آخر الأخبار
... مرحبا بزورا موقع شعبة وتخصص الدراسات الاسلامية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

إذاعة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقران الكريم - المصحف المجود بث مباشر 24 ساعة

حمل اكبراسطوانة وموسوعة لكتب الزهد و الرقائق موجودة الانترنت اكثر 900 كتاب 5.6 GB

 كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه، أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبت...

خطب ومواعظ مكتوبة حول الصلاة لاشهر العلماء المعاصرين

0

وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله

خطب ومواعظ  مكتوبة حول الصلاة لاشهر العلماء المعاصرين

أنين مسجد (5) - خطورة ترك الصلاة   د. صغير بن محمد الصغير

 


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

أيها الإخوة: في زمنٍ تسارعت فيه الخطى، وتبدّلت فيه المفاهيم، غفل كثير من الناس -كبارًا وصغارًا، رجالًا ونساءً- عن أمر عمود الدين، ومفتاح النجاة، وعدّوه شأنًا هيّنًا، وهو في ميزان الله عظيم.

تأمّل معي هذا الخطر الداهم الذي تسلل إلى البيوت والقلوب بصمت، حتى أصبح من المألوف عند بعض المسلمين أن يُفرّط المرء في صلاته دون وجلٍ ولا استحياء، ولم يعلم أنها من الحدود الفاصلة بين الإيمان والكفر، والنور والظلمة، والنجاة والهلاك.

ومن عجيب نظرة السلف رحمهم الله لترك الصلاة ما قاله الحافظ العراقي في طرح التثريب إذ قال: "حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْمَغْرِبِ فِيمَا حَكَاهُ لِي صَاحِبُنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَغْرِبِيُّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ يَوْمًا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا" ثُمَّ قَالَ: "وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا فَرَضَهَا الْعُلَمَاءُ وَلَمْ تَقَعْ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَعَمَّدُ تَرْكَ الصَّلَاةِ... "[1]

يا لها من كلمةٍ ترجّ القلوب وتبعث الغيرة في الأرواح! قالها عالمٌ من علماء السلف في زمنٍ كان فيه تركُ الصلاة من الأمور التي لا تخطر على بال مسلمٍ، بل كانت فرضًا ذهنيًا لم يُتصوَّر وقوعه، إذ لم يكن أحدٌ من المسلمين يجرؤ أن يبيت ليله وقد فوّت صلاةً عامدًا، أو يضيع فرضًا وهو يعلم أنها عمود الدين ومفتاح النجاة.

لكن دارت الأيام، وتبدّلت الأحوال، فقست القلوب، وغابت الهيبة، حتى صار ما كان في زمنٍ مضى من المستحيلات واقعًا مشهودًا؛ ترى تارك الصلاة آمنًا مطمئنًا، لا يُنكَر عليه، ولا يشعر بعظم الجناية، ولا بخطورة المصير.

إن ترك الصلاة عمدًا ليس ذنبًا عابرًا، بل هو نقضٌ لعقد الإيمان، وخلعٌ لربقة الإسلام من عنق العبد. هي الصلة التي تربط العبد بربه في كل يوم خمس مرات، فإذا انقطعت، انقطعت معها أسباب الرحمة، وغلقت أبواب الهداية، وغشيت القلبَ ظلمةٌ لا يبددها إلا التوبة والرجوع.

أمَا علم تارك الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"؟[2] وأن أول ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت خاب وخسر

ليت ذلك العالم الجليل رأى زماننا هذا، لعلم أن تلك "المسألة التي لم تقع" قد وقعت، بل عمّت واشتدَّ بلاؤها، حتى جاهر بعض الناس بتركها غير مستحيٍ من ربّه ولا من الناس! فما أحوجنا اليوم إلى أن نعيد للصلاة مكانتها في القلوب، وأن نذكّر الناس بأنها ليست عادةً تمارس، بل أساس القبول لكل عملٍ بعدها. فالصلاة قد توعّد الله تعالى تاركها بالعذاب والنار، فقال سبحانه: ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾[3].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة"[4].

وفي رواية الترمذي: "بين الكفر والإيمان ترك الصلاة"[5]

وعند أبي يعلى: "ليس بين العبد وبين تركه الإيمان إلا تركُهُ الصلاة"[6].

ورواه محمد بن نصر المروزي عن جابر رضي الله عنه بلفظ: "ليس بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك إلا أن يدع صلاة مكتوبة"[7].

وروي عن مجاهد بن جبر -رحمه الله- أنه سأل جابرًا رضي الله عنه: "ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: الصلاة"[8].

وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عطاء بن أبي رباح قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة"[9]، ففصل رضي الله عنه بين الإسلام وترك الصلاة، فجعل تركها كفرًا صريحًا

وقد ورد مثل ذلك عن جماعةٍ من الصحابة رضي الله عنهم؛ كأبي بكر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر وغيرهم. ويكفينا في الوعيد قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبيّ بن خلف"[10]

فأي وعيدٍ أعظم من أن يُحشر المرء مع هؤلاء الطغاة؟ ومن جاورهم فلا فلاح له ولا نجاة.

ولذلك قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: "ولا أكفر أحدًا إلا بترك الصلاة"[11]، وقال المروزي: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: "صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر"، وكان كذلك رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أن من ترك صلاةً واحدة حتى يخرج وقتها عمدًا كافر"[12]

ونقل إسحاق عن عبد العزيز بن أبي رواد قوله: "كان من أدركنا من الصحابة لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة"[13]. وقال أيوب السختياني عن ابن شهاب الزهري: "كانوا لا يختلفون أن ترك الصلاة عمدًا من غير عذر كفر"[14]. وقال الحافظ ابن نصر المروزي: "وأجمع الصحابة على أن ترك الصلاة كفر لا يُختلف فيه"[15]. وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئًا تركه كفر غير الصلاة"[16].

فاجتمع قول الصحابة والتابعين، وتتابعت الأحاديث والآثار، على أن الصلاة هي ميزان الإيمان، وأن تركها عمدًا كفرٌ يخلع صاحبه من ربقة الإسلام نسأل الله السلامة والعافية.

ومع أنّ الحكم العام في الشرع يقرر أن من ترك الصلاة عمدًا وتهاونًا يُعد كافرًا على القول الراجح، غير أن الحكم على الشخص المعيَّن لا يكون إلا بعد التحقق من قيام الحجة عليه وانتفاء الموانع عنه، والحكم بالتكفير على المعيَّن ليس لعامة الناس، بل هو من اختصاص القضاء أو العالم الراسخ أو وليّ الأمر بعد التثبت والبيان، لأن الكفر حكمٌ شرعي خطير لا يُنزل إلا بعد تحققٍ وعدلٍ ويقين..

أقول قولي هذا وأستغفر الله..

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد

أيها الإخوة: لئن كانت خطورة ترك الصلاة عظيمة، فإن أهمية إتمامها وإقامتها لا تقل شأنًا، فهي التي تزكي القلب وتورث النور والسكينة، وتصل العبد بربه في لحظات الصفاء والخشوع إن إقامة الصلاة على وجهها ليست أداءً ظاهريًا، بل خشوعًا وإخلاصًا، وحضور قلبٍ يستشعر الوقوف بين يدي الله تعالى. قال سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾[17]، وقال جل شأنه:﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾[18]، فالإقامة غير الأداء، ومن أقامها أقام بها دينه.

أما صلاة الجماعة للرجال في المساجد فهي شعارُ الأمة، ومظهرُ وحدتها، وسببٌ لرفع الدرجات ومغفرة الذنوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاةُ الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبعٍ وعشرين درجة"[19]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يُجب فلا صلاة له إلا من عذر"[20].

فمن آثر النوم أو الانشغال على نداء الله فقد خسر خيرًا عظيمًا، وحُرم من شرف الاصطفاف في الصفوف التي يحبها الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾[21].

ومن حافظ على الصلاة وأدّاها في أوقاتها بخشوعٍ وإخلاص، بارك الله له في عمره ورزقه وأهله، وجعل له في كل خطوةٍ إلى المسجد مغفرةً ورفعةً في الدرجات، كما قال صلى الله عليه وسلم: "بشّر المشّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"[22]. وأما من فرّط فيها وتهاون، فقد حُرم البركة والخير، وضاقت عليه دنياه وإن كثرت أمواله، لأن البركة ليست في الكثرة، وإنما في رضا الله، ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾[23]، ومن أعظم صور الإعراض ترك الصلاة أو التهاون بها، ومن أعظم صور الذكر إقامتها بخشوعٍ وإخلاص.

فيا من سمع النداء ولم يُجب، ويا من أضاع الصلوات أو قصّر فيها، تذكّر أن الصلاة هي عهدك مع الله، وهي نورك في الدنيا ونجاتك في الآخرة، وهي أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة. فمن أقامها حق الإقامة فاز بالرضا والسكينة، ومن ضيّعها فقد ضيّع كل خيرٍ بعدَها.

اللهم اجعلنا من المحافظين على الصلاة، المقيمين لها في أوقاتها، الخاشعين فيها، واجعلها قرة أعيننا وراحة قلوبنا، واهدِ بها الغافلين، وردَّ بها التائهين، إنك على كل شيء قدير.

[1] طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 150). ومن تتمة ما قاله وَكَانَ ذَلِكَ الْعَالِمُ غَيْرَ مُخَالِطٍ لِلنَّاسِ، وَنَشَأَ عِنْدَ أَبِيهِ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ مِنْ صِغَرِهِ حَتَّى كَبِرَ وَدَرَسَ، فَقَالَ ذَلِكَ فِي دَرْسِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\


خطبة  بعنوان  وجعلت قرة عيني في الصلاة  الشيخ عبدالله محمد الطوالة

 


إنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ﴾ [آل عمران:102].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحشر:18].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70]..

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار..

معاشر المؤمنين الكرام: الحياةُ فُرَصٌ سانحة، والأعمارُ لحظاتٌ فائتة، والموفَّقُ مَنِ اغتنم الفرصَ قبل فواتها.. وإنما اغتنامُ الفرصِ في أن يتقربَ بها المسلمُ إلى الله، وما من شيءٍ يقربُ العبدَ إلى مولاه، مثل الصلاة.. الصّلاةُ يا رعاكم الله: ركنُ الدِّين الرَّكِينِ، وفريضةُ اللهِ الثابتةِ على المسلمين، وآخرُ ما يُفقدُ من عرى الدِّين، وآكدُ ما وصى به سيدُ المرسلين.. الصّلاةُ أيها الموفقون: مُستراحُ الأرواح، ومفتاحُ الأرباح، وطريقُ النَّجاح والفلاحِ، تأمّل: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون:1]، وكيفَ لا يفلِحونَ وهم سيَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ...

الصّلاةُ يا أهل الصّلاة: نورٌ في القلب، وانشراحٌ في الصدر، وطمأنينةٌ في النفس، وضياءٌ في الوجه، وزكاءٌ في العقل، وقوةٌ في البدن، وبركةٌ في العمر، وسِعة في الرزق، تأمل: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ﴾ [آل عمران:37]..

الصّلاة أيها المباركون: تَكفَّيرٌ للسيئات، ومضاعَفُةٌ للحسنات، ورفَعُةٌ في الدرجات، تأمل: ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ ﴾ [هود:114]..

الصلاةُ أُيها الموفقون: علاجٌ للخطوب، وتكفيرٌ للذنوب، وتفريجٌ للضيق والكروب.. تأملوا: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [المعارج:19].. وتأملوا أيضاَ: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر:97]، ولذا كان المصطفي صلى الله عليه وسلم: إذا حزبهُ أمرٌ فزِعَ إلى الصّلاة.. يقول: أرحنا بها يا بلال..

وللصلاةُ طعمٌ ولذةٌ وسعادة، من حرمها فهو المحروم، في الحديث الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: «وجُعلت قُرةُ عيني في الصلاة».. قال الامام الحسن البصري رحمه الله: تفقدوا اللذة في الصلاة والقرآنِ والذكر، فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا، وإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب مغلق، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا لم تجد للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الربَّ شكور".. يعني إذا لم تجد للطاعة حلاوةً، فإنّ في أدائها خللًا..

ووالله إنه لسؤالٌ جوهريٌ هام.. هل تجد لصلاتك لذةً وأنسًا؟ هل أنت راضٍ عن صلاتك؟ هل أنت حريصٌ عليها وعلى اتقانها وتحسين أدائها؟ هل أنت مستوفٍ لشروطها وواجباتها وآدابها ومستحباتها.. وماذا عن الطمأنينة والخشوع فيها! في صحيح مسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "يا فُلَانُ، ألَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟ ألَا يَنْظُرُ المُصَلِّي إذَا صَلَّى كيفَ يُصَلِّي؟.. فإنَّما يُصَلِّي لِنَفْسِهِ".

فيا أيها المبارك حاسب نفسك، وأعلم أن قدرك عند الله جلَّ وعلا، على قدر إحسانك في صلاتك.. قال بعض السلف: إن الرجلين ليقومان في الصف وبين صلاتهما كما بين السماء والأرض.. وقال بعضهم: إن العبد قد يصلي وهو يعصي الله في صلاته..

ولا شك يا عباد الله: أن الصلاة عند المسلم أهمُّ من جميع مقتنايته، أهمُّ من ساعته، ومن جواله وشماغه.. وهذا ما جعلَ أحدَ الصالحين يقول: لقد رضيتُ منكم أن يهتمَّ أحدكم بصلاته كما يهتمَّ بعمامته.. فأحدنا حين يختارُ عمامتهُ ينتقي الأفضل، ثم هو يعتني بها نظافةً وكويًا، ثم يحرصُ على سلامتها وجمالِ مظهرها.. فهل تكون العمامة أغلى من الصلاة.. وإن أردت برهانا أعمق من هذا، فقارن بين بين أحوال الناس في المناسبات وعند زيارة الأماكن الرسمية وبين حالهم في المسجد.. قارن من حيث اللبس وجمال الهيئة وحسن الاستعداد، وطيب الرائحة، وقارن حين يقف المراجع أمام مديرٍ كبيرٍ أو مسؤول مرموق، وكيف تسكن جوارحه، وتنضبط حركاته، ويحضر تركيزه وانتباهه، فلا تفوته كلمةٌ أو لفتة من لفتات ذلك المسؤول، بينما ترى في المسجد أحوالًا يندى لها الجبين.. فالهندامُ غير مرتب، والملابسُ غير لائقة.. والرائحةُ مزعجة، والقلب هائمٌ في أودية الدنيا.. واليد تتحرك بلا وعي.. وتارةً ينظر في ساعته، ومرةً يعدل غترته، أو يطقطق أصابعه، أو ينظر في غير موضع سجوده.. في الحديث الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله مقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه)..

فلا بدَّ من الاهتمام بالصلاة يا عباد الله، فهي أغلى ما عند المسلم من العبادات والطاعات، في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "استقيمُوا ولنْ تُحصوا، واعلَمُوا أنَّ خيرَ أعمالِكمُ الصلاةُ، ولا يحافظُ على الوضوءِ إلا مؤمنٌ".. لا بدَّ من الاهتمام بالصلاة، ففي الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: "أولُ ما يحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصَّلاةُ، فإنْ صَلَحَتْ، صَلَحَ سائِرُ عَمَلِه، وإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِه".. لا بدَّ من الاهتمام بالصلاة، ففي الحديث الصحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا لا يتمُّ ركوعه وينقرُ في سجوده فقال: «لو مات هذا على حاله مات على غير ملةِ محمد»..

وكيف لا يهتمُّ المسلمُ بصلاته، وفي صحيح مسلم أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما مِن امرئٍ مُسْلمٍ تحضُرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ فيحسَنَ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها إلَّا كانَتْ كفارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم يُؤتِ كبيرةً وذلك الدهرَ كُلَّه".. وفي الصحيحين: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وفي صحيح مُسلمٍ: "ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيُحسنُ الوضوءَ، ويُصلِّي رَكعتينِ، يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما، إلَّا وجبتْ له الجَنَّةُ"..

ووالله يا عباد الله: لو تيقن المسلمُ أنَّ الملائكةَ تصعدُ بصلاته فتعرضها على ملك الملوك جلَّ جلاله، وأنها بمنزلة الهدايا التي يتقرب بها الناس لملوكهم، لاستحى العبد أن يقرب هدية زهيدةٍ ساقطة.. والله يا عباد الله: لو تمكَّنَ حُبُّ الصلاةِ من قلوبنا فلن نجِدَ حلاوةً ألذَّ منها، ولا أُنسًا أطيب منها، واسألوا عن ذلك المُوفَّقون، أهلُ التُّقَى والهُدَى، المُعلَّقةِ قلوبُهم بالمساجِدِ، المُبكِّرون إلى الصلوات، المشَّاؤُون إليها في الظُّلَم، المُجيبُون لداعِيَ الفلاحِ، المتنافُسون على الصف الأول، المُدرِكُون لتكبيرةِ الإحرام مع الإمام..

لقد كان حُبُّ النبيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلم للصلاة ظاهرٌ ومتواترٌ، فقد صحَّ عنهُ عليه الصلاةُ والسلام أنهُ قال: «أرِحنا بها يا بلال!» وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: «وجُعِلَت قُرَّة عيني في الصلاة».. ووالله ما قالَ صلى الله عليه وسلم هذا الكلامَ العجيبَ إلا حينَ وجَدَ في الصلاةِ ما تَقرُّ بهِ عينهُ، وينشرِحُ بهِ صدرهُ، ويأنسُ بهِ قلبهُ، وتفرحُ به روحهُ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يُطيلُ صلاتهُ حتى تتفطَّرَ قدماه.. وهكذا كل من ذاق حلاوة الصلاة فإنه يطيل فيها ويتمهل.. وكثيرٌ من السلف، كانت الطيور والعصافير تحطُّ على رؤوسهم من طول قيامهم في الصلاة..

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ يَخَـٰفُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأبْصَـٰرُ * لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور:36]..

أقول ما تسمعون..

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين..

معاشر المؤمنين الكرام: الخشوع هو لُبّ الصلاة وروحها.. فلا صلاة لمن لا خشوع له.. الخشوع هو أول وأهم أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون ﴾ [المؤمنون:1].. وتأملوا يا عبد الله واعتبروا، فالصلاة بلا خشوع صلاةٌ ثقيلةٌ وشاقةٌ، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة:45].. أي ثقيلةٌ شاقةٌ إلا على الخاشعين.. ولمن يسأل كيف اخشع في صلاتي، فهناك أسباب كثيرة، منها: استحضار عظمة الصلاة وعلو قدرها عند الله جل وعلا.. قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه:132].. وفي الحديث الصحيح، حين سئل صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال الصلاة لوقتها..

السبب الثاني: أن يعلم العبد ويوقن أنه لا غنى له ربه، وأن حاجة القلب للعبادة والصلاة، أعظم من حاجة الجسم للطعام والشراب، فلئن كان الجسد بدون الطعام يموت، فالموت مصير كل حي، لكن القلب إذا ابتعد عن الله عاش في ظنك وشقاء، ومصيرهُ وادي في جهنم يسمى غيّا.. ويقول ابن القيم رحمه الله: (إنَّ في القلب شعثٌ، لا يلمه إلا الإقبالُ على الله، وعليه وحشةٌ، لا يزيلها إلا الأنسُ به في خلوته، وفيه حزنٌ، لا يُذهبهُ إلا السرورُ بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلقٌ، لا يسكنهُ إلا الاجتماعُ عليه)..

السبب الثالث: ان يتجمل لها بأحسن ما يستطيع، فيلبس أحسن ثيابه، ويتطيبَ من أحسن طيبه، والله جميل يحبُّ الجمال.. ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيما إذا وقف بين يديه.. ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ﴾ [الأعراف:31]..

السبب الرابع: الاستعداد المبكر للصلاة.. فالتبكير دليلٌ عمليٌ على محبَّةِ الصلاةِ وتعظِيمِ قدرها وتعلُّقِ القلبِ بها، والمبكر بإذن الله داخلٌ في السبعة الذين يظلهم الله بظله.. وداخِلٌ فيمن عنَاهم عليه الصلاة والسلام بقولِه في الحديث المتفق عليه: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصفِّ الأول ثمَّ لم يجِدوا إلا أن يستهِمُوا عليه لاستَهَمُوا عليه".. وداخل في قولِه صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكتَهُ يُصلُّونَ على الصفِّ المُقدَّم".. والمبكرُ لا يزالُ في صلاةٍ ما انتظَرَ الصلاة؛ تُصلِّي عليه ملائكةُ الرحمن، وتدعُو له بالمغفِرَة والرحمةِ والرضوان..

والسبب الخامس: الاهتمام بتحسين الصلاة، يقول أهلُ العلم: "إن سببَ حُضورِ القلبِ في العبادة هو الهمُّ والاهتمام؛ فمتى أهمَّكَ أمرٌ حضرَ قلبُكَ فيه".. في الحديث الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى صلاتك فصل صلاة مودع»؛ وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اذكُر الموت في صلاتك، وصلِّ صلاة رجل لا يظن انه سيصلي صلاةً غيرها».. وحين سئل حاتم الأصم كيف يؤدي صلاته قال: أكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءةً بترتيل، وأركع ركوعًا بخضوع، وأسجد سجودًا بتذلل، وأتصور الجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والصراط تحت قدمي، والكعبةُ بين حاجبي، وملك الموت فوق رأسي، وذنوبي محيطةٌ بي، وعين الله ناظرةٌ إلي، وأعدها آخرَ صلاةٍ في عمري، وأُتبِعُها الإخلاص ما استطعت ثم أسلم، ولا أدري، أيقبلها الله مني، أم يقال: اضربوا بها وجه صاحبها..

يقول أحد طلاب العلم: صليت يومًا صلاةً ليست كصلاتي المعتادة، حيث شعرت فيها بسكينة لم أعهد مثلها، ووجدت لها لذةً وخشوعًا، فأطلت فيها، وحينما سلمت، قلت لنفسي، لعل هذا هو سبب إطالةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم والسلفِ الصالح لصلاتهم، فإنهم يجدون فيها من الأنس واللذة ما يجعلهم لا يشعرون بطولها.. وتذكرت قول أحد السلف: إن في الدنيا جنةً من لم يدخلها، لم يدخل جنة الآخرة.. فآليت على نفسي أن أقرأ وأتعلم وأهتم، واتعمق في أسباب الخشوع، فأكرمني الله بتغيرٍ إيجابيٍ كبيرٍ في صلاتي، فقد كنت من النادر أن أذهب مبكرًا للمسجد، أما الآن فلا يكادُ يؤذنُ إلا وقد انتهيت من الوضوء، وأصبحت أجد للصلاة طعمًا ولذة ما كنت أجدها سابقًا.. حتى أصبحت أطيل الصلاة ولا أشعر..

والخلاصة يا عباد الله: أن مَنْ خَشَعَ فِي صَلَاتِهِ وَجَدَ لها أُنسًا ولَذَّةً، وطمأنينةً وَرَاحَةً، وَوالله ليجدنَّ لها شَوْقًا ورغبة، واقبالًا ومحبة.. وبذلك تصلح أحواله، وتستقيم أموره، وَمَنْ قَرَأَ سِيَرَ الْخَاشِعِينَ، وَرَاقَبَ أَحْوَالَهُمْ وَجَدَ ذَلِكَ واضحًا فِيهِمْ.. ومن لم يخشع في صلاته: حُرم من ذلك كلِّه، وثقُلَ عليه أدائها، حتى يتكاسل ويصعب عليه القيام لها.. وعندها فيخشى عليه أن يكون ممن قال الله عنهم: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء:142].. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا لَّذَّةَ المناجاة، وَحَلَاوَةَ وأنس الصَّلَاةِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.. ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..


\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

تعظيم قدر الصلاة (خطبة)  الشيخ ساير بن هليل المسباح

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، إن الله سبحانه وتعالى ذكر في أول كتابه شعيرة من شعائر دينه، وأثنى على الذين يقومون بهذه الشعيرة، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 3].

وقال في آخر كتابه يأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بإقامة هذه الشعيرة، والأمرُ لنبيِّه أمرٌ لأُمَّته، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3].

فالصلاة هي المبتدأ، وهي المنتهى.

ومن سُنَّة المسلمين أن المولود إذا وُلِد، فإنه أول ما يُستحبُّ أن يسمع من الكلام شعائر الصلاة، فيُؤذَّن في أُذُنِه اليمنى، وتُقام الصلاة في أذنه اليسرى.

هذا في أول يوم من حياته، وفي أول لحظة من لحظاته، وكذلك في آخر يوم من أيامه، وآخر لحظة من لحظاته، فلا يُدفَن إلا بعد أن يُصلَّى عليه، ويُكبَّر عليه أربعًا.

فالصلاة هي المبتدأ، وهي المنتهى.

أيها المسلمون، إن أمر الصلاة في دين الله أمرٌ عظيمٌ، وشأنها شأنٌ جليل، ولعلو مقامها، ورفعة قدرها، فإن الله تعالى حين افترضها على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وأوجبها على أمته، إنما افترضها عليه وهو في السماء السابعة، في ليلة الإسراء والمعراج، وهذا أمرٌ لم يحدث مع بقية شعائر الدين وفروضه.

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختار لها القبلة التي يصلي إليها المسلمون، فقال سبحانه: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].

وإن من تعظيم قدر الصلاة، ألا يقف المرء بين يدي ربِّه تبارك وتعالى، إلا وقد تطهَّر وتوضَّأ من كل حدث، كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6].

فإن عُدم الماء، فإن التيمُّم بالصعيد الطيب هو البديل، ولا تُصلَّى صلاة بغير طهور، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ [المائدة: 6].

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أن المصلي يصليها وهو قائم على قدميه؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].

وكما روى البخاري عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطِعْ فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب".

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أنها لا تسقطُ عن المؤمن في أي حال من الأحوال، حتى لو كان يقومُ بعبادة عظيمة، أو كان في حال بين الموت والحياة؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾ [النساء: 102].

بل قال أهل العلم: إن المجاهد في سبيل الله، إذا كان في غمرة القتال، وساعة الطعن والطعان، فإنه يصلي على أي حال كان، فيُكبِّر ويركع ويسجد وهو في حال الجهاد، فإن الجهاد مهما كان عظيمًا، فإنه ليس بأعظم من الصلاة.

أيها المسلمون، إن حياة المسلم تدور مع الصلاة، فهو يبدأ يومه بالصلاة، ويُنهي يومه بالصلاة، وهو ما بين هذا وذاك هو في صلاة، فيبدأ بالفجر، وينتهي بالعشاء، والفروض الأخرى بينهما.

وكذلك فإنه إذا أصابته حيرةٌ في أمر من الأمور، استخار الله تعالى، وصلَّى صلاة الاستخارة، وسأل الله فيها أن يختار له الأصلح والأحسن.

وكذلك إذا أصابته مصيبة فزع إلى الصلاة؛ كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

وروى أبو داود في سننه، وحسنه الألباني عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة".

وكان ابن عباس في سفر فنُعي إليه أخوه قثم بن العباس، فاسترجع ثم تنحى عن الطريق، فأناخ راحلته، فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45].

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أنها تُسبق بصلاة قبلها، وتتبع بصلاة بعدها، فقد روى مسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن صلَّى اثنتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ؛ بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة"؛ رواه مسلم.

وفي رواية: "تطوُّعًا".

وللترمذي نحوه، وزاد: "أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر".

وللخمسة (أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد) عنها (أم حبيبة): "مَن حافظ على أربعٍ قبل الظهر وأربع بعدَها، حرَّمه الله على النار".

وروى الترمذي وحسنه الألباني وصححه أحمد شاكر عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وإثم وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واتَّبَع سُنَّته إلى يوم الدين.

أيها المسلمون، إن من تعظيم قدر الصلاة، أن المسلمين إذا أصابهم قحطٌ، أو جدبٌ، أو تأخَّر عنهم المطر، شُرع لهم أن يصلوا صلاة الاستسقاء، فيسألون أن يغيثهم برحمته، ويرحم ضعفهم، وأرضهم، وبهائمهم.

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أن المسلمين إذا رأوا كسوفًا في الشمس أو القمر، صلوا صلاة الكسوف، حتى يتجلى الكسوف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أن المسلمين إذا أنعم الله عليهم بفتح بلد من البلاد، أن يصلوا صلاة الفتح؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 58]، ومعنى سجدًا؛ أي: ساجدين مُصلِّين.

وقد روى البخاري عن أم هانئ "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلَّى ثمان ركعات".

وصلَّى خالد بن الوليد صلاة الفتح، يوم فتح الحيرة من أرض العراق.

وصلى سعد بن أبي وقاص صلاة الفتح، يوم فتح المدائن، ودخل إيوان كسرى.

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أن المسلم يلبس لها أحسن ثيابه؛ كما قال سبحانه: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]؛ أي: البسوا أحسن ثيابكم عند كل صلاة.

فلا ينبغي لمسلم يُعظِّم الله تعالى، ويُعظِّم شعائره، أن يصلي بملابسه الداخلية، ولو في وسط بيته، أو بملابس لا يخرج بها للقاءات، والمناسبات العامة.

وإن من تعظيم قدر الصلاة، أن الله كتب الأجر لمن يسعى إليها، كما روى البخاري ومسلم عن أَبي هريرةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ غَدا إِلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لهُ في الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ".

وروى الإمام أحمد وابن خزيمة وصححه الألباني عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تَوضَّأَ الرجُلُ فأَتى المَسجِدَ، كَتَب اللهُ له بكلِّ خَطْوةٍ يَخْطوها عَشْرَ حسَناتٍ، فإذا صَلَّى في المَسجِدِ ثمَّ قَعَد فيه، كان كالصائمِ القانِتِ حتى يَرجِعَ".

بل إن من تعظيم قدر الصلاة، ألَّا يؤذي المصلي إخوانه المصلين برائحة كريهة، كما روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا" أو قال: "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته".

لأن هذه الروائح تُذهِب الخشوع في الصلاة، وتتشتَّت أذهان المصلِّين.

فينبغي للمسلم أن يهتم بلباسه في الصلاة، فلا يلبس إلا حسنًا، ويهتم برائحته في الصلاة، فلا يُوجد منه إلا ريح حسنة، في ثيابه وبدنه.

أيها المسلمون، إن الحديث يطول حول الصلاة، وتعظيم قدر الصلاة، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعُنُق.

والقصد من هذا كله، أن نُعظِّم ما عَظَّمه الله تعالى، ونقوم به كما أراد عز وجل.

نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأعمال، وأن يصرف عنا سيِّئَها، إنه على كل شيء قدير.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم إنَّا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغِنى، اللهُمَّ إنا نسألك حُبَّك وحُبَّ عَمَلٍ يُقرِّبُنا إلى حُبِّك، اللهُمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بحفظك، ووفِّقْنا إلى طاعتك، وارحمنا برحمتك، وارزُقْنا من رزقك الواسع، وتفضَّل علينا من فضلك العظيم، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهُمَّ أصلِح إمامنا ولي أمرنا، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وفجور الفاجرين واعتداء المعتدين.

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].


\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

خطبة: فضائل الصلاة وثمارها من صحيح السنة  الشيخ بكر البعداني

 


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها المسلمون عباد الله، اعلموا - رحمني الله وإياكم - أن أمر الصلاة في الإسلام عظيم، ومنزلتها في الدين رفيعة؛ ولذلك اختصت دون بقية الفرائض بنسبة الأمة إليها، فيُقال: أهل القبلة، أو أهل الصلاة، وما ذاك إلا لعِظم شأنها ورفعة منزلتها في ديننا، ولذلك لم تُوضَع عن مكلَّف بها ألبتة، حتى في أشد الأحوال وأعسرها، وأحلك الظروف وأشدها؛ كالخوف أو الحرب أو نحو ذلك، وهذا يشمل المكلفين جميعًا، ذكرانًا وإناثًا، وأحرارًا وعبيدًا، مقيمين أو على سفرٍ، أغنياء أو فقراء، أصحَّاء أو مرضى، إلى غير ذلكم، فخاب وخسِر عبدٌ لم يرفع بها رأسًا، ولم ينعَم بها عينًا.

عباد الله، ولما كانت الصلاة كذلك، جاءت النصوص بفضلها، واستفاضت بثمارها، وسنقف معكم في هذه الخطبة مع شيء من تلكم الفوائد والثمار من صحيح السنة والأخبار؛ لأنها من الأسباب المُعينة على الإقبال إليها، والمحافظة عليها، أقول: فمنها:

الصلوات عمود الدين:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: لقد سألتنى عن عظيم، وإنه لَيسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألَا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، قال: ثم تلا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ حتى بلغ: ﴿يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 16، 17]، ثم قال: ألَا أخبرك برأس الأمر وعموده، وذَروة سَنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد...))؛ [الحديث، حديث صحيح: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد وغيرهم].

الصلوات من أركان الإسلام:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))؛ [أخرجه البخاري، ومسلم].

الصلوات عهِد بها نبينا إلينا في حجة الوداع:

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ((قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا في حجة الوداع، وهو على ناقته الجدعاء، قد جعل رجليه في غرزي الركاب يتطاول، يُسمع الناس، فقال: ألَا تسمع صوتي؟ فقال رجل من طوائف الناس: فماذا تعهد إلينا؟ فقال: اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم))؛ [أخرجه أحمد والترمذي، وصححه ابن حبان].

الصلوات من الأسباب العاصمة للنفس والدم:

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله))؛ [متفق عليه].

الصلوات تغسل الخطايا كما يغسل الماء الدرن:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا، ما تقول: ذلك يُبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيئًا، قال: فذلك مَثَلُ الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا))؛ [أخرجه البخاري، ومسلم].

الصلوات كفارات:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفَّرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر))؛ [أخرجه مسلم].

الصلوات راحة وطمأنينة:

عن رجل من الأنصار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((قُم يا بلالُ، أقم، فأرِحْنا بالصلاة))؛ [أخرجه أبو داود، وصححه شيخنا الوادعي في الجامع الصحيح على شرط البخاري].

الصلوات خير الأعمال:

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))؛ [أخرجه ابن ماجه، وأحمد، والحاكم، وغيرهم، وهو حديث صحيح].

الصلوات نور:

عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه؛ فمعتقها أو موبقها))؛ [أخرجه مسلم].

الصلوات برهان:

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((... يا كعب بن عجرة، الصلاة برهان، والصوم جُنة حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار...))؛ [أخرجه الترمذي، وأحمد، وهو حديث حسن].

الصلوات تحرق نار المعاصي والآثام:

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الفجر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يُكتب عليكم شيء حتى تستيقظون))؛ [رواه الطبراني الأوسط، وهو في صحيح الترغيب].

الصلوات تحتُّ الخطايا كما تحاتُّ أوراق الشجر:

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه تحت شجرة، فأخذ منها غصنًا يابسًا، فهزَّه حتى تحاتَّ ورقه، فقال: ((يا سلمانُ، ألَا تسألني: لِمَ أفعل هذا؟ قلت: ولِمَ تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتَّتْ خطاياه كما يتحاتُّ هذا الورق، وقال: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]؛ [رواه أحمد، والنسائي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب].

وعن أبي ذر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج زمن الشتاء، والورق يتهافت، فأخذ بغصنين من شجرة، قال: فجعل ذلك الورق يتهافت، قال: فقال: يا أبا ذر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: إن العبد المسلم لَيُصلي الصلاة يريد بها وجه الله، فتهافت عنه ذنوبه، كما يتهافت هذا الورق عن هذه الشجرة))؛ [رواه أحمد، وهو حديث صحيح].

الصلوات لمن حافظ عليها عهدٌ له بالجنة:

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن، كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن فليس له عند الله عهد؛ إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة))؛ [أخرجه أبو داود، والنسائي، وأحمد، وغيرهم، وصححه الألباني، وشيخنا الوادعي].

الصلوات سهم الإسلام، ومسكين من لا سهم له:

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ثلاث أحلف عليهن: لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، فأسهُم الإسلام ثلاثة: الصلاة، والصوم، والزكاة ...))؛ [أخرجه أحمد، حديث صحيح بشواهده].

بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَني وإياكم ...

الخطبة الثانية

الحمد لله ...

أيها المسلمون عباد الله، اعلموا - وفقني الله وإياكم - أن من تلكم الفوائد والثمار أيضًا أن:

الصلوات لوقتها أحب الأعمال إلى الله عز وجل:

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها ...))؛ [متفق عليه].

المحافظة على الصلوات من أسباب بلوغ درجات الصدِّيقين والشهداء:

عن عمر بن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: ((جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ من قضاعة، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من مات على هذا، كان من الصديقين والشهداء))؛ [رواه البزار، وابن خزيمة، وابن حبان، وصححه الألباني].

الصلوات تطفئ نيرانك التي أوقدتها على نفسك:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن لله ملَكًا ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم، فأطفئوها بالصلاة))؛ [أخرجه الطبراني في الأوسط وغيره، وحسنه الألباني لشواهده].

الصلوات آخر عرى الإسلام نقضًا:

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لَينقضن عُرى الإسلام عروةً عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبَّث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة))؛ [أخرجه أحمد، وصححه الألباني والوادعي].

الصلوات تحمي حتى العبيد والغلمان من الضرب:

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ((أقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه غلامان، فوهب أحدهما لعليٍّ رضي الله عنه وقال: لا تضربه، فإني نُهيت عن ضرب أهل الصلاة، وإني رأيته يصلي منذ أقبلنا ...))؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد بنحوه، حديث صحيح]، وفي رواية للمروزي: ((إني نهيت عن ضرب أهل الصلاة)).

من حافظ على الصلوات دخل من أي أبواب الجنة شاء:

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فقال: لا أقسم، لا أقسم، لا أقسم، ثم نزل فقال: أبشروا، أبشروا، إنه من صلى الصلوات الخمس، واجتنب الكبائر، دخل من أي أبواب الجنة شاء: عقوق الوالدين، والشرك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وأكل الربا))؛ [أخرجه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في الصحيحة].

المحافظون على الصلوات يباهي بهم الله عز وجل الملائكة:

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسرعًا قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال: أبشروا؛ هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضَوا فريضة وهم ينتظرون أخرى))؛ [أخرجه ابن ماجه، وأحمد، حديث صحيح].

الصلوات مناجاة بين العبد وربه:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه ...))؛ [رواه البخاري].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ...))؛ [رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني].

الصلوات في الجماعة بركة:

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((البركة في ثلاث: الجماعات، والثريد، والسحور))؛ [رواه البيهقي في الشعب، حديث صحيح].

قبول الصلوات قبول لسائر العمل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الصلاة ثلاثة أثلاث: الطهور ثلث، والركوع ثلث، والسجود ثلث، فمن أدَّاها بحقها قُبلت منه، وقُبل منه سائر عمله، ومن رُدت عليه صلاته، رُد عليه سائر عمله))؛ [أخرجه البزار في مسنده، وحسنه الألباني في الصحيحة لشواهده].

المحافظة على الصلوات نجاة من الغفلة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات، لم يُكتب من الغافلين))؛ [أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا].

المحافظة على الصلوات من أسباب المغفرة:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من صام رمضان، وصلى الصلاة، وحج البيت، لا أدري أذكر الزكاة أم لا، إلا كان حقًّا على الله أن يغفر له، إن هاجر في سبيل الله، أو مكث بأرضه التي وُلد بها ...))؛ [أخرجه الترمذي، وأحمد، حديث صحيح].

الصلوات آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:


عن علي رضي الله عنه قال: ((كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))؛ [أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وغيرهما، وله شواهد].

وفي الختام ...


ألَا وصلوا وسلموا ...


\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

الصلاة دواء الروح الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

لحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وأرانا في خلقه وأمره شيئًا من عظمته، وأرانا في آياته ما يدل على وحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، السراج المنير، والبشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصَحْبه أولي الفضل والنُّهى، وعلى مَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الملتقى، أما بعد:


التقوى جماع الخير كله؛ لذا تكرر في القرآن والسُّنَّة الأمر بها، فهي سبيل الرشاد والفلاح في الدنيا والآخرة ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأوَّلين وللآخرين ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

عباد الله، حديثي لكم اليوم عن أمرٍ عظيمٍ تغير في شرعه نظام الكون، هو سببٌ لحل المشكلات الخاصة والكوارث العامة، وصلة بين الفقير الضعيف المحتاج والغني القوي الصمد جل جلاله، جعله الله قرة عيون الصالحين، هو علامة الإيمان من حافظ عليها حفظ نفسه في الدنيا، ومن أحسن الوقوف فيها أحسن الله وقوفه بين يديه في الآخرة، ومن ضيَّعها كان لما سواها أضيع؛ إنها الصلاة يا عباد الله، إنها الصلاة يا عباد الله، حين أراد الله شرع الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم أسرى بعبده بصحبة جبريل عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات السبع، ثم إلى سدرة المنتهى؛ حيث الأمر الجلل والخطب العظيم، يخاطب العظيم عبده بلا ترجمان، وتشرع الصلاة في السماء خمسين صلاة، ثم تخفف إلى خمس صلوات، ثم يقول الله: "أتممت فريضتي خمس في الأداء خمسون في الأجر"، ثم يتنزل النبي الكريم إلى المسجد الأقصى ثم إلى المسجد الحرام، كل ذلك في ليلة واحدة، ثم يتنزل خير الملائكة عليه الصلاة والسلام إلى خير الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي، فيصلي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول وقت، ثم يتنزل في اليوم التالي، فيصلي بالنبي صلى الله عليه وسلم آخر الوقت، ثم يقول: "يا محمد، الوقت بين هذين الوقتين"، وليس هذا إلا بالصلاة فقط، لم تشرع عبادة في السماء بلا واسطة إلا الصلاة.

الصلاة سبب في حل المشكلات الخاصة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، والله يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

الصلاة حل للكوارث العامة، فإذا خسف القمر وكسفت الشمس شرعت صلاة الكسوف، وإذا أجدبت الأرض وانقطع القطر من السماء تشرع صلاة الاستسقاء.

والصلاة عند اتخاذ القرارات والحيرة في الأمر تشرع صلاة الاستخارة؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن".

فالصلاة فرصةٌ عظيمةٌ للعبد ليتصل بسيِّده وخالقه، يبثُّ همومه وأحزانه ومشكلاته بين يدي ربِّه وسيِّده ومولاه.

فالصلاة صلة بين العبد وربِّه، فأي عاقلٍ هذا الذي يقطع صلته بربِّه؟! الصلاة صلة بين العبد وربِّه، فأيُّ عاقلٍ يقطع صلته بالربِّ الرحيم تعالى؟!

الصلاة مَنْ ضيَّعها وأخَّرها عن وقتها فويلٌ له بنصِّ كلام الله تبارك وتعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5]؛ أي: يؤخرونها عن أوقاتها، توَعَّد الله مَنْ ضيَّعها بغيٍّ؛ وهو وادٍ في جهنم، قال تبارك وتعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59]، وتوَعَّد على لسان سيِّد المرسلين نبينا محمد "من ترك مكتوبةً متعمدًا، فقد برئت منه ذمة الله".

تأمل في هذا الحديث، شرعها الله تعالى جماعةً مع المسلمين، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، شرعها في أوقاتٍ معينةٍ لا يجوز أداؤها في غير وقتها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها إلَّا لعُذْرٍ أو نية جمع، قال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، ولأهميتها وعظم شأنها جماعةً مع المسلمين شرع الله للمجاهدين الذين يجاهدون في ساحات القتال صلاة على صفة مخصوصة تُسمَّى صلاة الخوف، وهي تُصلَّى جماعة، وفي ساحات القتال تُصلَّى صلاة الخوف وهي صلاة مخصوصة لكي تصلى جماعة، فإن لم يتيسَّر لانشغال المجاهدين بالجهاد ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ [البقرة: 239].

عباد الله، ما حال من أمَّن الله له حياةً رغيدةً وعيشةً هنيئةً أمنًا في الأوطان، وسعة في الأرزاق، يا رب رحماك رحماك.

أيها المؤمن، الصلاة جعل الله أداءها علامةً من علامات الإيمان، قال تبارك وتعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 3]، بشّر المشاءين لها في الليل ووقت الراحة بعد التعب بالنور، قال صلى الله عليه وسلم: "بشر المشاءين في الظلم بالنور التام يوم القيامة".

الصلاة جعل المحافظة عليها من أسباب الشهادة بالإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".

الصلاة مَنْ أدَّاها كما يجب نهته عن الفحشاء والمنكر ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

جعل الله التكاسل عن الصلاة علامةً من علامات النفاق ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].

يقول ابن عباس رضي الله عنه: "يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح؛ فإنه يناجي الله وإن الله تجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه". أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم أن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء عياذًا بالله من حالهم، فهم لا يرجون ثوابها عياذًا بالله من حالهم.

ثم تأمَّل في الأمر العظيم والموقف العظيم يوم القيامة أول ما ينظر في أعمال العبد الصلاة، فإن صلحت صلح سائر العمل، وإن فسدت فسد سائر العمل.

ألا فليُفتِّش كُلٌّ مِنَّا عن صلاته، فلينظر هل ستصلح أن يقابل بها ربَّه العظيم؟ اللهم الطف بنا يا لطيف، وارحمنا يوم العرض عليك والوقوف بين يديك يوم تُوضَع الكتب، وتُنْشَر الصحائف، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.

الخطبة الثانية

عباد الله، الصلاة عماد الدين، من لم يهتم بها فبمَ يهتم؟! من لم يهتم بعماد الدين فبمَ يهتم؟! ثم تأمَّل وأنت تقف بين يدي ربك تبارك وتعالى وأنت تستفتح للصلاة مستقبلٌ القبلة قائلًا: الله أكبر، كم مرة ترددها في صلاتك؟ فهل تأملت في معناها؛ أي: إن الله أكبر من كل شيءٍ؛ من دنياك، وأهلك، ومالك، وتجارتك، المؤمل منك أيها المبارك أن تحرص كل الحرص ألا يشغلك شيء عن ربك تبارك وتعالى، فإن وجدت في نفسك صدودًا وإعراضًا، فانطرح بين يدي الله، فالمشكلة كبيرة، والخطب عظيم، فسَلِ اللهَ أن تقيم صلاتك كما يحب، ثم إذا افتتحت الصلاة فالله تبارك وتعالى قبلة وجهك طوال الوقت، فأي خطب وأي مكانة أنت تعيشها في صلاتك، ففي الحديث الذي يرويه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربِّه: "قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال جلَّ جلاله: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قال جل جلاله: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، قال جلَّ جلاله: مجَّدني عبدي، وإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قالَ جلَّ جلاله: هذه بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال الله تعالى: هذه لعبدي، ولعبدي ما سأل".

هل استشعرنا هذا الفضل العظيم؟ فمن ينصرف عن صلاته ينصرف الله عنه، فهل تأملت وأنت تقف في صلاتك أنك تقف بين يدي ربك؟ إذا أردت أن تعرف قدرك عند ربك فبقدر اهتمامك بصلاتك.

عباد الله، أيها الأخ المبارك والوالد الحاني المحافظ على صلاته يا من ترغب في سكنى الجنان وتتطلع لرضا الرحمن أهلك وولدك بحاجةٍ لرعايتك مُرْهُم بالصلاة، واصبر عليها ثم اصطبر ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132] حتى تسعدوا جميعًا بالجنان، فالكل مسؤول، فأعِدُّوا للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، سددنا الله وإياكم وأعاننا على ما يوصل لرضا ربنا تبارك وتعالى.

اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تدمِّر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوَّتِك يا جبَّار السماوات والأرض.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبرِّ والتقوى.

اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهم اقبل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطل عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بِرَّه ورضاه، ومن سبق للآخرة فارحمه رحمةً من عندك تُغْنيه عن رحمة مَنْ سواك.

اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيِّك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا يا رب العالمين.

اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، ووفِّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا ومن لهم حق علينا يا رب العالمين.

اللهم ثبِّتْنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك وعظيم عطائك اقْضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\


تارك الصلاة

للشيخ : محمد حسان


إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وقد وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها عمود الدين، ومن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين. لذلك عرض الشيخ -حفظه الله- أدلة وجوبها، وكفر تاركها، مبيناً تعرضه للوعيد الشديد من الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. وختم حديثه بذكر عظيم فضلها وفضل المواظبين عليها.


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  [آل عمران:102]


يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً  [النساء:1]


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]


أما بعد:


فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أحبتي في الله! تعالوا بنا لنواصل مسيرتنا المباركة في شرحنا لآيات من كتاب ربنا جل وعلا، ومع اللقاء الثلاثين مازلنا بفضل الله وحوله وصوله ومدده نطوف بحضراتكم في بستان سورة مريم، ولقد انتهينا بفضل الله جل وعلا في اللقاء الماضي من تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً  [مريم:58].


أيها الأحبة! وبعد أن ذكر الله جل وعلا وتحدث عن هؤلاء الأصفياء من الأنبياء والأتقياء ممن تبعهم بإحسان، ذكر أنه تبارك وتعالى خلف من بعدهم خلف سيئ، هذا الخلف قال الله عنه: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً  [مريم:59] مفارقة عجيبة بين هذين الفريقين، فريق إذا ما تليت عليه آيات الرحمن خر ساجداً باكياً لله جل وعلا، وفريق اتبع هواه وجرى وراء شيطانه، فاتبع الشهوات وأضاع الصلوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ  [مريم:59].


يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ [مريم:59] أي أخروا الصلاة عن وقتها] وروى الإمام أبو يعلى الموصلي، وابن المنذر، وابن حبان، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط، والحاكم والبيهقي وضعفا رفعه وصححا وقفه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] أتدرون ماذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( يا سعد ! هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها)، ولم يقل: هم الذين يضيعون الصلاة، وهم الذين يتركون الصلاة، بل قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها.


يقول الله جل وعلا: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً  [مريم:59] الله أكبر! هذا جزاء من ضيع مواقيت الصلاة، ولا أقول: من ترك الصلاة بالكلية، بل هذا جزاء من أخر الصلاة عن وقتها فسوف يلقى غياً، وغيٌ كما أخرج البخاري في تأريخه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [غيٌ نهر في جهنم] والعياذ بالله.


وروى الإمام ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني في الأوسط، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] قال عبد الله : الغي نهر أو وادٍ في جهنم من قيح بعيد القعر، خبيث الطعم، يقذف فيه كل من اتبع الشهوات]، فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً  [مريم:59]لا إله إلا الله، هذا جزاء من أخر الصلاة عن وقتها.


  

حكم تارك الصلاة تكاسلاً

يا عباد الله، أيها المسلمون في كل مكان! أنا لا أخاطب الحاضرين الآن بين يدي في هذا المسجد، وإنما أخاطب المسلمين، وأرسل إليهم بهذه الرسالة، وأبعث إليهم بهذا الشريط في كل مكان من أرض الله:

أيها المسلمون!


\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

أهمية الصلاة  للشيخ عمر عبد الكافي


للصلاة أهمية عظيمة في الدين لا تخفى على مسلم، وإنما يحققها العبد بتطهير ظاهره وباطنه، ويتم تطهير الظاهر بتطهير البدن والثوب والمكان من النجاسات، وبقطع الأذى الخارج منه وإزالته، وبالوضوء المشتمل على الغسل والمسح.

  

أهمية الصلاة

الحمد لله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد:


فهذه هي الحلقة الخامسة عشرة في السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الحلقة الثانية في موضوع الصلاة.


وأسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، اللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم ثقل بها موازيننا، اللهم ثقل بها موازيننا، اللهم ثقل بها موازيننا، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام.


اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً رددته.


اللهم ارحم برحمتك ضعفنا، واكفنا شر ما أهمنا وما يهمنا، وعلى الإيمان التام والسنة توفنا وأنت راض عنا، اللهم تب على كل عاص، اللهم تب على كل عاص، اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال، واشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض.


اللهم فك كرب المكروبين، اللهم فك كرب المكروبين، واقض دين المدينين، وارحم موتانا وأموات المسلمين، واجعل -اللهم- برحمتك جمعنا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا -يا مولانا- شقياً ولا محروماً.


اللهم إنك تعلم أنه في كل قلب كل واحد منا كرب، فنفس كروبنا، اللهم إنك رزقتنا الإسلام من غير أن نسألك، فارزقنا الجنة ونحن نسألك، اللهم ارزقنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم نجنا من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، واجعلنا من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعل -اللهم- خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.


إن موضوع الصلاة له أهمية قصوى؛ لأن هذا الأمر جعله الرسول عماد الدين، فالصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).


وإن العلماء على رأيين في تارك الصلاة: فبعضهم يقول: إن تارك الصلاة المصر على تركها كافر، وبذا قال الإمام أحمد وغيره: إنه يفرق بينه وبين زوجته؛ لأن المرأة إن كانت تصلي فهي مسلمة.


فالإمام أحمد اعتبر تارك الصلاة كافراً، ولا يجوز زواج المسلمة بالكافر، وأما جمهور الفقهاء فعلى أن الذي لا يصلي إن عاد فصلى فإنه يعيد الصلوات التي فاتته.


وأهل الحجاز يتبعون ما قاله الإمام أحمد ، فتارك صلاته عندهم كافر، فإن عاد فصلى فقد عاد إلى الإسلام، والإسلام يجب ما قبله.


ومثال الذي يصلي والذي لا يصلي كاثنين درساً في وقت واحد، وتوظفا، وأحيلا على المعاش، فأحدهما اسمه محمود والثاني اسمه محمد، وأحدهما مسلم والآخر نصراني، فمحمود النصراني عاش بين المسلمين يعامل الناس معاملة جيدة، ومضى عليهما ستون سنة، وفي يوم فوجئ صاحب محمود بأنه يصلي، فقال: ما الذي جرى يا محمود؟ فقال له: إني أنا كنت مقصراً ستين سنة، ولقد تبت، وإن دينكم جميل جداً، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبدءا يصليان في وقت واحد، فمحمود ترك الصلاة عشرات السنوات ولم يصل أي فرض وأما محمد فعمله جار عليه بالصلاة منذ أول صلاة.


إن تارك الصلاة كافر على مذهب أحمد ، ولهذا القول أدلته.


وأما الجمهور فقالوا: إما أن يكون تاركاً للصلاة جحوداً أو تاركاً لها تكاسلاً، فالمسلم الذي ترك الصلاة جحوداً منكر لها، فهذا كافر.


وأما إذا تركها تكاسلاً فقد قال أبو حنيفة احبسوه وعزروه حتى يصلي، فحين يأتي وقت الظهر يقال له: يا فلان! صل، وكذلك العصر والمغرب وسائر الفروض.


وأما الإمام الشافعي فيرى أنه يستحق القتل، فمتى ما قيل له: يا فلان! لماذا لا تصلي، وقال: لن أصلي؛ فإنه لم يمتثل لأوامر الله، وهذه قلة أدب، فيستحق القتل.


إذاً: الجمهور على أن تارك الصلاة جحوداً وإنكاراً كافر، مثل المسلمة غير المحجبة، فإن كانت منكرة للحجاب البتة، فإنه لو كان هناك حكم إسلامي لقطعت رقاب كثير من النساء.


وأما تارك للصلاة تكاسلاً، تقول له: لم لا تصلي؟! فيقول لك: نسأل الله أن يهدينا، عندي ضيوف، فهو لا يريد أن يصلي، ولكنه خجل من أن يقول لك: أنا لا أصلي. فهذا يحكم بفسقه، والفاسق لا يشهد في المحكمة الإسلامية، فالقاضي يسأل عن الذي يشهد في المحكمة، ليعلم الذي يصلي والذي لا يصلي.


فالصلاة موقعها من الدين أنها العمود الأساسي أو الركن الأساسي في الدين، ولذلك جاء في الحديث أن عرى الإسلام سوف تنقض عروة عروة، فأولها الحكم وآخرها الصلاة.


  

أنواع الطهارة

وقد تحدثنا عن الطهارة، وقلنا: إن الطهارة أنواع أربعة:

طهارة الظاهر من البدن والثوب من النجاسات.


وطهارة الجوارح من المعاصي.


وطهارة القلوب من الرذائل والأخلاق الذميمة.


وطهارة السر عما سوى الله عز وجل.


ومسألة السر لن نتكلم فيها؛ لأنها طهارة الأنبياء، فكل حياة النبي من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام لله، أما أنت فحياتك لامرأتك مرة، ولأولادك مرة، ولأقاربك مرة، ولمديرك في العمل مرة، ونعوذ بالله من الشرك الظاهر الخفي.


والناس أنواع ثلاثة:


الأول: من قدم معاشه على معاده، فهذا من الهالكين، كشخص يقدم الدنيا على الآخرة، وهذا كثير في المسلمين.


النوع الثاني: من قدم معاده على معاشه، فهذا من الفائزين، وهذا عنوانه: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42]، يعرف أن النهاية عند الله عز وجل، والذي يتمنى شيئاً يعطيه الله عز وجل إياه، فالذي يريد الدنيا وما فيها يعطاها، والذي يريد الآخرة وما فيها يعطاها.


وقد دفنا أحد الإخوة الأعزاء علينا كان معنا منذ أكثر من عشرين سنة مواظباً على الدروس والجمع، وفي آخر كلام له عندي في البيت قال لي: يا شيخ! أنا أشتهي أن أموت وأنا أصلي، فيموت وهو ساجد لله رحمه الله رحمة واسعة، فطالما كان محباً للخير، يتمنى من الله أن يموت وهو في الصلاة، فلما طلب من الله هذا أجابه الله، فالله سبحانه لا يخذل عبده أبداً.


وهذا مثل حديث: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)، أي: أنك تتمنى وتقول: يا ليت أن الدولة تقول في يوم من الأيام؛ لنحارب إسرائيل، وأنت ما دخلت في الجيش ولا في التجنيد.


وقد جاء في الحديث أن صلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد النبوي الشريف تعدل عشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة، وصلاة في أرض الرباط تعدل ألف ألف صلاة، فركعة المجند في أرض المعركة بمليون ركعة، وخير من هذا كله ركعتان يصليهما المؤمن في جوف الليل والناس نيام.


المراد بطهارة الظاهر

فأما طهارة الظاهر فعن النجاسات، كالبول.

وبول الصبي ينضح، وبول الجارية يغسل، وهذا كلام الحبيب المصطفى، فإذا كان عندك ولد عمره ثلاثة أشهر فبال عليك أو على والدته فإن تأخذ في يدك قليلاً من الماء وتضعه على البقعة التي أصابها البول في الثوب، فيصير طاهراً، وإذا كان عندك بنت عمرها كذلك فبالت عليك فلا تقل: إنهم متعبون، بل اغسل ثوبك؛ وقد كنا نسأل العلماء الذين علمونا عن صحة الحديث، وعندما علمنا مقاييس الصحة اكتشفنا صحة هذا الحديث.


وقد اكتشف الباحثون أن بول البنت في بداية تكوينها يختلف تماماً عن البول عند الولد، فهناك مواد كيماوية زائدة عند البنت تؤثر على نسيج البول، وهذا حديث الذي لا ينطق عن الهوى.


ومن النجاسات بول الآدمي، وأما بول مأكول اللحم فطاهر، فعندما ترى الفلاح في بلادنا، وراد الجاموسة يمشي، فإن مسحت بالذيل فيه وبالت عليه قلنا: بول ما يؤكل لحمه طاهر، والإسلام دين اليسر.


فبول وروث ما يؤكل لحمه طاهر، وبول الإنسان نجس، ولذلك قال سيدنا علي : يا ابن آدم! علام تتكبر وأنت نزلت من مجرى البول مرتين، تنتنك عرقة، وتقلقك بقة، وتميتك شرقة، فعلام الكبر على الله.


ومعنى هذا أنك لا تساوي أي شيء، لكن في ميزان الله تساوي كل شيء.


المراد بطهارة الباطن

وليس كل مصل بمصل، فقد جاء في الحديث: (إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يصر على معصيتي، ورحم الأرملة والمسكين وابن السبيل، ورحم المصاب، فهذا أكلؤه برعايتي، وهو في الفردوس في الجنة أباهي به ملائكتي في السماء).

فالمسألة هي مسألة تواضع وإخلاص نية لله، ولذلك ذكر أهل العلم مسألة النية في الصلاة عندما تصلي، فحين أصلي أطهر الظاهر وأبحث عن تطهير الباطن؛ لأن الظاهر محل نظر المخلوق، والباطن محل نظر الخالق جل جلاله جلاله، ولذلك تنظف ما تقع عليه عينا أخيك، والله أولى بأن تنظف له ما ينظر إليه، ففي الحديث: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).


وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: والله إنا لنستحي يا رسول الله. فقال: الحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، وأن تؤثر ما يبقى على ما يفنى، وأن تعد نفسك مع الموتى).


إنه إذا قيل: استح من الله نقول: إنا نستحي، والحق أن الحياء من الله هو حفظ الرأس وما وعى، ففي الرأس عقل وعينان وأنف وفم ومخ وسمع.


فالعين خلقت للنظر إلى ما أحل الله، وكذلك الأنف والأذن خلق كل منهما لاستعماله فيما أحل الله، فلا أكفر نعمة الله بتلك الجوارح.


وكفران النعمة هو أن أستعمل نعمة الله في معصية الله، حيث يستعمل المرء النعمة التي أعطاها الله له في أن يعصي الله، فالله يعطيه فلوساً، فبدل أن ينفقها في سبيل الله ينفقها في إغضاب الله.


فالعينان يكون حفظهما بترك النظر إلى الحرام، والأنف بألا أشم به ما لا يجوز شمه، فقد جاء في الحديث: (أيما امرأة استعطرت فخرجت فشم الناس رائحتها فهي زانية، وكل عين زانية).


فالله عز وجل أمر المرأة بالحجاب، والحجاب شرطه ألا يكون لافتاً للنظر، وليس المراد أن تلبس الخمار أو النقاب فحسب كيفما كان. وأمر المرأة بعدم الاستعطار، وفي هذا الوقت تسمع بعض الناس يقول: إن فلانة كانت هنا في الأصانصير؛ لأنهم يرونها كل يوم تنزل في وقت معين وقد استعطرت وتركت رائحتها.


والعجب أن المرأة قد تكون في خارج البيت معطرة، وفي داخل البيت مبصلة.


ثم بعد ذلك تحفظ السمع، والسمع فيه مصائب، كسماع الغيبة والنميمة والطعن في أعراض الناس.


وكذلك حفظ البطن، فلا يدخل البطن إلا الطعام الحلال، وقد جاء في حديث: (سوف يأتي زمان على أمتي من لم يأكل الربا أصابه غباره).


فالمراد بحفظ البطن وما حوى حفظ المعدة، قال صلى الله عليه وسلم: (وأن تذكر الموت والبلى، وأن تؤثر ما يبقى على ما يفنى، وأن تعد نفسك في الموتى).


وأما طهارة القلب فتطهيره من آفاته، ومنها الكبر، فنسأل الله أن يخرج الكبر من قلوبنا، وأن يجعلنا وإياكم من أهل التواضع، فمن تواضع لله رفعه، اللهم اجعلنا من المتواضعين.


  

آداب قضاء الحاجة

الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

ثم ندلف إلى موضوع الصلاة، فهناك شروط لصحة الصلاة، منها: طهارة الثوب، وطهارة البدن، وطهارة المكان، والاتجاه إلى القبلة.

فإذا أراد المرء الصلاة وأراد قبلها دخول الكنيف فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.


ومن آداب دخول الكنيف الدخول بالقدم اليسرى، والاستعاذة بالله من الخبث والخبائث.


ترك الكلام وعدم الدخول بما فيه ذكر الله

ومن آداب دخول الكنيف ألا تتكلم إلا لضرورة، وألا تدخل بما فيه ذكر الله، وبعض الناس قد يدخل بالجريدة ويقول لك: أنا رجل أعمال ليس عندي وقت، وفيها آيات أو أسماء لله، فلا ينبغي أن تدخل بالجريدة أو الصحيفة إلى دورات المياه.

وكذلك لو كان لك سلسلة فيها آية الكرسي أو مكتوب عليها (ما شاء الله) أو (الله أكبر) أو (لا إله إلا الله) أو أي ذكر من هذه الأذكار، فلا تدخل بها، إلا إذا كنت في منطقة وتخاف فيها إذا تركتها أن تضيع، ولا يجوز لك أن تدخل بخاتم مكتوب عليه (الله) أو (لا إله إلا الله) إلى دورة المياه، فهناك ناس يلبسون الدبلة المكتوب عليها -مثلاً- (عبد الله) ويدخلون بها دورات المياه؛ والواجب هو نزعها.


وهذه العادة مستحدثة من جملة أمور ما أنزل الله بها من سلطان، فإنك تجد بعض المساجد بعدما يُنتهى من الأذان يقول فيها الناس اللهم صل وسلم عليك يا أسود الشعر، يا كحيل العينين، ونحو ذلك فمن أين أتي بهذا الكلام؟!


إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي)، وذلك الذي يقال لم يثبت عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن تابعي التابعين، ولا عن الفقهاء الأربعة، ولا عن ابن تيمية ، ولا عن ابن القيم ، ولا عن العز بن عبد السلام ، لم يثبت هذا إلا في عصور الانحلال بعد عهد الفاطميين.


بل قد أفتى ابن القيم بأن الذي يأتي بالذكر قبل الفجر بساعة مبتدع، وقال: من جاء في ديننا هذا بشيء من عنده فهو عليه رد، لحديث رسول الله، فيكون عمله بدعة من البدع يرد عليه يوم القيامة، وهل أنت أعلم من الرسول أو من بلال ، أو من أبي بكر أو عمر ؟! وإنك لتجد مساجدنا كبيرة وفيها هذا الكلام مع الأسف.


وقد ألف أحد العلماء العظماء رسالة في أن المساجد التي فيها بدع لا يصلى فيها، وأنا لا أريد أن أحرض، بل أنقل لك ما أعلمه من الكتاب والسنة وأقوال العلماء الخلص، وما جاء به الحبيب أسمعه، وما جاء به الناس لا أعرفه.


ولا يقل قائل: هناك بدعة حسنة، ودليلها أن عمر بن الخطاب عمل بدعة حسنة، وهي صلاة التراويح، فلم يعملها عمر؛ لأن الرسول في يوم من الأيام في رمضان قام ليصلي، فصلى بالناس ثمان ركعات، فأصبح من شهد ذلك يقول: إننا صلينا وراء الرسول ثمان ركعات البارحة، ثم صلى بهم في اليوم الثاني ثمان ركعات، فزاد العدد وفي اليوم الثالث امتلأ المسجد، وفي اليوم الرابع صلى العشاء ودخل ولم يخرج، فقالوا: يا رسول الله! كنا ننتظرك؟ فقال: (خشيت أن تفرض عليكم).


ثم جاء زمن عمر فنظر إلى الصحابة فرأى كل واحد بعد العشاء يصلي بمفرده، فقال: لو اجتمعوا على إمام واحد.


إذاً: عمر أحيا سنة للحبيب، فالبدعة بدعة، ولا يوجد هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة، فكل شيء في الكتاب والسنة يقال فيه: سمعاً وطاعة، وأما غير الكتاب والسنة فلا سمع له ولا طاعة.


ولذلك يروى أن عمر بن عبد العزيز دخلت عليه امرأة فقالت: أين عطائي الذي كان يعطيني أعمامك من بني أمية؟! فقال لها: ليس لك عندنا شيء. فقالت: أأجيئك بصك الوليد ؟ تعني الوليد بن عبد الملك ، أي: أأحضر لك الورقة الممضاة بخط أمير المؤمنين قبل أن يموت؟ فتبسم عمر بن عبد العزيز وقال: أبالمصحف ستأتين؟!


يعني: ما هي هذه الورقة التي كتبها أمير المؤمنين؟! فهل ستأتين بورقة من المصحف، فما دام أنها ليست من المصحف فلا عبرة بها.


إذاً: لا تتكلم في دورة المياه إلا لضرورة، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، لا تدخل ومعك صحيفة أو ورقة مكتوب فيها اسم الله عز وجل.


الاتكاء على الجانب الأيسر

ومن آداب دورة المياه أن تتكئ على الجانب الأيسر قليلاً:

وقد وجدوا في مباحث الطب والعلم البيولوجي أن الفضلات تتجمع نحو جهة الفتحة ليسهل إخراجها، ولذلك تجد كثيراً من الأوروبيين حين يسمعون بمثل هذا يدخلون في دين الله أفواجاً.


وبعدما تتيقن من قضاء الحاجة تنظف محل النجاسة تماماً، ولا تكن كالذي يقول لك: أنا بعد أن أقضي الحاجة أشعر بقطرة نزلت وأنا أتوضأ، وأقول: إن المسلم يبذل احتياطاته الكاملة، وينتظر قليلاً، ولا يفتح باب الوسوسة الشيطانية، فإذا كان ينزل منه شيء أثناء الوضوء فعليه قبل أن يرتدي ثيابه وقبل أن يبتدئ بالوضوء أن يقف على يمينه ويحرك شماله حركة دائرية إن كان يقدر وهو واقف على رجله اليمين، ولا يفتح باب وسوسة الشيطان.


الخروج باليمين مع التلفظ بالذكر المأثور

وبعدما تقضي الحاجة تخرج برجلك اليمين، وتقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني.

  

صفة الوضوء

النية

وبعد قضاء الحاجة يكون الوضوء، والوضوء له فرائض وسنن، ويجوز فيه أن تتلفظ بنية الوضوء، ويكره أن تتلفظ بنية الصلاة، فيجوز أن تقول: نويت الوضوء، ونويت أن أتوضأ، ولكن لا يجوز لك أن تقول: نويت صلاة العشاء بل إذا صليت خلف الإمام فنية الإمام لك نية، وقد قال أهل العلم: إن النية محلها القلب.

إذاً: يجوز أن أنوي الوضوء جهراً ولو كنت في الحمام، فأقول: نويت أن أتوضأ.


غسل الكفين وتخليل أصابعها

وبعد ذلك غسل الكفين ثلاثاً وتخليل أصابعهما، فيدك اليمين تخلل الشمال، والشمال تخلل اليمين.

ومن كان لابساً لخاتم فعليه تحريكه إذا كان ضيقاً، لأنه عند بعض الفقهاء إذا لم تحرك الدبلة الضيقة يكون وضوءك باطلاً وصلاتك -أيضاً- باطلة، فلابد من أن تحرك الدبلة.


هناك مسألة مهمة في الصلاة، وهي أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة الصافد والحاقن والحاقب، والصافد -بالدال- الذي يضم قدميه، وإن من فقه الرجل أن يوسع بين رجليه على مقدار اتساع الكتفين، وأما المرأة فتضم قدميها.


فالحبيب يهتم بك في الصلاة، ولو صليت ورجلاي مضمومتان فليس معنى ذلك بطلان الصلاة، ولكن الرسول يريدك أن تكون خاشعاً في الصلاة.


ونهى صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصافن، والمراد به من يرفع إحدى رجليه، كما قال الله: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ [ص:31]، فالخيل الصافنة التي تقف على ثلاث أرجل، فأنت عندما تقف في الصلاة فتعتمد على رجل وترفع الرجل الثانية تنافي حال الخشوع.


ونهى عن صلاة الحابس فلو صليت وأنت حابس ستصلي وأنت قلق، ولذلك لا تصل وأنت تدافع الأخبثين، بل اذهب إلى الكنيف واقض حاجتك ثم صل براحة وكذلك الجائع بشدة لا يصلي حتى يذهب جوعه لفقد الخشوع بالجوع.


المضمضة والاستنشاق

ثم بعد ذلك يتمضمض الإنسان ثلاث مرات على مهل ويرج الماء في فمه رجاً، ويحركه بأصبعه إذا لم يكن معه سواك، فالسر كل السر في السواك، وقد أجرى بعض الباحثين اختباراً للعاب الكائن في السواك والكائن في أصناف المعجونات، فوجدوا أن اللعاب في السواك فيه مادة كيميائية جديدة تقضي على اثنين وتسعين نوعاً من أنواع الميكروبات والبكتيريا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

وقال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).


والفم والأنف تبع للوجه، فلا تقل: إن المضمضة والاستنشاق، بل هما سنة عند بعض الفقهاء واجبان، وأنا لا أريد أن أدخلك في خلافات الفقهاء، ولكن خذ الكلام بهذه الطريقة، فالفم والأنف تبع للوجه.


فبعد المضمضة تستنشق وتستنثر، أي: تدخل الماء إلى أنفك ثم تخرجه، وتفعل ذلك ثلاث مرات.


غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس والأذنين

ثم يأتي غسل الوجه، والوجه من منبت الشعر الطبيعي إلى أسفل الذقن، وما بين شحمتي الأذنين.

ويتعاهد المرء المناطق الغائرة، وكبير السن يتعاهد التجاعيد ما أمكن.


ثم يغسل اليد اليمنى إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم الشمال ثلاث مرات.


ثم مسح الرأس كله ثلاث مرات أو ربعه، وبعد مسح الرأس مسح الأذنين بالسبابة من الداخل والإبهام من الخارج.


ثم غسل الرجلين إلى الكعبين مع تخليل الأصابع، وليس ضرورياً تخليل الأصابع إذا كنت مريضاً.


وبهذا يتم وضوءك، وبعده تقول كما قال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).


وبعد الوضوء تصلي ركعتين إن تيسر لك وبه تخرج الخطايا من كل أعضائك، وبالصلاة تتناثر الذنوب، فإذا سَلَّمت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك.


اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وعبادتنا.


اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا، ووفقنا إلى ما تحبه وترضاه، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

يا من ضيعت الصلاة، يا من تركت الصلاة، يا من أخرت الصلاة عن أوقاتها، أعيروني القلوب والأسماع في هذا اللقاء -يا عباد الله- لنستمع اليوم إلى هذا الحكم الذي يخلع القلوب، ويزلزل الأفئدة، وتضطرب إليه الجوارح، ولكن هيهات هيهات، فقد ماتت القلوب إلا من رحم علام الغيوب جل وعلا. أعيروني القلوب والأسماع لنستمع اليوم إلى حكم تارك الصلاة، فإنه حكم يخلع القلوب ويزلزل الأفئدة، فانتبهوا معي جيداً.


يقول الإمام الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار :


لا خلاف بين المسلمين على أن من ترك الصلاة ترك جحود وإنكار فقد كفر كفراً يخرج عن الملة بإجماع المسلمين، وقال رحمه الله بعد ذلك: من كان تركه للصلاة تكاسلاً مع اعتقاده بوجوبها، وهذا حال كثير من الناس -والقول للإمام الشوكاني - وهذا هو حال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه على قولين:


أما القول الأول: وهو قول مالك ، والشافعي ، أنهم قالوا: بأن من ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده بوجوبها لا يكفر بل يفسق، فإن تاب إلى الله جل وعلا وإلا قتل بعد ثلاثة أيام حداً بالسيف، تقطع رأسه وتضرب عنقه بالسيف بعد ثلاثة أيام، هذا الرأي الأول.


وأما القول الثاني: والحق مع أصحاب القول الثاني بالدليل الصحيح من الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول جمهور أهل العلم أنهم قالوا: من ترك الصلاة تكاسلاً وانشغالاً عنها من غير عذر شرعي، فهو كافر كافر كافر، وقد أوجب الإسلام قتله، فهو كافر، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على كفره وعلى وجوب قتله.


استمعوا معي -أيها الأحباب- لأسرد إلى حضراتكم الأدلة على ذلك، وأولاً أود أن أذكر الجميع بأني لن أتدخل بكلمة واحدة من تلقاء نفسي، وإنما سأذكر لكم الأدلة الصحيحة الصريحة من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم كل مسلم، ولتعلم كل مسلمة أن من رد هذا الكلام فهو رادٌ لكلام الله، وراد لكلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.


  

الأدلة على وجوب قتل تارك الصلاة

سأكتفي بدليلين صحيحين اثنين:

الدليل الأول: حديث رواه الإمام البخاري والإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله).


وجه الاستدلال من هذا الحديث كما يقول أستاذنا ابن القيم رحمه الله: وجه الاستدلال من هذا الحديث المبارك أنه صلى الله عليه وسلم أُمر بقتال الناس حتى ينطقوا بالشهادتين، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، وأن دماءهم وأموالهم محرمةٌ بعد نطقهم بالشهادتين وإيتاءهم للزكاة وفعلهم للصلاة.


الدليل الثاني: الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذهيبة -أي بقطعة صغيرة من الذهب- وهو في اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها الرسول صلى الله عليه وسلم بين أربعة، فقال رجل من هؤلاء: اتق الله يا رسول الله -وفي رواية: إن هذه قسمة لم يرد بها وجه الله جل وعلا- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ فقال خالد رضي الله عنه: ألا أضرب عنقه يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا لعله أن يكون يصلي).


قالٍ الإمام ابن القيم رحمه الله ووجه الاستدلال من هذا الحديث على وجوب قتل تارك الصلاة أن المانع الذي منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتله هو كونه يصلي.


فهذان دليلان صحيحان على وجوب قتل تارك الصلاة، فتعالوا بنا إذاً لنستشهد بالأدلة الصحيحة على كفر تارك الصلاة، وقد تكلمنا عن الأدلة التي تذكر وجوب قتله، وأنا لا أتوقف عند جميع الأدلة وإلا لطال الوقت جداً، ولكنها ومضات سريعة صحيحة بإذن الله جل وعلا لتبين المراد، ونسأل الله أن يجعل في هذا الكلام النفع والبركة لكل مسلم ومسلمة على ظهر هذه الأرض، إنه ولي ذلك ومولاه.


  

الأدلة على كفر تارك الصلاة

أما الأدلة -أيها الأحبة- على كفر تارك الصلاة من الكتاب والسنة، أقدمها بقول الإمام ابن حزم رحمه الله:

قال الإمام ابن حزم : جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة ، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وأبي بكر وعن غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً أنهم قالوا: [من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد] يقول ابن حزم: ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفاً.


من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد عن دين الله، هذه صلاة واحدة فما ظنكم بمن ترك الصلاة جملة، ما ظنكم بمن ضيع الصلاة وما صلى لله ركعة.


يقولون: من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، فما ظنكم بمن ضيع الصلاة، وما ظنكم بمن جلس أمام المسلسلات الفاجرة والأفلام الداعرة مضيعاً لفرض الله جل وعلا، وما ظنكم بمن انشغل عن الصلاة بما لا يعد في الدين عذراً شرعياً.


الأدلة من القرآن على كفر تارك الصلاة

من ترك صلاةً واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، والأدلة على ذلك من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة؛ فإن كثيراً من الناس لا يأخذون إلا بأدلة الكتاب والسنة، فنقول لهم: أما الأدلة على كفر تارك الصلاة من القرآن الكريم فهي:

الدليل الأول من القرآن قول الله تبارك وتعالى في سورة القلم: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36]، ويقول جل وعلا بعدها في هذه السورة أيضاً: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ  [القلم:43] يقول سبحانه وتعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43].


وجه الدلالة من هذه الآيات والكلام للإمام ابن القيم رحمه الله يقول:


وجه الدلالة من الآيات: أن الله تبارك وتعالى لم يجعل المسلمين كالمجرمين، وهذا لا يليق بحكمه ولا بحكمته ولا بعدله، بل جعل الله المسلمين ضد المجرمين والمجرمين ضد المسلمين، وقال الله تبارك وتعالى وهو يحدثنا عن أحوال المجرمين في يوم القيامة، أنه يوم يكشف عن ساق يخر المسلمون الصادقون سجداً لله جل وعلا دليلاً على إيمانهم، وبرهاناً ساطعاً على صدق إسلامهم لربهم جل وعلا، ويأتي الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا بين هذه الصفوف كما كان حالهم من النفاق في الدنيا، يريدون أن يسجدوا مع المسلمين كما سجد المسلمون لربهم جل وعلا، فيأبى الله جل وعلا أن يسجدوا وتبقى ظهورهم رغم أنوفهم قائمة كظهور البقر، لا يستطيعون السجود لله جل وعلا.


يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: فلا يسجد إلا المسلم، ولا يستطيع السجود غير المسلم، ولو كان هؤلاء من المسلمين لأُذن لهم بالسجود كما أُذن للمسلمين، ومنهم بنص الآية من ترك الصلاة في الدنيا كما قال سبحانه: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ  [القلم:43].


الدليل الثاني من القرآن الكريم في سورة المدثر: يقول الله تبارك وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ [المدثر:38-40] يتساءلون عن من؟ عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:41-42] هذا كلام الله -يا عباد الله- قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:43-47] هذا قول الله جل وعلا، ووجه الدلالة من هذه الآية، والكلام للإمام ابن القيم رحمه الله: وجه الدلالة من هذه الآيات أن الله تعالى جعل المسلمين ضد المجرمين، وجعل من المجرمين السالكين في سقر بنص الآية من ترك الصلاة في الدنيا إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:39-43].


الدليل الثالث من القرآن الكريم من سورة براءة -التوبة-: قول الله تبارك وتعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ  [التوبة:11] يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ربط الله أخوتهم في الدين بإقامتهم للصلاة، فإن لم يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فلا أخوة لهم في دين الله، ولا يكونوا بذلك مع المؤمنين؛ لقول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ  [الحجرات:10] وأكتفي بهذه الأدلة من القرآن الكريم، وفي هذا الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.


الأدلة من السنة على كفر تارك الصلاة

أما الأدلة الصحيحة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفر تارك الصلاة فهي كثيرة ووفيرة، فأعيروني القلوب والأسماع يا عباد الله.

أقول بداية: لا ينبغي لمسلم ولا لمسلمة إن سمع قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد قولهما بقول عالم أو رجل أو شيخ، لا والله، لا يجوز ذلك في دين الله أبداً وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً  [الأحزاب:36] هذا قول الله وهذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.


الدليل الأول على كفر تارك الصلاة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) هل تريدون حديثاً أوضح من هذا الحديث يا من ضيعتم الصلاة؟ وهل تريدون كلاماً أوضح من هذا الكلام؟ الحديث رواه مسلم وبإذن الله لا أذكر حديثاً ضعيفاً أبداً، رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة).


الدليل الثاني: ما رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام أبو داود، والإمام النسائي، والإمام الترمذي وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، من حديث يزيد بن حبيب الأسلمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).


الدليل الثالث: ما رواه هبة الله الطبري، وقال الطبري : حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك).


الدليل الرابع: ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، ورواه الطبراني بإسناد جيد وقال: حديث صحيح على شرط الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوماً فقال (من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً، وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف ) هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم.


وذكر الإمام ابن القيم لطيفة بديعة من لطائف العلم في هذا الحديث فقال: يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء؛ لأن تارك الصلاة يشغل عن الصلاة بشيء من هذه الأربعة، إما أن يشغله عن الصلاة ماله، أو ملكه، أو وزارته، أو تجارته، يقول: فمن شغله ماله عن الصلاة فضيعها حشر يوم القيامة مع قارون ، ومن شغلته وزارته عن الصلاة فضيعها -وكثير ما هم- حشر مع وزير السوء هامان ، ومن شغله ملكه عن الصلاة فضيعها -وكثير ما هم- حشر مع فرعون، ومن شغلته تجارته عن الصلاة فضيعها -وكثير ما هم- حشر مع أبي بن خلف، وهؤلاء العمالقة في الكفر والشرك في الدرك الأسفل من النار كما تعلمون جميعاً.


(من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً، وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف ) في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله.


الدليل الخامس: ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاةً مكتوبةً فقد برئت منه ذمة الله).


الدليل السادس: أن ترك الصلاة -يا عباد الله- يحبط جميع الأعمال، حتى الحج -يا حجاج اسمعوا- فتارك الصلاة لا يقبل الله منه حجاً، ولا صوماً، ولا زكاة، ولا صدقة، ولا خيراً، ما الدليل؟


ما رواه الإمام أحمد في مسنده والإمام الطبراني بإسناد جيد وقال حديث صحيح الإسناد على شرط الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح-وياله من فلاح- وإن فسدت خاب وخسر).


يقول ابن القيم رحمه الله: ولو قبل الله تعالى لتارك الصلاة عملاً من أعمال البر والخير ما حكم عليه الرسول بأنه من الخائبين الخاسرين والعياذ بالله، هي عمود الدين بعد توحيد الله جل وعلا، وأول ما تسأل عنه، فإذا صلحت الصلاة صلح سائر الأعمال، وإن فسدت الصلاة والعياذ بالله لا تسأل عن عمل بعدها، وفسد سائر العمل والعياذ بالله.


أكتفي بذلك -أيها الأحباب- من الأدلة الصحيحة الصريحة على كفر تارك الصلاة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.


  

حكم صلاة الجماعة

وفي عجالة سريعة أذكر بحكم صلاة الجماعة، ونذكر هواة الصلاة في البيوت والمنازل بحكم صلاة الجماعة، ونقول لهم: يا من تصلون في البيوت والحجرات وتركتم هدي خير البريات، وتركتم الجمع والجماعات: اعلموا بأنكم على خطرٍ عظيم حتى وأنتم تصلون؛ لأن من العلماء من قال بوجوب صلاة الجماعة والحق والدليل معهم، فمنهم من قال بوجوبها، ومنهم من قال بأنها سنة مؤكدة، والحق والدليل مع من قال بوجوب صلاة الجماعة؛ وإليكم بعض الأدلة يا عباد الله.

الدليل الأول من القرآن الكريم على وجوب صلاة الجماعة في بيوت الله جل وعلا: يقول الحق تبارك وتعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  [البقرة:43] فلو كان المقصود إقامة الصلاة فقط ما قال الله في آخر الآية: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  [البقرة:43] وهو الذي قال في أولها: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ  [البقرة:43] فلو كان الأمر يقتصر على الإقامة لقال الله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ  [البقرة:43] ومعلوم أنه لا توجد كلمة في القرآن الكريم كله بدون هدف وبدون معنى وبدون حكم.


ولو كان المقصود إقامة الصلاة فقط لقال الله كما قال في آيات كثيرة من القرآن وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ  [البقرة:43] ولكنه قال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  [البقرة:43].


يقول الشيخ ابن باز: وهذه الآية نص في وجوب صلاة الجماعة.


الدليل الثاني: هو قول الله تبارك وتعالى وحكمه على المسلمين، حتى وهم في ساحة القتال وميدان الوغى، يوم أن تصمت الألسنة وتخطب السيوف على منابر الرقاب في مواجهة أعداء الله جل وعلا، لم يسمح الله بترك صلاة الجماعة، أسمعتم دليلاً أعظم من هذا الدليل، حتى في ميدان القتال والخوف من أعداء الله أن ينقضوا على المسلمين، لم يسمح الله جل وعلا أن يصلي المسلمون الصلاة فرادى في ميدان القتال، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي بهم في الميدان جماعة، سبحان الله! فقال له ربه جل وعلا: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ  [النساء:102] وقال بعدها جل وعلا: وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ  [النساء:102]دليل عجيب وصريح في وجوب صلاة الجماعة، حتى في وقت الخوف والقتال، ولو كان الأمر يسيراً -كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله- لأُذن لهؤلاء في ميدان القتال أن يصلوا فرادى، وأن يصلي كل واحد منهم في موقعه، ولكن الله جل وعلا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بهم جماعة.


الدليل الثالث: حديثٌ رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، وقال: يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، أي أن يصلي في البيت فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء، قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: فأجب) أجب النداء، أجب منادي الله في بيت الله جل وعلا.


الدليل الرابع: الحديث الذي رواه الإمام البخاري والإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -وهذا من حديث أبي هريرة أيضاً- : (إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الخير لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معي، معهم حزم من حطب فآتي على قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار).


أسمعتم يا عباد الله! (أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) هذا حكم صلاة الجماعة.


فيا من تهوون الصلاة في البيوت وتتركون هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلموا أنكم على خطر عظيم، ولو متم على ذلك لمتم على غير سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عبد الله بن مسعود في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم : (إنها من سنن الهدى، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم) ثم يقول في آخر الحديث: (ولقد رأيتنا ولا يتخلف عن هذه الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين -أي يستند على الرجلين- حتى يقام في الصف) هذه صلاة الجماعة وهذا حكم صلاة الجماعة.


فيا من ضيعتم الصلاة! اتقوا الله جل وعلا، ويا من ضيعتم الصلاة في جماعة! اتقوا الله جل وعلا، فلو متم على ذلك لمتم على غير سنة رسول الله، وعلى غير هدي ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم.


بقي لنا -أيها الأحباب- أن نذكر في عجالة سريعة بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله جل وعلا، فضل الصلاة بصفة عامة، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


  

فضل الصلاة وعظيم أجرها

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:


فيا أيها الأحبة في الله! هذه هي الصلاة وهذه هي عظمة الصلاة، وهذا هو خطرها، وهذا هو حكمها، وهذا هو فضلها، ولقد تكلمنا عن الأدلة التي تقول بوجوب قتل تارك الصلاة، وعن الأدلة التي تقول بكفر تارك الصلاة، وبينا حكم صلاة الجماعة وبقي لنا في عجالة سريعة أن نذكر المسلمين والمسلمات في كل مكان في أرض الله جل وعلا بفضل هذه الصلاة.


اعلموا -يا عباد الله- رحمني الله وإياكم بأن الصلاة هي عماد الدين، فمن تركها فقد ضيع الدين، وهو لما سواها أضيع، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [إن من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع، وهي عماد الدين وأس الإسلام] أي أساسه الأول بعد توحيد الله جل وعلا، فقد بني الإسلام على خمس، وأول ركن من أركانه هو التوحيد والركن الثاني هو الصلاة -يا عباد الله- وفضلها عظيم وخطرها جسيم.


وسأكتفي بهذه الأحاديث الثلاثة التي وردت في فضل الصلاة، وكلها صحيحة إن شاء الله، أما الحديث الأول رواه الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً يغتسل منه كل يوم خمس مرات) أي: لو أن نهراً بباب أحدكم وينزل كل يوم خمس مرات إلى هذا النهر ليغتسل فيه خمس مرات (أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيءٌ؟) أي: هل يبقى بعد ذلك على جسده من الأوساخ والقاذورات شيء (قالوا: لا يبقى من درنه شيء يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا)يا لها من كرامة، ويا له من فضل عظيم (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا).


وفي الحديث الذي رواه الإمام الطبراني بإسناد جيد، ورواته محتج بهم في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها) الله أكبر (تحترقون، تحترقون) أي بالذنوب والمعاصي والشهوات والأهواء (تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم شيء حتى تستيقظوا) يا له من فضل! وهذا من فضل الصلاة أيها الأحباب.


وفي الحديث الذي رواه الإمام البخاري والإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ -أي: الفرد- بسبع وعشرين درجة).


فيا عباد الله! أيها المسلم وأيتها المسلمة! الله الله في الصلاة .. الله الله في الصلاة! فيا تارك الصلاة لقد سمعت وعلمت قول العلماء بكفرك، فتارك الصلاة والله الذي لا إله غيره ملعون، والله لكأني بتارك الصلاة ينادي عليه ثوبه الذي يرتديه على جسده، ولو أنطقه الله لقال له بلسان الحال: يا تارك الصلاة لولا أني مسخر لك لفررت من على جسدك.


والله لكأني بلقمة العيش يرفعها تارك الصلاة إلى فمه، تنادي عليه بلسان الحال وتقول له: يا تارك الصلاة يا عدو الله تأكل رزق الله وأنت مضيع لفروض الله جل وعلا.


والله لكأني بالبيت الذي يؤويه وبالمنـزل الذي يعيش فيه، ينادي عليه بلسان الحال إذا ما خرج كل يوم وكل صباح، يقول له: اخرج يا عدو الله، لا صحبك الله في سفرك ولا خلفك الله في أثرك، ولا ردك الله إلى أهلك، ولا إلى أولادك سالماً غانماً.


يا تارك الصلاة، ويا مضيع الصلاة، اعلم بأنك على خطر عظيم، ولو مت على ذلك لمت على الكفر والعياذ بالله، فالله الله يا عباد الله، الله الله في الصلاة، فلقد كانت آخر وصيةٍ لنبيكم صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت، وقد جعل يردد هذه القولة، وهذه الوصية الغالية؛ جعل يقول (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم).


هذه رسالة وهذا شريط أرسل به وأبعث به إلى كل مسلم ومسلمة على ظهر هذه الأرض في أي بلد من بلاد الله جل وعلا، وأذكر نفسي وإياكم بعظمة الصلاة وبخطورة الصلاة، وأسأل الله جل وعلا أن يبارك في هذا الشريط، وأن يجعله نافعاً لكل مسلم ومسلمة، إنه ولي ذلك ومولاه.


وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وباسمه الأعظم الذي إن سئل به أعطى، وإن دعي به أجاب: أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إليك، اللهم خذ بنواصينا إليك، اللهم خذ بنواصينا إليك، اللهم لا تجعل لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته.


اللهم خفف الصلاة على قلوبنا يا رب العالمين، اللهم اجعلها قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم اجعلها قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم رب أولادنا في ظلال الصلوات، اللهم رب أولادنا في ظلال المساجد، اللهم رب أولادنا في ظلال القرآن، اللهم اجعلنا من المحافظين على الصلوات، اللهم اجعلنا من المحافظين على الصلوات، اللهم لا تجعلنا ممن هم عن صلاتهم ساهون، اللهم اقبلنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم.


اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم تقبل منا صالح الأعمال، ووفقنا اللهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله جل وعلا، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد!!!


\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

كيف تصلي

للشيخ : أبو إسحاق الحويني

إن الصلاة هي عماد الدين، أمر الله جل وعلا عباده بإقامة الصلاة، ومفهوم الإقامة في الشرع هو أن يؤدي العبد الصلاة كما أمر الله سبحانه وتعالى في أوقاتها مع الجماعة، وأن يخلص فيها لله عز وجل، وأن يصلي بالهيئات والكيفيات التي كان يصلي بها النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا يجوز للعبد أن يقلد في صلاته أحداً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  

معنى إقامة الصلاة في الشرع

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:


فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.


قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر (ح) وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه، حدثنا أبي حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن ! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم -وذكر من شأنهم- وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه؛ ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.


ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه ...).


نتكلم اليوم مع أعظم الأركان العملية وهي الصلاة، والأمر بالصلاة في كتاب الله عز وجل، وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمراً مجرداً، بل هو أمر له وصف، فإن الله عز وجل إذا أمرنا في القرآن بأن نصلي قال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] ، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [الحج:78] فكلمة (أن تقيم الصلاة) ليس معناها أن تصلي، بل إقامة الصلاة قدر زائد على مجرد الصلاة، وهي الصلاة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث لما قيل له: (إن فلاناً يصلي ويسرق! قال: ستنهاه صلاته يوماً) أي: إن العبد إذا أقام الصلاة نهته، وهذه الإقامة هي المعنية بقول الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فالصلاة المحلاة بالألف واللام تفيد العهد أنها صلاة بعينها، أمر الله عز وجل بها، والتي لو أقمتها كما أمر الله بها؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وليس مجرد أي صلاة، فإننا نرى رجالاً يصلون ويرابون ويسرقون ويزنون، فهؤلاء ما أقاموا الصلاة.


وإذا أردت أن تقيم الصلاة فامتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـمالك بن الحويرث : (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإذاً نحن ملتزمون بصلاة النبي عليه الصلاة والسلام، إذا أردنا أن نقيم الصلاة يجب أن نلتزم بها، فهل جماهير المسلمين اليوم يعرفون كيف كان يصلي النبي عليه الصلاة والسلام؟


الجواب: لا؛ لأننا ورثنا الصلاة، وما تعلمناها.


سل الذين يرسلون أيديهم في الصلاة ولا يضعونها على صدورهم كما هي السنة: آلنبي صلى الله عليه وسلم أرسل يديه ولو مرة في حياته وهو القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ومثل: (خذوا عني مناسككم) سواء بسواء؟


ما حجة أولئك في ترك أيديهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل فطرنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) فكأنها سنة الأنبياء أن تضع اليمنى على اليسرى، لكن لما غلب التقليد على المتأخرين صاروا يتعاملون مع المذاهب الفقهية كأنها أديان متباينة، فعلامة المالكي أن يرسل يديه، وعلامة الشافعي أن يضع يديه على صدره، وجهل بعضهم فقال: إن ركعتي الشفع في المذهب الشافعي فقط؛ لأنها تواطئ اسمه.


وهذا شخص من جماعة الخروج -الذين يخرجون في سبيل الله- سألته مرة فقلت له: ما دليل الخروج؟ قال: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46] يعني فالذين لم يخرجوا جميعاً كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل: اقعدوا مع القاعدين، أي: لم ينج من هذا الذنب إلا هؤلاء الثلة الذين خرجوا، والباقون غضب الله عليهم وثبطهم؟!


وهذا يذكرني عندما جاءت معاهدة السلام قيل لهم: ما الدليل؟ قالوا: (إن الله هو السلام)، (ادخلوها بسلام)، (تحية الإسلام السلام)، كلما وجدوا لفظاً يواطئ المعنى الذي يريدون استشهدوا به، بغض النظر عن السياق الذي ورد فيه اللفظ؛ حتى صاروا أضحوكة للعقلاء:


أمور يضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب


فهؤلاء يقولون: ركعتي الشفع خاصة بـالشافعي !


ونقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] إذاً هذه قراءة مالك ، فـمالك يقرأ بها؛ لأن (مالك) وافقت اسم مالك ..!


هذا كله بسبب أن الذين قلدوا المذاهب الفقهية اعتبروها كأنها دين مستقل، فالذين يرسلون أيديهم في الصلاة ما صلوا كما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام، فلو قلت لواحد: اركع، وأرني كيف يكون ظهرك إذا ركعت؟ لو قلت له: اسجد، وأرني أنفك هل يمس الأرض أم لا؟ ربما تجده يرفع أنفه من على الأرض.. وهكذا، فإذا سمعت قول الله عز وجل: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [الحج:78] لا بد أن ترجع إلى السنة لتعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي.


والأصل في تعليم النبي عليه الصلاة والسلام أنه يشمل الرجال والنساء معاً، فإن هذا النداء في القرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:153] يشمل الرجال والنساء معاً، وهذا الأمر (صلوا كما رأيتموني أصلي) يشمل الرجال والنساء معاً، فمن العجب أن بعض المذاهب الفقهية تقول: إذا سجد الرجل فليجاف يديه عن جنبيه وليبالغ، إلا المرأة فإنها تنجمع لأنها عورة!


فنسألهم: هذا القول من أن المرأة يدخل بعضها في بعض إذا أرادت أن تسجد، ما دليله؟ وهل النبي عليه الصلاة والسلام فرق فأمر النساء أن ينجمعن، وأمر الرجال أن يجافوا أيديهم عن جنوبهم؟


الجواب: لا، لا تجد على هذا أثارة من علم، بل الرجال والنساء معاً على السواء في المجافاة.

إذا أردنا أن نذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على التفصيل كما صلاها عليه الصلاة والسلام، فلم أجد كتاباً أفضل ولا أجود من كتاب شيخنا الإمام المحدث الكبير أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، كتاب (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها) وهذا الكتاب من الكتب المباركة -وهذا الحقيقة- الكتاب له عندي معزة خاصة جداً؛ لأن هذا الكتاب هو الذي فتح عيني على علم الحديث، وعلى مذهب أهل السنة والجماعة.

في عام (1395هـ) تقريباً مررت بعدما انتهيت من صلاة الجمعة في مسجد الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله -مسجد عين الحياة- فمضيت أتجول عند باعة الكتب، وأنظر إلى ما يعرضونه من الكتب، فوقعت عيني على هذا الكتاب، فتناولته وقلبت صفحاته، وأعجبني طريقة تصنيفه، وأحسست بجزالة لم أعهدها في كل ما قرأت، ولفت انتباهي حاشية الكتاب -الحاشية التي خرج فيها الشيخ الألباني القسم الأعلى من الكتاب- فمثلاً يقول: (ويجافي يديه عن جنبيه) ثم يقول: أخرجه السراج ، والبغدادي ، وابن بشران ... أسماء لم تكن معهودة؛ فانبهرت بهذا الكتاب ولكن لم أستطع شراءه آنذاك لأنه كان باهض الثمن، كان بثلاثين قرشاً، فتركته وواصلت البحث، فوجدت جزءاً لطيفاً بعنوان (تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الألباني ) أيضاً، فاشتريته وكان إذ ذاك بخمسة قروش، ومن إعجابي بالكتاب وانبهاري به قرأته وأنا ماشٍ من المسجد إلى مسكني في الطريق، مع خطورة هذا المسلك على من يمشي في شوارع القاهرة.


فلما قرأت الكتاب وجدته يدق بقوة ما ورثته من الصلاة عن آبائي، إذ وجدت أن كثيراً من هيئتها لا يمت إلى السنة بصلة؛ فندمت ندامة الكسعي حيث أنني لم أشتر الأصل، والكسعي رجل عربي يضرب به المثل في الندامة، وحكوا من خبره: أنه كان رجلاً رامياً ماهراً، فمرت به ظباء بالليل، وكان له قوس وكان شديد الاعتداد بها، فرمى الظباء بهذا القوس في الليل، فظن أنه أخطأ الظباء؛ فكسر قوسه، فلما أصبح وجد سهمه أصاب الظباء؛ فندم على كسر القوس، ويقال: إنه قطع إصبعه من الندم.


حسناً: كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من أسهل الكتب، ويجب على المسلمين أن يقرءوا هذا الكتاب حتى يقيموا الصلاة، فالإنسان عندما يقف بين يدي الله تبارك وتعالى يقبح به أن يصلي على غير ما أُمر، وقد قصد القربى والزلفى إلى الله عز وجل، وإن مثل الذي يعبد الله تبارك وتعالى بما لم يشرعه ولا رسوله عليه الصلاة والسلام كمثل الذي عبد الله تبارك وتعالى بلا شيء، مثل المخترع.


أهمية الإخلاص لله تعالى في الصلاة

أول شيء يفعله العبد في إقامة الصلاة: الإخلاص، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول دعاء الاستفتاح ويذكر أكثر من دعاء؛ لأن الاستفتاح في بداية الصلاة معناه أن يعلن استسلامه لله تبارك وتعالى وخضوعه، وعبوديته لله عز وجل، فيا عجباً لعبد يعلن أنه عبد لله تبارك وتعالى خمس مرات في اليوم وهو ليس كذلك في حياته.. في كلامه.. في مطعمه.. في مشربه.

وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا [الأنعام:79] انظر كلمة: (وجهت وجهي)! إذا وجه العبد وجهه؛ نصب الله وجهه في وجه العبد -كما في الحديث الصحيح- لذلك يمنع المصلي أن يلتفت، فإذا التفت العبد التفت الله عنه، ولا يزال الله تبارك وتعالى مقبلاً على العبد ما كان مقبلاً عليه في صلاته، وذلك بألا يزوي وجهه عن القبلة، وقد ورد في بعض الآثار المتكلم فيها أن العبد إذا صرف وجهه يقول الله تبارك وتعالى له: (إلى خير مني؟!) فالتفات العبد يدل على عدم الصدق في توجيه الوجه لله عز وجل.


وهناك معنى آخر في الآية: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي  أي: جعلت حياتي ووجهي، كما يقال: الوجه كذا: أي الطريق، ما وجهتك؟ يقول: في المكان الفلاني أو إلى الجهة الفلانية، إذاً (وجهت وجهي): أي جعلت حياتي ومسلكي وطريقي ووجهتي لله تبارك وتعالى، توضحه الآية التي بعدها والتي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] هذه الآية توضح هذا التفسير: أن الوجه الذي هو الوجهة، أي: كل ما يصدر عني فهو لله رب العالمين؛ لأنني وجهت وجهي إليه، نصبت نفسي على الطريق إليه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي .


نحن ذكرنا قبل ذلك أنه قدم الخاص، ثم ذكر العام بعد الخاص؛ لأن (محياي) داخل فيها كل شيء حتى الصلاة، والذبح الذي هو النسك، وبعض العلماء يقول: إن النسك هنا معناه الحج، وقالوا: إن الذبح المقصود بالآية هو ذبح الحج الذي هو الهدي، فذكر الصلاة والحج خصوصاً؛ لأن الصلاة هي الفارقة بين المسلم وبين الكافر، كما في حديث جابر وحديث بريدة وحديث ثوبان (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، وكذلك الحج كما قال تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] ولأن الحج له خاصية وردت في قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عمرو بن العاص عندما أسلم وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا رسول الله! ابسط يدك فلأبايعك. قال: فبسط يده فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو ؟ فقال: أردت أن أشترط. فقال: تشترط بماذا؟ فقال: أشترط أن يغفر لي. قال: يا عمرو ! أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الحج يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها؟) فهذه خاصية عظيمة جداً في الحج، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يفسق ولم يرفث؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وهذا لا يعلم إلا للحج.


مسألة أن العبد يرجع من الحج ليس عليه ذنب ألبتة لا يعلم إلا في الحج، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام جعل الحج مقابل الإسلام في هدم ما كان من العبد من ذنوب قبل ذلك ما لم يتعلق به حقوق العباد، فلذلك الله تبارك وتعالى قال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] يقبح بالعبد أن يقول هذا ثم يخرج فيشرك بالله تبارك وتعالى، وأفظع من هذا أن يشرك بالله تبارك وتعالى في ذات الصلاة، كأن يصلي للناس، أي: ما جاء ليصلي إلا ليقال: مصل.


وهذه قصة ذكرت في مذكرات أحد السفراء يقول: إن رئيس بلده ذهب يزور البلد التي كان هو سفيراً فيها، ثم بعد ذلك ذهب الرئيس إلى كنيسة هذا البلد ومعه رئيسها -وهي بلد نصرانية- ليتفرج، فيقول: إن رئيس هذا البلد النصراني دخل الكنيسة، وقام يكلم الناس أنني مثل عمر ، وأن عمر دخل الكنيسة... إلخ، وتماماً يريد أن يصير كـعمر وأنه سيصلي، فوجد هذا السفير أن الرئيس سيصلي، فظن أنه سيتوضأ ثم يصلي، ولكنه مباشرة دخل في الصلاة وصلى بغير وضوء!


العجيب أنه لم يستح من ذكر هذه المسألة، وهذا الشخص له كتاب نشره في الأسواق يتبجح فيه يقول: إنه ذهب إلى ولاية من الولايات الأمريكية، وبدعوة من عالم للكتب، فيقول: إني ذهبت لحضور الجلسة هذه، فوجدت السفير واقفاً على الباب ومضطرباً..


فقلت له: ما لك؟


قال: النجدة!


قلت: لماذا؟


قال: فتنة طائفية! المسلمون يجلسون على كراسي لوحدهم، والنصارى يجلسون على كراسي لوحدهم.


فقلت له: لا عليك.. لا عليك..


قال له: بلباقتك وبذكائك حل لي المشكلة هذه، أتينا لنجلس جلسة محبة ووئام... إلخ.


قال: فقمت مباشرة ذاهباً إلى صفوف النصارى -وهذا شيء طبيعي جداً عند رجل لا يصلي ولا يفعل شيئاً- فما أكاد أن أمر على إنسان إلا يقول لي: يا فلان! تعال بجانبي، هذا كرسي خال! ويجلسه على الكرسي، ويقول: ما مضت إلا لحظات حتى راعني أن قام رجل يؤذن للمغرب.


يقول: راعني! أي: أفزعني أن قام رجل يؤذن للمغرب، الكلام هذا منشور في كتابه، ولم يستح أنه ينشر هذا في كتابه!


يقول: فانتظرنا حتى أنهى الأذان، وقال: وإذا بهم جميعاً يقومون إلى الصلاة، قال: فشعرت باستحياء وخجل..


قال: فجاءني رجل فقال لي: ألا تصلي؟


قلت له: ليس الآن.


فقال لي: يعني ماذا؟


قلت له: ليس الآن، نحن في مجلس محبة ووئام ومجلس أخوة.


فقال لي: يعني: ما أنت فيه أهم من الصلاة؟


قلت له: نعم، ما نحن فيه أهم من الصلاة.


لا يستحي أن ينشر هذا، عندما يقوم رجل يصلي لغير الله تبارك وتعالى -فلو قام هكذا كما قام ذلك السفير- هذا أشرك حتى في الصلاة؛ لأنه ما صلى لله تبارك وتعالى، إنما صلى لذاك الرئيس، حتى لا يقال: هذا مخالف للأوامر، المفروض الرئيس يجعله يصلي، فكل شيء بالأمر.


فأفضع شيء أن تشرك بالله وأنت تصلي، وأنت تعبده، كل هذه الأعمال إنما يجب فيها الإخلاص لله تبارك وتعالى قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر:14] ، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، و(ما) و(إلا) قلنا قبل ذلك: إن الاستثناء بعد النفي يفيد الحصر، فإذاً لا يجوز إلا أن تخلص العبادة لله تبارك وتعالى.


كيفية رفع اليدين عند الشروع في الصلاة

عندما يقف العبد بين يدي الله عز وجل ينشر راحتيه في اتجاه القبلة -والنشر: أي تفريج الأصابع- ويجعل أصابعه بحذاء أذنيه: إما بحذاء الأذن من أسفل أو بحذاء الأذن من أعلى، فإما أن ترفعها قليلاً، وإما أن تنزلها قليلاً، لكن تجعل الراحة في اتجاه القبلة، وكذلك تجعل أصابع قدميك باتجاه القبلة أيضاً.

وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

بعد أن ينشر العبد راحتيه باتجاه القبلة يقبض أو يضع؟ وضعان فقط لليد.

العبد إذا قبض فالقبض صفته: أن الإنسان يقبض على الرّسْغ -والرسغ: هو المفصل الذي بين الراحة وبين الساعد- ثم يضعهما على صدره، ولم يثبت أي وضع إلا على الصدر.


أما حديث علي بن أبي طالب (أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يضع يده اليمنى على اليسرى تحت السرة) فإنه ضعيف، ومعلوم عند العلماء أنه لا يعمل بالحديث الضعيف في الأحكام الشرعية، فلم يثبت إلا الوضع على الصدر، يعني: بمثابة شبر، إذا وضعت هكذا .. أو وضعت هكذا .. أو وضعت هكذا .. كله جائز طالما أنه على الصدر.


لكن العادة أن الإنسان لا يتكلف في الوضع، فالوضع الطبيعي الذي ليس فيه تكلف أن الإنسان يضع يده في الوسط، وبالتالي يكون وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر، إما أن يقبض على الرسغ وإما أن يبسط يده اليمنى على اليسرى الرسغ والساعد، وبعض المسلمين قد يسيء فيضع يديه وضعاً غير صحيح، فيمسك يده، فهذا نوع من الزيادة، وهذا الوضع لم يرد فيه حديث أبداً.


وأنا رأيت بعض الناس كان يصلي هكذا.. هذا خطأ، فيكون الفهم الصحيح للحديث: أن يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرُّسْغ والساعد، هذا هو الوضع.


دعاء الاستفتاح وموضعه الصحيح

بعد أن يستقبل العبد القبلة ويكبر ويقبض يبدأ بذكر دعاء الاستفتاح، وموضعه يكون بعد التكبير وقبل قراءة الفاتحة، يقول: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين) بعض العلماء يقول: لا تقل: (وأنا أول) وإنما قل: و(أنا من المسلمين) ، وهذا القول غير صحيح؛ لأن الرواية وردت بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأنا أول المسلمين)، وإنما يشتبه على القائل أن كلمة (وأنا أول المسلمين) أن القائل ليس أول المسلمين بطبيعة الحال، بل سبقه مسلمون.

فيقال: نفس الكلام بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام عندما قال: (وأنا أول المسلمين) لم يكن هو أول مسلم، إنما سبقه كل الأنبياء وكانوا مسلمين، المقصود بقوله: (وأنا أول المسلمين) المبادرة إلى أن تكون في أوائل الذين يسلمون لله تبارك وتعالى، فلا منافاة، (وأنا أول المسلمين) ليس معناه أنه ليس هناك مسلم قبلك.


أو تقول الدعاء الآخر وهو: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم غسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد.


رفع اليدين عند الركوع

بعد دعاء الاستفتاح يبدأ الإنسان يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ ما تيسر له من القرآن الكريم.

بعد ذلك إذا أراد أن يركع يرفع يديه، وقد ورد هذا في حديث ابن عمر في الصحيحين (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرفع في أول الصلاة، ويرفع إذا أراد أن يركع، ويرفع إذا قام من الركوع، ويرفع بعد الركعتين) والتكبيرات التي تأتي بعد ذلك يسميها العلماء التكبيرات الانتقالية، أي: أنك تنتقل من ركن إلى آخر، وهذا الرفع سنة، وعليه جماهير العلماء ما عدا الأحناف فيقولون: إن الرفع إنما يكون في أول موضع فقط، أما في بقية الصلاة لا يكون فيها رفع -أقصد الرفع للتكبير- وحديث ابن عمر حجة عليهم، وهم احتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود) رواه أبو داود وغيره، ( ثم لا يعود): أي إلى الرفع.


ولكن العلماء أجابوا على هذا بجوابين:


الجواب الأول: أن الحديث منكر كما قاله أحمد وابن معين وغيرهما من العلماء، فإذا هذا لا حجة فيه.


الجواب الثاني: على التسليم أن الحديث صحيح فهو ناف، وحديث ابن عمر مثبِت، والمثبِت مقدم على النافي عند التعارض، فالعلماء قالوا: إذا ورد حديثان أحدهما نفى شيئاً والآخر أثبته، ولم نستطع الجمع بين الحديثين، وكان لا بد من ترجيح أحدهما على الآخر؛ ففي هذه الحالة نرجح الذي أثبت على الذي نفى.. لماذا؟ لأن مع المثبِت زيادة علم، أي إنسان في الدنيا ممكن يقول: لا أعلم؛ لأن نفي العلم أيسر ما يكون، ولذلك ليس بعالم الذي إذا سئل عن مسألة يقول: لا أعلم فيها دليلاً، فكلمة (لا أعلم) هذه ما المشكل فيها؟ ما هو الجهد الذي أنت بذلته عندما قلت: لا أعلم؟ إنما الذي يقول: أنا أعلم كذا وكذا، إذاً هذا قطعاً هو اطلع ووقف على ما لم يقف عليه النافي.


لذلك نحن نقول: إن المثبِت مقدم على النافي؛ لأن المثبت معه زيادة علم، كما لو سئلت: ما تقول في فلان، أهو مماطل -يعني إذا أخذ المال لا يرده-؟ تقول: لا أعلم عن ذلك شيئاً. فقال لك رجل: نعم، هو مماطل. إذاً أيهما اطلع على هذا الرجل؟ الذي أثبت عليه المماطلة.


إذاً الصواب: الرفع في التكبيرات الانتقالية، فإذا أردت أن تركع ترفع يديك مثلما رفعتهما في تكبيرة الإحرام، ترفع اليد وتنشر الأصابع، وتكون بحذاء الأذن إما من فوق وإما من تحت.


صفة الركوع

أثناء الركوع يكون جسمك مع رجليك بزاوية قائمة، بعض الناس يبالغ في انخفاض رأسه، وبعض الناس لا يكاد يركع، تجده وهو راكع يكون شبه القائم، وآخر يبالغ حتى يكاد يكون رأسه بين رجليه.. لا، لا هذا ولا ذاك، بل الأوضاع الصحيحة للركوع أن جسمك يكون مع القدمين كزاوية قائمة، وقد ورد في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا ركع لو وضعت على ظهره قطرة ماء ما تحركت، ولا يتم هذا الوضع إلا إذا نشرت ساعدك وقبضت على ركبتيك، تعرف أن الذي ينحني أكثر من اللازم تجد أن يديه مكسورة أثناء الركوع، لكن هو إذا أراد أن يركع ركوعاً صحيحاً، فإذا قبض على الركبتين لابد أن يكون الساعد مفروداً، والسنة أن يقبض الإنسان هكذا على ركبتيه وينشر ساعده.

صفة القيام من الركوع ورفع اليدين

بعدما يركع ويقوم قائلاً: (سمع الله لمن حمده) ثم يقيم صلبه حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، ويرفع يديه أيضاً إلى جهة القبلة.

حكم وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع

هل بعد رفع اليد يقبض باليمنى على اليسرى أيضاً أو يرسلها؟ الذي نعرفه أن أكثر العلماء على الإرسال، وقال بالقبض قلة منهم، وهو القول السائد الآن عند مشايخنا في السعودية، مثل الشيخ ابن باز والشيخ محمد الصالح وسائر علماء السعودية -حفظهم الله تبارك وتعالى- يقولون بالقبض.

والحقيقة: أن هذا القبض فيه إثبات هيئة؛ لأن كونك تقبض باليمنى على اليسرى هذا إثبات لهيئة، وإثبات الهيئة يحتاج إلى دليل مستقل، ولا يصح في إثبات الهيئة دليل عام يتطرقه الاحتمال، وهو حديث وائل بن حجر : (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى) فيقال: إن القيام الأول قيام، والقيام من الركوع قيام، فالحديث يشمل عموم القيامين، فلذلك نحن نقبض في القيامين.


فنقول: إن هذا عموم صرفه الاحتمال؛ لأن كلمة (القيام) إذا وردت في الأحاديث فالمقصود بها القيام الأول؛ لأن القيام الثاني جزء من الركوع، وليس قياماً مستقلاً كالقيام الأول، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه (أنه كان يركع ثم يرفع من الركوع حتى يرجع كل عظم إلى مكانه) الهاء هنا إنما تعود على العظم وليس على الوضع، أي مكانه الطبيعي الذي خلقه الله عليه.


فإذا تأملنا كل أحاديث صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام نجد أن الصحابة ذكروا ما هو أخفى من القبض وأدق، فكيف يغفلون جملة واحدة عن ذكر هذا القبض بعد الركوع ولو مرة واحدة؟!


وأنت عندما تقرأ صفة الصلاة تجد فيها تفصيلاً دقيقاً جداً لكل حركة، كانوا ينقلون كل شيء، حتى أنه مرة عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في سورة المؤمنون، فجاء ذكر موسى وهارون فسعل سعلة فركع، فنقلوا أنه سعل فركع، وفي السجود ينقل لك أن أطراف الأصابع تكون تجاه القبلة، وفي تكبيرة الإحرام يقول لك: نشر أصابعه، وفي السجود يقول لك: ضم أصابعه، كل هذا التفصيل الدقيق لانفراج الأصابع وضم الأصابع ينقل في أكثر من حديث، ولا يقال في حديث من الأحاديث أبداً فقال: سمع الله لمن حمده ثم وضع اليمنى على اليسرى! فهذا دليل على أن هذا الوضع ليس وضعاً صحيحاً ولم يثبت، والهيئة لا يدخل فيها الاجتهاد، فلا بد فيها من ذكر دليل مستقل؛ نحن فصلنا هذا الكلام مرة أخرى بأبسط من ذلك.


فالصواب: أن الإنسان لو قال: (سمع الله لمن حمده) ورفع يديه أن يرسل يديه ولا يقبض بهما.


فإن رأيت أحداً يقبض لا تشتد عليه؛ لأن هناك بعض الناس كانوا يشددون في هذه المسألة من الجانبين، لكن العلماء -كالشيخ ابن باز رحمه الله- يقولون: لا ينبغي الإنكار في هذه المسألة، طالما أنه متبن لهذه المسألة، لأنها ليست ركناً في الصلاة ولا شرطاً لهذا فيترفق، لكن الراجح في المسألة -كما قلنا- هو الإرسال.


كيفية النزول إلى السجود

ثم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، ثم يكبر، ولا يرفع يديه بالتكبير إذا أراد أن يسجد، فإذا سجد نصب قدميه. هناك بعض الإخوة يكاد أن ينام على بطنه وهو يسجد، وهذا غير صحيح، والصواب أن تنصب قدمك اليمنى، وأن تنصب فخذك على الأرض، وتجافي في السجود بين يديك، الإنسان وهو يسجد يجتهد في أن يباعد ما بين يديه عن كتفيه وعن رأسه، والكلام هذا إذا كان هناك مجال كأن يصلي ولديه فراغ، أما أن يكونوا كلهم ملتصقين ببعض ويضايق الناس فغير لائق؛ وفي أول ما كنا قرأنا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني كان بعض إخواننا يحاول أن يطبق هذا في صلاة الجمعة، فكانت هذه مشكلة كبيرة جداً، هذا الكلام على حسب المتاح، أحياناً أنت ما تستطيع أن تأخذ راحتك في السجود، وربما ضممت أطرافك على بطنك، وهذا منهي عنه، هناك بعض الناس عندما يسجد يسجد وهو واضع يديه هكذا، وهذا خطأ، إنما الصواب التفريج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في هذا التفريج، حتى لو أرادت عنزة صغيرة أن تمر من تحت يده لمرت، ويقول أنس رضي الله عنه: (كنا نأوي -أي نشفق- على النبي عليه الصلاة والسلام من كثرة ما كان يجافي بين جنبيه) عليه الصلاة والسلام.

الأصابع هذه تضم وتوجه إلى القبلة في أثناء السجود. أما نزولك من الوقوف إلى السجود فيكون على اليدين وليس على الركبتين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيح: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) نص صريح جداً، ولو لم يرد هذا التفصيل لعلمنا من طريقة بروك الجمل أن وضع اليد أولاً يكون هو المخالف لوضع الجمل، لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير)، كما ورد في بعض ألفاظ الحديث: (يعمد أحدكم فيبرك كما يبرك الجمل الشارد) وهذا أظنه موقوف على أبي هريرة ، فلم يذكر كيف يبرك الجمل الشارد.


لكن نحن المفترض فينا كعرب أهل بادية وإبل أن نعرف كيف يبرك البعير، فالبعير إذا برك إنما يبرك على ركبتيه، وأنتم تعلمون أن كل ذي أربع: الطرفان الأماميان يسميان يدان، والخلفيان رجلان. فهو يمشي على أربعة، فعندما يأتي إنسان يقول: إن البعير أول ما يضع من جسده يضع يديه على الأرض فهو مخطئ، لماذا؟ لأن وضع يديه -يمشي عليهما- موضوعتان خلقةً، لكن إنما أول شيء يصل منه إلى الأرض ركبتاه؛ لذلك لا يكون أول شيءٍ يصل إلى الأرض من المصلي ركبتيه، فلو نزل الإنسان بركبتيه فهذا هو الذي يشبه به البعير، وليس الذي ينزل بيديه.


ولعل ابن القيم رحمه الله هو الذي بسط المسألة بسطاً وافياً للمخالفين الذين يقولون: إنه ينبغي أن تكون الركبة أول ما يصل من المصلي إلى الأرض؛ لأن ابن القيم رحمه الله لما استشعر ذلك نسى أن تكون ركبة البعير في يده؛ لأن التسليم أن ركبة البعير في يده يفصل المسألة، فقال ابن القيم رحمه الله: وقولكم ركبة البعير في يديه قول لا يعرفه أهل اللغة.


فحينئذ الفصل إنما يتم بالرجوع إلى أهل اللغة، فلما رجعنا إلى معاجم أهل اللغة وجدناهم يجمعون في مادة (ركب) على أن ركبة كل ذي أربع في يديه، وعرقوباه في رجليه، إذاً الذي في الرجلين الخلفيتين اسمه (عرقوب) والذي في الأماميتان اسمه (ركبة) ومما يدل على ذلك حديثان:


الحديث الأول: في صحيح مسلم رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما نزل قوله تبارك وتعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] فجاء الصحابة (فبركوا على الركب)، وقالوا: هذه التي لا نستطيع) هذا نص صريح واضح أن البروك لا يكون إلا على الركبة.


الحديث الآخر -وهو أصرح من هذا- وهو في صحيح البخاري ومسند أحمد حديث سراقة بن مالك الذي تبع النبي عليه الصلاة والسلام عندما خرج إلى المدينة مهاجراً، فلما أبصره أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله! هذا سراقة بن مالك يتبعنا. قال سراقة : فدعا علي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين). كلام صريح جداً (فساخت) -أي: غطست في الأرض (يدا فرسي) هما الرجلين الأماميتين لمقدمة فرسه- (حتى بلغتا الركبتين) فإذاً الركبة إنما تكون في اليد، فإذا أراد البعير أن يبرك برك على يديه.


فالصواب: هو النزول على اليدين؛ لأن لدينا نص صريح يقول: (وليضع يديه قبل ركبتيه) وعلى التسليم أن هذا النص لم يرد فمعرفة كيف يبرك البعير يرشح أن الصواب النزول على اليدين؛ لأن النزول على الركبتين هو هذا المشابهة للبعير.


صفة السجود وهيئته

ثم في أثناء السجود ينصب فخذه، ولا يلصق حتى يجعل موضع السجود قريب جداً من موضع ركبتيه، كذلك ولا يجعل موضع السجود بعيد جداً بحيث يفرد جسمه، إنما ينصب فخذيه.

وقلنا: يضم أصابعه ويوجهها إلى القبلة، ويمكن في السجود جبهته وأنفه، ولا بد أن يمس الأنف الأرض، وفي الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يمس أنفه الأرض) فالأنف والجبهة يسجدان ولابد من تمكينهما.


ثم يرفع فيطمئن حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، وله أن يرفع يديه إلى حذو منكبيه لكن ليس دائماً.


كيفية الجلسة ما بين السجدتين

في حالة الجلوس بين السجدتين هناك جلستان: جلسة الإقعاء، وجلسة الافتراش، الإقعاء: أن يقعد على أمشاط رجليه، بشرط أن يضم رجليه، ولا يباعد بينهما ويجعل إليته فوق القدمين.. والاقعاء المنهي عنه: أن يقعد الإنسان على أمشاط قدميه ويباعد بين رجليه، ويجعل إليته بين الرجلين.. هذا اسمه إقعاء الكلب، وهذا هو المنهي عنه، لكن الإقعاء المرخص به بين السجدتين أنك تضم قدميك وتقعد على أمشاط رجليك، وتجعل إليتك على قدميك.

ابن القيم رحمه الله كأنه لم يقف على هذا الحديث فأنكر هذا الإقعاء بين السجدتين، والحديث ثابت في صحيح مسلم من حديث طاوس قال: قلت لـابن عباس : (الإقعاء بين السجدتين إنا لنراه جفاء بالرجل -أي: لا يليق بالرجل أن يفعل هكذا- فقال له ابن عباس : سنة نبيك صلى الله عليه وسلم).


فإما أن تقعي وإما أن تفترش، الافتراش: أن تفترش رجلك اليسرى، وتجعل إليتك عليها، وتنصب اليمنى.


ضم العقبين حال السجود

إذا أردت أن تسجد مرة أخرى يمكن أن ترفع يدك أحياناً وليس دائماً، وتسجد مثلما سجدت في السجدة الأولى.

كذلك على الإنسان أن يضم عقبيه حال السجود؛ لأن بعض الناس يفرج بين رجليه أثناء السجود.. لا، هو إذا أراد أن يسجد يضم عقبيه هكذا، وأصابع رجليه تكون متجهة للقبلة في حال السجود كذلك، لكن يرص عقبيه كما جاء في الحديث بيان ذلك.


جلسة الاستراحة

فإذا أراد أن يقوم جلس جلسة الاستراحة إذا كان في وتر من صلاته، وذلك بعد الركعة الأولى والثالثة؛ لأن بعد الركعة الثانية والرابعة تشهد وهو جالس، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا كان في وتر من صلاته لا يقوم حتى يستوي قاعداً، أي: لا يقوم مباشرةً، إنما يقوم فيقعد لحظة صغيرة جداً ثم يقوم، هذه اسمها جلسة الاستراحة عند العلماء، واستحبها مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

هذا إذا أراد أن يقوم، فإذا كان جالساً جلسة استراحة يفترش ولا يقعي، الإقعاء خاص بين السجدتين فقط، فإذا أراد أن يجلس جلسة الاستراحة يفترش ويقوم للركعة الثانية وهو مفترش، ويفعل في كل صلاة مثلما فعل في الركعة الأولى.


وإذا قام من التشهد الأوسط يرفع يديه، وموضع الرفع في ثلاثة مواضع: إما أن ترفع وأنت جالس قبل أن تقوم، وإما أن ترفع بعدما تقوم، وإما أن ترفع حال القيام، وأنا رأيت الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله يرفع يديه بعد التشهد الأوسط إذا أراد أن يقوم وهو جالس.


الإشارة بالسبابة أثناء التشهد

وفي التشهد الأوسط يفترش فيجلس على رجله اليسرى، وينصب قدمه اليمنى، وينظر إلى موضع سجوده، ويحرك السبابة في أثناء قراءته للتشهد حتى ينتهي أو حتى يقوم، وقد ورد في هذا حديث زائدة بن قدامة ، وهذه الزيادة ليست شاذة بل هي زيادة صحيحة -زيادة التحريك- والتحريك: أن تجعل يدك بشكل واحد وخمسين، وتضعها على ركبتك، وتنصب هذا الإصبع إلى القبلة وتحرك.

والبعض الآخر -بالرغم أننا نبهنا كثيراً على هذا- يحرك إصبعه بمزاجه.. لا، التحريك هذا غير صحيح؛ لأن هذا فيه صرف الإصبع عن القبلة، والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرك، لكن في نفس الوقت لم يلفت إصبعه عن القبلة، وبعضهم يقول لك: يعمل حلقة طوال الصلاة في التحريك، وهذا هو الذي فهمه، والتحليق إنما هو خاص بالأصبع الوسطى والإبهام والسبابة التحريك فقط، فالواحد لو حرك إصبعه يحركه هكذا باتجاه القبلة.


أما الذين يقولون: إن التحريك يكون في النفي والإثبات فهذا لا أصل له، يعني: يظل واضعاً يده على ركبته، أول ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، يرفع إصبعه في الإثبات ثم يضعها ثانية.. هذا لا أصل له، بعض الناس يحرك يديه الاثنتين، وكان سعد بن أبي وقاص يفعلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحد.. أحد!) لأنك توحد فلا تحرك بالثنتين، إنما حرك بواحدة.


وبعض الناس إذا أراد أن يسلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويشير بيديه هكذا، يحرك يديه كأنه يقول: تم.. لا، الإنسان إذا أراد أن يسلم لا يحرك يديه، إنما تكون يداه ثابتتين على رجليه ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده، تلتفت لفتة حتى تحس أن بياض خدك يراه الذي خلفك، وتقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.


الخروج من الصلاة بتسليمة أو تسليمتين

يجوز الخروج من الصلاة بتسليمة واحدة، بعض العلماء يقول: بتسليمة واحدة، يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويخرج، فيكون خرج من الصلاة، والتي هي التسليمة اليمنى وهي فرض، والأعمش رحمه الله عندما كان يحدث بهذا الحديث فسأله رجل: أرأيت لو كان عن يساري رجل ثقيل؟ قال: يكفيك تسليمة واحدة، فبعض الناس ظن أن الأعمش قالها على سبيل المزاح.. لا، الأحكام الشرعية ما فيها مزاح، إنما ورد في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسلم تسليمة واحدة ويخرج من الصلاة بها.

وبعض العلماء قال: يلتفت إلى اليمين وإلى اليسار أيضاً لكن بتسليمة واحدة، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. هكذا، لكن يلتفت إلى الجهتين، والظاهر أن الوضع الأول هو الأساس؛ لأن كلمة يسلم تسليمة واحدة لا يفهم منها أنه كان يوجه ناظريه إلى الجهتين، إنما يسلم على اليمين ويسلم على اليسار، ثم قال: وربما اقتصر على واحدة، فلا يتصور حينئذ بعد قوله: (يقتصر على واحدة) أنه التفت اللفتتين.


صفة القيام إلى الركعة الثالثة

القيام من السجود إلى الركعة الثانية كيف يكون؟ هل على قبضة اليد أو على راحتها؟

فنقول: كافة العلماء يرون أنه على راحة اليد، والشيخ الألباني رحمه الله يرى أن الاعتماد يكون أيضاً على قبضة اليد كما لو كنت تعجن، وذكر في ذلك حديثاً وصححه -وأصاب في تصحيحه- في كتاب: تمام المنة في التعليق على فقه السنة، فمن فعل اقتداءً بهذا الإمام فنحن لا ننكر عليه، وإن كنت أقول دائماً: في مواطن الخلاف خذ بالأحوط، يعني: أنت إذا قمت على راحة اليد لا تلام لا من قبل الشيخ الألباني ، ولا من قبل المخالفين له؛ لأنك إذا قمت على راحة اليد فعلت المتفق عليه بين الكل.


والحمد لله رب العالمين.


  

الأسئلة

حكم الالتفات بالصدر عند التسليم

السؤال: هل يصح الالتفات بالصدر حال السلام من الصلاة؟

الجواب: لا، الصدر يبقى ثابتاً، الإنسان لا يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويلتفت بصدره.. لا، إنما الالتفات يكون بالرأس فقط وليس بكل الجسد.


الحركة تابعة للكلام عند التسليم

السؤال: إذا التفت جهة اليمين قبل السلام ثم سلم؟

الجواب: لا، هذا فيه تكلف، الإنسان إذا قال: (السلام عليكم ورحمة الله) الحركة تكون تابعة للكلام، يعني قل: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. لكن هو يقول: السلام عليكم ورحمة الله.. ويفعل هكذا.. هل تنفع هذه؟! وما الذي جبره على هذا..!


المرأة والرجل سواء في هيئات الصلاة

السؤال: هل المرأة مثل الرجل في هيئات الصلاة؟

الجواب: الرجل والمرأة على السواء، طبعاً هناك بعض الناس يقول: إن المرأة إذا سجدت تضم أطرافها بعضها البعض لأن المرأة عورة، وهذا لا أصل له؛ لأن كل أحاديث صفة الصلاة المرأة والرجل فيها على السواء، لا خلاف إطلاقاً بين الرجل والمرأة في هيئة الصلاة أبداً، إنما الخلاف بين الرجل والمرأة في مسألة اللباس، وأنها عندما تصلي لابد أن تلبس جوارب أو ستاراً لقدميها، لابد من ذلك، لا يجوز للمرأة أن تصلي وهي كاشفة لقدميها.


حكم صلاة المرأة بدون خمار

السؤال: هل إذا صلت المرأة لابد لها من خمار؟

الجواب: نعم، تصلي بخمار، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة كلها عورة) هذا حديث في الترمذي وهو صحيح، والعلماء الذين استثنوا، إنما استثنوا الوجه والكفين، إذاً القدمان ليستا داخلتين في الموضوع، فالقدمان تبقى على عموم الحديث الأول.


إذاً قدم المرأة عورة، وليس عورة في الصلاة فقط بل عورة دائمة، لا يجوز للمرأة أبداً أن تخرج وقدمها مكشوف أبداً، ولا فرق بين أن يظهر قدم المرأة وبين أن يظهر شعرها أو نحرها أو صدرها أو أي شيء، كله داخل في حدود العورة.


مداخلة: وهل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بخمار) نفي لصحة الصلاة أم أنه نفي لكمالها؟


الجواب: نعم، (لا صلاة) فمعروف أن النفي إن انصب على الجنس ينفيه كلية، فيكون لا صلاة صحيحة، ما نستطيع أن نقول: لا صلاة كاملة إلا إذا وجد صارف يصرف مثل هذا النفي.


مداخلة: وإذا كانت المرأة جاهلة؟


الجواب: لا، إلا إذا كان عمداً.


حكم صلاة المرأة بلباس غير الخمار

السؤال: لو صلت المرأة بأي شيء غير الخمار؟

الجواب: لا يجوز أن تصلي المرأة بخمار، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لحائض إلا بخمار) (لا) و(إلا) نحن قلنا: إن الاستثناء بعد النفي يفيد الحصر، إذاً لا يجوز للمرأة أن تصلي إلا بخمار، أن تدلي بفوطة على رأسها فهذا لا ينفع، كل هذه الأشياء لا تصلح.


حكم السترة في الصلاة

السؤال: ما حكم السترة في الصلاة؟

الجواب: بالنسبة للسترة في الصلاة مما فاتني -فأنا أرجو أن أستدرك ما فاتني- فينبغي للإنسان أن يتخذ السترة في الصلاة حتى لا تقطع صلاته إما من الإنس أو من الجن؛ لأن الرجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمره باتخاذ السترة (قال: إنني أصلي وحدي. قال: إنك لا تدري من يمر أمامك).


فيكون مسافة ما بين قدم الرجل وما بين موضع السترة ثلاثة أذرع -في حدود متر وربع- أي: يكون بين موضع قدمك وبين موضع سجودك نحو ثلاثة أذرع، ويكون بين موضع سجودك والسترة مثل مؤْخِرة الرحل، وأنتم تعلمون أن الجمل عندما تحمل عليه العدة التي مثل (البردعة) الخاصة بالحمار، أليس هناك أربع خشبات: اثنتان في الخلف، واثنتان في المقدمة يعلق عليها أشياءه، الخشبة هذه طولها حوالي (20سم)، هذا هو مؤخرة الرحل، فيكون ما بين سجودك وما بين السترة حوالي (20سم) مثل مؤخرة الرحل، وما بين موضع قدمك وما بين السترة ثلاثة أذرع -التي هي تقريباً- مكان سجودك، يعني: مكان جسمك.


مقدار السترة في الصلاة

السؤال: ما هو مقدار السترة؟

الجواب: بالنسبة للسترة يكون شيئاً مرتفعاً عن الأرض، أما حديث الخط فهو ضعيف، والصواب أن السترة تكون شيئاً مرتفعاً أمامك، وفي بعض الأحاديث أن مقدارها مثل مؤخرة الرحل أيضاً، فتكون السترة مرتفعة بنحو حوالي (20سم) على الأرض، أو يكون شيئاً بارزاً على الأرض.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


4

وانت تقرأ هذا الموضوع استمع للرقية الشرعية تعمل 24 ساعة طوال اليوم لابطال السحر والعين والحسد والمس العاشق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

استمع للدروس العلمية في جميع اقسام الشريعة الاسلامية والمواعظ والقران الكريم

تصفح موقع اسلام ويب هذا الموقع مهم وشامل للكل مايبحث عنه طالب الشريعة والدراسات الإسلامية

موضيع المدونة

موقع روح الإسلام للتحميل الموسوعات الاسلامية

الإذاعة العامة للقران الكريم اذاعة متنوعة لمختلف القراء

تلاوات خاشعة من القران الكريم

استمع الى إذاعة الرقية الشرعية الاولى من القرآن الكريم ومن السنة النبوية

استمع الى راديو إذاعة آيات السكينة على موقع

استمع الى إذاعة الرقية الشرعية من القرآن الكريم تعمل 24 /24 ساعة

الرقية الشرعية لعلاج السحر والمس والعين للشيخ احمد العجمي

الرقية الشرعية للعلاج من السحر والمس والعين والحسد بصوت الشيخ ماهر المعيقلي

افضل مواضيع المدونة

افضل مواضيع هذا الشهر

افضل المواضيع هذا الاسبوع

جميع الحقوق محفوظه © شعبة الدراسات الاسلامية

تصميم htytemed