، إن كان مما يبقى، كالسلاح، والخيل، وغير ذلك، لأنه لا يملكه دائما، بصفة
الغزو التي قامت به، بل يستعمله في سبيل الله، ويبقى بعد زوال تلك الصفة منه في
سبيل الله، بخلاف الفقير، والعامل عليها، والغارم والمؤلف، وابن السبيل، فإنهم لا
يردون ما أخذوا، بعد فقد الصفة التي أخذوا بها. ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات
العسكرية، وكذا الخيرية العامة، وإشراع الطرق، وتعبيدها، ومد الخطوط الحديدية
العسكرية، لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرعة، والمناطيد، والطيارات الحربية،
والحصون، والخنادق. ومن أهم ما ينفق في سبيل الله، في زماننا هذا، إعداد الدعاة
إلى السلام، وإرسالهم إلى بلاد الكفار، من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي،
كما يفعله الكفار في نشر دينهم. ويدخل فيه النفقة على المدارس، للعلوم الشرعية،
وغيرها مما تقوم به المصلحة العامة. وفي هذه الحالة يعطى منها معلمو هذه المدارس،
ما داموا يؤدون وظائفهم المشروعة، التي ينقطعون بها عن كسب آخر ولا يعطى عالم غني لأجل
علمه، وإن كان يفيد الناس به. انتهى.
(8)
وابن السبيل: اتفق العلماء على أن المسافر المنقطع عن
بلده يعطى من الصدقة، ما يستعين به على تحقيق مقصده، إذا لم يتيسر له شئ من ماله،
نظرا لفقره العارض. واشترطوا أن يكون سفره في طاعة، أو في غير معصية. واختلفوا في
السفر المباح. والمختار عند الشافعية: أنه يأخذ من الصدقة، حتى لو كان السفر
للتفرج، والتنزه.. وابن السبيل عند الشافعية قسمان:
(1) من ينشئ سفرا من بلد مقيم به، ولو كان وطنه.
(2)
غريب مسافر، يجتاز بالبلد. وكلاهما له الحق في الأخذ من الزكاة، ولو وجد من يقرضه
كفايته، وله ببلده، ما يقتضي به دينه. وعند مالك، وأحمد: ابن السبيل المستحق
للزكاة، يختص بالمجتاز دون المنشئ ولا يعطى من الزكاة من إذا وجد مقرضا يقرضه وكان
له من المال ببلده، ما يفي بقرضه. فإن لم يجد مقرضا، أو لم يكن له مال يقضى منه
قرضه، أعطي من الزكاة.
توزيع
الزكاة على المستحقين، كلهم، أو بعضهم: الأصناف الثمانية، المستحقون للزكاة،
المذكورون في الآية هم: الفقراء والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والأرقاء،
والغارمون وأبناء السبيل، والمجاهدون. وقد اختلف الفقهاء في توزيع الصدقة عليهم:
فقال الشافعي وأصحابه: إن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله، سقط نصيب العامل،
ووجب صرفها إلى الأصناف السبعة الباقين، إن وجدوا وإلا فللموجود منهم، ولا يجوز
ترك صنف منهم، مع وجوده، فإن تركه ضمن نصيبه. وقال إبراهيم النخعي: إن كان المال
كثيرا، يحتمل الأجزاء قسمه على الأصناف. وإن كان قليلا جاز أن يوضع في صنف واحد.
وقال أحمد بن حنبل: تفريقها أولى، ويجزئه أن يضعه في صنف واحد. وقال مالك: يجتهد
ويتحرى موضع الحاجة منهم، ويقدم الأولى فالأولى، من أهل الخلة ([109])
والفاعة، فإن رأى الخلة في الفقراء في عام، أكثر قدمهم، وإن رآهم في أبناء السبيل
في عام آخر، حولها إليهم. وقالت الأحناف. وسفيان الثوري: هو مخير يضعها في أي الأصناف
شاء. وهذا مروي عن حذيفة، وابن عباس، وقول الحسن البصري، وعطاء ابن أبي رباح. وقال
أبو حنيفة: وله صرفها إلى شخص واحد، من أحد الأصناف. سبب اختلافهم ومنشؤه: قال ابن
رشد: " وسبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى، فإن اللفظ يقتضي القسمة بين
جميعهم، والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة، إذ كان المقصود بها سد الخلة، فكان
تعديدهم في الآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس - أعني أهل الصدقات - لا
تشريكهم في الصدقة. فالأول أظهر من جهة اللفظ، وهذا أظهر من جهة المعنى. "
ومن الحجة للشافعي، ما رواه أبو داود عن الصدائي: أن رجلا سأل النبي e أن يعطيه من الصدقة، فقال له رسول الله e: " إن الله لم يرض أن يحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم
فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك ".
من
يحرم عليهم الصدقة
ذكرنا فيما سبق مصارف الزكاة، وأصناف المستحقين،
وبي أن نذكر أصنافا لا تحل لهم الزكاة، ولا يستحقونها وهم:
1 - الكفرة والملاحدة، وهذا مما اتفقت عليه كلمة
الفقهاء. ففي الحديث " تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم ". والمقصود
بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم دون غيرهم. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من
أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا. ويستثنى من ذلك المؤلفة قلوبهم
كما تقدم بيانه.
ويجوز
أن يعطوا ([110])
من صدقة التطوع، ففي القرآن: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا
". وفي الحديث: " صلي أمك " وكانت مشركة.
2 - بنو هاشم: والمراد بهم آل علي وآل عقيل، وآل
جعفر، وآل العباس، وآل الحارث. قال ابن قدامة: لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا
تحل لهم الصدقة المفروضة وقد قال النبي e: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس "
رواه مسلم. وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي e: " كخ كخ، لطرحها، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة " متفق
عليه. واختلف العلماء في بني المطلب، فذهب الشافعي: إلى أنه ليس لهم الأخذ من
الزكاة، مثل بني هاشم. لما رواه الشافعي، وأحمد، والبخاري، عن جبير بن مطعم قال:
لما كان يوم خيبر، وضع النبي e
سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل، وبني عبد شمس، فأتيت أنا،
وعثمان ابن عفان رسول الله e
فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم، لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم،
فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وقرابتنا واحدة. فقال النبي e " إنا وبني المطب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن
وهم شئ واحد، وشبك بين أصابعه.
قال
ابن حزم: فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم، في شئ أصلا، لأنهم شئ واحد بنص كلامه،
عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد، فالصدقة عليهم حرام.
وعن
أبي حنيفة، أن لبني المطلب أن يأخذوا من الزكاة، والرأيان روايتان عن أحمد. وكما
حرم رسول الله e
الصدقة على بني هاشم، حرمها كذلك على مواليهم ([111]).
فعن أبي رافع مولى رسول الله e،
أن النبي e
بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال: أصحبني كيما تصيب منها، قال: لا، حتى آتي
رسول الله e،
فأسأله، وانطلق فسأله فقال: " إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من
أنفسهم " رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح. واختلف العلماء في
صدقة التطوع، هل تحل لهم أم تحرم عليهم ؟. قال الشوكاني: ملخصا الأقوال في ذلك -
واعلم أن ظاهر قوله: " لا تحل لنا الصدقة " عدم حل صدقة الفرض والتطوع،
وقد نقل جماعة، منهم الخطابي، الإجماع على تحريمهما عليه، e. وتعقب بأنه قد حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا. وكذا في
رواية عن أحمد. وقال ابن قدامة: ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة. وأما آل
النبي e،
فقد قال أكثر الحنفية وهو الصحيح عن الشافعية، والحنابلة، وكثير من الزيدية - إنها
تجوز لهم صدقة التطوع دون الفرض، قالوا: لان المحرم عليهم إنما هو أوساخ الناس،
وذلك هو الزكاة لا صدقة التطوع. وقال في البحر: إنه خصص صدقة التطوع القيلس على
الهبة، والهدية والوقف. وقال أبو يوسف، وأبو العباس، إنها تحرم عليهم كصدقة الفرض،
لان الدليل لم يفصل ([112]).
(3 و
4) الآباء والأبناء:
اتفق الفقهاء: على أنه لا يجوز إعطاء الزكاة إلى
الآباء والأجداد، والأمهات، والجدات، والأبناء، وأبناء الأبناء، والبنات وأبنائهن،
لأنه يجب على المزكي أن ينفق على آبائه وإن علوا، وأبنائه، وإن نزلوا، وإن كانوا
فقراء، فهم أغنياء بغناه، فإذا دفع الزكاة إليهم فقد جلب لنفسه نفعا، بمنع وجوب
النفقة عليه. واستثنى مالك الجد، والجدة، وبني البنين، فأجاز دفعها إليهم لسقوط
نفقتهم ([113]).
هذا في حالة ما إذا كانوا فقراء، فإن كانوا
أغنياء، وغزوا متطوعين في سبيل الله، فله أن يعطيهم من سهم سبيل الله، كما له أن
يعطيهم من سهم الغارمين، لأنه لا يجب عليه أداء ديونهم، ويعطيهم كذلك من سهم
العاملين، إذا كانوا بهذه الصفة.
(5)
الزوجة:
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا
يعطي زوجته من الزكاة. وسبب ذلك، أن نفقتها واجبة عليه، تستغنى بها عن أخذ الزكاة،
مثل الوالدين، إلا إذا كانت مدينة فتعطى من سهم الغارمين، لتؤدي دينها.
(6)
صرف الزكاة في وجوه القرب:
لا يجوز صرف الزكاة إلى القرب التي يتقرب بها
إلى الله تعالى، غير ما ذكره في آية: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين
" فلا تدفع لبناء المساجد والقناطر، وإصلاح الطرقات، والتوسعة على الاضياف،
وتكفين الموتى وأشباه ذلك. قال أبو داود: سمعت أحمد - وسئل - يكفن الموتى من
الزكاة ؟
قال:
لا، ولا يقضى من الزكاة دين الميت ([114])
وقال: يقضى من الزكاة دين الحى، ولا يقضى منها دين الميت. لان الميت لا يكون غارما.
قيل: فانما يعطى أهله. قال: إن كانت على أهله فنعم.
فقه الصدقات
زكاة
الفطر
زكاة
الفطر: أي الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان. وهي واجبة على كل فرد من المسلمين،
صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر tما
قال: فرض رسول الله e
زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والأنثى،
والصغير، والكبير. من المسلمين.
حكمتها:
شرعت زكاة الفطر في شعبان، من السنة الثانية من الهجرة لتكون طهرة للصائم، مما عسى
أن يكون وقع فيه، من اللغو، والرفث، ولتكون عونا للفقراء، والمعوزين. روى أبو داود،
وابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عباس tما،
قال: " فرض رسول الله e
زكاة الفطر طهرة ([115])
للصائم، من اللغو ([116])
والرفث ([117])
وطعمة ([118])
للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة
من الصدقات ". على من تجب ؟: تجب على الحر المسلم، المالك لمقدار صاع، يزيد
عن قوته وقوت عياله، يوما ([119])
وليلة.
وتجب
عليه، عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، كزوجته، وأبنائه، وخدمه الذين يتولى أمورهم،
ويقوم بالإنفاق عليهم.
قدرها:
الواجب
في صدقة الفطر صاع ([120])
من القمح، أو الشعير، التمر، أو الزبيب، أو الاقط ([121])،
أو الأرز، أو الذرة أو نحو ذلك مما يعتبر قوتا. وجوز أبو حنيفة إخراج القيمة. وقال:
إذا أخرج المزكي من القمح، فإنه يجزئ نصف صاع. قال أبو سعيد الخدري: " كنا،
إذ كان فينا رسول الله e
نخرج زكاة الفطر عن كل صغير، وكبير، حر، ومملوك، صاعا من من طعام، أو صاعا من أقط،
أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية
حاجا، أو معتمرا، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس، أن قال: إني أرى
أن مدين ([122])
من سمراء ([123])
الشام، تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: فأما أنا، فلا أزال
أخرجه أبدا ما عشت " رواه الجماعة. قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل
العلم يرون من كل شئ صاعا، وهو قول الشافعي، وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: من كل شئ
صاع إلا البر فإنه يجزئ نصف صاع وهو قول سفيان، وابن المبارك، وأهل الكوفة.
متى
تجب ؟
اتفق
الفقهاء على أنها تجب في آخر رمضان، واختلفوا في تحديد الوقت، الذي تجب فيه. فقال
الثوري، وأحمد، وإسحاق، والشافعي في الجديد، وإحدى الروايتين عن مالك: إن وقت
وجوبها، غروب الشمس، ليلة الفطر، لأنه وقت الفطر من رمضان. وقال أبو حنيفة، والليث،
والشافعي، في القديم، والرواية الثانية عن مالك: إن وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم
العيد. وفائدة هذا الاختلاف، في المولود يولد قبل الفجر، من يوم العيد، وبعد مغيب
الشمس، هل تجب عليه أم لا تجب ؟ فعلى القول الأول لا تجب، لأنه ولد بعد وقت الوجوب،
وعلى الثاني: تجب، لأنه ولد قبل وقت الوجوب. تعجيلها عن وقت الوجوب: جمهور الفقهاء
على أنه يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل العيد بيوم، أو بيومين. قال ابن عمر tما:
أمرنا رسول الله e
بزكاة الفطر، أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. قال نافع: وكان ابن عمر يؤديها،
قبل ذلك، باليوم، أو اليومين. واختلفوا فيما زاد على ذلك. فعند أبي حنيفة: يجوز
تقديمها على شهر رمضان. وقال الشافعي: يجوز التقديم من أول الشهر. وقال مالك
ومشهور مذهب أحمد: يجوز تقديمها يوما أو يومين. واتفقت الأئمة على أن زكاة الفطر
لا تسقط بالتأخير بعد الوجوب، بل تصير دينا في ذمة من لزمته، حتى تؤدى، ولو في آخر
العمر. واتفقوا: على أنه لا يجوز تأخيرها عن يوم العيد ([124])
إلا ما نقل عن ابن سيرين، والنخعي، أنهما قالا: يجوز تأخيرها عن يوم العيد، وقال
أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس. وقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتفاق، لأنها زكاة،
فوجب أن يكون في تأخيرها إثم، كما في إخراج الصلاة عن وقتها. وقد تقدم في الحديث:
" من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من
الصدقات ([125])
"
مصرفها:
مصرف الزكاة، أي أنها توزع على الأصناف الثمانية المذكورة في آية: " إنما
الصدقات للفقراء ". والفقراء هم أولى الأصناف بها، لما تقدم في الحديث: فرض
رسول الله e
زكاة الفطر، طهرة للصائم، من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين. ولما رواه البيهقي،
والدارقطني عن ابن عمر tما
قال: فرض رسول الله e
زكاة الفطر وقال: " أغنوهم في هذا اليوم " وفي رواية للبيهقي: "
أغنوهم عن طواف هذا اليوم ". وتقدم الكلام على المكان الذي تؤدى فيه، عند
الكلام على نقل الزكاة. إعطاؤها للذمي: أجاز الزهري، وأبو حنيفة، ومحمد، وابن
شبرمة، إعطاء الذمي من زكاة الفطر لقول الله تعال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم
يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب
المقسطين).
هل
في المال حق سوى الزكاة ؟
ينظر
الإسلام إلى المال نظرة واقعية، فهو في نظرة عصب الحياة، وقوام نظام الأفراد
والجماعات. قال الله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما)
وهذا يقتضي أن يوزع توزيعا يكفل لكل فرد كفايته من الغذاء، والكساء، والمسكن،
وسائر الحاجات الأصلية، التي لا غنى عنها، حتى لا يبقى فرد مضيع، لأقوام له. وأمثل
وسيلة، وأفضلها لتوزيع المال، وللحصول على الكفاية، وسيلة الزكاة، فهي في الوقت
الذي لا يضيق بها الغني، ترفع مستوى الفقير إلى حد الكفاية، وتجنبه شظف العيش،
وألم الحرمان. والزكاة ليست منة يهبها الغني للفقير، وإنما هي حق استودعه الله يد
الغني، ليؤديه لأهله، وليوزعه على مستحقيه ومن ثم تتقرر هذه الحقيقة الكبرى وهي:
أن المال ليس وقفا على الأغنياء دون غيرهم، وإنما المال للجميع: أي للأغنياء،
والفقراء، على السواء يوضح هذا قول الله تعالى - في حكمه تقسيم الفئة (كي لا يكون
دولة بين الأغنياء منكم) أي هذا التقسيم، لئلا يكون المال متداولا بين الأغنياء،
بل يجب توزيعه على الأغنياء والفقراء. والزكاة، هي الحق الواجب في المال، متى قامت
بحاجة الفقراء وسدت خلة المعوزين، وكفت البائسين، وأطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف.
فإذا لم تكف الزكاة، ولم تف بحاجة المحتاجين، وجب في المال حق آخر سوى الزكاة وهذا
الحق لا يتقيد ولا يتحدد إلا بالكفاية، فيؤخذ من مال الأغنياء القدر الذي يقوم
بكفاية الفقراء. قال القرطبي: قوله تعالى: " وآتى المال على حبه " استدل
به من قال: إن في المال حقا، سوى الزكاة، وبها كمال البر، وقيل: المراد الزكاة
المفروضة، والأول أصح. قال رسول الله e:
" إن في المال حقا سوى الزكاة " تم تلا هذه الآية " ليس البر أن
تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " إلى آخرها. وأخرجه ابن ماجه، في سننه،
والترمذي في جامعه، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة، ميمون الأعور،
يضعف. وروى بيان، وإسماعيل بن سالم هذا الحديث، عن الشعبي من قوله، وهو أصح. قلت:
والحديث، وإن كان فيه مقال، فقد دل على صحته معنى ما في هذه الآية نفسها، من قوله
تعالى: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) مع الصلاة، وذلك دليل. على أن المراد بقوله: (وآتى
المال على حبه) ليس الزكاة المفروضة فإن ذلك يكون تكرارا، والله أعلم. واتفق
العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة، بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال
إليها. قال مالك رحمه الله: يجب على الناس فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم،
وهذا إجمال أيضا، وهو يقوي ما اخترناه، وبالله التوفيق. وفي تفسير المنار، في قوله
تعالى: " وآتى المال على حبه " قال: أي وأعطى المال لأجل حبه تعالى، أو
على حبه إياه أي المال. قال الأستاذ الإمام ([126]):
" وهذا الإيتاء، غير إيتاء الزكاة الآتي، وهو ركن من أركان البر، وواجب
كالزكاة وذلك حيث تعرض الحاجة إلى البذل، في غير وقت أداء الزكاة، بأن يرى الواجد
مضطرا، بعد أداء الزكاة، أو قبل تمام الحول. وهو لا يشترط فيه نصاب معين، بل هو
على حسب الاستطاعة. فإذا كان لا يملك إلا رغيفا، ورأى مضطرا إليه، في حال استغنائه
عنه، بأن لم يكن محتاجا إليه لنفسه، أو لمن تجب عليه نفقته، وجب عليه بذله. وليس
المضطر وحده، هو الذي له الحق في ذلك، بل أمر الله تعالى المؤمن أن يعطي من غير
الزكاة " ذوي القربى " وهم أحق الناس بالبر، والصلة، فإن الإنسان إذا
احتاج - وفي أقاربه غني - فإن نفسه تتوجه إليه بعاطفة الرحم. ومن المغروز في
الفطرة أن الإنسان يألم لفاقة ذوي رحمه وعدمهم، أشد مما يألم لفاقة غيرهم، فإنه
يهون بهوانهم، ويعتز بعزتهم، فمن قطع الرحم ورضي بأن ينعم وذو وقرباه بائسون، فهو
برئ من الفطرة والدين، وبعيد من الخير والبر، ومن كان أقرب رحما، كان حقه آكد،
وصلته أفضل. " واليتامى " فإنه لموت كافلهم تتعلق كفايتهم بأهل الوجد
واليسار من المسلمين، كيلا تسوء حالهم، وتفسد تربيتهم، فيكونوا مصابا على أنفسهم
وعلى الناس. " والمساكين " فإنهم لما قعد بهم العجز عن كسب ما يكفيهم،
وسكنت نفوسهم للرضا بالقليل عن مد كف الذليل وجبت مساعدتهم، ومواساتهم على
المستطيع. " وابن السبيل " المنقطع في السفر، لا يتصل بأهل ولا قرابة
كأن السبيل أبوه، وأمه، ورحمه، وأهله. وهذا التعبير بمكان من اللطف، لا يرتقي إليه
سواه. وفي الأمر بمواساته، وإعانته في سفره، ترغيب من الشرع في السياحة، والضرب في
الأرض. " والسائلين " الذين تدفعهم الحاجة العارضة، إلى تكفف الناس.
وأخرهم لأنهم يسألون، فيعطيهم هذا، وهذا. وقد يسأل الإنسان لمواساة غيره - والسؤال
محرم شرعا، إلا لضرورة، يجب على السائل أن لا يتعداها. " وفي الرقاب "
أي في تحريرها، وعتقها، وهو يشمل ابتياع الأرقاء، وعتقهم وإعانة المكاتبين على
أداء نجومهم ([127])
ومساعدة الأسرى على الافتداء. وفي جعل هذا النوع من البذل، حقا واجبا في أموال
المسلمين، دليل على رغبة الشريعة في فك الرقاب، واعتبارها أن الإنسان خلق ليكون
حرا، إلا في أحوال عارضة، تقضي المصلحة العامة فيها، أن يكون الأسير رقيقا، وأخر
هذا عن كل ما سبقه، لان الحاجة في تلك الأصناف، قد تكون لحفظ الحياة، وحاجة الرقيق
إلى الحرية حاجة إلى الكمال. ومشروعية البذل لهذه الأصناف، من غير مال الزكاة، لا
تتقيد بزمن ولا بامتلاك نصاب محدود، ولا يكون المبذول مقدارا معينا بالنسبة إلى ما
يملك، ككونه عشرا، أو ربع عشر، أو عشر العشر مثلا، وإنما هو أمر مطلق بالإحسان
موكول إلى أريحية المعطي وحالة المعطى. ووقاية الإنسان المحترم من الهلاك، والتلف،
واجبة على من قدر عليها، وما زاد على ذلك، فلا تقدير له. وقد أغفل الناس أكثر هذه
الحقوق العامة، التي حث عليها الكتاب العزيز لما فيها من الحياة الاشتراكية
المعتدلة الشريفة فلا يكادون يبذلون شيئا لهؤلاء المحتاجين إلا القليل النادر لبعض
السائلين، وهم في هذا الزمان أقل الناس استحقاقا، لأنهم اتخذوا السؤال حرفة،
وأكثرهم واجدون. انتهى. وقال ابن حزم: وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد، أن يقوموا
بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال
المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء
والصيف، والشمس، وعيون المارة. برهان ذلك: قول الله تعالى: " وآت ذا القربى
حقه والمسكين وابن السبيل " وقال تعالى: " وبالوالدين إحسانا وبذي
القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب ([128])،
والصاحب بالجنب ([129])،
وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم ". فأوجب تعالى حق المسكين، وابن السبيل، وما
ملكت اليمين من حق ذي القربى، وافترض الإحسان إلى الأبوين، وذي القربى والمساكين،
والجار وما ملكت اليمين، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك. وقال
تعالى: (ما سلككم في سقر ؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين). فقرن
الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة. وعن رسول الله e - من طرق كثيرة، في غاية الصحة أنه قال:"من لا يرحم الناس لا
يرحمه الله ". ومن كان على فضلة ([130])
ورأى المسلم أخاه جائعا عريان ضائعا فلم يغثه. فما رحمه بلا شك. وعن عثمان النهدي:
أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حدثه: " أن أصحاب الصفة، كانوا ناسا فقراء،
وأن رسول الله e
قال: " من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب
بخامس أو سادس ". وعن ابن عمر tما:
أن رسول الله e
قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ". ومن تركه يجوع، ويعرى -
وهو قادر على إطعامه وكسوته - فقد أسلمه. وعن أبي سعيد الخدري t: أن رسول الله e
قال: " من كان معه فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من
زاد، فليعد به على من زاد له. قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه
لاحق لأحد منا في فضل ". وهذا إجماع الصحابة tم
يخبر بذلك أبو سعيد الخدري t،
وبكل ما في هذا الخبر نقول: ومن طريق أبي موسى الأشعري رضى الله عنه عن النبي e قال: " أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني ([131])
". والنصوص من القرآن، والأحاديث الصحاح في هذا كثيرة جدا. وقال عمر t: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء،
فقسمتها على فقراء المهاجرين " وهذا إسناد في غاية الصحة، والجلالة. وقال علي
t:
" إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن
جاعوا، أو عروا، وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم ، يوم
القيامة، ويعذبهم عليه ([132])
" وعن ابن عمر tما:
أنه قال: " في مالك حق سوى الزكاة ". وعن عائشة أم المؤمنين، والحسن بن
علي، وابن عمر tم،
أنهم قالوا كلهم لمن سألهم: " إن كنت تسأل في دم موجع، أو غرم مفظع، أو فقر
مدقع، فقد وجب حقك ". وصح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلاثمائة من الصحابة tم
أن زادهم فني، فأمرهم أبو عبيدة. فجمعوا أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على
السواء. فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة tم،
ولا مخالف لهم منهم. وصح عن الشعبي، ومجاهد، وطاوس، وغيرهم، كلهم يقول: في المال
حق، سوى الزكاة. ثم قال: ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة، أو لحم خنزير وهو يجد
طعاما، فيه فضل عن صاحبه لمسلم، أو لذمي، لأنه يجب فرضا على صاحب الطعام إطعام
الجائع. فإذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة، ولا إلى لحم الخنزير، وله أن
يقاتل على ذلك، فإن قتل، فعلى قاتله القود ([133])،
وإن قتل المانع فإلى لعنة الله، لأنه منع حقا، وهو من الطائفة الباغية، قال تعالى:
" فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ".
ومانع الحق باغ على أخيه، الذي له الحق. وبهذا قاتل أبو بكر الصديق t، مانع الزكاة. وبالله تعالى التوفيق. انتهى
وإنما
سردنا هذه النصوص، وأكثرنا القول في هذه المسألة لنبين مدى ما في الإسلام من رحمة،
وحنان، وأنه سبق المذاهب الحديثة سبقا بعيدا، وأنها في جانبه كالشمعة المضطربة
أمام الضوء الباهر، والشمس الهادية.
صدقة التطوع
دعا الإسلام
إلى البذل، وحض عليه في أسلوب يستهوي الأفئدة، ويبعث في النفس الأريحية، ويثير
فيها معاني الخير والبر، والإحسان.
1 -
قال الله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم).
2 -
وقال: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم).
3 -
وقال (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير).
الأحاديث
الشريفة
1 -
وقال رسول الله e:
" إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء " رواه الترمذي، وحسنه.
2 -
وروى كذلك أن رسول الله e
قال: " إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ([134])
ويذهب الله بها الكبر والفخر ".
3 -
وقال e:
" ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط
منفقا خلفا، ويقول الآخر: الله أعط ممسكا تلفا " رواه مسلم.
4 -
وقال e
" صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة حفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم
تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة،
وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف
" رواه الطبراني في الأوسط، وسكت عليه المنذري.
أنواع
الصدقات
وليست
الصدقة قاصرة على نوع معين من أعمال البر بل القاعدة العامة، أن كل معروف صدقة.
وإليك بعض ما جاء في ذلك:
1 -
قال رسول الله e:
" على كل مسلم صدقة " فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد ؟ قال: "
يعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق ". قالوا: فإن لم يجد ؟ قال: " يعين ذا
الحاجة الملهوف ([135])
". قالوا: فإن لم جيد ؟ قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر، فإنها ([136])
له صدقة " رواه البخاري، وغيره.
2 -
وقال e:
" كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم طلعت فيه الشمس، فمن ذلك أن يعدل ([137])
بين الاثنين صدقة، وأن يعين الرجل على دابته فيحمله عليها صدقة، ويرفع متاعه عليها
صدقة، ويميط الذي عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يمشي إلى الصلاة
صدقة " رواه أحمد وغيره.
3 -
وعن أبي ذر الغفاري t
قال ([138])،
(قال رسول الله e):
" على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه ". قلت: يا
رسول الله من أين أتصدق، وليس لنا أموال ؟ قال: " لان من أبواب الصدقة:
التكبير، وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف،
وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوك عن طريق الناس، والعظم، والحجر، وتهدي العمي وتسمع
الصم والبكم، حتى يفقه، المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى
اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة، منك على
نفسك، ولك في جماع زوجتك أجر " الحديث، رواه أحمد واللفظ له، ومعناه أيضا في
مسلم. وعند مسلم قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر ؟ قال:
" أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال
كان له أجر ".
3 -
وعن أبي ذر t أن
رسول الله e
قال: " ليس من نفس ابن آدم عليها صدقة. في كل يوم طلعت فيه الشمس ". قيل:
يا رسول الله. من أين لنا صدقة نتصدق بها كل يوم ؟ فقال: " إن أبواب الخير
لكثيرة. التسبيح والتحميد، والتكبير، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،
وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الاصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجاته،
وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف. فهذا كله صدقة
منك على نفسك " رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي مختصر اوزاد في رواية:
" وتبسمك في وجه أخيك صدقة وإماطتك الحجر، والشوكة والعظم عن طريق الناس صدقة،
وهديك الرجل في أرض الضالة صدقة ".
5 -
وقال: " من استطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة ([139])
فمن لم يجد فبكلمة طيبة " رواه أحمد، ومسلم.
6 -
وقال: " إن الله عز وجل، يقول يوم القيامة: يا ابن آدم: مرضت فلم تعدني، قال:
يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت، أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟.
" أما لوعدته لوجدتني عنده. يا ابن آدم: استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب كيف
أطعمك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت
أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم: استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف
أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما إنك لو سقيته
لوجدت ذلك عندي. " رواه مسلم.
7 -
وقال e:
" لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شئ إلا كانت
له صدقة " رواه البخاري.
8 -
وقال عليه الصلاة والسلام: " كل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه
طلق، وان تفرغ من دلوك في إنائه " رواه أحمد والترمذي وصححه.
أولى
الناس بالصدقة:
أولى
الناس بالصدقة أولاد المتصدق وأهله وأقاربه. ولا يجوز التصدق على أجنبي وهو محتاج
إلى ما يتصدق به لنفقته ونفقة عياله.
1 -
فعن جابر رضى الله عنه أن رسول الله e
قال: " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، وإن كان فضل فعلى عياله، وإن كان
فضل فعلى ذوي قرابته، أو قال: ذوي رحمه، وان كان فضل فهاهنا وهاهنا " رواه
أحمد ومسلم.
2 -
وقال e:
" تصدقوا ": قال رجل. عندي دينار. قال " تصدق به على نفسك ".
قال: عندي دينار آخر. قال: تصدق به على زوجتك ". قال: عندي دينار آخر. قال:
" تصدق به على ولدك ". قال: عندي دينار آخر. قال: " تصدق به على
خادمتك ". قال: عندي دينار آخر. قال: " أنت به أبصر ". رواه أبو
داود والنسائي والحاكم، وصححه.
3 -
وقال عليه الصلاة والسلام: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ". رواه
مسلم وأبو داود.
4 -
وقال e:
" أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ([140])
. " رواه الطبراني، والحاكم وصححه. إبطال الصدقة: لقول الله تعالى: (يأيها
الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس). وقال
رسول الله e:
" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب
أليم. " قال أبو ذر رضى الله عنه: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله ؟ قال:
" المسبل ([141])
والمنان ([142])،
والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ".
التصدق
بالحرام:
لا
يقبل الله الصدقة، إذا كانت من حرام.
1 -
قال رسول الله صلى عليه وسلم: " أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا،
وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال عز وجل، (يا أيها الرسل
كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال (يأيها الذين آمنوا كلوا
من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء:
يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب
له " رواه مسلم.
2 -
وقال e:
" من تصدق بعدل ([143])
تمرة، من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه ثم
يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " رواه البخاري. صدقة
المرأة من مال زوجها: يجوز للمرأة تتصدق من بيت زوجها، إذا علمت رصاه، ويحرم عليها
إذا لم تعلم. فعن عائشة قالت: قال النبي e: " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها - غير مفسدة - كان لها
أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض
شيئا. " رواه البخاري.
وعن
أبي أمامة قال: سمعت رسول اله e
يقول - في خطبة عام حجة الوداع - " لا تنفق المرأة شيئا من بيت زوجها إلا
بإذن زوجها " قيل: يا رسول الله، ولا الطعام ؟ قال: " ذلك أفضل أموالنا
" رواه الترمذي، وحسنه. ويستثنى من ذلك النزر اليسير، الذي جرى به العرف فإنه
يجوز لها أن تتصدق به، دون أن تستأذنه. فعن أسماء بنت أبي بكر أنها سألت النبي e، فقالت: إن الزبير رجل شديد، ويأتيني المسكين فأتصدق عليه من بيته،
بغير إذنه، فقال رسول الله e:
" ارضخي ([144])
ولا توعي ([145])
فيوعي الله عليك ". رواه أحمد، والبخاري، ومسلم. جواز التصدق بكل المال: يجوز
للقوي المكتسب أن يتصدق بجميع ماله ([146]).
قال عمر: " أمرنا رسول الله e أن
نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن ([147])
سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله e: " ما أبقيت لأهلك ؟ " فقلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل
ماله، فقال له رسول الله e:
" ما أبقيت لأهلك ؟ " فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى
شئ أبدا " رواه أبو داود، والترمذي، وصححه.
وقد
اشترط العلماء لجواز التصدق بجميع المال أن يكون المتصدق قويا مكتسبا صابرا غير
مدين، ليس عنده من يجب الإنفاق عليه، فإذا لم تتوفر هذه الشروط، فإنه حينئذ يكره.
فعن جابر t
قال: بينما نحن عند رسول الله e.
إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب، فقال يا رسول الله: أصبت هذه من معدن فخذها، فهي
صدقة، ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله e، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من
قبل ركنه الأيسر ([148])
فأعرض رسول الله e ثم
أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله e
فحذفه ([149])
بها، فلو أصابته لأوجعته، أو عقرته ([150])
ثم قال : " يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به
ثم يجلس بعد ذلك يتكفف ([151])
الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى " رواه أبو داود، والحاكم، وقال: صحيح على شرط
مسلم. وفيه محمد بن إسحق.
جواز
الصدقة على الذمي والحربي
تجوز
الصدقة على الذمي والحربي ويثاب المسلم على ذلك، وقد أثنى الله على قوم فقال: (ويطعمون
الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) والأسير حربي. وقال تعالى: (لا ينهاكم الله
عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن
الله يحب المقسطين). وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة، فقلت:
يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال: " نعم، صلي أمك
".
الصدقة على الحيوان:
1 - روى البخاري ومسلم: أن رسول الله عليه وسلم
قال: " بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها، فشرب، ثم
خرج، فإذا كلب يلهث الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل
الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملا خفه ماء. ثم أمسكه بفيه حتى رقي ([152])
فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له. " قالوا: يا رسول الله، إن لنا في
البهائم أجرا ؟ فقال:" في كل كبد رطبة أجر "
.2 -
ورويا: أنه e
قال: " بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل
فنزعت موقها ([153])،
فاستقت له به، فسقته فغفر لها به ". الصدقة الجارية: روى أحمد ومسلم أن رسول
الله صلى عليه وسلم قال: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، صدقة
جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".
شكر
المعروف:
1 -
روى أبو داود والنسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر tما:
أن رسول الله e
قال: " من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه ومن استجار بالله
فأجيروه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا، فادعوا له حتى تعلموا أن قد
كافأتموه ".
2 -
وروى أحمد عن الأشعث بن قيس - بسند رواته ثقات -: أن رسول الله e قال: " لا يشكر الله من لا يشكر الناس ".
3 -
وروى الترمذي - وحسنه - عن أسامة بن زيد tما:
أن رسول الله e
قال: " من صنع معه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء
".
[1] سورة التوبة الآية 43 .
(2)
سورة البقرة الآية 43 .
(3)
سورة الأنعام الآية 141 .
(4)
كرائم : أي نفائس
(5)
أي إن الجهد والمشقة من الجوع والعري لا يصيب الفقراء إلا ببخل الأغنياء
(6)
) قال الطبراني: تفرد به ثابت بن محمد الزاهد. قال
الحافظ: وثابت: ثقة صدوق. روى عنه البخاري وغيره، وبقية رواته لا بأس بهم.
[2] (المهر والفلو والفصيل): ولد الفرس
(2)
سورة التوبة الآية 35 .
[3] يجعل
ما بخلوا به من مال طوقا من نار في أعناقهم
2
سورة آل عمرا الآية 180.
[4] (الكنز) مال وجبت
فيه الزكاة فلم تؤد، وأما ما أخرجت زكاته فليس بكنز مهما كثر.
[5] (بطح) أي بسط ومد.
[6] (القرقر) المستوي الواسع من الأرض.
[7] كأوفر
الخ) أي كأعظم ما كانت.
[8] (تستن) أي تجري.
[9] (مضى) أي مر.
[10] الظلف
للغنم كالحافر للفرس.
[11] (عقصاء) أي ملتوية القرنين
[12] (جلحاء) أي التي لا قرن لها
[13] (الفاحشة) أي الزنا.
[14] (الأوجاع) أي الأمراض.
[15] (السنين) أي الفقر.
[16] (القطر) أي المطر
[17] (بأسهم) أي حربهم.
[18] ويلحق
به من أخفى ماله ومنع الزكاة ثم انكشف أمره للحاكم.
[19] (عزمة) أي حقا من الحقوق الواجبة.
[20] المراد
بهم بنو يربوع وكانوا جمعوا الزكاة وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك
بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم. فهؤلاء هم الذين عرض الخلاف في أمرهم ووقعت الشبهة
لعمر في شأنهم مما اقتضى مناظرته لأبي بكر واحتجاجه على قتالهم بالحديث. وكان
قتاله لهم في أول خلافته سنة إحدى عشرة من الهجرة.
[21] (عناقا) أي أنثى المعز التي لم تبلغ سنة.
[22] التحقيق
أنه الحبل الذي يعقل به العبير، وأن الكلام وارد على وجه المبالغة.
[23] سورة
التوبة الآية 103 .
[24] أي
الزكاة.
[25] لو
باع النصاب في أثناء الحول أو أبدله بغير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف حولا آخر.
[26] سورة
الأنعام.
[27] هذا
مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
[28] (الغرماء) أي الدائنون.
[29] التبر:
قال الجوهري: لا يقال إلا للذهب وقد قاله بعضهم في الفضة.
[30] قال ابن بطال: فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به
فإن الآفات تعرض والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود.
[31] (وصل عليهم) أي أدع لهم.
[32] رواه
البخاري ومسلم وأبو داود .
[33] رواه
أحمد وأبو داود والبيهقي، وصححه البخاري، وحسنه الحافظ ز
[34] رواه
أصحاب السنن، قال الترمذي سألت البخاري عنه فقال صحيح .
[35] رواه
أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والدراقطني .
[36] (أن يسوركما) أي أن يلبسكما.
[37] (حق هذا) أي زكاته.
[38] قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده حسن .
[39] يشير إلى عموم قول الله تعالى: (والذين يكنزون
الذهب والفضة) الآية.
[40] (ملئ) أي غني.
[41] رواه الجماعة إلا مسلماً .
[42] أنظر
المغني لابن قدامة 2/690 .
[43] رواه
الدارقطني والحاكم والبيهقي، وقال رواته ثقات وهو متصل
[44] رواه الدراقطني والحاكم والأثرم، وهو حديث مرسل قوي .
[45] (السلت) نوع من الشعير.
[46] (الفرسك) الخوخ.
[47] يقصد:
أكثرهم.
[48] (القصب الفارسي) هو البوص في اللغة العامية المصرية.
[49] وإن
اشترى زرعا بعد بدو صلاحه أو ثمرة بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك لم تجب
فيها الزكاة.
[50] (القطنيات) هي الحبوب سوى البر والشعير سميت بذلك لأنها تقطن في
البيوت أي تخزن وهي كالعدس، والحمص، والبسلة، والجلبان، والترمس واللوبيا، والفول.
[51] كالأرز
إذا ترك في قشره.
[52] رواه
أحمد والبيهقي بسند جيد .
[53] الخمسة الأوسق تساوي ألفا وستمائة رطل عراقي والرطل العراقي 130
درهما تقريبا.
[54] رواه
مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود .
[55] رواه
البخاري .
[56] هذا رأيي أبي حنيفة
وأحمد. وعند الشافعي: إن علفت قدرا تعيش بدونه وجبت فيها الزكاة وإلا فلا، وهي
تصبر على العلف يومين لا أكثر.
[57] (عاملة) أي معدة للحمل وغيره.
[58] (شاة) أي جذع من الضأن، وهو ما أتى عليه أكثر السنة. أو ثني من
المعز، وهو ما له سنة.
[59] لا
يؤخذ الذكور في الزكاة إذا كان في النصاب إناث غير ابن اللبون عند عدم وجود بنت
المخاض، فإذا كانت الإبل كلها ذكور جاز أخذ الذكور.
[60] قال الشوكاني: ذلك ونحوه يدل على أن الزكاة
واجبة في العين ولو كانت القيمة هي الواجبة لكان ذكر ذلك عبثا، لأنها تختلف
باختلاف الأزمنة والأمكنة.
[61] يشمل
الجاموس.
[62] مذهب الأحناف أنه
يجوز إخراج المسنة والمسن. وقال غيرهم: يلزم في الأربعين مسنة أنثى، فقط إلا إذا
كانت كلها ذكورا فإنه يجوز الإخراج منها اتفاقا.
[63] يشمل
الضأن والمعز، وهما جنس واحد، يضم أحدهما إلى الآخر بالإجماع، كما قال ابن المنذر.
[64]يقصد النبي عليه
الصلاة والسلام، وأبا بكر t.
[65] أي
على الفقراء منهم.
[66] جمع فصيل وعجل
وجمل: وهي الصغار التي لم يتم لها سنة.
[67] (السخلة) اسم يقع على الذكر والأنثى، من أولاد الغنم، ساعة ما
تضعه الشاة، ضأنا كانت، أو معزا.
[68] (غذاء) جمع غذي كفي. وهي الدخان.
[69] أي
أنه يؤدي زكاتها حين يقبضها لما مضى من حين العقد إن كان مضى عليها حول أو أكثر.
[70] (العروض) جمع عرض: وهو غير ألاثمان من المال.
[71] (البز) متاع البيت.
[72] وما
في المهذب لا يخرج عن معناه.
[73] يرى
الإمام مالك أن الحول ينعقد على ما دون النصاب، فإذا بلغ في آخره نصابا زكاه.
[74] (دفن) أي المدفون من كنوز الجاهلية، ويعرف ذلك بكتابة أسمائهم،
ونقش صورهم ونحو ذلك، فإن كان عليه علامة الإسلام فهو لقطة، وليس بكنز وكذلك إذا
لم يعرف، هل هو من دفن الجاهلية أو الإسلام.
[75] (القار) أي الزفت.
[76] (النفط) أي البترول.
[77] أي
إذا انفلتت بهيمة فأتلفت شيئا فهو جبار: أي هدر.
[78] (والبئر جبار): معناه إذا حفر إنسان بئرا فتردى فيه آخر، فهو هدر.
[79] (مأتي): أي مسلوك.
[80] أي
إن لم يعرف صاحبها، فهي لمن وجدها إن كان فقيرا، وإلا تصدق بها.
[81] (دسره) أي قذفه البحر.
[82] (ليصر منها) يقطعون ثمارها وقت الصباح.
[83] يقولون:
إن شاء الله.
[84] (الصريم) الليل
المظلم.
[85] اللام
للملك، أو الاستحقاق، أو بتقدير مفروضة، كمنا يدل عليه آخر الآية وهو " فريضة
من الله ".
[86] رواه أبو داود. وفيه عبد الرحمن الإفريقي متكلم فيه
[87] "
حمالة " أي دينا لإصلاح ذات البين.
[88] "
الجائحه " أي ما أتلف المال كالحريق.
[89] "
سدادا " أي ما تقوم به حاجته ويستغنى به، وهو بمعنى السداد.
[90] فاقة
" أي الفقر والحاجة.
[91] "
الحجا " أي العقل.
[92] "
السحت " أي الحرام.
[93] "
جلدين " أي قويين.
[94] أي
يكتسب قدر كفايته، قاله الشوكاني.
[95] المرة: شدة أسر الخلق، وصحة البدن التي يكون معها احتمال الكد
والتعب. " وسوي ": سليم الأعضاء.
[96] أي
أقصاه.
[97] رزق العامل على عمله.
"
يكترى " أي يستأجر
[98] هذا
الكلام منقول من تفسير المنار.
[99] وكذا
مالك، وأحمد، ورواية عن الشافعي.
[100] القهر
[101] الذي يريد العفاف بالزواج
[102] مؤلف
كتاب منتفى الأخبار.
[103] "
مدقع " أي شديد، أي ملصق صاحبه بالدقعاء، وهي الأرض التي لا نبات فيها.
[104] "
غرم " أي ما يلزم أداؤه تكلفا، لا في مقابلة عوض.
[105] "
مفظع " أي شديد: شنيع، مجاوز للحد.
[106] هو
الذي يتحمل دية عن قريبه، أو صديقه القاتل، يدفعها إلى أولياء المقتول، وإن لم
يدفعها قتل قريبه، أو صديقه القاتل، الذي يتوجع لقتله وإراقة دمه.
[107] أي
من أجل ثمار اشتراها.
[108] أي
ليس لكم الآن إلا الموجود وليس لكم حبسه ما دام معسرا فليس فيه إبطال حق الغرماء
فيما بقي.
[109] " الخلة " بفتح الخاء: الحاجة
[110] أن
يعطوا " الخ " أي يجوز إعطاء صدقة التطوع للذميين.
[111] "
مواليهم " أي الأرقاء الذين أعتقوهم.
[112] هذا
هو الراجح.
[113] يرى ابن تيمية أنه يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين، إذا كان لا
يستطيع أن ينفق عليهم وكانوا هم في حاجة إليها.
[114] لان
الغارم هو الميت، ولا يمكن الدفع إليه وإن دفعها للغريم صار الدفع إلى الغريم، لا
إلى الغارم.
[115] "
طهرة " تطهيرا
[116] "
اللغو " هو ما لا فائدة فيه من القول أو الفعل.
[117] "
الرفث " فاحش الكلام.
[118] "
طعمة " طعام.
[119] هذا
مذهب مالك والشافعي وأحمد، قال الشوكاني: وهذا هو الحق. وعند الأحناف لابد من ملك
النصاب.
[120] الصاع
أربعة أمداد. والمد حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفين ويساوي قدحا وثلث قدح أو قدحين.
[121] "
الاقط " لبن مجفف لم تنزع زبدته.
[122] المدان:
نصف صاع.
[123] "
سمراء " أي قمح.
[124] وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر.
[125] أي
التي يتصدق بها في سائر الأوقات.
[126] الشيخ محمد عبده.
[127] "
بحومهم " أي الأقساط.
[128] "
الجار الجنب " أي الجار البعيد.
[129] " الصاحب بالجنب " أي الزوجة.
[130] "
فضلة " أي زيادة عن الحاجة.
[131] "
العاني " أي الأسير
[132] تقدم
الحديث في أول الكتاب مرفوعا إلى النبي e.
[133] " فعلى قاتله القود " أي يقتل به.
[134] "
ميتة السوء " أي سوء العاقبة.
[135] "
الملهوف " أي المستغيث سواء أكان مظلوما أم عاجزا.
[136] أي
إن هذه الخصلة.
[137] "
يعدل " أي يصلح بين متخاصمين بالعدل.
[138] ما بين القوسين ليس في مسند الإمام أحمد وإنما آثرنا إثباته هنا
لان ما بعده إلى قوله " على نفسه " في حكم المرفوع إلى النبي e.
[139] شق تمرة " أي نصف تمرة، وهذا يفيد أنه لا ينبغي أن يستقل الإنسان
الصدقة.
[140] " الكاشح " أي الذي يضمر العداوة.
[141] "
المسبل " أي الذي يجر ثوبه خيلاء.
[142] المن
ذكر الصدقة والتحدث بها، أو استخدام المتصدق عليه، أو التكبر عليه لأجل إعطائه. والأذى
إظهار الصدقة، قصد إيلام المتصدق عليه، أو توبيخه.
[143] " العدل " بكسر العين، معناه في اللغة: المثل. والمراد
به هنا ما يساوي قيمة تمرة.
[144] "
ارضخي " أي أعطي القليل، الذي جرت به العادة.
[145] "
لا توعي " أي لا تدخري المال في الوعاء فيمنعه الله عنك.
[146] قال
أبو جعفر الطبري: ومع جوازه فالمستحب إن لا يفعل وأن يقتصر على الثلث.
[147] "إن"
حرف نفي: أي ما سبقته.
[148] "
ركنه " أي جانبه.
[149] "
فحذفه " أي رماه بها.
[150] "
عقرته " أي جرحته.
[151] " يتكفف " أي يمد كفه.
[152] "
رقي " أي صعد.
[153] " الموق " أي الخف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق