وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
ملخص : الرفع والتكميل في الجرح والتعديل : لمحمد عبد الحي اللكنوي
v أحكام تتعلق بالجرح و التعديل :
ü فيما ليس بغيبة :
إن غيبة الرجل حيا وميتا تباح لغرض شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهي ستة: يلحق بها ما يناظرها ويشابهها.
1- التظلم :فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
2- الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو منه إزالة المنكر فلان يفعل كذا فازجره .
3- الاستفتاء :فيقول للمفتي ظلمني أبي بكذا . فما سبيل الخلاص منه ؟
4- تحذير المؤمنين من الشر ونصيحتهم .مثل : المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أو معاملته أو غير ذلك. ومنه جرح الشهود عند القاضي وجرح رواة الحديث وهو جائز بالإجماع بل واجب للحاجة ، ومنه : ما إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فنصحه ببيان حاله . بشرط أن يقصد النصح ولا يحمله على ذلك الحسد والاحتقار.
5- أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته ، فيجوز ذكره بما يجاهر به دون غيره من العيوب .
6- التعريف : كأن يكون الرجل معروفا بوصف يدل على عيب ، كالأعمش والأعرج والأصم والأعور وغيرها .
ü في حدود الجرح الجائز :
لما كان الجرح أمرا صعبا ، حكموا بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة ولا الاكتفاء من النقاد على نقل الجرح فقط فيمن وجد فيه الجرح والتعديل كلاهما. ولا جرح من لا يحتاج إلى جرحه ومنعوا من جرح العلماء الذين لا يحتاج إليهم في رواية الأحاديث بلا ضرورة شرعية .
قال السخاوي: لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد .
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" : من تُكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من تبين ضعفه واتضح أمره ، إذ العمدة في زماننا ليس على الرواة ، بل على المحدثين والمفيدين ، والذين عُرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين. ثم من المعلوم أنه لابد من صون الراوي وستره ، فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاث مئة .
وقال السيوطي عند ذكر وجوه طعنه على معاصره السخاوي : قامت الأدلة في الكتاب والسنة على تحريم احتقار المسلمين والتشديد في غيبتهم بما هو صدق وحق ، فضلا عما يكذب فيه الجارح ويمين .
فإن قال: لابد من جرح الرواة والنقلة ، وذكر الفاسق والمجروح من الحملة . فالجواب :
أولا : أن كثيرا ممن جرحهم لا رواية لهم فالواجب فيهم شرعا أن يسكت عن جرحهم ويهمله.
ثانيا : أن الجرح إنما جوز في الصدر الأول ، حيث كان الحديث يؤخذ من صدور الأحبار ، لا من بطون الأسفار ، فاحتيج إليه ضرورة للذب عن الآثار ومعرفة المقبول والمردود من الأحاديث ، وأما الآن فالعمدة على الكتب المدونة .
غاية ما في الباب: أنهم شرطوا لمن يُذكر الآن في سلسلة الإسناد ، تصونه وثبوت سماعه بخط من يصلح عليه الإعتماد ، فإذا احتيج الآن إلى الكلام في ذلك ، اكتفي بأن يقال : غير مصون أو مستور ، وبيان أن في سماعه نوعا من التهور والتزور .
وقال الذهبي في ميزانه في ترجمة (أبان بن يزيد العطار) قد أورده أيضا العلامة ابن الجوزي في "الضعفاء" ولم يذكر فيه أقوال من وثقه وهذا من عيوب كتابه ، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق .
لكن بعضهم حين قصدهم بيان ضعف رواية ، ينقلون من كتب الجرح والتعديل الجرح دون التعديل ، فيوقعون العوام في المغلطة ، والواجب عليهم أن ينقلوا الجرح والتعديل كليهما ، ثم يرجحوا أحدهما .
ü شرط الجارح والمعدل :
يشترط في الجارح والمعدل: العلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب ومعرفة أسباب الجرح والتزكية .
قال التاج السبكي : من لا يكون عالما بأسبابهما -أي الجرح والتعديل- لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد .
وقال الذهبي: حق على المحدث أن يتورع فيما يؤديه ، وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ، ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن ، وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم ، مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى العلماء والإتقان ، فإن آنست من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا ، وإلا فلا تفعل ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب ، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك .
والحاصل أنه إذا علم بالقرائن المقالية أو الحالية أن الجارح طعن على أحد بسبب تعصب منه عليه ، لا يقبل منه ذلك الجرح ، وإن علم أنه ذو تعصب على جمع من الأكابر ، ارتفع الأمان عن جرحه وعد من أصحاب القرح .
ü ما يقبل من الجرح والتعديل ومالا يقبل منهما وتفصيل المفسَّر والمبهم فيهما
قد يكون التعديل وكذا الجرح مفسرا وقد يكون مبهما ، فالأول ما يذكر فيه المعدل أو الجارح السبب ،والثاني ما لا يبين السبب فيه ، واختلفوا في قبول الجرح المبهم والتعديل المبهم على أقوال :
الأول : أنه يقبل التعديل من غير ذكر سببه ، لأن أسبابه كثيرة فيثقل ذكرها ، وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبَيَّن سبب الجرح ، لأن الجرح يحصل بأمر واحد ، فلا يشق ذكره ، ولأن الناس مختلفون في أسباب الجرح ، فيطلق أحدهم الجرح بناء على ما اعتقده جرحا ، وليس بجرح في نفس الأمر، فلابد من بيان سببه ليظهر أهو قادح أم لا ، وأمثلته كثيرة :
فمنها: أنه أتى شعبةُ المنهالَ بن عمرو فسمع صوتا ، -أي صوت الطنبور- من بيته أو صوت القراءة بألحان، فتركه.
ومنها: أنه سئل الحكم بن عتيبة. لمَ لم ترو عن زاذان؟ قال كان كثير الكلام . ومنها: أنه رأى جرير سماكَ بن حرب يبول قائما فتركته . و من المعلوم أن هذا ليس بجرح موجب تركه .
القول الثاني: عكس القول الأول ، وهو أنه يجب بيان سبب العدالة ، ولا يجب بيان أسباب الجرح ، لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها ويجب بيانها بخلاف أسباب الجرح .
القول الثالث : أنه لابد من ذكر سبب الجرح والعدالة كليهما .
القول الرابع :عكسه ، وهو أنه : لا يجب بيان سبب كل منهما ، إذا كان الجارح والمعدل عارفا بصيرا بأسبابهما .
وقد اكتفى ابن الصلاح في مقدمته على القول الأول من هذه الأقوال ، وقال : ذكر الخطيب أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده ، مثل البخاري ومسلم ، ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح فيهم ، واحتج مسلم بجماعة اشتهر الطعن فيهم ، وهكذا فعل أبو داود السجستاني . وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فُسر سببه .
وقال الزين العراقي في "شرح ألفيته " :
القول الأول: هو الصحيح المشهور ، فأكثر الحفاظ على قبول التعديل بلا سبب ، و عدم قبول الجرح إلا بذكر السبب ، وهو مذهب عامة الفقهاء و المحدثين . فالتجريح لا يقبل ما لم يبين وجهه بخلاف التعديل فإنه يكفي فيه أن يقول عدل أو ثقة مثلا .
القول الثاني : حكاه الرازي وغيره ونقله إمام الحرمين في البرهان والغزالي .
القول الثالث : حكاه الخطيب والأصوليون .
القول الرابع : هو اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور ، فقال: قال الجمهور من أهل العلم : إذا جرح من لا يعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك ، ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن .
قال والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما ، كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار عنده المزكَّي عدلا .
واختاره الغزالي والرازي والخطيب وصححه أبو الفضل العراقي والبلقيني في محاسن الاصطلاح .
وهذا خلاف ما اختاره ابن الصلاح في كون الجرح المبهم لا يقبل . ولكن قد قال ابن جماعة أنه ليس قولا مستقلا بل هو تحقيق لمحل النزاع وتحرير له ، إذ من لا يكون عالما بالأسباب لا يقبل منه جرح ولا تعديل لا بالإطلاق ولا بالتقييد .
إن عدم قبول الجرح المبهم هو الصحيح النجيح ، وهو مذهب الحنفية وأكثر المحدثين منهم الشيخان وأصحاب السنن الأربعة وأنه مذهب الجمهور وهو القول المنصور .
= فائدة =
قال ابن الصلاح في "مقدمته" بعد أن صحح عدم قبول الجرح المبهم بإطلاقه :
لقائل أن يقول : إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل ، وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب ، بل يقتصرون على مجرد قولهم : فلان ضعيف ، وفلان ليس بشيء ونحو ذلك ، أو هذا حديث ضعيف ،أو حديث غير ثابت ونحو ذلك ، فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر .
وجوابه : أن ذلك -وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به- فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك ، بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيه ريبة قوية يوجب مثلها التوقف ، ثم من انزاحت عن الريبة بالبحث عن حاله قبلنا حديثه ولم نتوقف ، كالذين احتج بهم صاحبا "الصحيحين" وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم .
= تذنيب مفيد لكل لبيب =
اختار الحافظ ابن حجر في "نخبته وشرحه" : أن التجريح المجمل المبهم يقبل في حق من خلا عن التعديل ، لأنه لما خلا عن التعديل صار في حيز المجهول ، وإعمال قول المجرح أولى من إهماله في حق هذا المجهول وأما في حق من وُثق وعُدل فلا يقبل الجرح المجمل .
وهذا وإن كان مخالفا لما حققه ابن الصلاح وغيره من عدم قبول الجرح المبهم بإطلاقه ، لكنه تحقيق مستحسن وتدقيق حسن . ومن هاهنا علم أن المسألة مخمسة -فيها أقوال خمسة- .
ü تقديم الجرح على التعديل وغير ذلك من المسائل
..مسألة..:ذكر العراقي وغيره من شراح "الألفية" أنهم اختلفوا في الإكتفاء بتعديل الواحد وجرحه في باب الشهادة والرواية على أقوال :
الأول: أنه لا يقبل في التزكية إلا رجلان سواء التزكية للشهادة والرواية . وهو الذي حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم .
الثاني : الإكتفاء بواحد في الشهادة والرواية معا وهو اختيار القاضي أبي بكر لأن التزكية بمثابة الخبر.
الثالث: التفرقة بين الشهادة والرواية ، فيكتفى بالواحد في الرواية دون الشهادة ، ورجحه الإمام فخر الدين والسيف الآمدي ونقله عن الأكثرين ، ونقله أبو عمرو بن الحاجب أيضا عن الأكثرين .
قال ابن الصلاح : والصحيح الذي اختاره الخطيب وغيره: أنه يثبت في الرواية بواحد ، لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر ، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة .
..مسألة ..: تقبل تزكية كل عدل وجرحه ذكرا كان أو أنثى ،حرا كان أو عبدا ، صرح به العراقي في شرح ألفيته .
.. مسألة ..: إذا تعارض الجرح والتعديل في راو واحد ، فجرحه بعضهم وعدله بعضهم ، ففيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الجرح مقدم مطلقا ، ولو كان المعدلون أكثر . نقله الخطيب عن جمهور العلماء وصححه ابن الصلاح والإمام فخر الدين الرازي والآمدي وغيرهما من الأصوليين ، لأن مع الجارح زيادة علم لم يطّلع عليها المعدل ، ولأن الجارح مُصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله ، إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي عن المعدل .
وثانيها : إن كان عدد المعدلين أكثر: قدم التعديل ، فإن كثرة المعدلين تقوي حالهم وقلة الجارحين تضعف خبرهم ، قال الخطيب : وهذا خطأ ممن توهمه ، لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون ولو أخبروا بذلك لكانت شهادة باطلة على نفي .
وثالثها : أنه يتعارض الجرح والتعديل ، فلا يترجح أحدهما إلا بمرجح .
و قد زل قدم كثير بما تحقق عند المحققين أن الجرح مطلقا مقدم على التعديل مطلقا ، بل المسألة مقيدة بأن يكون الجرح مفسرا ، فإن الجرح المبهم غير مقبول مطلقا على المذهب الصحيح ، فلا يمكن أن يعارض التعديلَ وإن كان مبهما .
ويشهد له : قول السيوطي : إذا اجتمع فيه (أي في الراوي) جرح مفسر وتعديل ، فالجرح مقدم ولو زاد عدد المعدل ، هذا هو الأصح عند الفقهاء والأصوليين .
وقول الحافظ ابن حجر : الجرح مقدم على التعديل ، لكن محله التفصيل ، وهو أنه إن صدر مبيَّنا من عارف بأسبابه ، لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته ، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضا ، فإن خلا عن التعديل قُبل مجملا غير مبيَّن السبب .
وقول السخاوي : ينبغي تقييد الحكم بتقديم الجرح على التعديل بما إذا فُسِّرا ، أما إذا تعارضا من غير تفسير فإنه يقدم التعديل .
وقول ابن حجر : إذا اختلف العلماء في جرح رجل وتعديله فالصواب التفصيل ، فإن كان الجرح مفسرا قُبل ، وإلا عُمل بالتعديل، فأما من جُهل ولم يُعلم فيه سوى قول إمام من أئمة الحديث إنه ضعيف أو متروك ونحو ذلك. فإن القول قوله ولا نطالبه بتفسير ذلك. فوجه قولهم : إن الجرح لا يقبل إلا مفسرا هو فيمن اختلف في توثيقه وتجريحه .
فالحاصل : أن الذي دلّت عليه كلمات الثقات ، وشهدت به جُمل الأثبات : هو أنه إن وُجد في شأن راو تعديل وجرح مبهمان : قُدم التعديل وكذا إن وُجد الجرح مبهما والتعديل مفسرا قُدم التعديل ، وتقديم الجرح إنما هو إذا كان مفسرا سواء كان التعديل مبهما أو مفسرا .
= فائدة =
قد يقدم التعديل على الجرح المفسر أيضا لوجوه عارضة تقتضي ذلك . ولهذا لم يقبل جرح بعضهم في الإمام أبي حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان وصاحبيه محمد وأبي يوسف وغيرهم من أهل الكوفة ، بأنهم كانوا من المرجئة. ولم يقبل جرح النسائي في أبي حنيفة ، وهو ممن له تعنت وتشدد في جرح الرجال. ولم يقبل جرح الخطيب البغدادي فيه وفي متبعيه بعد قول ابن حجر نقلا عن ابن عبد البر : الذين رووا عن أبي حنيفة ووثقوه وأثنوا عليه ، أكثر من الذين تكلموا فيه ، والذين تكلموا فيه من أهل الحديث أكثر ما عابوا عليه الإغراق في الرأي والقياس و ذلك ليس بعيب .
v ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبهما ودرجات ألفاظهما
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" : ولم أتعرض لذكر من قيل فيه : محلُّه الصدق ، ولا من قيل فيه : لا بأس به ، ولا من قيل : هو صالح الحديث ، أو يكتب حديثه ، أو هو شيخ ، فإن هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق .
فأعلى العبارات في الرواة المقبولين :
-1 ثبت حجة ، وثبت حافظ ، وثقة متقن ، وثقة ثقة . -2 ثم : ثقة .
-3 ثم : صدوق ولا بأس به وليس به بأس .
4- ثم : محله الصدق، وجيد الحديث، وصالح الحديث ،وشيخ وسط ، وشيخ حسن الحديث ، وصدوق إن شاء الله ، وصويلح ونحو ذلك .
وأردأ عبارات الجرح :
1- دجال ،كذاب ، أو وضاع ، يضع الحديث 2- ثم : متهم بالكذب ومتفق على تركه .
-3 ثم : متروك ، وليس بثقة ، وسكتوا عنه ، وذاهب الحديث ، وفيه نظر ، وهالك ، وساقط .
-4 ثم : واه بمرة ، وليس بشيء ، وضعيف جدا ، وضعفوه ، وضعيف وواه ، ونحو ذلك .
5- ثم : يُضعف ، وفيه ضعف ، وقد ضُعف ، ليس بالقوي ، ليس بحجة ، ليس بذاك، يعرف وينكر ، فيه مقال ، تكلم فيه، ليِّن ، سيء الحفظ ، لا يحتج به ، اختلف فيه ، صدوق لكنه مبتدع ، ونحو ذلك من العبارات التي تدل على اطراح الراوي بالأصالة ، أو على ضعفه ، أو على التوقف فيه ، أو على عدم جواز أن يحتج به . انتهى
وفي "شرح الألفية" للعراقي : مراتب التعديل على أربع أو خمس طبقات :
فالمرتبة الأولى : العليا من ألفاظ التعديل (ولم يذكرها ابن أبي حاتم ولا ابن الصلاح) هي إذا كرر لفظ التوثيق ، إما مع تباين اللفظين كقولهم : ثبت حجة ، أو ثبت حافظ ، أو ثقة ثبت ، أو ثقة متقن ، أو نحو ذلك . وإما مع إعادة اللفظ الأول كقولهم : ثقة ثقة ، ونحوها .
المرتبة الثانية : هي التي جعلها ابن أبي حاتم (وتبعه ابن الصلاح) المرتبة الأولى .
قال ابن أبي حاتم : وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل عل مراتب شتى ، فإذا قيل للواحد : إنه ثقه أو متقن فهو ممن يحتج بحديثه . قال ابن الصلاح : وكذا إذا قيل في العدل إنه ضابط أو حافظ . وقال الخطيب أرفع العبارات أن يقال حجة أو ثقة .
المرتبة الثالثة : قولهم : ليس به بأس ، أو لا بأس به ، أو صدوق أو مأمون . وجعل ابن أبي حاتم وابن الصلاح هذه ثانية وأدخلا فيها قولهم : محلُّه الصدق .
المرتبة الرابعة : قولهم : محله الصدق ، أو رووا عنه ، أو إلى الصدق ما هو ، أو شيخ وسط ، أو وسط ، أو شيخ ، أو صالح الحديث ، أو مقارب الحديث ، أو جيد الحديث ، أو حسن الحديث ، أو صويلح ، أو صدوق إن شاء الله ، أو أرجو أنه ليس به بأس .
واقتصر ابن أبي حاتم في الثالثة على قولهم : شيخ . وقال : هو بالمنزلة التي قبلها يكتب حديثه وينظر فيه ، إلا أنه دونها ، واقتصر في الرابعة على قولهم : صالح الحديث .
ثم ذكر ابن الصلاح من ألفاظهم على غير ترتيب قولهم : فلان روى عنه الناس ، فلان وسط ، فلان مقارب الحديث ، فلان ما أعلم به بأسا . قال وهو دون قولهم : لا بأس به . انتهى
وفي "شرح الألفية" أيضا: مراتب ألفاظ التجريح على خمس مراتب - وجعلها ابن أبي حاتم وتبعه ابن الصلاح أربع مراتب - :
المرتبة الأولى : وهي أسوؤها ، أن يقال : فلان كذاب ، أو يكذب ، أو يضع الحديث، أو وضاع ، أو وضع حديثا ، أو دجال . وأدخل ابن أبي حاتم والخطيب بعض ألفاظ المرتبة الثانية في هذه ، قال ابن أبي حاتم : إذا قالوا متروك الحديث، أو ذاهب الحديث ، أو كذاب ، فهو ساقط لا يكتب حديثه .
المرتبة الثانية : فلان متهم بالكذب ، أو الوضع ، وفلان ساقط ، وفلان هالك ، وفلان ذاهب ،أو ذاهب الحديث ، أو متروك ، أو متروك الحديث ، أو تركوه ، أو فيه نظر ، أو سكتوا عنه ، فلان لا يعتبر به ، أو لا يعتبر بحديثه ، أو ليس بالثقة ، أو ليس بثقة ولا مأمون ، ونحو ذلك .
المرتبة الثالثة : فلان رُد حديثه ، أو رَدوا حديثه ، أو مردود الحديث، وفلان ضعيف جدا ، وواهِ بمرة ، وطرحوا حديثه، أو مُطَّرح، أو مطَّرح الحديث، وفلان ارم به ، وليس بشيء ، أو لا شيء، وفلان لا يساوي شيئا، ونحو ذلك.
وكل من قيل فيه ذلك من هذه المراتب الثلاث ، لا يحتج به ولا يستشهد به ولا يعتبر به .
المرتبة الرابعة : فلان ضعيف ، منكر الحديث ، أو حديثه منكر ، أو مضطرب الحديث ، وفلان واه ، وضعَّفوه ، وفلان لا يحتج به .
المرتبة الخامسة : فلان فيه مقال ، فلان ضُعف ، أو فيه ضعف ، أو في حديثه ضعف ، وفلان يعرف وينكر ، وليس بذاك ، أو بذاك القوي ، وليس بالمتين ، وليس بالقوي ، وليس بحجة ، وليس بعمدة ، وليس بالمرضي ، وفلان للضعف ما هو، وفيه خُلف، وطعنوا فيه ، ومطعون، وسيء الحفظ، وليِّن ، أو ليِّن الحديث، أو فيه ليْن ، وتكلموا فيه .
وكل من ذُكر من بعد قولي (لا يساوي شيئا) فإنه يخرج حديثه للإعتبار . انتهى
وذكر السخاوي في "شرح الألفية" والسندي في "شرح النخبة" في هذا المقام تفصيلا حسنا ، وجعلا لكل من ألفاظ الجرح والتزكية ست مراتب ، وبيناها بيانا مستحسنا :
1- أرفععها عند المحدثين الوصف بما دل على المبالغة ، أو عُبر عنه بأفعل كأوثق الناس وأضبط الناس ، وإليه المنتهى في التثبت ، ويلحق به : لا أعرف له نظيرا في الدنيا .
2- ثم ما يليه ،كقولهم : فلان لا يُسأل عنه .
3- ثم : ما تأكد بصفة من الصفات الدالة على التوثيق ، كثقة ثقة ، وثبت ثبت، وأكثر ما وُجد فيه قول ابن عيينة : حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة ثقة... إلى أن قاله تسع مرات . ومن هذه المرتبة قول ابن سعد في شعبة : ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث .
4- ما انفرد فيه بصيغة دالة على التوثيق كثقة ، أو ثبت ، أو كأنه مصحف ، أو حجة ، أو إمام أو ضابط أو حافظ . والحجة أقوى من الثقة .
5- ثم : قولهم ليس به بأس ، أو لا بأس به ، عند غير ابن معين على ما سيأتي ذكر اصطلاحه ، أو صدوق ، أو مأمون ، أو خيار الخلق .
6- ثم: ما أشعر بالقرب من التجريح ، وهو أدنى المراتب كقولهم : ليس ببعيد من الصواب ، أو شيخ، أو يروي حديثه ، أو يعتبر به ، أو صالح الحديث، أو يكتب حديثه ، أو مقارب الحديث ، أو صويلح، أو صدوق إن شاء الله ، وأرجو أن لا بأس به ، ونحو ذلك . هذه مراتب التعديل .
وأما مراتب الجرح فست :
الأولى منها : ما يدل على المبالغة ، كأكذب الناس ، أو إليه المنتهى في الكذب ، أو هو ركن الكذب، أو منبعه ، أو معدنه ، ونحو ذلك .
الثانية : ما هو دون ذلك ، كالدجال ، والكذاب ، والوضاع ،.فإنها وإن اشتملت على المبالغة ، لكنها دون الأولى ، وكذا : يضع أو يكذب .
الثالثة : ما يليها، كقولهم : فلان يسرق الحديث ، وفلان متهم بالكذب ، أو الوضع ، أو ساقط ، أو متروك ، أو هالك ، أو ذاهب الحديث ، أو تركوه ، أو لا يعتبر به ، أو بحديثه ، أو ليس بالثقة ، أو غير ثقة .
الرابعة : ما يليها ، كقولهم : فلان رُد حديثه ، أو مردود الحديث ، أو ضعيف جدا ، أو واه بمرة ، أو طرحوه ، أو مطروح الحديث ، أو مطروح ، أو لا يكتب حديثه ، أو لا تحل كتابة حديثه ، أو لا تحل الرواية عنه ، وليس بشيء ، أو لا شيء ، خلافا لابن معين .
الخامسة : ما دونها ، وهي : فلان لا يحتج به ، أو ضعفوه ، أو مضطرب الحديث ، أو له ما ينكر ، أو له مناكير ، أو منكر الحديث ، أو ضعيف .
السادسة : وهي أسهلها ، قولهم : فيه مقال ، أو أدنى مقال ، أو ضُعف ، أو ينكر مرة ويُعرف أخرى ، أو ليس بذاك ، أو ليس بالقوي ، أو ليس بالمتين ، أو ليس بحجة ، أو ليس بعمدة ، أو ليس بمأمون ، أو ليس بثقة ، أو ليس بالمرضي ، أو ليس يحمدونه ، أو ليس بالحافظ ، أو غيره أوثق منه ، أو فيه شيء ، أو فيه جهالة ، أو لا أدري ما هو ، أو ضعفوه ، أو فيه ضعف ، أو سيء الحفظ ، أو لين الحديث ، أو فيه ليْن ، عند غير الدارقطني ، فإنه قال : إذا قلت : ليِّن ، لا يكون ساقطا متروك الإعتبار ، ولكن مجروحا بشيء لا يسقط به عن العدالة .
ومنه قولهم : تكلموا فيه ، أو سكتوا عنه ، أو فيه نظر ، عند غير البخاري فإنه سيجيء اصطلاحه .
v فوائد متفرقة متعلقة بالمباحث المتقدمة :
المفارقة بين قولهم : حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ، وقولهم حديث صحيح أو حسن
قولهم : هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ، دون قولهم هذا حديث صحيح أو حسن ، لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح الحديث ، لكونه شاذا أو معللا .
غير أن المصنِّف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله : صحيح الإسناد ولم يذكر له علة قادحة، ولم يقدح فيه ، فالظاهر منه الحكم بأنه صحيح في نفسه، لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر، كذا ذكره ابن الصلاح .
وقال الزين العراقي في شرح ألفيته : وكذلك إن اقتصر من قوله : حسن الاسناد ولم يعقبه بضعف ، فهو أيضا محكوم له بالحسن .
مدى الحكم على الحديث بالصحة أو الحسن أو الضعف :
حيث قال أهل الحديث : هذا حديث صحيح أو حسن ، فمرداهم فيما ظهر لنا ، عملا بظاهر الإسناد لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة .
وكذا قولهم : هذا حديث ضعيف ، فمرداهم أنه لم تظهر لنا فيه شروط الصحة ، لا أنه كذب في نفس الأمر ، لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ . هذا هو القول الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم ، كذا في "شرح الألفية" للعراقي وغيره .
نفي الصحة والثبوت لا يلزم منه الحكم بالضعف أو الوضع :
كثيرا ما يقولون : لا يصح ، ولا يثبت هذا الحديث . ويَظن منه من لا علم له أنه موضوع أو ضعيف ، وهو مبني على جهله بمصطلحاتهم ، وعدم وقوفه على مصرحاتهم ، فقد قال علي القاري في "تذكرة الموضوعات" : لا يلزم من عدم الثبوت وجود الوضع . وقال في موضع آخر: لا يلزم من عدم صحته وضعه .
وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار : ثبت عن أحمد بن حنبل أنه قال: لا أعلم في التسمية (أي في الوضوء ) حديثا ثابتا . قلت : لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم ، وعلى التنزل : لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف ، لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة ، فلا ينتفي الحسن ، وعلى التنزل : لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه عن المجموع . انتهى
وقال الزركشي في نكته على ابن صلاح : بين قولنا موضوع ، وبين قولنا لا يصح ، بَون كثير ، فإن الأول إثبات الكذب والاختلاق ، والثاني إخبار عن عدم الثبوت ، ولا يلزم منه إثبات العدم .. وقال أيضا لا يلزم منه أن يكون موضوعا ، فإن الثابت يشمل الصحيح ، والضعيفُ دونه .
وقال محمد بن عبد الباقي الزرقاني عند ذكر حديث (يطَّلع الله ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مُشاحن ) ونقلِ القسطلاني عن ابن رجب أن ابن حبان صححه : فيه رد على قول ابن دحية : لم يصح في ليلة نصف شعبان شيء ، إلا أن يريد نفي الصحة الاصطلاحية ، فإن حديث معاذ هذا حسن لا صحيح .
الفرق بين قولهم : حديث منكر ومنكر الحديث ، ويروي المناكير :
لا تظنن من قولهم: هذا حديث منكر أن راويه غير ثقة ، فكثيرا ما يطلقون النكارة على مجرد التفرد . وإن اصطلح المتأخرون على أن المنكر هو: الحديث الذي رواه ضعيف مخالفا لثقة . وأما إذا خالف الثقة غيره من الثقات فهو شاذ
وكذا لا تظنن من قولهم : فلان روى المناكير ، أو حديثه هذا منكر ، ونحو ذلك : أنه ضعيف .
قال الزين العراقي : كثيرا ما يطلقون المنكر على الراوي لكونه روى حديثا واحدا.
وقال السخاوي : وقد يطلق ذلك على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء . قال الحاكم : قلت للدارقطني : فسليمان ابن بنت شرحبيل ؟ قال : ثقة . قلت : أليس عنده مناكير ؟ قال : يحدث بها عن قوم ضعفاء ، أما هو فثقة.
وقال الذهبي: قولهم : منكر الحديث ، لا يعنون به أن كل ما رواه منكر ، بل إذا روى الرجل جملة ، وبعض ذلك مناكير ، فهو منكر الحديث . وقال أيضا : ما كل من روى المناكير يضعف .
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" : المُنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له . وقال أيضا : أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة .
وقال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" قولهم : روى مناكير لا يقتضي بمجرده تركَ روايته حتى تكثر المناكير في روايته ، و ينتهي إلى أن يقال فيه : مُنكر الحديث ، لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه ، و العبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة ، كيف و قد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي : يروي أحاديث منكرة . و هو ممن اتفق عليه الشيخان ، و إليه المرجع في حديث (إنما الأعمال بالنيات ) .
وقال الشيخ قائم بن صالح السندي بعد ذكر تعريف الشاذ والمنكر : فإذا أحطت علما بهذا ، علمت أن قول من قال في أحد : هو (منكر الحدبث) جرح مجرد ، إذ حاصله أنه ضعيف خالف الثقات . ولا ريب أن قولهم : هذا ضعيف ، جرح مجرَّد . فيمكن أن يكون ضَعفه عند الجارح بما لا يراه المجتهد العامل بروايته جرحا .
فإن قيل : إن الإنكار جرح مفسَّر ، كما صرح به الحفاظ ، أجيب بأن معنى منكر الحديث ضعيف خالف الثقة ، والأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة ، منها ما يقدح ومنها لا يقدح ، فربما ضُعِّف بشيء لا يراه الآخر جرحا . ومع قطع النظر عن هذا التحقيق ، لا تضر النكارة إلا عند كثرة المخالفة للثقات . انتهى
وقال السيوطي : وقع في عبارتهم : أنكَرُ ما رواه فلان : كذا ، وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفا . قال ابن عدي : أنكَرُ ما روى بريد بن عبدالله بن أبي بردة : (إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها ) . قال : وهذا طريق حسن ، رواته ثقات وقد أدخله قوم في صحاحهم .
وقال الذهبي في "ميزانه" : أن البخاري قال : كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه .
فيجب عليك : أن تثبت وتفهم أن المنكر إذا أطلقه البخاري على الراوي فهو ممن لا تحل الرواية عنه . وأما إذا أطلقه أحمد ومن يحذو حذوه فلا يلزم أن يكون الراوي ممن لا يحتج به .
وأن تفرق بين (روى المناكير ، أو يروي المناكير ، أو في حديثه نكارة) ونحو ذلك. وبين قولهم : (منكر الحديث) ونحو ذلك. بأن العبارات الأولى لا تقدح الراوي قدحا يعتد به ، والأخرى تجرحه جرحا معتدا به.
وألا تبادر بحُكم ضَعف الراوي بوجود (أنكرُ ما روى) ، في حق روايته في "الكامل" و"الميزان" ونحوهما ، فإنهم يطلقون هذا اللفظ على الحديث الحسن والصحيح أيضا بمجرد تفرد راويهما .
وأن تفرق بين قول القدماء : هذا حديث منكر ، وبين قول المتأخرين : هذا حديث منكر ، فإن القدماء كثيرا ما يطلقونه على مجرد ما تفرد به راويه وإن كان من الأثبات . والمتأخرون يطلقونه على رواية راو ضعيف خالف الثقات .
بيان مراد ابن معين من قوله في الراوي : ليس بشيء :
كثيرا ما تجد في "ميزان الاعتدال" وغيره ، في حق الرواة - نقلا عن يحيى بن معين - : (إنه ليس بشيء) ، فلا تغتر به ، ولا تظنن أن ذلك الراوي مجروح بجرح قوي . فقد قال الحافظ ابن حجر: ذكر ابن القطان الفاسي أن مرادَ ابن معين من قوله (ليس بشيء ) يعني أن أحاديثه قليلة .
بيان مراد ابن معين من قوله في الراوي : لا بأس به ، أو ليس به بأس :
كثيرا ما تجد في "الميزان" وغيره ، نقلا عن ابن معين في حق الرواة : (لا بأس به) . فلعلك تظن منه أنه أدونُ من ثقة . كما هو مقرر عند المتأخرين . وليس كذلك ، فإنه عنده كثقة . قال ابن معين : إذا قلت (لا بأس به) فهو ثقة . وهذا خبر عن نفسه .
وفي مقدمة ابن الصلاح قال ابن أبي خيثمة : قلت ليحيى بن معين إنك تقول: فلان ليس به بأس ، وفلان ضعيف ، قال : إذا قلت لك : (ليس به بأس) فثقة ، وإذا قلت لك : (ضعيف) فهو ليس بثقة ، لا تكتب حديثه .
وفي "فتح المغيث" ونحوه : قول أبي زرعة الدمشقي : قلت لعبد الرحمن بن ابراهيم دُحيم ، ما تقول في علي بن حوشب الفزاري ؟ قال : لا بأس به ، قال : فقلت ولم لا تقول : إنه ثقة ولا تعلم إلا خيرا . قال : قد قلت لك إنه ثقة.
بيان مراد أحمد من قوله في الراوي : هو كذا وكذا :
قال الذهبي في "ميزانه" : قال عبدالله بن أحمد : سألت أبي عن يونس بن أبي اسحاق؟ قال : كذا وكذا . قلت : هذه العبارة يستعملها عبدالله بن أحمد كثيرا فيما يجيبه به والده ، وهي بالإستقراء كناية عمن فيه لين .
بيان مراد ابن معين من قوله في الراوي : يكتب حديثه :
معنى قول ابن معين في حق الرواة (يكتب حديثه )أنه من جملة الضعفاء .
بيان خطة الذهبي في الميزان إذ يقول في الراوي : مجهول :
قال الذهبي في "ميزانه" : اعلم أن كل من أقول فيه : (مجهول) ولا أسنده إلى قائله ، فإن ذلك هو قول أبي حاتم . وسيأتي من ذلك شيء كثير فاعلمه .
فإن عزوته إلى قائله كابن المديني وابن معين ، فذلك بيِّن ظاهر .
وإن قلت : فيه جهالة ، أو نكرة ، أو يجهل ، أو لا يعرف ، وأمثال ذلك ، ولم أعزه إلى قائل فهو من قبلي . وكما إذا قلت ثقة ، أو صدوق ، أو صالح ، أو لين ، أو نحوه ، ولم أضفه إلى قائل فهو من قولي واجتهادي .
وقال أيضا: لا أذكر في كتابي هذا كل ما يُعرف، بل ذكرت منه خلقا، واستوعبت من قال فيه أبو حاتم: (مجهول).
بيان الفرق بين قول أكثر المحدثين وقول أبي حاتم في الراوي : "مجهول"
فرق بين قول أكثر المحدثين في حق الراوي : (إنه مجهول) ، وبين قول أبي حاتم (إنه مجهول) فإنهم يريدون به غالبا جهالة العين ، بألا يروي عنه إلا واحد ، وأبو حاتم يريد به جهالة الوصف . ثم إن جهالة العين ترتفع برواية اثنين عنه دون جهالة الوصف . هذا عند الأكثر ، وعند الدارقطني جهالة الوصف أيضا ترتفع بها .
قال الخطيب البغدادي في "الكفاية ": المجهول عند أهل الحديث، هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه . ولا عرفه العلماء به ، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد ، وروينا عن محمد بن يحيى الذهلي قال : إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة .
وقال أيضا : أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عنه اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم ، إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه .
وقال السخاوي في "فتح المغيث" : قال الدارقطني : من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته .
وقال ابن عبد البر : من روى عنه ثلاثة -وقيل اثنان- : ليس بمجهول .
وقال تقي الدين السبكي : أما قول أبي حاتم الرازي في موسى بن هلال : إنه مجهول ، فلا يضره ، فإنه إما أن يريد به جهالة العين أو جهالة الوصف .
فإن أراد جهالة العين -وهو غالب اصطلاح أهل الشأن في هذا الإطلاق- فذلك مرتفع عنه، لأنه روى عنه جماعة ، وبرواية اثنين تنتفي جهالة العين فكيف برواية سبعة ؟ وإن أراد جهالة الوصف فرواية أحمد عنه ترفع من شأنه ، لا سيما مع ما قاله ابن عدي فيه .
وفي "فتح المغيث" : على أن قول أبي حاتم في الرجل : إنه مجهول ، لا يريد به أنه لم يروي عنه سوى واحد ، بدليل أنه قال في (داود ابن يزيد الثقفي) إنه مجهول ، مع أنه قد روى عنه جماعة ، ولذا قال الذهبي عقبه : هذا القول يوضح لك أن الرجل قد يكون مجهولا عند أبي حاتم ولو روى عنه جماعة ثقات. يعني أنه مجهول الحال .
مدى قبول قول أبي حاتم في الراوي : مجهول :
لا تغتر بقول أبي حاتم في كثير من الرواة : (إنه مجهول) ما لم يوافقه غيره من النقاد العدول ، فإن الأمان من جرحه بهذا مرتفع عندهم ، فكثيرا ما ردوه عليه بأنه جهَّل من هو معروف عندهم ، فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" : الحكم بن عبد الله البصري ، قال ابن أبي حاتم عن أبيه : مجهول . قلت : ليس بمجهول من روى عنه أربع ثقات ووثقه الذُّهلي .
وقال السيوطي في "تدريب الراوي" : جهَّل جماعة من الحفاظ قوما من الرواة لعدم علمهم بهم ، وهم قوم معروفون بالعدالة عند غيرهم ، وأنا أسرد ما في "الصحيحين" من ذلك :
1- أحمد بن عاصم البلخي . جهله أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان ، وقال : روى عنه أهل بلده .
2- ابراهيم بن عبد الرحمن المخزومي . جهله ابن القطان ، وعرفه غيره ، فوثقه ابن حبان .
3- أسامة بن حفص المديني.جهله أبو القاسم اللالكائي، وقال الذهبي: ليس بمجهول روى عنه أربعة .
4- أسباط أبو اليسع . جهله أبو حاتم ، وعرفه البخاري .
5- بيان بن عمرو. جهله أبو حاتم ، ووثقه ابن المديني وابن حبان وابن عدي ، وروى عنه البخاري وأبو زرعة وعبيد الله بن واصل .
6- الحسين بن الحسن بن يسار . جهله أبو حاتم ، ووثقه أحمد وغيره .
7- الحكم بن عبدالله البصري . جهله أبو حاتم ، ووثقه الذهلي ، وروى عنه أربع ثقات .
8- عباس القنطري . جهله أبو حاتم ، ووثقه أحمد وابنه .
9- محمد بن الحكم المروزي . جهله أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان .
بيان مدلول قول ابن القطان في الراوي : لا يعرف له حال ، أو: لم تثبت عدالته
كثيرا ما تطّلع في "ميزان الاعتدال" نقلا عن ابن القطان في حق بعض الرواة: لا يعرف له حال، أو لم تثبت عدالته . والمراد به أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالملك الفاسي، والمشهور بابن القطان المتوفى سنة ثمان وعشرين وست مئة ، مؤلف كتاب "الوهم والايهام" .
فلعلك تظن منه أن ذلك الراوي مجهول أو غير ثقة، وليس كذلك. فإن لابن القطان في إطلاق هذه الألفاظ اصطلاحا لم يوافقه غيره، فقد قال الذهبي في "ميزانه" في ترجمة (حفص بن بُغيل): قال ابن القطان: لا يعرف له حال.
قلت : لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا ، لأن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمامٌ عاصر ذلك الرجل أو أخذ عمن عاصره : ما يدل على عدالته . وفي "الصحيحين" من هذا النمط كثيرون ، ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل.
وقال أيضا في ترجمة (مالك المصري) : قال ابن القطان : هو ممن لم تثبت عدالته . يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة ، وفي رواة "الصحيحين" عدد كثير ما علمنا أن أحدا وثقهم . والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ، ولم يأتِ بما ينكر عليه : أن حديثه صحيح..
مدلول قولهم في الراوي: تركه يحيى القطان
ذكر في "الميزان" و"تهذيب التهذيب" وغيرهما من كتب أسماء الرجال ، في حق كثير من الرواة : (تركه يحيى القطان) فاعرف أن مجرد تركه لا يخرج الراوي من حيز الاحتجاج به مطلقا .
والذي يدل عليه قول الترمذي : قال علي بن المديني : لم يرو يحيى عن شريك ، ولا عن أبي بكر بن عياش ، ولا عن الربيع بن صبيح ، ولا عن المبارك بن فضالة . قال أبو عيسى أي الترمذي : وإن كان يحيى ترك الرواية عن هؤلاء ، فلم يترك الرواية عنهم لأنه اتهمهم بالكذب ، ولكنه تركهم لحال حفظهم .
وذكر عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان إذا رأى الرجل يحدث عن حفظه مرة هكذا ، ومرة هكذا ، ولا يثبت على رواية واحدة ، تركه .
مدلول قولهم في الراوي : ليس مثل فلان
كقول أحمد في( عبد الله بن عمر العمري ) : إنه ليس مثل أخيه، أو إن غيره أحب إلي ، ونحو ذلك . وهذا كله ليس بجرح . قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": حكى العقيلي في "الضعفاء" أن الإمام أحمد قال : ابن أبي عدي أحب إلي من أزهر. قلت : هذا ليس بجرح يوجب إدخاله في الضعفاء.
توجيه صدور الجرح والتعديل من الناقد الواحد في الراوي نفسه
كثيرا ما تجد الإختلاف عند ابن معين وغيره من أئمة النقد في حق راو. وهو قد يكون لتغير الاجتهاد ، وقد يكون لاختلاف كيفية السؤال .
قال الحافظ ابن حجر: وقد وثقه -أي أبا بلج- يحيى بن معين ، والنسائي ، ومحمد بن سعد ، والدارقطني ، ونقل ابن الجوزي عن ابن معين أنه ضعفه ، فإن ثبت ذلك يكون سئل عنه وعمن فوقه ، فضعفه بالنسبة إليه . وهذه قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه . نبه عليها أبو الوليد الباجي في كتابه "رجال البخاري".
وقال السخاوي: مما ينبَّه عليه أنه ينبغي أن تتأمل أقوال المزكين ومخارجها، فيقولون: فلان ثقة أو ضعيف، ولا يريدون به أنه ممن يحتج بحديثه ، ولا ممن يرد . وإنما ذلك بالنسبة لمن قرن معه على وفق ما وجه إلى القائل من السؤال ، وأمثلة ذلك كثيرة لا نطيل بها .
منها: ما قال عثمان الدَّارمي : سألت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، كيف حديثهما ؟ فقال : ليس به بأس . فقلت هو أحب إليك أو سعيد المقبُري ؟ قال : سعيد أوثق ، والعلاء ضعيف.
فهذا لم يرد به ابن معين أن العلاء ضعيف مطلقا، بدليل أنه قال : لا بأس به ، وإنما أراد أنه ضعيف بالنسبة لسعيد المقبُري . وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من الاختلاف في كلام أئمة الجرح والتعديل ، ممن وثق رجلا في وقت وجرحه في وقت. فينبغي لهذا حكاية أقوال أهل الجرح والتعديل ، ليتبين ما لعله خفي على كثير من الناس ، وقد يكون الاختلاف للتغير في الاجتهاد.
v لزوم التروي والنظر في قبول جرحهم للراوي:
يجب عليك أن لاتبادر إلى الحكم بجرح الراوي بوجود حكمه من بعض أهل الجرح والتعديل ، بل يلزم عليك أن تنقح الأمر فيه ، فإن الأمر ذو خطر وتهويل ، ولا يحل لك أن تأخذ بقول كل جارح في أي راو كان ، وإن كان ذلك الجارح من الأئمة ، أو من مشهوري علماء الأمة ، فكثيرا ما يوجد أمر يكون مانعا من قبول جرحه ، وحينئذ يحكم برد جرحه ، وله صور كثيرة لا تخفى على مهرة كتب الشريعة .
فمنها: أن يكون الجارح في نفسه مجروحا ، فحينئذ لا يبادر إلى قبول جرحه ، وكذا تعديله ما لم يوافقه غيره . وهذا كما قال الذهبي في "ميزانه " في ترجمة (أبان بن إسحاق المدني) بعد ما نقل عن أبي الفتح الأزدي : متروك . قلت : لا يترك ، فقد وثقه أحمد العجلي ، وأبو الفتح يسرف في الجرح . وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين ، جمع فأوعى ، وجرح خلقا بنفسه ، لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم ، وهو متكلَّم فيه .
وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" في ترجمة (أحمد بن شبيب الحبطي البصري) بعدما نقل عن الأزدي فيه : غير مرضي : قلت : لم يلتفت أحد إلى هذا القول ، بل الأزدي غير مرضي.
ومنها: أن يكون الجارح من المتعنتين المشددين ، فإن هناك جمعا من أئمة الجرح والتعديل لهم تشدد في هذا الباب ، فيجرحون الراوي بأدنى جرح ، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أولي الألباب. فمثل هذا الجارح توثيقه معتبر ، وجرحه لا يعتبر إلا إذا وافقه غيره ممن ينصف ويعتبر .
فمنهم : أبو حاتم ، والنسائي ، وابن معين ، وابن القطان ، ويحيى القطان ، وابن حبان ، وغيرهم . فإنهم معروفون بالإسراف في الجرح والتعنت فيه .
وقال ابن حجر في ترجمة الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور : حديث الحارث في السنن الأربعة ، والنسائي مع تعنته في الرجال فقد احتج به وقوّى أمره ..
وقال الذهبي في "ميزانه" في (ترجمة عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي) : وأما ابن حبان فإنه تقعقع كعادته فقال فيه : يروي عن الضعفاء أشياء ويدلسها عن الثقات ، حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها ، فلما كثر ذلك في أخباره ، أُلزقت به تلك الموضوعات ، وحمل الناس عليه في الجرح ، فلا يجوز عندي الاحتجاج برواياته بحال..
وقال ابن حجر : ابن حبان ربما جرح ثقة ، حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه .
وقال التقي السبكي في"شفاء السقام" : وأما قول ابن حبان في النعمان : إنه يأتي عن الثقات بالطامات ، فهو مثل قول الدارقطني ، إلا أنه بالغ في الإنكار.
وقال الذهبي في ترجمة ابن القطان الذي أكثر عنه النقل في "ميزانه" بعد ما حكى مدحه : قلت : طالعت كتابه المسمى بالوهم والإيهام الذي وضعه على "الأحكام الكبرى" لعبد الحق ، يدل على حفظه وقوة فهمه ، لكنه تعنت في أحوال الرجال فما أنصف ، بحيث إنه أخذ يلين هشام ابن عروة ونحوه .
وقال الذهبي في "ميزانه" في ترجمة (هشام بن عروة) بعد ذكر توثيقه : لا عبرة بما قاله أبو الحسن ابن القطان من أنه وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيرا . نعَم الرجل تغير قليلا ولم يبق حفظه كهو في حال الشباب ، فنسي بعض محفوظه أو وهم فكان ماذا ؟ أهو معصوم من النسيان ؟. ولما قدم العراق في آخر عمره حدَّث بجملة كثيرة من العلم ، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها ، ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع والكبار الثقات ...
وقال السخاوي في فتح المغيث : قسَّم الذهبي من تكلم في الرجال أقساما :
فقسم تكلموا في سائر الرواة كابن معين ، وأبي حاتم .
وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة .
وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينه ، والشافعي . قال : والكل على ثلاثة أقسام أيضا :
1- قسم منهم متعنت في الجرح ، متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ، فهذا إذا وثق شخصا فعض على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه . وإذا ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ؟ فإن وافقه ولم يوثق ذلك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف ، وإن وثقه أحد فهذا هو الذي قالوا فيه : لا يقبل فيه الجرح إلا مفسرا ، يعني لا يكفي فيه قول ابن معين مثلا : ضعيف ، ولم يبين سبب ضعفه ، ثم يجيء البخاري وغيره يوثقه ، ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه.
ومن ثم قال الذهبي وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال :
لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ، ولا على تضعيف ثقة ، ولهذا كان مذهب النسائي ألا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه .
2- وقسم منهم متسمّح كالترمذي والحاكم . قلت : وكابن حزم فإنه قال في كل من :
أبي عيسى الترمذي ، وأبي القاسم البغوي ، واسماعيل بن محمد الصفار ، وأبي العباس الأصم ، وغيرهم من المشهورين : إنه مجهول .
3- وقسم معتدل كأحمد والدارقطني وابن عدي .
وقال السيوطي في "زهر الربى على المجتبي" : قال ابن الصلاح : حكى أبو عبدالله ابن منده ، أنه سمع محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول : كان مذهب النسائي أن يُخرج عن كل من لم يجمع على تركه . قال الحافظ أبو الفضل العراقي هذا مذهب متسع .
قال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح : ما حكاه عن الباوردي أراد بذلك إجماعا خاصا ، وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال ، لا تخلو من متشدد ومتوسط :
فمن الأولى : شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه.
ومن الثانية : يحيى القطان وعبدالرحمن بن مهدي ويحيى أشد منه
ومن الثالثة : يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد من أحمد.
ومن الرابعة : أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري.
وقال النسائي : لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه . فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان مثلا ، فلا يترك ، لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد .
قال الحافظ : وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي متسع ليس كذلك ، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي وتجنب النسائي إخراج حديثه ، بل تجنب إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين.
و من النقاد من له تعنت في جرح أهل بعض البلاد، أو بعض المذاهب، فحينئذ ينقح الأمر ، فمن ذلك قول ابن حجر في تهذيب الجوزجاني : لا عبرة بحطه على الكوفيين.
ومن ذلك جرح الذهبي في كثير من الصوفية ، فلا تعتبر به ما لم تجد غيره من متوسطي الأجلة ومنصفي الأئمة موافقا له . وذلك لما علم من عادة الذهبي بسبب تقشفه وغاية ورعه واحتياطه، الطعن على أكابر الصوفية .
وقول التاج السبكي :هذا شيخنا الذهبي له علم و ديانة، وعنده على أهل السنة (غالبهم أشاعرة) تحامل مفرط، فلا يجوز أن يعتمد عليه ، فالحق أحق بالاتباع ...
وهناك جمع من المحدثين لهم تعنت في جرح الأحاديث بجرح رواتها : فيبادرون إلى الحكم بوضع الحديث أو ضعفه بوجود قدح ولو يسيرا في روايه أو لمخالفته لحديث آخر .
منهم ابن الجوزي وعمر بن بدر الموصلي ، والرضيُّ الصغاني اللغوي ، والجوزقاني، والشيخ ابن تيمية الحراني والمجد اللغوي ، وغيرهم. فكم من حديث قوي حكموا عليه بالضعف أو الوضع، وكم من حديث ضعيف بضعف يسير، حكموا عليه بقوة الجرح . فالواجب على العالم ألا يبادر إلى قبول أقوالهم بدون تنقيح أحكامهم .
بيان خطة ابن حبان في كتابه "الثقات"
كتابه هذا، مرتب على ثلاثة أقسام : قسم في الصحابة، وقسم في التابعين، وقسم في تبع التابعين .
قال في أول كتاب التابعين: خير الناس قرنا بعد الصحابة: من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنهم الدين والسنن، وإنما نملي أسماءهم على حروف المعجم، إذ هو أدعى للمتعلم إلى حفظه وأنشط للمبتدي في وعيه، ولست أُعرج في ذلك على تقدم السن ولا تأخره، ولا جلالة الانسان ولا قدره، بل اقصد في ذلك اللُّقي .
وقال في آخره : كل شيخ ذكرته في هذا الكتاب، فهو صدوق يجوز الاحتجاج بروايته، إذا تعرى خبره عن خمس خصال. فإذا وجد (خبر منكر) عن شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين ذكرت أسماءهم فيه ، كان ذلك الخبر لا ينفك عن إحدى خصال خمس :
1- إما أن يكون فوق الشيخ، شيخ ضعيف سوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- أو دونه شيخ واه، لا يجوز الاحتجاج بخبره .
3- أو الخبر يكون مرسلا، لا تلزمنا به الحجة .
4- أو يكون منقطعا لا تقوم بمثله الحجة .
5- أو يكون في الاسناد شيخ مدلس لم يبين سماع خبره عمن سمع منه.
وقال في أول كتاب تبع التابعين: إنما نملي أسماء الثقات منهم، وأنسابهم، وأنبائهم، على الشرط الذي ذكرناه. فكل خبر وجد من رواية شيخ ممن أذكره في هذا الكتاب، فهو خبر صحيح إذا تعرى عن الخصال الخمس التي ذكرناها..
وقد نسب بعضهم التساهل إلى ابن حبان، وقالوا هو يوثق كثيرا ممن يستحق الجرح، وهو قول ضعيف، فإن ابن حبان معدود ممن له تعنت وإسراف في جرح الرجال، ومن هذا حاله لا يمكن أن يكون متساهلا في تعديل الرجال.
قال السيوطي: ما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح، فإن غايته أنه يسمي الحسن صحيحا، فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه، فهي مشاحة في الاصطلاح، وإن كانت باعتبار خفة شروطه، فإنه يخرج في الصحيح ماكان راويه ثقة غير مدلس، ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع، وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل، وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة، ولم يأت بحديث منكر، فهو عنده ثقة.
بيان خطة ابن عدي في كتابه "الكامل"
قد أكثر علماء عصرنا من نقل جروح الرواة من "ميزان الاعتدال" مع عدم اطلاعهم على أنه ملخص من "كامل ابن عدي" وعدم وقوفهم على شرطهما فيه، في ذكر أحوال الرجال، فإن كثيرا ممن ذكر فيه ألفاظ الجرح، معدود في الثقات سالم من الجرح.
قال الذهبي في ديباجة ميزانه : وفيه من تُكلم فيه مع ثقته وجلاله بأدنى لين وبأقل تجريح، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح، ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته، خوفا من أن يُتعقب علي.
وقال في ترجمة أحمد بن صالح المصري : قال ابن عدي : لولا أني شرطت في كتابي أن أذكر كل من تكلم فيه، لكنت أجل أحمد بن صالح أن أذكره..
وقال في ترجمة أويس القرني : قال البخاري الضعفاء : في إسناده نظر.
قلت: هذه عبارته يريد أن الحديث الذي رُوي عن أويس، في الاسناد إلى أويس نظر، ولولا أن البخاري ذكر أويسا في الضعفاء لما ذكرته أصلا فإنه من أولياء الله الصالحين.
وقال في ترجمة (أحمد بن سعيد بن عقدة) : ثم قوى ابن عدي أمره وقال : لولا أني شرطت أن أذكر كل من تكلم فيه، لم [ أذكره] للفضل الذي كان فيه..
وقال الزين العراقي في شرح ألفيته : فيه -أي معرفة الثقات والضعفاء- لأئمة الحديث تصانيف، منها ما أفرد في الضعفاء، وصنف فيه البخاري، والنسائي، والعقيلي، والساجي، وابن حبان، والدارقطني، والأزدي، وابن عدي ولكنه ذكر في كتابه "الكامل" كل من تكلم فيه وإن كان ثقة، وتبعه على ذلك الذهبي في الميزان .
وفي مقدمة فتح الباري: من عادته -أي ابن عدي- أن يخرج الأحاديث التي أُنكرت على الثقة.
· فائدة :
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : وفائدة إيراد كل ما قيل في الرجل من جرح وتوثيق، تظهر عند المعارضة.
بيان مراد البخاري من قوله في الراوي : فيه نظر أو سكتوا عنه
قول البخاري هذا، يدل على أنه متهم عنده، ولا كذلك عند غيره.
قال بكر بن منير : سمعت ابا عبدالله البخاري يقول : أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا.
صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل: علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيما يضعفه، فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا. وقلّ أن يقول: فلان كذاب أو كان يضع الحديث.
وقال العراقي: فلان فيه نظر وفلان سكتوا عنه هاتان العبارتان، يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه.
بيان تنطع العقيلي في جرحه الراوة
كثيرا ما تجد في الميزان وغيره من كتب أهل الشأن في الجرح المنقول عن العقيلي بأنه لا يتابع عليه. وقد رد عليه العلماء في كثير من المواضع على جرحه بقوله : لا يتابع عليه، وعلى تجاسره في الكلام في الثقات الأثبات .
والذهبي -وإن أكثر عنه النقل - لكنه شدد النكير عليه في ترجمة علي بن المديني حيث قال : هذا أبو عبد الله البخاري ، (وناهيك به) قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني وقال : ما استصغرت نفسي بين يدي أحد من العلماء إلا بين يدي ابن المديني .
فمن هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له، وأكمل لرتبته وأدل على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه . اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيعرف ذلك .
وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يُصيره متروك الحديث .
ثم ما كل من فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب، يقدح فيه بما يوهن حديثه ،ولا مِن شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ . ولكن فائدة ذِكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم، أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم .
بيان حكم الجرح غير البريء
الجرح إذا صدر من تعصب أو عداوة أو منافرة أو نحو ذلك، فهو جرح مردود ، ولا يؤمِن به إلا المطرود.
ولهذا لم يقبل قول الامام مالك في محمد بن اسحاق صاحب المغازي أنه دجال من الدجاجلة، لما علم أنه صدر من منافرة باهرة، بل حققوا أنه من حسن الحديث، واحتجت به أئمة الحديث.
ومن ثم قالوا : لا يقبل جرح المعاصر على المعاصر.أي إذا كان بلا حجة لأن المعاصرة تفضي غالبا إلى المنافرة.
قال الذهبي في ترجمة (عفان الصفار) من ميزانه : كلام النظراء والأقران ينبغي أن يتأمل ويتأنى فيه.
وقال في ترجمة (محمد بن اسحاق بن يحيى أبي عبدالله) المعروف بابن منده الأصبهاني : أقذع الحافظ أبو نعيم في جرحه، لما بينهما من الوحشة ، ونال منه واتهمه، فلم يلفت إليه، لما بينهما من العظائم، نسأل الله العفو فلقد نال ابن منده أيضا من أبي نعيم وأسرف.
فكلام الأقران بعضهم في بعض، لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصمه الله، ولم يسلم أهل عصر من الأعصار من ذلك، سوى الانبياء والصديقين .
وفي طبقات الشافعية للتاج السبكي :
ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الائمة الماضين، وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض، إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحا عما جرى بينهم، واشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك، ولا يزال طالب العلم نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين الماضين، فإنك إذا اشتغلت في ذلك خفت عليك الهلاك، فالقوم أئمة أعلام، ولأقوالهم محامل وربما لم نفهم بعضها، فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم، كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم.
· فائدة :
قد صرحوا بأن كلمات المعاصر في حق المعاصر غير مقبولة، وهو مقيد بما إذا كانت بغير برهان وحجة، وكانت مبنية على التعصب والمنافرة، فإن لم يكن هذا ولا هذا فهي مقبولة بلا شبهة .
________________________________________________
تعريف الجرح والتعديل:
الجرْح لغةً: التأثير في البدن بشقٍّ أو قطع، واستعير في المعنويات بمعنى التأثير في الدِّين أو الخُلُق بأوصاف يناقضهما واصطلاحًا: وصْفُ الراوي بما يقتضي ردَّ روايته، أو تليينه، أو تضعيفه
التعديل لغة: التقويم والتسوية، واستعير في المعنويات بمعنى الثَّناء على الشخص بما يدلُّ على حُسْن طريقته في الدِّين والخُلق. واصطلاحًا: وصْف الراوي بما يقتضي قَبولَ روايته.
فعلم الجرح والتعديل هو: علم يبحث في معرفة أحوال الرُّواة من حيثُ القَبولُ والردّ.
وغرضه: هو الذبُّ عن الشريعة، وصونها وحمايتها، ممَّن يطعن فيها، أو يشوِّه سمعتَها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق