وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
مقدمة:
إذا طرح سؤال عن مصدر مشاكلنا فسوف تختلف الإجابة باختلاف اختصاص المجيب ,فهذا يعزوها للجانب الاقتصادي والآخر يردها للجانب السياسي وذاك يربطها بغياب الوازع الديني .
..لكن لو تأملنا كل هذه الأسباب بقليل من التحليل لأرجعناها كلها لمصدر واحد وهو الحضارة لأن ( مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته.)
ولتجاوز الإشكالات الحضارية لا بد من توفير شروط لنهضتنا الحضارية, فما هي هذه الشروط؟
مصدر الحضارة:
قبل تعداد شروط النهضة الحضارية وجب أن نعرف أولا ما هو مصدر الحضارة أو بمعنى آخر ما هو سر الانبعاث الحضاري ؟
الفكرة الدينية :
منشأ أي حضارة هو الوحي , حتى ولو كانت حضارة غير دينية أو أن الظاهر فيها معاداتها للدين , فإن أي حضارة يكون منطلقها وتكوينها هي الفكرة الدينية ( فالحضارة لا تنبعث –كما هو ملاحظ- إلا بالعقيدة الدينية.)
مراحل الحضارة :
( يجب أن نعلم أن أي حضارة تقع بين حدين اثنين : الميلاد والأفول .)
قبل الميلاد تعرف بالفترة الطبيعية أو الفطرية وبعد الأفول تعرف بفترة ما بعد الحضارة
وبين الميلاد والأفول توجد ثلاث مراحل وهي مرحلة الروح , مرحلة العقل ومرحلة الغريزة.
مرحلة قبل الحضارة:
نجد في هذه المرحلة رجل الفطرة ( ذكر وأنثى) وهو خام مهيأ للتلقي باعتباره نقطة انطلاق على أساس انه طاقة كامنة تنتظر من يفعلها
مرحلة الروح:
تكون فيها الفكرة الدينية في أوج فاعليتها الاجتماعية , حيث تمارس تقنين الغرائز والشهوات , ويكون هذا التقنين وفق نظام الجرعات ( وفي هذه الحالة يتحرر الفرد جزئيا من قانون الطبيعة المفطور في جسده , ويخضع وجوده في كليته إلى المقتضيات الروحية التي طبعتها الفكرة الدينية في نفسه بحيث يمارس حياته في هذه الحالة الجديدة حسب قانون الروح.)
وهذه المرحلة بدأت من نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى غاية معركة صفين .
مرحلة العقل :
في الوقت ذاته عند مواصلة المجتمع الذي أبرزته الفكرة الدينية تطوره وتكتمل شبكته الاجتماعية, تنشأ المشاكل المحسوسة لهذا المجتمع الوليد نتيجة توسعه كما تتولد ضرورات جديدة نتيجة اكتماله
هذه المرحلة الجديدة من عمر مجتمع الفكرة الدينية تعرف بمرحلة العقل ( والعقل لا يملك سيطرة الروح على الغرائز فتشرع الغرائز في التحرر من قيودها , لكن ليس دفعة واحدة , إنما بقدر ما تضعف سلطة الروح.)
وهذه المرحلة امتدت من معركة صفين إلى عصر بن خلدون.
مرحلة الغريزة:
في هذه المرحلة تكتمل الغرائز تحررها من كل تنظيم وقانون وتوجيه , حيث تكشف عن وجهها تماما( وهنا تنتهي الوظيفة الاجتماعية للفكرة الدينية التي تصبح عاجزة عن القيام بمهمتها في مجتمع منحل.) -
مرحلة ما بعد الحضارة :
يكون الإنسان فيها( قد تفسخ حضاريا وسلبت منه الحضارة تماما فيدخل في عهد ما بعد الحضارة.)
وهذا الإنسان يختلف اختلافا جذريا عن رجل ما قبل الحضارة لأن رجل ما قبل الحضارة مهيأ للشحن ورجل الحضارة مشحون بالطاقة الايجابية أما رجل ما بعد الحضارة فهو رجل مفرغ من الشحن بالطاقة الايجابية لكنه ممتلئ بالطاقة السلبية , لا تستطيع إعادة شحنه بالطاقة الايجابية حتى تقوم أولا بعملية تفريغ أولا لطاقته السلبية
الحضارة والناتج الحضاري:
نستطيع صياغة معادلة الحضارة كالتالي :
ومعادلة الناتج الحضاري هي:
ولأنهما يشتركان في نفس العناصر, يخطئ البعض في الاعتقاد أن بقيامه بالناتج الحضاري قد يؤسس لحضارة , فيعمل على تكديس الأشياء وهو يحسب أنه بنا حضارة
فإذا أردنا مثلا بناء بيت فانه يجب توفير مواد البناء من اسمنت ورمل ولبنات
لكن حين نكدس هذه المواد فوق بعضها البعض فإننا لن نحصل على بيت رغم أنها عناصر ضرورية لأجل قيام البيت لكن ليس عن طريق تكديسها أو تكويمها بل عن طريق البناء
فالعناصر الحضارية الثلاثة :( التراب , الإنسان والزمن ) تكدسها لا يعطينا حضارة بل يعطينا شيئية أو مكتسبات الحضارة التي يستطيع المجتمع أن يستغني عنها في وقت ما
وتكديس أكوام من منتجات الحضارة يؤدي إلى الحضارة الشيئية
عناصر الحضارة:
تتكون الحضارة من أربعة عناصر ولا يتصور قيام أي حضارة في ضل غياب أحدها
هذه العناصر هي: الإنسان , التراب , الوقت , المركب الديني
العنصر الأول : الإنسان
الانسانية لا تعاني مشكلة واحدة بل تختلف مشاكل كل إنسان باختلاف بيئته , وبما أننا نتحدث عن شروط نهضتنا فان الذي يعنينا هنا هو مشكلة الإنسان المسلم ومشكلتنا تنبع من الرجل ( فمن الرجل تنبع المشكلة الإنسانية بأكملها)
فيجب أولا أن نصنع رجلا ,ولصناعة الرجل وجب أن نميز بين رجل البادية ورجل المدينة , فرجل المدينة رجل القليل يرضى بالقليل من الأشياء , حاملا بين جوانحه روح الهزيمة(فقد عاش حياته دائما في منحدر المدينة , إذ هو دائما في منتصف الطريق وفي منتصف فكرة وفي منتصف تطور.
بينما رجل البادية رجل فطرة يرضى من الأشياء بالعدم فرجل الفطرة هو نقطة الانطلاق بينما رجل المدينة هو نقطة التعليق في التطور باعتباره رجل القلة ورجل النصف
ولنحل هذه المشكلة يجب أولا تبيين أن تأثير الفرد في المجتمع يكون بثلاثة عناصر بفكره وعمله وماله وحتى نعالج هذه النواحي الثلاثة وجب أن نقوم بتوجيهها
فماذا نقصد بفكرة التوجيه؟
فكرة التوجيه:
التوجيه هو :( قوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف.) حتى نتجنب الإسراف في الجهد وفي الوقت
أما العناصر المراد توجيهها فهي : الثقافة , العمل ورأس المال
توجيه الثقافة:
التحديد الحضاري يكون عن طريق الانفصال والاتصال , نقصد بالانفصال التخلص من الأفكار السلبية وقطع العلائق الفكرية معها وهذا يكون بالهدم , والاتصال يمثل الايجابية والتي نعبر عنها بالبناء و( الحضارة الإسلامية نفسها قامت بعملية التحديد هذه من ناحيتها السلبية والايجابية مرة واحدة حيث صدرت فيهما عن القرآن الكريم الذي نفى الأفكار الجاهلية البالية ثم رسم طريق الفكرة الإسلامية الصافية التي تخطط للمستقبل بطريقة ايجابية )
وللثقافة عناصر جوهرية تتمثل في:- الدستور الخلقي – الذوق الجمالي- المنطق العملي- الصناعة.
ويتحتم علينا التركيز على التحديد الايجابي لكل عنصر من هذه العناصر , كما أنه يستلزم منا ربط الثقافة بالحضارة بحيث تصبح الثقافة نظرية في السلوك.
تعريف الثقافة:
نقصد بالثقافة هنا هي: مجموع الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته
وظيفة الثقافة الحضارية:
تتمثل وظيفة الثقافة الحضارية في:
إتقان العلم لجعله ضميرا فعّالا, لا لجعله آلة للرزق وسبيلا لتحقيق الأطماع
عدم حكر الثقافة في طبقة النخبة أو فئة المثقفين ( فهي لا تخص طبقة دون أخرى بل تخص مجتمعنا كله.)
النهضة الحضارية:
حتى ( تعود الثقافة عندنا إلى مستواها الحقيقي,يجب أن نحددها كعامل تاريخي لكي نفهمها ثم كنظام تربوي تطبيقي لنشرها بين طبقات المجتمع.)
الثقافة كعامل تاريخي:
هي كل ما يعطي الحضارة سمتها الخاصة ويحدد قطبيها :من عقلية ابن خلدون وروحانية الغزالي.
الثقافة كنظام تربوي :
بما (أن الثقافة ليست علما خاصا لطبقة من الشعب دون أخرى ’ بل هي دستور تتطلبه الحياة العامة , بجميع ما فيها من ضروب التفكير والتنوع الاجتماعي)
(وفي هذا المركب الاجتماعي للثقافة ينحصر برنامجها التربوي , وهو يتألف من عناصر أربعة ,يتخذ منها الشعب دستورا لحياته المثقفة :
1- عنصر الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية
2- عنصر الجمال العام لتكوين الذوق العام
3- منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام
4- الفن الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع)
التوجيه الأخلاقي:
الهدف من التوجيه الأخلاقي هو تحديد وتفعيل ( قوة التماسك الضرورية لأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية)
وأن قوة التماس الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام
الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي
وقوة التماسك هذه جديرة بان تؤلف لنا حضارتنا المنشودة
2- التوجيه الجمالي:
( لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل ,فان لمنظرها القبيح في النفس خيالا أقبح , والمجتمع الذي ينطوي على صورة قبيحة لا بد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه.) والجمال لا يقتصر على الصور الحسية فقط بل يتعداه للأفكار فـ(ان الأفكار –بصفتها روح الأعمال التي تعبر عنها أو تسير بوحيها- انما تتولد من الصور المحسة الموجودة في الاطار الاجتماعي والتي تنعكس في نفس من يعيش فيه , ومن هنا تصبح صورا معنوية يصدر عنها تفكيره.)
فالمظهر الجميل قد يعبر عن جوهر جميل ,كما ان المظهر القبيح قد يعكس جوهر قبيح فـ(الملبس يحكم تصرفات الانسان الى حد بعيد.)
والإطار الحضاري بكل محتوياته متصل بذوق الجمال ,بل ان الجمال هو الاطار الذي تتكون فيه أية حضارة لأن الجمال هو وجه الوطن في العالم ,فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا ونفرض احترامنا على جيراننا الذين ندين لهم بالاحترام نفسه
3- المنطق العملي:
ونقصد به كيفية ارتباط العمل بواسائله ومعانيه وهو يصدر عن العقل التطبيقي وهو الذي ينقصنا , فان الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة , ولكن منطق العمل والحركة و فهو لا يفكر ليعمل , بل ليقول كلاما مجردا بل أكثر من ذلك فهو أحيانا يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا ويقولون كلاما منطقيا من شانه أن يتحول في الحال الى عمل ونشاط
4- الفن الموائم (الصناعة)
كل الفنون والمهن والقدرات وتطبيقات العلوم تدخل في مفهوم الصناعة و لا نتحدث هنا عن أهميتها بالنسبة للفرد باعتبارها وسيلة لكسب رزقه بل نتحدث عنها بالنسبة للمجتمع كوسيلة للمحافظة على كيانه واستمرار نموه , لذلك يجب حل مشكلة الصناعة بإنشاء مجلس للتوجيه الفني ليحل نظريا وعمليا المشكلة الخطيرة للتربية المهنية
الاتجاه الحضاري:
لا تخلو الثقافة من المبدأ الأخلاقي ولا من ذوق الجمال , فبتمازجهما وتفاعلهما يتحدد طابع الثقافة واتجاه الحضارة , وبالتالي فاتجاه الحضارة يتحدد طبقا لعلاقة المبدأ الأخلاقي وذوق الجمال في المعادلة الحضارية والتي يمكن أن نصيغها كالتالي :
اتجاه الحضارة = مبدأ أخلاقي + ذوق جمال
ترتيب أحد العنصرين وتغليب نسبته على العنصر الآخر يغير الاتجاه الحضاري
ومن هنا يمكننا تمييز ثلاثة اتجاهات حضارية , اتجاهان متطرفان وهما نقيضان كطرفي العصا , فإذا غلب الذوق الجمالي على المبدأ الأخلاقي فان الحضارة تنتهي ( إلى فضيحة حمراء)
تجسدها في الثقافة الغربية تركيز الفن على الإثارة الجنسية من خلال إبراز مفاتن المرأة العارية
أما إذا غلب المبدأ الأخلاقي على الذوق الجمالي ( تكون حضارة مآلها التحجر والجمود وتنتهي إلى فضيحة صامتة سوداء تتيه في مجال تصوف متقهقر يقود جنونه مشايخ الطرق.)- -
( وعليه فانه حينما توضع مشكلة توجيه الثقافة ,فانه يجب مراعاة هذه الاعتبارات جميعها بحسب ضرورات الحياة , علما بان العناصر الثقافية موجودة في كل حضارة تواجه هذه الضرورات غير أن تأثيرها يختلف في الحياة والتاريخ بحسب ترتيبها في سلم القيم المصطلح عليه)
توجيه العمل:
لأن العمل وحده هو الذي يخط مصير الأشياء في الإطار الاجتماعي فـ(إن الشيء الذي يهمنا في المجتمع الناشئ هو الناحية التربوية في عملنا ,لا الناحية الكسبية لذلك فـ(توجيه العمل هو تأليف كل هذه الجهود لتغيير وضع الإنسان وخلق بيئته الجديدة )
ويجب أن يكون التوجيه المنهجي للعمل شرطا عاما أولا ثم وسيلة خاصة لكسب الحياة بعد ذلك ثم نكرم اليد التي تمسك بالمبرد و(الفارة)فمنها ستنبثق المعجزات التي ننتظرها
توجيه رأس المال:
لزم علينا أولا تحديد رأس المال باعتباره آلة اجتماعية تنهض بالتقدم المادي , لا آلة سياسية في يد فئة رأسمالية وذلك يكون بالتمييز أولا بين الثروة والرأسمال ’ فالثروة مكسب شخصي غير متحرك وغير داخل في الدورة الاقتصادية أما الرأسمال فهو في جوهره (المال المتحرك) الذي يتسع مجاله الاجتماعي بمقتضى حركته ونموه في محيط أكبر من محيط الفرد لذلك فهمنا الأول أن تصبح كل قطعة مالية متحركة متنقلة تخلق معها العمل والنشاط
فالقضية ليست في تكديس الثروة ولكن في تحريك المال وتنشيطه بتوجيه أموال الأمة البسيطة وذلك بتحويل معناها الاجتماعي من أموال كاسدة إلى رأس مال متحرك ينشّط الفكر والعمل والحياة في البلاد
فالقضية إنما هي قضية منهاج يحدد لنا تخطيط مناسبا نبني عليه حياتنا الاقتصادية
لأننا بحاجة إلى تكوين مجلس لتوجيه (الثروة) وتوظيفها لتتحول إلى (رأسمال) بالمعنى الأنف الذكر ولتخطيط أهدافه الاقتصادية
مشكلة المرأة :
في حقيقة الأمر لا توجد مشكلة تخص المرأة وحدها ومشكلة الرجل لأن ( المرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع ,فهي شق الفرد كما أن الرجل شقه الآخر.)
وبالتالي ليست مشكلة المرأة شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل فهما يشكلان في حقيقتهما مشكلة واحدة هي مشكلة الفرد في المجتمع.
إلا أن المرأة عندنا وقعت ضحية فكرين متطرفين نابعين كلاهما من غريزة جنسية واحدة , وان اختلفت اتجاهاتهما بعد ذلك , أما الفكر ألأول فهو من يدعي تحريرها ليجعلها في الأخير سلعة لها ثمن فأصبحت المرأة اليوم بفضلهم ( تلبس اللباس الفتان المثير , الذي لا يكشف عن معنى الأنوثة ,بل عن عورة الأنثى فهو يؤكد المعنى الجسدي الذي يتمسك به مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة.)
أما الفكر الثاني المتطرف فهم دعاة سجن المرأة في البيت فلا تخرج إلا إلى القبر , فتجد المرأة في هذا الفكر( تسرف في ستر جسدها بشكل شاذ في بعض أنحاء بلادنا معبرة عما يطبع مجتمعاتنا من الميل إلى الركود والتخلف , وهي من ناحية أخرى تعبر عما يراود نفوسنا أحيانا من رياء ونفاق )
وقد يكون في منعها من الخروج مسوغ خفي مما يستقر في نفس الرجل من دافع جنسي من الخوف على أنثاه أن يشاركه فيها غيره فهو إذن يدافع عن أنثاه.
وبالتالي(فالأمر يجري في كلتا الحالتين بين تفريط وإفراط , ومن الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة , وملهمة الجمال وروح الأخلاق , ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أما و زوجة للرجل.)
يجب إذن أن ننظر لمشكلات المرأة باعتبارها جزء مهم في المجتمع وبالتالي فأي حل لهذه المشكلات يجب أن يكون في صالح المرأة وفي صالح المجتمع , لا حلول على حساب المجتمع كأن نحرر المرأة تحريرا ينسف المجتمع ويجعله يتفسخ أخلاقيا كما هو حال المرأة في الغرب , بل نريد أن يكون حضور المرأة فعّال ومؤثرا في المجتمع من أجل بناؤه حضاريا
ولا يكون ذلك ألا بعقد مؤتمر عام تحضره كل الفعاليات من جميع الاختصاصات ليكون هناك إجماع لأن( وسائل حل مشكلة المرأة يجب أن تقرر في مؤتمر عام تصبح مقرراته دستورا لتطور المرأة في العالم الإسلامي.)
مشكلة الزي:
ليس اللباس من العوامل المادية التي تقر التوازن الأخلاقي في المجتمع فحسب بل إن له روحه الخاصة به... لأن اللباس يضفي على صاحبه روحه ومن المشاهد أنه عندما يلبس الشخص لباسا رياضيا فانه يشعر بأن روحا رياضية تسري في جسده ولو كان ضعيف البنية وعندما يلبس لباس العجوز فان أثر ذلك يظهر في مشيته وفي نفسه ولو كان شابا قويا
والملبس يسير مع أهله في تطور التاريخ وتبدل الأزمان والدول المتقدمة تغير أزياءها الرسمية حسب تغيرات التاريخ وخاصة بعد النكبات الحربية
لذلك يجب أن نجد حل ( لمشكلة الزي المناسب لرجال النهضة ونسائها)
الفنون الجميلة:
تعد الفنون الجميلة سلاحا ذو حدين فهي إما وسيلة نتخذها لأجل بناء المجتمع وتربية أفراده بغرس الوعي الحضاري فيهم لتصبح سلوكياتهم اليومية مبرمجة على ذلك , أو وسيلة هدم تبث الفساد وتغذي الانحراف وتهيج غرائز الأفراد كالرقص ذو الإيحاءات الجنسية مثلا
لذلك بمقدورنا أن نجعل من الموسيقى والغناء والسينما تحمل رسالات ذات مضمون حضاري يهدف إلى خدمة المجتمع وعلاج مشكلاته بتوعيته وتربيته وتهذيب أفراد كما أنه بمقدورنا أن نجعل منها مضيعة للوقت مفسدة للأخلاق
كما أنه يجب علينا أن نهتم بهذا الفن ونوجهه التوجيه الحضاري ولا يتم ذلك بالمواهب وحدها بل ببذل الجهد وتوفير الإمكانات اللازمة لأجل بث الرسالة الحضارية ونشرها ولا يكون ذلك بترك الحبل على الغارب لمن هب ودب حتى يعبث بالفن بل بوجود هيئة رقابية ,تنقي الأعمال الفنية وتهتم بالمواهب وتأخذ بيدها لتقديم فن نبيل
العنصر الثاني: التراب
نتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية وهذه القيمة الاجتماعية مستمدة من قيمة مالكيه , فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة وحضارتها متقدمة يكون التراب غالي القيمة, وحيث تكون الأمة متخلفة يكون التراب على قدرها من الانحطاط .
العنصر الثالث: الوقت
الوقت أغلى من الذهب (لأن العملة الذهبية يمكن أن تضيع وأن يجدها المرء بعد ضياعها , ولكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تحطم دقيقة ولا أن تستعيدها إذا مضت.)
ومعرفتنا بفكرة الزمن تنحصر في تقسيمه إلى الساعة والدقيقة والثانية وهذا هو الوقت, أما فكرة الزمن الذي بتحديده يتحدد معنى التأثير والإنتاج فإننا لا زلنا لا نعرفه
وهذه المعرفة هي التي تنقصنا , وحتى نتعلمها ينبغي أن نحدد التجربة المطابقة لمقتضى الحال لكي نعلم المسلم علم الزمن ,فنعلم الطفل والمرأة والرجل تخصيص نصف ساعة يوميا لأداء واجب معين.
وأن قوة التماس الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام
الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي
وقوة التماسك هذه جديرة بان تؤلف لنا حضارتنا المنشودة
العنصر الرابع: المركب الديني
هذا العنصر لم يفرد له الكاتب بحث بعينه لكننا نجده في ثنايا كتابه ويراد به الفاعلية الاجتماعية للفكرة الدينية باعباره روح الحضارة فالفكرة الدينية هي مصدر كل حضارة ووقودها وسر استمراريتها فان فقدت الفكرة الدينية فاعليتها الاجتماعية انتهت الحضارة
الاستعمار والشعوب المستعمرة:
تحث الكاتب هنا عن المعمل الاستعماري باعتباره فعل خارجي وعن معامل القابلية للاستعمار كونه معامل باطني في نفسية الشعوب المستعمرة ثم تحدث عن ردت فعل الشعوب المستعمرة تجاه فعل الاستعمار وكيفية تكيفهم كالتالي:
المعامل الاستعماري:
نقصد بالمعامل الاستعماري ما يفرضه المستعمر على حياة الفرد من عامل سلبي , فيعمل على تهديم جوهر الفرد المستعمر ومحو عبقريته.
اذ يعمد المستعمار على الانتقاص من قيمة المستعمرين وتحطيم قواهم الكامنة فيهم حيث يبدأ الحط من قيمتهم وينفذ خطته بطرق فنية مدروسة
فيجد الفرد المستعمر كل الأعمال التي تقوم عليها حياته الاجتماعية لا تنالها يده الا بشق الأنفس من خلال شبكة دقيقة مسمومة من الأحقاد , تسلبه كل وسيلة لاقامة حياته وتنشر من حوله الأفكار المحطمة لقيمته والمعرفة لمصالحه فتحيطه بشبكة محمكة ينسجها خبث المستعمر الداهية.
لكن مع هذا فان المستعمر قد قدم لنا خدمة من حيث لا يقصد فهو : أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق بعد الغداء الدسم الذي أكله عندما كان يزول في نعم حضارته والتاريخ قد عودنا أن كل شعب يستسلم للنوم,فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه
وللتخلص من مشكلة المعامل الاستعماري يتحتم علينا بدل المطالبة بالحقوق شأن الأحزاب السياسية نقوم بواجباتنا أولا كما فعل غادي في الهند
معامل القابلية للاستعمار:
هو معامل ينبعث من باطن الفرد الذي يقبل على نفسه تلك الصبغة , والسير في تلك الحدود الضيقة التي رسمها الاستعمار وحدد له فيها حركاته وافكاره وحياته , فهو اذن معامل باطني يستجيب للمعامل الخارجي (الاستعمار) ويحط من كرامتنا بأيدينا لذلك فبدل من تحميل كل مشاكلنا للمستعمر ,يجب أن نخرج المستعمر من أنفسنا حتى يخرج من أرضنا, اذ أنه بمقدور الفرد اذا أراد أن ينتصر على الظروف الخارجية ويغير البيئة لصالحه, ما يؤكد هذا الأمر هو ما وجهه اليهود في الجزائر في ظل حكومة فيشي الموالية لألمانيا حيث (كان أبناؤهم ينبذون من دور التعليم وتجاراتهم تعرقل بمختلف القوانين وكانوا في هذه الحقبة على وشك أن تصيبهم العوامل التقليدية التي قللت من قيمتنا نحن المسلمين , غير أنه سرعانما قام اليهود برد الفعل فتكونت مدرسة سرية في كل بيت من بيوتهم يدرس فيها اساتذة متطوعون فيهم المهندس والطبيب والمحامي , يتطوعون بلا ثمن , وقد عمروا معابدهم أكثر من ذي قبل , في حين أن أعمالهم التجارية قد استرسلت في نشاطها أحسن وأقوى من الماضي بفضل تعاضدهم في الضراءعلى مبدأ الجميع للفرد والفرد للجميع
وهكذا أتيح لليهود أن يجتازوا ساعات الخطر ساعين منتصرين عى الرغم مما كانوا يعانون من معوقات خارجية , سلطت على حياتهم في كل جزئياتهم , ولقد كان نجاحهم منطقيا فان أنفسهم لم تكن معلولة من باطنها ولم يكن من معوق داخلي يمسكهم عن التقدم, ويحط من قيمة أنفسهم بأنفسهم.)
مشكلة التكيف:
ان الظاهرة الاستعمارية فعل وكل فرد من افراد الشعوب المستعمرة يقوم برد , هذا الرد هو اتجاه الفرد ونزوعه ال التكيف مع الوسط الذي يعيش فيه
كيف نتكيف نحن كأفراد مع الظاهرة الاستعمارية حيث تكون ردات أفعالنا ايجابية لا سلبية
ولا بد من معرفة أن من قوانين التكيف هو غريزة التشبه والاقتداء أو كما سماها بن خلدون بولع المغلوب بالاقتداء بالغالب فيقتدي بعض الشباب بنجوم الغرب في الملبس وتسريحة الشعر وحلقة الأذن والوشم...
كما أن ردت فعلنا يجب أن لا تكون جزئية فنعزو المشكل دوما لسبب وحيد اما اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي ونرى الحل دوما متشخصن في رجل وحيد أو شيء وحيد فننتظر رجل يحمل عصا موسى أو لديه خاتم موسى ليخرجنا من أزماتنا فنكتنف عن الواقع وعن العمل وعن سلك مسالك التغيير وننتظر المهدي المنتظر فيصبح حالنا حال الفلاح الذي لم يقلب أرضه ولم يحرثها ولم يزرعها وهو يأمل بأن يأتي محصوله وافر
الخلاصة :
كما أن هناك سنن وقوانين كونية نجد بعضها في العلوم الطبيعية والتجريدية , هناك سنن ونواميس اجتماعية ,لا بد لمن نشد التغيير أن يلم بها وأن تكون نظرتنا للأمور نظرة شمولية لا جزئية وأن نبسط كل ما نواجهه على طاولة البحث العلمي
ومفكري الأمة هم أطباء الحضارة وكما أن الطبيب لا يسرف تركيزه في الأعراض الثانوية للمرض ويسرف همه عن مصدره الحقيقي فكذلك مفكري الأمة لا يحصروا كل همهم في الحمى الحضارية ولا في الصداع الحضاري ويتركون المرض الحقيقي والعلاج القراني الذي جسدته الأية الكريمة :" لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم."
4
إذا طرح سؤال عن مصدر مشاكلنا فسوف تختلف الإجابة باختلاف اختصاص المجيب ,فهذا يعزوها للجانب الاقتصادي والآخر يردها للجانب السياسي وذاك يربطها بغياب الوازع الديني .
..لكن لو تأملنا كل هذه الأسباب بقليل من التحليل لأرجعناها كلها لمصدر واحد وهو الحضارة لأن ( مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته.)
ولتجاوز الإشكالات الحضارية لا بد من توفير شروط لنهضتنا الحضارية, فما هي هذه الشروط؟
مصدر الحضارة:
قبل تعداد شروط النهضة الحضارية وجب أن نعرف أولا ما هو مصدر الحضارة أو بمعنى آخر ما هو سر الانبعاث الحضاري ؟
الفكرة الدينية :
منشأ أي حضارة هو الوحي , حتى ولو كانت حضارة غير دينية أو أن الظاهر فيها معاداتها للدين , فإن أي حضارة يكون منطلقها وتكوينها هي الفكرة الدينية ( فالحضارة لا تنبعث –كما هو ملاحظ- إلا بالعقيدة الدينية.)
مراحل الحضارة :
( يجب أن نعلم أن أي حضارة تقع بين حدين اثنين : الميلاد والأفول .)
قبل الميلاد تعرف بالفترة الطبيعية أو الفطرية وبعد الأفول تعرف بفترة ما بعد الحضارة
وبين الميلاد والأفول توجد ثلاث مراحل وهي مرحلة الروح , مرحلة العقل ومرحلة الغريزة.
مرحلة قبل الحضارة:
نجد في هذه المرحلة رجل الفطرة ( ذكر وأنثى) وهو خام مهيأ للتلقي باعتباره نقطة انطلاق على أساس انه طاقة كامنة تنتظر من يفعلها
مرحلة الروح:
تكون فيها الفكرة الدينية في أوج فاعليتها الاجتماعية , حيث تمارس تقنين الغرائز والشهوات , ويكون هذا التقنين وفق نظام الجرعات ( وفي هذه الحالة يتحرر الفرد جزئيا من قانون الطبيعة المفطور في جسده , ويخضع وجوده في كليته إلى المقتضيات الروحية التي طبعتها الفكرة الدينية في نفسه بحيث يمارس حياته في هذه الحالة الجديدة حسب قانون الروح.)
وهذه المرحلة بدأت من نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى غاية معركة صفين .
مرحلة العقل :
في الوقت ذاته عند مواصلة المجتمع الذي أبرزته الفكرة الدينية تطوره وتكتمل شبكته الاجتماعية, تنشأ المشاكل المحسوسة لهذا المجتمع الوليد نتيجة توسعه كما تتولد ضرورات جديدة نتيجة اكتماله
هذه المرحلة الجديدة من عمر مجتمع الفكرة الدينية تعرف بمرحلة العقل ( والعقل لا يملك سيطرة الروح على الغرائز فتشرع الغرائز في التحرر من قيودها , لكن ليس دفعة واحدة , إنما بقدر ما تضعف سلطة الروح.)
وهذه المرحلة امتدت من معركة صفين إلى عصر بن خلدون.
مرحلة الغريزة:
في هذه المرحلة تكتمل الغرائز تحررها من كل تنظيم وقانون وتوجيه , حيث تكشف عن وجهها تماما( وهنا تنتهي الوظيفة الاجتماعية للفكرة الدينية التي تصبح عاجزة عن القيام بمهمتها في مجتمع منحل.) -
مرحلة ما بعد الحضارة :
يكون الإنسان فيها( قد تفسخ حضاريا وسلبت منه الحضارة تماما فيدخل في عهد ما بعد الحضارة.)
وهذا الإنسان يختلف اختلافا جذريا عن رجل ما قبل الحضارة لأن رجل ما قبل الحضارة مهيأ للشحن ورجل الحضارة مشحون بالطاقة الايجابية أما رجل ما بعد الحضارة فهو رجل مفرغ من الشحن بالطاقة الايجابية لكنه ممتلئ بالطاقة السلبية , لا تستطيع إعادة شحنه بالطاقة الايجابية حتى تقوم أولا بعملية تفريغ أولا لطاقته السلبية
الحضارة والناتج الحضاري:
نستطيع صياغة معادلة الحضارة كالتالي :
ومعادلة الناتج الحضاري هي:
ولأنهما يشتركان في نفس العناصر, يخطئ البعض في الاعتقاد أن بقيامه بالناتج الحضاري قد يؤسس لحضارة , فيعمل على تكديس الأشياء وهو يحسب أنه بنا حضارة
فإذا أردنا مثلا بناء بيت فانه يجب توفير مواد البناء من اسمنت ورمل ولبنات
لكن حين نكدس هذه المواد فوق بعضها البعض فإننا لن نحصل على بيت رغم أنها عناصر ضرورية لأجل قيام البيت لكن ليس عن طريق تكديسها أو تكويمها بل عن طريق البناء
فالعناصر الحضارية الثلاثة :( التراب , الإنسان والزمن ) تكدسها لا يعطينا حضارة بل يعطينا شيئية أو مكتسبات الحضارة التي يستطيع المجتمع أن يستغني عنها في وقت ما
وتكديس أكوام من منتجات الحضارة يؤدي إلى الحضارة الشيئية
عناصر الحضارة:
تتكون الحضارة من أربعة عناصر ولا يتصور قيام أي حضارة في ضل غياب أحدها
هذه العناصر هي: الإنسان , التراب , الوقت , المركب الديني
العنصر الأول : الإنسان
الانسانية لا تعاني مشكلة واحدة بل تختلف مشاكل كل إنسان باختلاف بيئته , وبما أننا نتحدث عن شروط نهضتنا فان الذي يعنينا هنا هو مشكلة الإنسان المسلم ومشكلتنا تنبع من الرجل ( فمن الرجل تنبع المشكلة الإنسانية بأكملها)
فيجب أولا أن نصنع رجلا ,ولصناعة الرجل وجب أن نميز بين رجل البادية ورجل المدينة , فرجل المدينة رجل القليل يرضى بالقليل من الأشياء , حاملا بين جوانحه روح الهزيمة(فقد عاش حياته دائما في منحدر المدينة , إذ هو دائما في منتصف الطريق وفي منتصف فكرة وفي منتصف تطور.
بينما رجل البادية رجل فطرة يرضى من الأشياء بالعدم فرجل الفطرة هو نقطة الانطلاق بينما رجل المدينة هو نقطة التعليق في التطور باعتباره رجل القلة ورجل النصف
ولنحل هذه المشكلة يجب أولا تبيين أن تأثير الفرد في المجتمع يكون بثلاثة عناصر بفكره وعمله وماله وحتى نعالج هذه النواحي الثلاثة وجب أن نقوم بتوجيهها
فماذا نقصد بفكرة التوجيه؟
فكرة التوجيه:
التوجيه هو :( قوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف.) حتى نتجنب الإسراف في الجهد وفي الوقت
أما العناصر المراد توجيهها فهي : الثقافة , العمل ورأس المال
توجيه الثقافة:
التحديد الحضاري يكون عن طريق الانفصال والاتصال , نقصد بالانفصال التخلص من الأفكار السلبية وقطع العلائق الفكرية معها وهذا يكون بالهدم , والاتصال يمثل الايجابية والتي نعبر عنها بالبناء و( الحضارة الإسلامية نفسها قامت بعملية التحديد هذه من ناحيتها السلبية والايجابية مرة واحدة حيث صدرت فيهما عن القرآن الكريم الذي نفى الأفكار الجاهلية البالية ثم رسم طريق الفكرة الإسلامية الصافية التي تخطط للمستقبل بطريقة ايجابية )
وللثقافة عناصر جوهرية تتمثل في:- الدستور الخلقي – الذوق الجمالي- المنطق العملي- الصناعة.
ويتحتم علينا التركيز على التحديد الايجابي لكل عنصر من هذه العناصر , كما أنه يستلزم منا ربط الثقافة بالحضارة بحيث تصبح الثقافة نظرية في السلوك.
تعريف الثقافة:
نقصد بالثقافة هنا هي: مجموع الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته
وظيفة الثقافة الحضارية:
تتمثل وظيفة الثقافة الحضارية في:
إتقان العلم لجعله ضميرا فعّالا, لا لجعله آلة للرزق وسبيلا لتحقيق الأطماع
عدم حكر الثقافة في طبقة النخبة أو فئة المثقفين ( فهي لا تخص طبقة دون أخرى بل تخص مجتمعنا كله.)
النهضة الحضارية:
حتى ( تعود الثقافة عندنا إلى مستواها الحقيقي,يجب أن نحددها كعامل تاريخي لكي نفهمها ثم كنظام تربوي تطبيقي لنشرها بين طبقات المجتمع.)
الثقافة كعامل تاريخي:
هي كل ما يعطي الحضارة سمتها الخاصة ويحدد قطبيها :من عقلية ابن خلدون وروحانية الغزالي.
الثقافة كنظام تربوي :
بما (أن الثقافة ليست علما خاصا لطبقة من الشعب دون أخرى ’ بل هي دستور تتطلبه الحياة العامة , بجميع ما فيها من ضروب التفكير والتنوع الاجتماعي)
(وفي هذا المركب الاجتماعي للثقافة ينحصر برنامجها التربوي , وهو يتألف من عناصر أربعة ,يتخذ منها الشعب دستورا لحياته المثقفة :
1- عنصر الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية
2- عنصر الجمال العام لتكوين الذوق العام
3- منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام
4- الفن الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع)
التوجيه الأخلاقي:
الهدف من التوجيه الأخلاقي هو تحديد وتفعيل ( قوة التماسك الضرورية لأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية)
وأن قوة التماس الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام
الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي
وقوة التماسك هذه جديرة بان تؤلف لنا حضارتنا المنشودة
2- التوجيه الجمالي:
( لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل ,فان لمنظرها القبيح في النفس خيالا أقبح , والمجتمع الذي ينطوي على صورة قبيحة لا بد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه.) والجمال لا يقتصر على الصور الحسية فقط بل يتعداه للأفكار فـ(ان الأفكار –بصفتها روح الأعمال التي تعبر عنها أو تسير بوحيها- انما تتولد من الصور المحسة الموجودة في الاطار الاجتماعي والتي تنعكس في نفس من يعيش فيه , ومن هنا تصبح صورا معنوية يصدر عنها تفكيره.)
فالمظهر الجميل قد يعبر عن جوهر جميل ,كما ان المظهر القبيح قد يعكس جوهر قبيح فـ(الملبس يحكم تصرفات الانسان الى حد بعيد.)
والإطار الحضاري بكل محتوياته متصل بذوق الجمال ,بل ان الجمال هو الاطار الذي تتكون فيه أية حضارة لأن الجمال هو وجه الوطن في العالم ,فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا ونفرض احترامنا على جيراننا الذين ندين لهم بالاحترام نفسه
3- المنطق العملي:
ونقصد به كيفية ارتباط العمل بواسائله ومعانيه وهو يصدر عن العقل التطبيقي وهو الذي ينقصنا , فان الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة , ولكن منطق العمل والحركة و فهو لا يفكر ليعمل , بل ليقول كلاما مجردا بل أكثر من ذلك فهو أحيانا يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا ويقولون كلاما منطقيا من شانه أن يتحول في الحال الى عمل ونشاط
4- الفن الموائم (الصناعة)
كل الفنون والمهن والقدرات وتطبيقات العلوم تدخل في مفهوم الصناعة و لا نتحدث هنا عن أهميتها بالنسبة للفرد باعتبارها وسيلة لكسب رزقه بل نتحدث عنها بالنسبة للمجتمع كوسيلة للمحافظة على كيانه واستمرار نموه , لذلك يجب حل مشكلة الصناعة بإنشاء مجلس للتوجيه الفني ليحل نظريا وعمليا المشكلة الخطيرة للتربية المهنية
الاتجاه الحضاري:
لا تخلو الثقافة من المبدأ الأخلاقي ولا من ذوق الجمال , فبتمازجهما وتفاعلهما يتحدد طابع الثقافة واتجاه الحضارة , وبالتالي فاتجاه الحضارة يتحدد طبقا لعلاقة المبدأ الأخلاقي وذوق الجمال في المعادلة الحضارية والتي يمكن أن نصيغها كالتالي :
اتجاه الحضارة = مبدأ أخلاقي + ذوق جمال
ترتيب أحد العنصرين وتغليب نسبته على العنصر الآخر يغير الاتجاه الحضاري
ومن هنا يمكننا تمييز ثلاثة اتجاهات حضارية , اتجاهان متطرفان وهما نقيضان كطرفي العصا , فإذا غلب الذوق الجمالي على المبدأ الأخلاقي فان الحضارة تنتهي ( إلى فضيحة حمراء)
تجسدها في الثقافة الغربية تركيز الفن على الإثارة الجنسية من خلال إبراز مفاتن المرأة العارية
أما إذا غلب المبدأ الأخلاقي على الذوق الجمالي ( تكون حضارة مآلها التحجر والجمود وتنتهي إلى فضيحة صامتة سوداء تتيه في مجال تصوف متقهقر يقود جنونه مشايخ الطرق.)- -
( وعليه فانه حينما توضع مشكلة توجيه الثقافة ,فانه يجب مراعاة هذه الاعتبارات جميعها بحسب ضرورات الحياة , علما بان العناصر الثقافية موجودة في كل حضارة تواجه هذه الضرورات غير أن تأثيرها يختلف في الحياة والتاريخ بحسب ترتيبها في سلم القيم المصطلح عليه)
توجيه العمل:
لأن العمل وحده هو الذي يخط مصير الأشياء في الإطار الاجتماعي فـ(إن الشيء الذي يهمنا في المجتمع الناشئ هو الناحية التربوية في عملنا ,لا الناحية الكسبية لذلك فـ(توجيه العمل هو تأليف كل هذه الجهود لتغيير وضع الإنسان وخلق بيئته الجديدة )
ويجب أن يكون التوجيه المنهجي للعمل شرطا عاما أولا ثم وسيلة خاصة لكسب الحياة بعد ذلك ثم نكرم اليد التي تمسك بالمبرد و(الفارة)فمنها ستنبثق المعجزات التي ننتظرها
توجيه رأس المال:
لزم علينا أولا تحديد رأس المال باعتباره آلة اجتماعية تنهض بالتقدم المادي , لا آلة سياسية في يد فئة رأسمالية وذلك يكون بالتمييز أولا بين الثروة والرأسمال ’ فالثروة مكسب شخصي غير متحرك وغير داخل في الدورة الاقتصادية أما الرأسمال فهو في جوهره (المال المتحرك) الذي يتسع مجاله الاجتماعي بمقتضى حركته ونموه في محيط أكبر من محيط الفرد لذلك فهمنا الأول أن تصبح كل قطعة مالية متحركة متنقلة تخلق معها العمل والنشاط
فالقضية ليست في تكديس الثروة ولكن في تحريك المال وتنشيطه بتوجيه أموال الأمة البسيطة وذلك بتحويل معناها الاجتماعي من أموال كاسدة إلى رأس مال متحرك ينشّط الفكر والعمل والحياة في البلاد
فالقضية إنما هي قضية منهاج يحدد لنا تخطيط مناسبا نبني عليه حياتنا الاقتصادية
لأننا بحاجة إلى تكوين مجلس لتوجيه (الثروة) وتوظيفها لتتحول إلى (رأسمال) بالمعنى الأنف الذكر ولتخطيط أهدافه الاقتصادية
مشكلة المرأة :
في حقيقة الأمر لا توجد مشكلة تخص المرأة وحدها ومشكلة الرجل لأن ( المرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع ,فهي شق الفرد كما أن الرجل شقه الآخر.)
وبالتالي ليست مشكلة المرأة شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل فهما يشكلان في حقيقتهما مشكلة واحدة هي مشكلة الفرد في المجتمع.
إلا أن المرأة عندنا وقعت ضحية فكرين متطرفين نابعين كلاهما من غريزة جنسية واحدة , وان اختلفت اتجاهاتهما بعد ذلك , أما الفكر ألأول فهو من يدعي تحريرها ليجعلها في الأخير سلعة لها ثمن فأصبحت المرأة اليوم بفضلهم ( تلبس اللباس الفتان المثير , الذي لا يكشف عن معنى الأنوثة ,بل عن عورة الأنثى فهو يؤكد المعنى الجسدي الذي يتمسك به مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة.)
أما الفكر الثاني المتطرف فهم دعاة سجن المرأة في البيت فلا تخرج إلا إلى القبر , فتجد المرأة في هذا الفكر( تسرف في ستر جسدها بشكل شاذ في بعض أنحاء بلادنا معبرة عما يطبع مجتمعاتنا من الميل إلى الركود والتخلف , وهي من ناحية أخرى تعبر عما يراود نفوسنا أحيانا من رياء ونفاق )
وقد يكون في منعها من الخروج مسوغ خفي مما يستقر في نفس الرجل من دافع جنسي من الخوف على أنثاه أن يشاركه فيها غيره فهو إذن يدافع عن أنثاه.
وبالتالي(فالأمر يجري في كلتا الحالتين بين تفريط وإفراط , ومن الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة , وملهمة الجمال وروح الأخلاق , ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أما و زوجة للرجل.)
يجب إذن أن ننظر لمشكلات المرأة باعتبارها جزء مهم في المجتمع وبالتالي فأي حل لهذه المشكلات يجب أن يكون في صالح المرأة وفي صالح المجتمع , لا حلول على حساب المجتمع كأن نحرر المرأة تحريرا ينسف المجتمع ويجعله يتفسخ أخلاقيا كما هو حال المرأة في الغرب , بل نريد أن يكون حضور المرأة فعّال ومؤثرا في المجتمع من أجل بناؤه حضاريا
ولا يكون ذلك ألا بعقد مؤتمر عام تحضره كل الفعاليات من جميع الاختصاصات ليكون هناك إجماع لأن( وسائل حل مشكلة المرأة يجب أن تقرر في مؤتمر عام تصبح مقرراته دستورا لتطور المرأة في العالم الإسلامي.)
مشكلة الزي:
ليس اللباس من العوامل المادية التي تقر التوازن الأخلاقي في المجتمع فحسب بل إن له روحه الخاصة به... لأن اللباس يضفي على صاحبه روحه ومن المشاهد أنه عندما يلبس الشخص لباسا رياضيا فانه يشعر بأن روحا رياضية تسري في جسده ولو كان ضعيف البنية وعندما يلبس لباس العجوز فان أثر ذلك يظهر في مشيته وفي نفسه ولو كان شابا قويا
والملبس يسير مع أهله في تطور التاريخ وتبدل الأزمان والدول المتقدمة تغير أزياءها الرسمية حسب تغيرات التاريخ وخاصة بعد النكبات الحربية
لذلك يجب أن نجد حل ( لمشكلة الزي المناسب لرجال النهضة ونسائها)
الفنون الجميلة:
تعد الفنون الجميلة سلاحا ذو حدين فهي إما وسيلة نتخذها لأجل بناء المجتمع وتربية أفراده بغرس الوعي الحضاري فيهم لتصبح سلوكياتهم اليومية مبرمجة على ذلك , أو وسيلة هدم تبث الفساد وتغذي الانحراف وتهيج غرائز الأفراد كالرقص ذو الإيحاءات الجنسية مثلا
لذلك بمقدورنا أن نجعل من الموسيقى والغناء والسينما تحمل رسالات ذات مضمون حضاري يهدف إلى خدمة المجتمع وعلاج مشكلاته بتوعيته وتربيته وتهذيب أفراد كما أنه بمقدورنا أن نجعل منها مضيعة للوقت مفسدة للأخلاق
كما أنه يجب علينا أن نهتم بهذا الفن ونوجهه التوجيه الحضاري ولا يتم ذلك بالمواهب وحدها بل ببذل الجهد وتوفير الإمكانات اللازمة لأجل بث الرسالة الحضارية ونشرها ولا يكون ذلك بترك الحبل على الغارب لمن هب ودب حتى يعبث بالفن بل بوجود هيئة رقابية ,تنقي الأعمال الفنية وتهتم بالمواهب وتأخذ بيدها لتقديم فن نبيل
العنصر الثاني: التراب
نتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية وهذه القيمة الاجتماعية مستمدة من قيمة مالكيه , فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة وحضارتها متقدمة يكون التراب غالي القيمة, وحيث تكون الأمة متخلفة يكون التراب على قدرها من الانحطاط .
العنصر الثالث: الوقت
الوقت أغلى من الذهب (لأن العملة الذهبية يمكن أن تضيع وأن يجدها المرء بعد ضياعها , ولكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تحطم دقيقة ولا أن تستعيدها إذا مضت.)
ومعرفتنا بفكرة الزمن تنحصر في تقسيمه إلى الساعة والدقيقة والثانية وهذا هو الوقت, أما فكرة الزمن الذي بتحديده يتحدد معنى التأثير والإنتاج فإننا لا زلنا لا نعرفه
وهذه المعرفة هي التي تنقصنا , وحتى نتعلمها ينبغي أن نحدد التجربة المطابقة لمقتضى الحال لكي نعلم المسلم علم الزمن ,فنعلم الطفل والمرأة والرجل تخصيص نصف ساعة يوميا لأداء واجب معين.
وأن قوة التماس الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام
الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي
وقوة التماسك هذه جديرة بان تؤلف لنا حضارتنا المنشودة
العنصر الرابع: المركب الديني
هذا العنصر لم يفرد له الكاتب بحث بعينه لكننا نجده في ثنايا كتابه ويراد به الفاعلية الاجتماعية للفكرة الدينية باعباره روح الحضارة فالفكرة الدينية هي مصدر كل حضارة ووقودها وسر استمراريتها فان فقدت الفكرة الدينية فاعليتها الاجتماعية انتهت الحضارة
الاستعمار والشعوب المستعمرة:
تحث الكاتب هنا عن المعمل الاستعماري باعتباره فعل خارجي وعن معامل القابلية للاستعمار كونه معامل باطني في نفسية الشعوب المستعمرة ثم تحدث عن ردت فعل الشعوب المستعمرة تجاه فعل الاستعمار وكيفية تكيفهم كالتالي:
المعامل الاستعماري:
نقصد بالمعامل الاستعماري ما يفرضه المستعمر على حياة الفرد من عامل سلبي , فيعمل على تهديم جوهر الفرد المستعمر ومحو عبقريته.
اذ يعمد المستعمار على الانتقاص من قيمة المستعمرين وتحطيم قواهم الكامنة فيهم حيث يبدأ الحط من قيمتهم وينفذ خطته بطرق فنية مدروسة
فيجد الفرد المستعمر كل الأعمال التي تقوم عليها حياته الاجتماعية لا تنالها يده الا بشق الأنفس من خلال شبكة دقيقة مسمومة من الأحقاد , تسلبه كل وسيلة لاقامة حياته وتنشر من حوله الأفكار المحطمة لقيمته والمعرفة لمصالحه فتحيطه بشبكة محمكة ينسجها خبث المستعمر الداهية.
لكن مع هذا فان المستعمر قد قدم لنا خدمة من حيث لا يقصد فهو : أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق بعد الغداء الدسم الذي أكله عندما كان يزول في نعم حضارته والتاريخ قد عودنا أن كل شعب يستسلم للنوم,فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه
وللتخلص من مشكلة المعامل الاستعماري يتحتم علينا بدل المطالبة بالحقوق شأن الأحزاب السياسية نقوم بواجباتنا أولا كما فعل غادي في الهند
معامل القابلية للاستعمار:
هو معامل ينبعث من باطن الفرد الذي يقبل على نفسه تلك الصبغة , والسير في تلك الحدود الضيقة التي رسمها الاستعمار وحدد له فيها حركاته وافكاره وحياته , فهو اذن معامل باطني يستجيب للمعامل الخارجي (الاستعمار) ويحط من كرامتنا بأيدينا لذلك فبدل من تحميل كل مشاكلنا للمستعمر ,يجب أن نخرج المستعمر من أنفسنا حتى يخرج من أرضنا, اذ أنه بمقدور الفرد اذا أراد أن ينتصر على الظروف الخارجية ويغير البيئة لصالحه, ما يؤكد هذا الأمر هو ما وجهه اليهود في الجزائر في ظل حكومة فيشي الموالية لألمانيا حيث (كان أبناؤهم ينبذون من دور التعليم وتجاراتهم تعرقل بمختلف القوانين وكانوا في هذه الحقبة على وشك أن تصيبهم العوامل التقليدية التي قللت من قيمتنا نحن المسلمين , غير أنه سرعانما قام اليهود برد الفعل فتكونت مدرسة سرية في كل بيت من بيوتهم يدرس فيها اساتذة متطوعون فيهم المهندس والطبيب والمحامي , يتطوعون بلا ثمن , وقد عمروا معابدهم أكثر من ذي قبل , في حين أن أعمالهم التجارية قد استرسلت في نشاطها أحسن وأقوى من الماضي بفضل تعاضدهم في الضراءعلى مبدأ الجميع للفرد والفرد للجميع
وهكذا أتيح لليهود أن يجتازوا ساعات الخطر ساعين منتصرين عى الرغم مما كانوا يعانون من معوقات خارجية , سلطت على حياتهم في كل جزئياتهم , ولقد كان نجاحهم منطقيا فان أنفسهم لم تكن معلولة من باطنها ولم يكن من معوق داخلي يمسكهم عن التقدم, ويحط من قيمة أنفسهم بأنفسهم.)
مشكلة التكيف:
ان الظاهرة الاستعمارية فعل وكل فرد من افراد الشعوب المستعمرة يقوم برد , هذا الرد هو اتجاه الفرد ونزوعه ال التكيف مع الوسط الذي يعيش فيه
كيف نتكيف نحن كأفراد مع الظاهرة الاستعمارية حيث تكون ردات أفعالنا ايجابية لا سلبية
ولا بد من معرفة أن من قوانين التكيف هو غريزة التشبه والاقتداء أو كما سماها بن خلدون بولع المغلوب بالاقتداء بالغالب فيقتدي بعض الشباب بنجوم الغرب في الملبس وتسريحة الشعر وحلقة الأذن والوشم...
كما أن ردت فعلنا يجب أن لا تكون جزئية فنعزو المشكل دوما لسبب وحيد اما اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي ونرى الحل دوما متشخصن في رجل وحيد أو شيء وحيد فننتظر رجل يحمل عصا موسى أو لديه خاتم موسى ليخرجنا من أزماتنا فنكتنف عن الواقع وعن العمل وعن سلك مسالك التغيير وننتظر المهدي المنتظر فيصبح حالنا حال الفلاح الذي لم يقلب أرضه ولم يحرثها ولم يزرعها وهو يأمل بأن يأتي محصوله وافر
الخلاصة :
كما أن هناك سنن وقوانين كونية نجد بعضها في العلوم الطبيعية والتجريدية , هناك سنن ونواميس اجتماعية ,لا بد لمن نشد التغيير أن يلم بها وأن تكون نظرتنا للأمور نظرة شمولية لا جزئية وأن نبسط كل ما نواجهه على طاولة البحث العلمي
ومفكري الأمة هم أطباء الحضارة وكما أن الطبيب لا يسرف تركيزه في الأعراض الثانوية للمرض ويسرف همه عن مصدره الحقيقي فكذلك مفكري الأمة لا يحصروا كل همهم في الحمى الحضارية ولا في الصداع الحضاري ويتركون المرض الحقيقي والعلاج القراني الذي جسدته الأية الكريمة :" لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق