وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
المطلب الثالث
ـــــــــــــــــــــــ
المـشــتــرك
تعريفة
:
المشترك
: لفظ وضع لمعنيين أ, أكثر بأوضاع متعددة .
فمن
المشترك الموضوع لمعنيين فقط ( القرء ) ، فقد وضع للطهر والحيضة .
ومن
المشترك الموضوع لأكثر من معنيين ، لفظ ( العين ) فقد وضع لعدة معان .
منها
العين الباصرة ، وعين الماء ، والجاسوس ، والسلعة .
أسباب
وجود المشترك في اللغة :
ومن
أهم أسباب وجود الألفاظ المشتركة :
أولا
: اختلاف القبائل العربية في وضع الألفاظ لمعانيها .
ثانيا
: قد يوضع اللفظ لمعنى ، ثم يستعمل في فيره مجازا .
ثالثا
: أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى مشترك بين المعنيين فيصبح إطلاق اللفظ على كليهما .
رابعا
: أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى في اللغة ، ثم
يوضع في الاصطلاح ، لمعنى أخر .
حكم
المشترك:
إن
كان مشتركا بين معنى لغوي ومعنى اصطلاحي حي شرعي ، وجب حمله على معنى واحد منها
بدليل يدل على هذا الحمل .
مثال
: في قوله تعالى : (
الطلاق مرتان ) يحمل
الطلاق على معناه الاصطلاحي الشرعي وهو حل الرابطة الزوجية الصحيحة ، ولا يحمل على
معناه اللغوي وهو حل القيد مطلقا .
وفي
قوله تعالى : (
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )، لفظ : القروء استعمل هنا في معناه اللغوي ، وهو إما الطهر
،وإما الحيضة ، فعلى المجتهد أن يبذل جهده لمعرفة المراد منه ، لأن الشارع ما أراد
إلا أحد معنية .
عموم
المشترك :
ومعناه
: أن يطلق اللفظ المشترك ويراد به جميع معانيه التي وضع لها ، وقد اختلف الأصوليون
في هذه المسألة على أقوال :
القول
الأول : المنع من إرادة العموم فلا يجوز استعمال المشترك إلا في معنى واحد.
والحجة
لهذا القول : أن المشترك لم يوضع لجميع ما يدل عليه بوضع واحد ، بل بأوضاع متعددة
، أي : وضع لكل معنى من معانيه بوضع على حده ، فإرادة جميع معانيه بإطلاق واحد
يخالف أصل وضعه .
القول
الثاني : الجواز، فالمشترك ، وإن كان الأصل فيه أطلاق على معنى واحد ، يجوز أن
يراد به كل معانيه دفعه واحدة ، فيكون كالعام في شموله على ما يدل عليه . كقوله
تعالى : ( ألم ترى
أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر
والدواب وكثير من الناس ) فالسجود يعني : وضع الجبهة على الأرض ، وهذا في حق الناس ، ويعني :
الخضوع والانقياد الجبري ، فهما معنيان مختلفان مرادان من لفظ ( يسجد ) الواردة في
النص . وفي هذا الدليل على جواز استعمال المشترك وإرادة جميع معانيه في هذا
الاستعمال .
القول
الثالث : الجواز بتفضيل ، فيجوز أن يراد به العموم في النفي دون الإثبات فإذا أوصي
بثلث ماله لمواليه أو لمولاه ، بطلت الوصية ، لجهالة الموصى له ,
لأن
اسم المولى مشترك بين المعتق والعتيق ، ولا عموم للمشترك في الإثبات .
والراجح
هو قول الجمهور ،فلا يراد بالمشترك إلا أحد معانيه ، ويعرف المعنى المطلوب
بالقرينة المعتبرة .
المبحث الثاني
ـــــــــــــــــــــــ
اللفظ باعتبار استعماله في
المعنى
أولا
: الحقيقة :
اللفظ باعتبار استعماله في المعنى الموضوع له أو في
غيره ، ينقسم إلى أربعة أقسام هي : الحقيقة ، والمجاز ن والصريح ، والكناية .
الحقيقة
هي اللفظ المستعمل فيما وضع له ، وقد تكون هذه
الحقيقة لغوية ، وقد تكون شرعية ، وقد تكون عرفية .
فالحقيقة
اللغوية : وهي اللفظ المستعمل في معناه الشرعي : أي : في المعنى الذي أراده
المشروع ، كالصلاة والحج والزكاة .
والحقيقة
العرفية : هي اللفظ . كلفظ السيارة ، فقد جرى العرف العام على إطلاقها على واسطة
النقل المعروفة .
حكم
الحقيقة :
حكم
الحقيقة بأنواعها ، ثبوت المعنى الذي وضع له اللفظ في اصطلاح المتخاطبين وعدم
انتفائه عنه، وتعلق الحكم به . كقوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق
) ، القتل حقيقة في
إزهاق روح الإنسان ، والنهي منصب على هذه الحقيقة
فلا يجوز ارتكابها بغير حق .
ومن
الحكم الحقيقة أيضا رجحانها عل المجاز .
ثانيا
: المجاز ..
المجاز
: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما وقرينة تمنع إرادة المعنى
الحقيقي للفظ ، كاستعمال لفظ أسد للرجل الشجاع ، والعلاقة هي المعنى الجامع بين
المعنى الأصلي للفظ والمعنى المستعمل فيه اللفظ وهي الشجاعة .
ويقصد
بالقرينة : العلامة الصالحة للدلالة على إرادة المعنى الحقيقي للفظ من قبل المتكلم
،وإنما أراد المعنى المجازي .
أنواع
العلاقة :
أ- المشابهة :
أي : الاشتراك في وصف معين بين المعنى الحقيقي للفظ ، وبين معناه المجازي المستعمل
، في قول أهل المدينة للرسول صلى الله علية وسلم لما قدم إليهم: ( طلع البدر علينا
) بجامع الإنارة بين البدر في السماء ويبين وجه النبي الكريم .
ب- الكون : وعناه تسمية الشيء بما كان علية ، أي :
تسميته بما كان متصفا به من قبل ، مثل
قوله تعالى : (
واتوا اليتامى أموالهم ) ، أي : البالغين الراشدين الذين كانوا يتامى .
أ- الأول :
أي: أن يسمى الشيء ما يؤول إليه في المستقبل ، كما في قوله تعالى ، حكاية صاحب
يوسف في السجن ، وهو يقص رؤيا : ( إني أراني أعصر خمرا) أي : أعصر عنبا يؤول إلي الخمر.
د- الاستعداد
: وهو أن يسمى الشيء بما فيه من قوة واستعداد لإحداث أثر معين ، كما في قولنا :
السم مميت ، أي : فيه قوة الإماتة .
هـ- الحلول : بأن يذكر المحل ويراد به الحال ،
كما في قوله تعالى : (
واسأل القرية) أي :
أهلها / فذكر المحل وأراد الحال فيها .
و-
الجزئية وعكسها : بأن يطلق الجزء ويراد به الكل ، ويطلق الكل ويراد به الجزء.
فمن
الأول : قوله تعالى : ( فك رقبة ) ، وقوله تعالى في كفارة الظهار : ( فتحرير رقبة ) فالمراد بالرقبة في الآيتين شخص الرقيق ،
فيراد تحريره .
ومن
الثاني : قوله تعالى : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم ) ، أي : أناملهم ، فأطلق الكل وأراد الجزء .
ز-
السببية : بأن يطلق السبب ويراد المسبب ، أو بالعكس .
من
الأول : قول القائلين : فلان أكل دم أخيه ،أي : ديته ،لأن إراقة دمه سبب الدية
التي استحقها الأخ .
ومن
الثاني : قول الزوج لزوجته : اعتدي ، يريد طلاقها ، لأن العدة سببها الطلاق ،
فأطلق المسبب وأراد السبب .
والمجاز
الذي علاقته المشابهة يسمى استعارة ، والذي علاقته غير المشابهة يسمى المجاز
المرسل .
أنواع
القرينة :
القرينة
المانعة : من إرادة المعنى الحقيقي للفظ أنواع :
أ- قرينة حسية
: كقول القائل : أكلت من هذه الشجرة ، أي: من ثمرتها .
ب- قرينة
عادية أو حالية ، أي : حسب العادة وظروف الحال ، كما في قول الزوج لزوجته وهي تريد
الخروج وهو يريد منعها : إن خرجت فأنت طالق ، فيحمل كلامه على الخروج في ذلك الظرف
دون غيره .
ب- قرينة
شرعية : كما في التوكيل بالخصومة تحمل على إعطاء الجواب ومدافعه حجج الخصم أمام
القضاء ، ولا تحمل على النزاع والخصام والاعتداء على الخصم ، لأن هذه المعاني
ممنوعة شرعا ، وكما في ألفاظ العموم
الواردة بصيغ المذكر ، مثل : ( يا أيها الذين امنوا ) تحمل على الذكور والإناث ، لما عرف في الشرع من عموم التكليف
بالنسبة للرجال والنساء .
حكم المجاز :
أ- ثبوت
المجازي للفظ ، وتعلق الحكم به ، كما في قوله تعالى : ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) ، يراد بالغائط هنا : الحدث
الأصغر ، ولا يراد معناه الحقيقي : وهو المحل المنخفض ، ويتعلق الحكم به : وهو
التيمم عند إرادة الصلاة إذا لم بتيسر
الماء .
ب- لا يصار
إلى المجاز إذا أمكن المعنى الحقيقي ، أي:
إن الكلام يحمل على الحقيقة كلما أمكن هذا الحمل ، ولكن إذا تعذر حمل الكلام على
الحقيقة فإنه يصار إلى المجاز .
الجمع
بين الحقيقة والمجاز :
يجوز
استعمال اللفظ في معنى مجازي يندرج تحته المعنى الحقيقي ، وهو الذي يسمونه عموم
المجاز فيمكن ، مثل حمل لفظ الأم على الأصل ، فيشمل الأم الوالدة والجدات .
ثالثا
: الصريح والكناية :
الصريح
: هو اللفظ الذي ظهر المراد منه ظهورا تاما لكثرة استعماله فيه ، حقيقة كان أو
مجازا فمن الأول : أنت طالق ،فإنه حقيقة شرعية في إزالة النكاح صريح فيه.
ومن
الثاني : قوله تعالى : ( واسأل القرية ) فهو صريح وإن كان مجازا ، لأنه صريح في أن المراد به : وأسأل أهل
القرية .
وحكم
الصريح : ثبوت موجبه بلا نية ، أي : تعلق الحكم بنفسه الكلام دون توقف ذلك على نية
المتكلم ، أي : سواء نوى معناه أو لم ينوه لظهور معناه ووضوحه ، كلفظ الطلاق جعله
الشارع سببا لوقوع الفرقة ، فيثبت هذا الحكم قضاء بمجرد التلفظ بلفظ الطلاق . إذا
ما توافرت شرط صحة الطلاق ، ولا يصدق في أنه نوى الخلاص من القيد ، لأن اللفظ صريح
في الطلاق فيحكم القاضي بظاهرة .
الكنـــــايــة :
وهي
في اللغة أن تتكلم بشيء وتريد به غيره .
وفي
الاصطلاح : لفظ استتر المعنى المراد به بحسب الاستعمال ، ولايفهم إلا بقرينة سواء
كان هذا اللفظ حقيقة أو مجازي غير متعارف ، مثل قول الرجل لزوجته : حبلك على قاربك
، أو الحقي بأهلك ، أو اعتدي ، فهذه العبارات كناية عن الطلاق .
وحكم
الكناية : عدم ثبوت موجبها إلا بالنية أو بدلالة الحال ، كقول الرجل لزوجته اعتدي
، يريد الطلاق ، أو قال لها ذلك بعد أن طلبت هي منه الطلاق .
ومن
أحكام الكناية أيضا : أنه لا يثبت بها ما يندري بالشبهات كحد القذف ، فلو قال شخص لأخر
: أما أنا فلست بزان ، فهذا لا يعتبر قذفا موجبا لحد القذف ، لأنه الكناية ، فكان
خفاء المراد منها : شبهة تدرأ حد القذف عن القائل .
المبحث
الثالث
ــــــــــــــــــــــ
دلالة اللفظ
على المعنى
اللفظ
باعتبار وضوح ودلالته على معناه ، أو خفاء هذه الأدلة ينقسم إلى قسمين :
واضح
الدلالة وغير واضح الدلالة .
المطلب
الأول
ــــــــــــــــــــــــ
الواضح
الدلالة
الواضح
الدلالة أربعة أقسام : الظاهر ، والنص ، والمفسر ، والمحكم ، وتفاوت هذه الأقسام
في قوة وضوح دلالتها وضعفها ، فأقلها وضوحا : الظاهر : الظاهر ، ثم يليه النص ، ثم
يشتد الوضوح في المفسر ، ثم يبلغ ذروته في المحكم .
أولا
: الظاهر .
الظاهر في اللغة : هو الواضح ، وفي الاصطلاح : هو الذي ظهر
المراد منه بنفسه أي : من غير توقف على أمر خارجي .
ومثاله
: قوله تعالى : (
وأحل الله البيع وحرم الربا ) ظاهر في إحلال البيع وتحريم
الربا ، لأن هذا المعنى هو الظاهرة المتبادر فهمه من كلمتي : أحل وحرم ، وهو غير مقصود
أصالته سياق الآية الكريمة ، لان المقصود الأصلي منها هو نفي المماثلة بين البيع
والربا ، وردا على الذين قالوا : إنما البيع مثل الربا .
حكم
الظاهر :
1- أنه يحتمل
التأويل : أي : صرف عن ظاهره وإرادة معنى أخر منه ، كأن يخصص إن كان عاما ، ويقيد
إن كان مطلقا ، ويحمل على المجاز لا على الحقيقة .
2- وجوب العمل
بمعناه الظاهر ما لم يقم دليل يقتضي العدول عنه ، أي : تأويله إلى غير معناه
الظاهر . مثاله : قوله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) ، ظاهر في عموم البيع والربا ، لأنه لا نسخ
بعده صلى الله عليه وسلم .
3- يقبل النسخ
في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا نسخ بعده صلى الله عليه وسلم .
ثانيا
: النص .
النص
في الاصطلاح : ما دل بنفس لفظه وصيغته على المعنى دون توقف على أمر خارجي ، وكان
هذا المعنى هو المقصود الأصلي من سوق الكلام ، لا لذات صيغته، قوله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم
الربا ) فإنه ظاهر
في تحليل البيع تحريم الربا، ونص في التفرقة بين البيع والربا ، لأن هذا المعنى هو
المتبادر فهمه من الآية ، وهذا المعنى هو المقصود الأصلي من سياق الايه، لأنها
وردت للرد على الكفار الذين قالوا : إنما البيع مثل الربا .
حكم
النص :
إنه
يقبل التأويل ، ويقبل النسخ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقط ، ويجب العمل به
ما لم يقم دليل على تأويله .
الفرق
بين الظاهر والنص :
أولا
: إن دلالة النص على معناه أوضح من دلالة الظاهرة على معناه .
ثانيا
: إن معنى النص هو المقصود الأصلي من سوق الكلام ، أما الطاهر فمعناه مقصود تبعا
لا أصالة من سوق الكلام .
ثالثا
: إن احتمال النص للتأويل أبعد من احتمال الظاهر له .
رابعا
: عند التعارض بينهما يرجح النص على الظاهر .
التأويل
:
التأويل
: في اللغة مأخوذ من : آل ، يؤول ، أي : رجع ، ومنه قوله تعالى ( وابتغاء تأويله ) أي : أن يؤول إليه ، أي ما يرجع
إليه ، وفي الاصطلاح الشرعي ، التأويل من حيث هو تأويل ، هو حمل اللفظ على غير
مدلوله الظاهر منه مع احتمال بدليل يعضده .
التأويل
قسمين : صحيح مقبول ، وفاسد مرفوض ، فالصحيح ، ما توافرت فيه شروط صحة التأويل وهي
:
أولا
: أن يكون اللفظ قابلا للتأويل وهو الظاهر والنص ،أما المفسر والمحكم فلا يقبل واحد
مهما التأويل .
ثانيا
: أن يكون اللفظ محتملا للتأويل .
ثالثا
: أن يكون التأويل مبنيا على دليل معقول من نص أو قياس أو إجماع أو حكمه التشريع
ومبادئه العامة .
رابعا
: أن لا يعارض التأويل نصا صريحا .
فمن
التأويل الصحيح ، تخصيص عموم البيع المستفاد من قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) بالسنة التي نهت عن بيوع معينة
كبيع الإنسان م ليس عنده .
ومن
التأويل السائغ : تأويل الشاة في الحديث الشريف ) وفي
كل أربعين شاة شاة ، بالقيمة فيكون معنى الحديث الشريف : أن الواجب في زكاة
الأربعين شاة هو شاة أو قيمتها ، دليل هذا التأويل : هو ان المقصود من الزكاة سد
حاجة الفقراء ، وهذا المقصود كما يحصل في إخراج الشاة بعينها وإعطائها للفقير ،
يحصل أيضا بإخراج قيمتها وتوزيعها على المستحقين .
وقد
يكون التأويل بعيدا لا يستند إلى دليل مقبول ، فلا يكون تأويلا سائغا فلا يقبل ،
ومثاله : جاء في الحديث الشريف أن فيروزا الديلمي أسلم على أختين ، أي انه أسلم
وعنده زوجتان هما أختان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أمسك آيتهما شئت ،
وفارق الأخرى ) المعنى الظاهر المتبادر إلى الفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن
لفيروز أن يفارق أيهما شاء ،ويمسك بالأخرى ، إلا أن الحنفية أولوا هذا الحديث
فقالوا : إن معناه إمساك الزوجة الأولى ومفارقة الأخرى ،إذا كان الزواج بهما جرى
في عقد واحد ، ودليل تأويل الحنفية القياس على المسلم تزوج أختين في عقد واحد أوفي
عقدين متتالين ، وهذا دليل ضعيف فيكون تأويلهم بعيدا .
ثالثا
: المفسر .
المفسر
مأخوذ من المفسر وهو الكشف ، فهو المكشوف معناه .
وفي
الاصطلاح : هو ما ازداد وضوحا على النص ودل بنفسه على معناه المفصل على وجه لا
يبقى فيه احتمال للتأويل ، ومثاله : قوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة) ، فإن كلمة المشركين اسم ظاهر عام
ولكن يحتمل التخصيص ، فلما ذكر بعده كلمة (كافة ) ارتفع احتمال التخصيص فصار مفسرا
.
ومثاله
أيضا : الألفاظ التي وردت في القران الكريم ، مجملة ، وفصلتها السنة تفصيلا قطعيا
أزال إجمالها ، فإنها تصير من المفسر ، كقوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة ) ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم
فصل معاني الصلاة والزكاة والحج ، وبين المقصود منها بأقواله وأفعاله ، فصارت هذه
الألفاظ من مفسر الذي لا يحتمل التأويل .
أما
حكم المفسر : فهو وجوب العمل به كما فصل ، وبما دل عليه قطعيا مع احتمال النسخ في
عهد الرسالة إذا كان من الأحكام القابلة للنسخ ، أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم فكل من القران والسنة من المحكم الذي لا يحتمل النسخ لانقطاع الوحي .
الفرق
بين التفسير والتأويل :
التفسير
الذي يكون به المفسر غير قابل للتأويل ، هو التفسير المستفاد من نفس الصيغة كما في الأمثلة التي ذكرناها من
النصوص القرآنية ، أو المستفاد من بيان
تفسير قطعي وارد من الشارع نفسه ، كما ذكرنا في أمثلة الصلاة ملحقا بنفس الصيغة أو
اللفظ ويكون جزاء من النص وأما التأويل فهو بيان المراد من اللفظ بدليل ظني عن
طريق الاجتهاد ، ولكنه ليس قطعيا كما هو بالمفسر الذي جاءه التفسير ، أي : بيان
المراد من النص ، من قبل الشارع نفسه ، ولهذا كان تأويل المجتهدين غير قطعي ،
ويمكن أن يكون المراد غير ما ذكروه .
رابعا
: المحكم .
المحكم
في اللغة : المتقن ، وفي الاصطلاح الشرعي : هو اللفظ الذي ظهرت دلالته بنفسه على
معناه ظهور اقويا على نحو أكثر مما عليه المفسر ، ولا يقبل التأويل ولا النسخ .
فهو لا يحتمل التأويل ، لأن وضوح دلالته بلغت حدا ينتفي معها أي احتمال
للتأويل ، وهو لا يقبل النسخ ، لأنه يدل
على حكم أصلي لا قبل بطبيعته التبديل والتغيير ، أو يقبله بطبيعته ولكن اقتران به
ما ينفي احتمال نسخه .
فمن
الأحكام الأصلية الأساسية التي لا تقبل بطبيعتها أي نسخ ، النصوص الواردة بالأيمان
بالله واليوم الأخر والرسل ، وتحريم الظلم ،ووجوب العدل ونحو ذلك .
ومن
الأحكام الجزئية التي اقترن بها ما يدل على تأييدها ، قوله تعالى في قاذفي المحصنات
: ( ولا تقبلوا لهم
شهادة أبدا) ،
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الجهاد ماض إلى يوم القيامة ) ، ويسمى هذا النوع :
محكما لعينه ، وهذا القسم هو المراد هنا ، وقد يكون المحكم لا انقطاع الوحي بموته
صلى الله عليه وسلم ، ويسمى : محكما لغيره ، وهو غير مقصود هنا .
حكم
المحكم :
وجوب
العمل بما دل عليه قطعيا ، ولا يحتمل إرادة غير معنا ، ولا يحتمل نسخا ولا إبطالا
.
مراتب
واضح الدلالة :
فأقواهم
في وضوح الدلالة : المحكم ، ثم المفسر ، ثم النص ، ثم الظاهر ، ويظهر أثر هذا
التفاوت عند التعارض .
المطلب الثاني
ــــــــــــــــــــــــ
غير الواضح
الدلالة
وهو
اللفظ الذي في دلالته على معناه خفاء وغموض ، فلا يدل على المراد منه بنفسه، بل
يتوقف ذلك على أمر خارجي ، وهو في الخفاء على مراتب : أعلاها المتشابه ، وأقل منه
خفاء المجمل ، ثم المشكل ، ثم الخفي ، ونتكلم فيما يلي عن كل واحد على حدة .
أولا
: الخفي .
وجوب
النظر والتأمل في العارض الذي أوجب الخفاء في انطباق اللفظ على بعض أفراده ، فإن
رئي أن اللفظ يتناول جعل من أفراد وأخذ حكمه كما في الطراز ، وإن رئي أن اللفظ لا
يتناوله لم يأخذ حكمه كما في النباش ، و قد يتفق الفقهاء في نتيجة تأملهم ونظرهم
وقد يختلفون .
ثانيا
: المشكل .
المشكل
: مأخوذ من قول القائل : أشكل على كذا ، أي : دخل في أشكاله ومثاله وفي الاصطلاح :
اسم لما يشتبه المراد منه بدخول في أشكاله على وجه لا يعرف المراد إلا بدليل يتميز
به من بين سائر الأشكال .
فسبب
الخفاء في المشكل نفس لفظه وصيغته ، فهو لا يدل بصيغته على المراد منه ، بل لابد من
قرينة خارجية تبين المراد منه .
ومن
أمثلة المشكل : اللفظ المشترك ، فإنه موضوع في اللغة لأكثر من معنى ، فلا يدل
بنفسه على معنى معين ، وإنما الذي يحدد المعنى المراد منه هو وجود القرائن الخارجية لقوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة
قروء ) فهو موضوع
للطهر وللحيض ، والقرائن هي التي تعين المراد منه .
حكم
المشكل :
حكم
المشكل : هو البحث والنظر في القرائن والدلائل الدالة على المعنى المراد من اللفظ
المشكل والعمل بما يؤدي إليه البحث والنظر .
ثالثا
: المجمل .
المجمل
في اللغة : المبهم ، مأخوذ من أجمل الأمر أبهمه ، وفي الاصطلاح : لفظ لا يفهم
المراد منه إلا باستفسار من المجمل ،فهو لفظ خفي المراد منه بحيث لا يدرك إلا
ببيان من المتكلم به ، إذ لا قرينة تدل على معناه الذي قصده المتكلم ، فسبب الخفاء
في المجمل لفظي لا عارضي . ولابد من الرجوع إلى الشارع نفسه لمعرفة المراد من
اللفظ .
وسبب
الإجمال قد يكون لأن اللفظ من المشترك الذي لا توجد معه قرائن تعين المعنى المطلوب
منه ، وقد يكون السبب غرابة اللفظ كما في لفظ (هلوع ) في قوله تعالى : ( إن
الإنسان خلق هلوعا ) ولهذا فسرته الآية إذا جاء فيها بعده : ( إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا
مسه الخير منوعا ) .
وقد
يكون سبب الإجمال نقل اللفظ عن معناه الغوي إلى معناه الاصطلاحي كلفظ الحج والصلاة
والزكاة . ولهذا بينت السنه النبوية المعاني الشرعية المراد من هذه الألفاظ .
حكم
المجمل :
التوقف
في تعيين المراد منه فلا يجوز العمل به إلا إذا ورد من الشارع ما يزيل إجماله
ويكشف معناه ، فإذا كان البيان وافيا قطعيا صار المجمل من المفسر كالبيان الذي صدر
عنه صلى الله عليه وسلم للزكاة والصلاة ونحوهما ، وإن لم يكن البيان بهذه الكيفية
صار المجمل من المشكل فيحتاج إلى نظر وتأمل لإزالة إشكاله ومعرفة المقصود منه .
رابعا
: المتشابه .
هو
اللفظ الذي خفي المراد منه ، فلا تدل صيغته على المراد منه ولا سبيل إلى إدراكه
إذا لا توجد قرينة تزيل هذا الخفاء ، واستأثر الشارع بعلمه ، مثل ( حم عسق)
ويلاحظ
هنا : أن الألفاظ المتشابهة لا توجد في آيات وأحاديث الأحكام الشرعية العملية كما
ثبت ذلك بالاستقراء ، لأن نصوص الأحكام يراد بها العمل والتطبيق لا مجرد الاعتقاد
ولا يمكن العمل بها إذا كانت متشابهة ،
وحيث أنها شرعت للعمل بمقتضاها فليلزم أن لا يكون فيها أي اشتباه أو تشابه .
المبحث
الرابع
ـــــــــــــــــــــــ
كيفية
دلالة اللفظ على المعنى
اللفظ
بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أقسام : دال بعبارة النص ، أو بإشارته ،أو بدلاته،
أو باقتضائه .
أولا
: عبارة النص .
وهو
دلالة اللفظ على المعنى المتبادر فهمة من نفس صيغته ، سواء كان هذا المعنى هو
المقصود من سياقه أصالة أوتبها ، فكل معنى يفهم من ذات اللفظ واللفظ مسوق لإفادة
هذا المعنى أصالة أو تبعا يعتبر من دلالته العبارة ، ويطلق عليه المعنى الحرفي
للنص .
وقد
يكون سوق الكلام لإفادة معنيين أو ثلاثة أصالة أو تبعا يعتبر من دلالة العبارة ،
ويطلق عليه المعنى الحرفي للنص .
وقد
يكون سوق الكلام لإفادة معنيين أو ثلاثة صالة وتبعا ، مثل قوله : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) يفهم منه بدلالة العبارة معنيان
: الأول : نفي المماثلة بين البيع والربا ، وهذا المعنى المقصود الأصلي الذي سيقت الآية
من أجله ردا على قول
المشركين
: إنما البيع مثل الربا , والمعنى الثاني : هو حل البيع وتحريم الربا ،وهذا المعنى
هو المقصود التبعي من الآية ، أي : أن سوق الكلام ما كان لبيان هذا المعنى بل تبعا
.
ومثله
أيضا : قوله تعالى :
( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) ، دلت الآية بعبارتها على ثلاث
معان .
الأول
:إباحة النكاح .
الثاني
: قصر عدد الزوجات على أربع كحد أقصى
للتعدد .
الثالث:
الاقتصار على واحدة عند خف الجور .
ثانيا
: إشارة النص
هي
دلالة اللفظ على معنى غير مقصود من سياقه لا أصالة ولا تبعا ، ولكنه لازم للمعنى
الذي سيق الكلام من أجله ،فالنص لا يدل على هذا المعنى بنفس صيغته وعبارته ، وإنما
يشير ويومئ إلى هذا المعنى بطريق الالتزام ،أي : أن المعنى الذي يدل عليه النص بعبارته يستلزم هذا
المعنى الذي يشير إليه ، فكانت دلالة اللفظ عليه
بطريقة الإشارة قد تكون خفية تحتاج إلى تعمق في النظر والتأمل ، ويجب
التأكد من وجود تلازم حقيقي بين المعنى الذي يدل عليه النص به عبارته ، وبين
المعنى الذي يدل عليه بإشارته ، بل لابد أن يكون التلازم بينهما لا انفكاك له ومن
اللوازم الحقيقية.
مثال
من نص شرعي :
قال
تعالى : ( وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) .
دلت
هذه الآية بعبارتها على أن نفقة الوالدات المرضعات وكسوتهن على الوالد ، وعلى أن
نسب الوالد إلى الأب دون الأم ، لأن الآية الكريمة أضافت الوالد لوالده بحرف
الاختصاص وهو اللام في قوله : ( وعلى المولود له ) ومن لوازم هذا المعنى الأخير معان أخرى تفهم بإشارة النص ، ومنها :
أ- إن الأب
ينفرد في وجوب النفقة عليه لولده ، فكما
لا يشاركه أحد في نسبه الولد إيله ، لا يشركه أحد في النفقة عليه .
ب- للأب أن
يأخذ من مال ولده ما يسد به حاجته ، لأن الوالد نسب إلى الأب بلام الملك في قوله
تعالى : ( وعلى
المولود له ) وتملك
ذات الولد لا يمكن لكونه حرا ، ولكن تملك ماله يمكن ، فيجوز عند الحاجة إليه .
قوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )وقوله تعالى : ( وفصاله في عامين )
يفهم من الآيتين بطريق الإشارة أن أقل مدة الحمل
ستة أشهر ، كما هو واضح من ملاحظة الآيتين .
ومن
ذلك قوله تصلى الله عليه وسلم : ( أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم ) فالحكم
الثابت بعبارة النص وجوب أداة صدقة الفطر في يوم العيد إلى الفقير ، لأن
هذا
الحديث الشريف مسوق أصلا لبيان هذا الحكم وهو يفهم من نفس عبارته ، والثابت بطريق الإشارة
أحكام منها :
أ- أنها لا تجب على الغني ، لأن الإغناء إنما يتحقق
من الغنى .
ب- يجب الصرف
إلى المحتاج لا إلى الغني حتى يتحقق الإغناء .
ج- الواجب يتأدي بمطلق المال ، لأنه اعتبر
الإغناء وهذا يحصل بالنقود وبغيرها
ثالثا : دلالة النص :
وهي دلالة اللفظ على أن حكم المنطوق ، أي :
المذكور في النص ، ثابت للمسكوت عنه لاشتراكهما في علة الحكم التي تفهم بمجرد فهم
اللغة ، أي : يعرفها كل عارف باللغة دون حاجة إلى اجتهاد ونظر ، وحيث أن الحكم
المستفاد عن طريق دلالة النص يؤخذ من معنى النص لا من لفظه ، سماها بعضهم ( دلالة
الدلالة ) وسماها اخرون بـــ ( فحوى
الخطاب ) وسماها الشافعية : ( مفهوم الموافقة ) .
فإذا دل النص بعبارته على حكم في واقعة
معينة وجدت واقعة أخرى تساوي الأولى في العلة أوهي أولى منها ، كانت هذه المساواة
أو الأولوية تفهم بمجرد فهم اللغة وبأدنى نظر وبدون اجتهاد وتأمل ،فإنه يتبادر إلى
الفهم أن النص يتناوله الواقعتين ، وأن الحكم المنصوص عليه يثبت للمسكوت عنه
،أي:يثبت للواقعة الثانية .
الأمثلة من النصوص الشرعية :
أ- من النصوص
الشرعية
أولا
: قوله تعالى : (
فلا تقل لهما أف )
النص دل بعبارته على حرمة التأفف للوالدين من الولد ، لما في هذه الكلمة من إذاء
لهما ، فيتبادر إلى الفهم أن النص يتناول حرمة ضربهما وشتمهما لما في الضرب والشتم
من إذاء إيلام أشد مما في كلمة ( أف ) فيكون الضرب والشتم أولى بالتحريم من االتأفيف
، فيكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق ، وهذا المعنى واضح لا يحتاج إلى
اجتهاد أو تأمل .
رابعا:
اقتضاء النص :
الاقتضاء
معناه في اللغة : الطلب ، وفي الاصطلاح : هو عبارة عن زيادة على المنصوص عليه بشرط
تقديمه ليصير المنظوم ، وبتعبير أخر : يراد دلالة اقتضاء النص دلالة اللفظ على
مسكوت عنه يتوقف صدق الكلام وصحته واستقامته على ذلك المسكوت ، أي : على تقديره في
الكلام .
أولا
: قوله تعالى : (
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت
...... ) الخ .
تقدير معنى النص : حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم .....الخ وهذا المعنى دل عليه
اللفظ عن طريق الاقتضاء ، لأن التحريم لا ينصب عللا الذوات ، وإنما على الفعل
المتعلق بها ، وهو هنا النكاح .
ثانيا
: قوله تعالى : (
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .....) الخ ، أي: أكلها وهذا المعنى استفيد بدلالة
اللفظ اقتضاء ، لأن التحريم لا تعليق بالذات ، وإنما يتعلق بفعل المكلف فيقدر
المقتضي في كل نص بما يناسبه.
الخلاصة
: في دلالة العبارة والإشارة والدلالة والاقتضاء ، أن دلالة العبارة هي دلالة النص
بصيغته وألفاظه على الحكم من سوق الكلام له ، ويقال لهذا الحكم : إنه ثابت بعبارة
النص . وأن دلالة الإشارة هي دلالة النص بصيغته وألفاظه على الحكم من غير أن يكون
الكلام مسوقا له ، ويقال للحكم : أنه ثابت شارة النص .
وإن
الدلالة ، أي : دلالة النص ، هي دلالته على الحكم لا بصيغة النص وألفاظه بل بروحه ومعقولة
، ويقال للحكم : إن ثابت بدلالة النص .
وإن
دلالة الاقتضاء ، وهي دلالة النص لا بصيغته وألفاظه ولا بمعناه ، ولكن بأمر اقتضى
تقديره في الكلام ضرورة صحة واستقامة الكلام وصدقه .
ومن
هذه الخلاصة في الدلالات التي مرت يظهر لنا أن كل معنى يفهم من النص بطريقة من طرق
هذه الخلاصة في الدلالات الأربع دلالة منطوق ، أي : منطوق النص وهي تقابل المفهوم
. أي مفهوم المخالفة .
خامسا
: مفهوم المخالفة :
دلالة
اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه ، أي : أن يكون المسكوت عنه مخالفا
للمنطوق به في الحكم ، فهذا يسمى مفهوم المخالفة ، والحكم الأول يسمى: منطوق النص
.
والحكم
الثاني الثابت للمسكوت عنه يسمى : : مفهوم المخالف أو دليل الخطاب .
أنواعه
:
ومفهوم
المخالفة عند القائلين به أنواع ، أهمها وأشهرها ما يأتي :
أولا
: مفهوم الصفة :
وهو
دلالة اللفظ بوصفه على نقيض حكمه عند انتقاء ذلك الوصف ، والمقصود بالوصف هنا مطلق
القيد غير الشرط والغاية والعدد ، فالوصف هنا يراد به ما هو أعم من النعت ، أي :
سواء كان نعتا نحويا ، مثل : في الغنم السائمة زكاة ، أو مضافا نحو : مطل الغني
ظلم ، أو ظرف زمان ، كقوله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) أو ظرف مكان ، نحو : بع في
بغداد .
مثاله
قوله تعالى : ( ومن
لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات ) دلت
الايه الكريمة على أباحة نكاح الإماء المؤمنات عند العجز عن نكاح الحرائر ، ودلت
الايه بمفهوم المخالفة على النهي عن نكاح الإماء غير المؤمنات .
وقوله
صلى الله عليه وسلم : ( فمن باع مؤبرة فثمرتها للبائع ) المفهوم المخالف : أن ثمرة
النخلة غير المؤبرة لا تكون للبائع .
ثانيا
: مفهوم الشرط.
هو دلالة
اللفظ المفيد لحكم معلق بشرط على ثبوت نقيضه عند انتفاء الشرط .
التعليق
بالشرط يوجب وجود الحكم عند وجود الشرط ، ويوجب عدم الحكم عند عدم الشرط .
قوله تعالى
: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات
فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) . المفهوم المخالف : عدم إباحة نكاح
الإماء المؤمنات عند القدرة على نكاح الحرائر .
قول النبي
صلى الله عليه وسلم : ( الواهب أحق بهبته إذا لم يثب عنها ) أفاد الحديث : أن
للواهب حق الرجوع في هبته إذا لم يكن قد أخذ عوضا عنها ، والمفهوم المخالف: ليس للواهب الراجع عن هبته إذا أخذ عوضا عنها .
رابعا
: مفهوم الغاية .
هو
دلالة اللفظ الذي قيد الحكم فيه بغاية على نقيض ذلك الحكم بعد الغاية .
مثال
، قوله تعالى : ( فإن
طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيرة) ، دل هذا النص على عدم حل المطلقة ثلاثا ،
وهذا الحكم مقيد بغاية هي زواجها بغير مطلقها ، فيدل مفهوم المخالف عل حل زواجهما
بمطلقها بعد هذه الغاية ، أي : بعد فرقتها من زواجها الثاني وانتهاء عدتها منه .
رابعا
: مفهوم العدد .
وهو
دلالة اللفظ الذي قيد الحكم فيه بعدد نقيض ذلك الحكم فيما عدا ذلك العدد ، أي : أن
تعليق الحكم بعدد مخصوص يدل على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد زائدا كان أو
ناقصا .
مثاله
: قوله تعالى : ( فاجلدوهم
ثمانين جلدة ) ،
مفهومه المخالف عدم جواز الجلد أقل أو أكثرة
من هذا العدد.
ومثاله
أيضا: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) ، مفهوم المخالفة : عدم أجزاء الصيام بغير
هذا العدد من الأيام .
رابعا
: مفهوم اللقب :
هو
دلالة اللفظ الذي علق الحكم فيه بالاسم
العلم على نفي ذلك الحكم عن غيره والمراد بالاسم العلم هنا : اللفظ الدالة على
الذات دون الصفة , سواء كان علما, نحو : قام زيد ,أو اسم نوع ومثل :في الغنم زكاه
.
مثاله:
قوله تعالى :( محمد رسول الله) , مفهومه
المخالف : غير محمد ليس رسول الله.
ومثاله
أيضا : قول النبي صلى الله عليه وسلم :(في
البر صدقه ) مفهومه المخالف : غير البر ليس فيه صدقه .
شروط
العمل بمفهوم المخالفة :
مفهوم المخالفة بجميع أقسامه يدل على ثبوت
نقيض حكم المنطوق للمسكوت , سوء أكان حكم المنطوق إثباتا أو نفيا , ويشترط للعمل
به عند القائلين به انلا يكون للقيد الذي
قيد به الحكم فائدة أخرى سوى نفي حكم المنطوق للمسكوت , أي نفي الحكم ضد
نفي القيد فان كان له فائدة أخرى غير ذله فانه لا يكون حجه , ولا يصلح للعمل به و
كان يكون القيد اكثريا , أي : ان القيد خرج مخرج الغالب في أمور النساء كما في
قوله تعالى (
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن), فقيد (في حجوركم ) ليس قيد احترازيا ,وإنما هو قيد
أكثري بناء على ان عاده الناس جرت ان المرأة تتزوج برجل وكان لها بنت من زوج سابق أنها
تأخذها إلى بيت زوجها الجديد تربيها فيه , فلا يعمل بمفهوم المخالف, بمعنى ان الربيبة
تحرم على الزوج بدخوله بأمها , سواء كانت في حجره ورعايته أم لم تكن .
حجية
مفهوم المخالفة :
ذهب
جمهور العلماء إلى عدم العلم بمفهوم المخالفة في مفهوم اللقب ، وهو الصحيح ، لأنه
لا يفهم منه نفي الحكم عما سوى الاسم الذي أسند إليه الحكم .
فقول
الرسول صلى الله عليه وسلم : ( في الغنم زكاة ) لا يفهم منه عدم وجوب الزكاة في
الإبل والبقر : وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( قي البر صدقة ) لا يفهم منه عدم
وجوب الزكاة في الشعير والذرة .
واتفق
الاصولين على الاحتجاج بمفهوم الوصف والشرط والغاية والعدد في غير النصوص الشرعية,
أي : في عقود الناس وتصرفاتهم وأقوالهم وعبارات المؤلفين والفقهاء والسبب في حجية
مفهوم المخالفة في أقوال الناس , هو ان عرف الناس واصطلاحهم في الفهم والتعبير على
هذا الوجه , فإذا لم يعمل بمفهوم المخالفة كان في هذا إهدار لعقودهم وإرادتهم وهذا
لا يجوز.
واختلف
الأصوليين في الاحتجاج بمفهوم الوصف والشرط والغاية والعدد في النصوص الشرعية ,خاصة فذهب جمهورهم إلى
الاحتجاج به, وذهب الأحناف إلى عدم الاحتجاج به , وعلى هذا إذا ورد النص الشرعي
دال على حكم في واقعه , وكان مقيد بوصف أو شرط أو حدد بغاية أو عدد فانه يدل على
نقيض حكمه في الواقعة التي عريت من هذه القيود,على رأي الجمهور.
وعند
الأحناف لا يكون النص حجه إلا على حكمه في واقعه التي ذكر فيها بهذه القيود وأما الواقعة
التي انتفت عنها هذه القيود فان النص لا يدل مفهومه المخالف على حكمها , وإنما
يكون حكمها مسكوتا عنه ويبحث عنه بأي دليل شرعي , فإذا لم يوجد دليل اخذ بدليل
الاستصحاب ,وهو ان الأصل في الأشياء الاباحه .
وحجه
الأحناف: ان القيود التي ترد في النصوص الشرعية لها فوائد كثيرة , فإذا لم تظهر
لنا هذه الفوائد لا نستطيع ان نجزم ان الفائدة لتلك القيود تخصيص الحكم بما وجد
فيه ونفيه عما سواه , والسبب في ذلك: ان مقاصد الشارع كثيرة لا يمكن الاحاطه بها
بها, بخلاف مقاصد البشر إذ يمكن حصرها , ولهذا كان مفهوم المخالفة حجه أقوالهم وليس
بحجه في أقوال الشارع.
واحتجوا
أيضا:بأنه ليس من المطرد في أساليب اللغة العربية ثبوت نقيض حكم المنطوق المسكوت
عنه , يدل على ذلك ان من قال لغيره :إذا جاءك فلان صباحا فأكرمه, لا يفهم من ذلك:إذا
جاءه مساءا لا يكرمه , وإذا كانت دلاله المنطوق على المسكوت ليست قطعيه , فلا يمكن ان يكون النص
الشرعي لمجرد احتمال هذه الدلالة ,لان الشأن في الاحتجاج بالنصوص والاحتياط يقضي
بعدم الأخذ بمفهوم المخالفة .
واحتجوا
أيضا بان كثير من النصوص الشرعية التي دلت
على الحكم في الوقائع المقيدة ثبت نفس الحكم في الوقائع التي انتفع عنها القيد
كقصر الصلاة بشرط.
الخوف
,فان القصر ثبت مع انتفاءه مما يدل على عدم قطعيه الأخذ بمفهوم المخالفة , وأيضا:
فالملاحظ ان الشارع إذا أراد الأخذ بمفهوم المخالفة فانه ينص عليه صراحة’ كما قوله
تعالى :(ولا
تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله).
وحجه
الجمهور :ان القيود التي ترد في النصوص الشرعية لم ترد عبثا وإنما جاءت لفائدة وإذا
لم تكن لها فائدة سوى تخصيص الحكم بما وجد فيه القيد فانه يجب نفي الحكم عما لا
يوجد فيه القيد , أي : الأخذ بمفهوم المخالفة كما احتجوا :ان المألوف في أساليب
اللغة العربية ان تقيد الحكم بقيد يدل على انتفاءه ,حيث ينتفي القيد , وهذا هو
المتبادر إلى الفهم فمن سمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم :(مطل الغني ظلم).يفهم
:ان مطل الفقير ليس ظلما .
ويكفي
الظن الغالب في العمل بدلاله مفهوم المخالفة , لان دلاله هذا المفهوم ظنيه لا قطعيه
باتفاق القائلين به .
ثمره
الخلاف :
وثمره
الخلاف تظهر عن ورود نص مقيد يقيد ,فالقائلون بمفهوم المخالفة يثبتون الحكم لمنطوقه
بهذا القيد , وينفونه حيث ينتفي القيد ,أما من لم يأخذ بمفهوم المخالفة فانه يثبت
الحكم لمنطوقه في المحل الذي ورد فيه ,ولا يثبت نقيض الحكم حيث ينتفي القيد, وإنما
يبحث عن حكمه في ضوء الادله الأخرى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصــلى الله على
ســيــدنــا مــحــمــد
ولا تنسوني من صـــادق دعواكـــــم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق