وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
ملخص بلاغة علم البيان
بلاغة أساليب البيان
في الآيات المتحدِّثة عن القرآن
د.
زينة غني عبد الحسين الخفاجي
مدرس
/ قسم اللغة العربية
كلية
التربية الأساسية
للبيان منزلة عظمى في سماء البلاغة العربية ؛ لتشعب
مباحثه ، وكثرة أبوابه وفصوله التي من شأنها أن تبرز المعنى وتظهره في أبهى صورة ؛
لما ينماز به هذا العلم من إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة، فيمدُّ علم البيان
المتكلم بشتى فنون التعبير الجميل عن المعنى القائم في نفسه، ومن ثم يتخير منها ما
يشاء في إظهار مقاصده ومعانيه، ومن تشبيه ومجاز، و كناية واستعارة ، وهذه خصيصة
ينماز بها عن سائر علوم البلاغة .
ولن يكون
الحديث عن علم البيان في هذا البحث نظرياً ، كما لن يكون على وجه العموم ، ذلك
سيختص هذا البحث في الآيات التي تحدثت عن القرآن الكريم المتضمنة هدية ، وبيان ما
اشتمل عليه من الخير والهدى ، ذلك حال الناس مع القرآن ، وإعراضهم عنه ، وهذا ما
يميز هذا البحث ، ويطبعه بشيء من الخصوصية والتمييز .
كما أن
هذا البحث قائم على تحليل النصوص القرآنية ، وهذا الأمر من الأهمية بمكان في
الدراسات البلاغية ، فمهم جداً أن تعنى الدراسات البلاغية بالجانب التطبيقي ، فإن
في ذلك ثباتاً للقاعدة في ذهن المتلقي ، ونشاطاً لعقله ، وهذا ما ينبغي أن يتجه
إليه الدرس البلاغي .
يعنى
هذا البحث بدراسة بلاغة أساليب البيان في الآيات المتحــدِّثة عـــن القرآن ؛ وذلك
لان لعلم البيان في كلام الله – جل وعلا – شأناً
بلاغة أساليب البيان
في الآيات المتحدِّثة عن القرآن
د.
زينة غني عبد الحسين الخفاجي
مدرس
/ قسم اللغة العربية
كلية
التربية الأساسية
للبيان منزلة عظمى في سماء البلاغة العربية ؛ لتشعب
مباحثه ، وكثرة أبوابه وفصوله التي من شأنها أن تبرز المعنى وتظهره في أبهى صورة ؛
لما ينماز به هذا العلم من إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة، فيمدُّ علم البيان
المتكلم بشتى فنون التعبير الجميل عن المعنى القائم في نفسه، ومن ثم يتخير منها ما
يشاء في إظهار مقاصده ومعانيه، ومن تشبيه ومجاز، و كناية واستعارة ، وهذه خصيصة
ينماز بها عن سائر علوم البلاغة .
ولن يكون
الحديث عن علم البيان في هذا البحث نظرياً ، كما لن يكون على وجه العموم ، ذلك
سيختص هذا البحث في الآيات التي تحدثت عن القرآن الكريم المتضمنة هدية ، وبيان ما
اشتمل عليه من الخير والهدى ، ذلك حال الناس مع القرآن ، وإعراضهم عنه ، وهذا ما
يميز هذا البحث ، ويطبعه بشيء من الخصوصية والتمييز .
كما أن
هذا البحث قائم على تحليل النصوص القرآنية ، وهذا الأمر من الأهمية بمكان في
الدراسات البلاغية ، فمهم جداً أن تعنى الدراسات البلاغية بالجانب التطبيقي ، فإن
في ذلك ثباتاً للقاعدة في ذهن المتلقي ، ونشاطاً لعقله ، وهذا ما ينبغي أن يتجه
إليه الدرس البلاغي .
يعنى هذا
البحث بدراسة بلاغة أساليب البيان في الآيات المتحــدِّثة عـــن القرآن ؛ وذلك لان
لعلم البيان في كلام الله – جل وعلا – شأناً آخر تتعين الحفاوة، وتتطلب مزيداً من
النظر والتدقيق ، ويقف هذا البحث مع ما يكون في الآيات الكريمات المتحدِّثة عن
القرآن من فنون علم البيان ؛ للوقوف على ما تمَّ فيها من تشبيه وكناية ، ومن ثم
النظر في ما تحققه هذه الأساليب من تجلية لمضمون تلك الآيات في حديثها عن القــرآن
في مجالاتهــا المختلفة ، وللنظر – كذلك – في رونق هذه الآيات وبهائها التي كساها
علم البيان بها .
التشبيــه :
التشبيه
بأنواعه المتعددة من أكثر الأنواع البيانية ظهوراً في النصوص القرآنية والأدبية ،
فتناوله كثير من الدارسين لتعريفه وتحديد مفهومه ، والتشبيه لغةً يعود إلى أصل
مادة (شبه) ، وتدور حول تشابه الأشياء وتشاكل بعضها مع بعضها الآخر في صفات معينة
، والشبه هو المثل ، يقال : شابه الشيءَ إذا ماثله ([1]) .
ومن البين
هنا أن ذلك التعريف يتفق مع تعريف الخطيب القزويني للتشبيه حيث قال : (( التشبيه :
الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى)) ([1]) .
وقد اتفق
علماء البلاغة على شرف قـدره ، وفخامـة أمره في فــن البلاغــة ؛ وذلك (( أنه يزيد
المعنى وضوحاً ، ويكسبه تأكيداً ، ولهذا أطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه
، ولم يستغن احد منهم عنه)) ([2]) .
فهو أكثر أنواع الأساليب البيانية اطراداً في كلام العرب عامة ، فضلاً عن أنه طريق
لاتساع معارف البشر ، من حيث انه يسهل على الذاكرة عملها ، فيغنيها عن اختزان جميع
الخصائص المتعلقة بكل شيء على حدة بما يقوم عليه من اختيار الوجوه الدالة التي
يستطاع بالقليل منها استحضار الكثير ([3]) .
ولعبد
القاهر الجرجاني وقفه مع التشبيه ، بيَّن منها مكانته ومنزلته في البلاغة ، يقول :
(( واعلم أن مما اتفق العقلاء عليه ، أن التمثيل إذا جاء في أغلب المعاني ، أو
برزت هي باختصار في معرضه ، ونُقلت عن صورها الأصلية إلى صورته ، كساها أبهة ،
وكسبها منقبة ، ورفع من اقدارها ، وشبَّ من ناره وضاعف قواها في تحريك النفوس لها
، ودعا القلوب إليها ، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً ، وقسر الطباع
على أن تعطيها محبة وشغفاً)) ([4]) .
وفي فهم
أعمق للتشبيه ينظر للتشبيه على (( أنه صورة تجمع بين أشياء متماثلة ، وأساس هذا
التماثل كامن في النفس والشعور)) (2) . وليس تماثلاً خارجياً فحسب.
ومن الجدير
بالذكر إن الحديث عن التشبيه قد يفضي إلى جدلية في أولية أنواع البيان ، لعلاقة
ذلك مع بدايات التفكير الإنساني ، وأي هذه الأنواع أقرب إلى الذهن والتصوير، فقد
ربطه بعض النقاد بالتفكير العقائدي للأمم ، إلا أن هذه إشارة إلى إن الشعر القديم
اغلبه كان يركز في التصوير على التشبيه (3) . وحتى إن أغلب النقاد القدماء كانوا
يفضلونه على غيره ، وهذا قد يشير إلى طبيعة التشبيه التي تتسم بوضوح التركيب
والمحافظة على خصوصية كل طرف ويزيد من جمال التشبيه – في رأي النقاد – إذ(( تكمن
بلاغة التشبيه في طرافته وبعد مرماه في كونه ينتقل بالسامع من شيء مألوف إلى شيء
طريف يشابهه أو صورة بارعة تماثله . وكلما كان هذا الانتقال بعيد المنال قليل
الخطور بالبال كان التشبيه أروع وأدعى إلى إعجاب النفس فيه ))(4).
إن القرآن
الكريم في أسلوبه المميز ، ولمعرفة الله لخلقه اختار لهم التعبير الأنسب والتصوير
الأقرب الذي به تتأثر عقولهم وتثار نفوسهم لتصل الرسالة السماوية إلى كل إنسان
فالتشبيه في القران (( وان كان عنصراً بيانياً يكسب النص روعة واستقامة وتقريب فهم،إلا
انه يعود ضروريا لأداء المعنى القرآني متكامـلاً مـن جميــع الوجــوه ))(5) .
وسيتضح أثر
التشبيه وبلاغته عبر الوقفات التحليلية البلاغية في الآيات الكريمات المتحدثة عن
القرآن ، المشتملة على التشبيه لنرى عبرها أسراره البلاغية والجمالية ، يقول الله
جلَّ وعلا . مبيناً حال من يُعرض عن القرآن ، ويستكبر عنه : {وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي
أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ([5]) .
وفي هذه
الآية بيان لحالة هذا الرجل ، الذي تُعرض عليه آيات الله ، وتأتيه وهو في مكانه من
دون أن يسعى إليها ومع ذلك يعرض عنها ويستكبر كفراً بها ، وجحوداً لها ، وذلك هو
الضلال المبين ، وقد جاء نظم الآية وأسلوبها مصوراً هذا المعنى أتم التصوير ، وذلك
من خلال بداية الآية بأسلوب الشرط ، وقد بيَّن هذا الشرط. بما تضمن فعله وجوابه
واقع هذا الرجل مع الآيات التي تتلى عليه ، وهو يعرض عنها، ويتولى مسـتكبراً عن
سماعـها ، ثم مجيء لفظة (تتلى) فعلاً مضارعاً، وفي ذلك إكمال للمعنى السابق؛ وذلك
أن مجيئه بصيغة المضارع دلالة على تجدد حدوث هذا الإستكبار، وتكرر وقوعه ، ذلك
بناء الفعل (تتلى) للمجهول ، وفي ذلك دلالة على حدّ هذا الرجل للآيات، ويستكبر
عنها لذاتها، إذ لو كان هذا الفعل مبنياً للمعلوم لظُنَّ أن موقفه هذا نحو الآيات
بسبب كرهه لتاليها، ولكن في حالة بناء الفعل للمجهول تبين أن هذا البغض لذات
الآيات نفسها . كذلك الإضافة في قوله ((آياتنا)) ، وفيها مزيد من إظهار كفر هذا
الرجل ، وذلك أن هذه الآيات التي يستكبر عنها هي آيات الله . فضلاً عن التشبيه
الوارد في قوله ((كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً)) وقد
جاء التشبيه لتتضح حالته أتم إيضاح مع القرآن الكريم ، فكأن هذا الرجل المعرض عن
الآيات المستكبر عنها لم يسمع أصلاً هذه الآيات وإن هذا الرجل في أذنيه وقر، وهو
الثقل والصمم ، المانع من السماع ومن كانت هذه حالته فأنى له أن يلتفت إلى هذه
الآيات، أو ينتفع بما جاء منها . وقد فصلت هذه الجملة عن التي قبلها ، فهي مرتبطة بها
ارتباطاً يتعذر معه دخول حرف العطف (الواو) بينهما المشعر بتغاير الجملتين ؛ أي إن
انعدام السمع دلالة على وجود المانع من وصولها إليه، وهذا المعنى الذي جاءت به
الجملة الثانية لتكرار معنى الجملة الأولى، أي شبه الرجل الذي لا يسمع الآيات بحال
من فقد السمع؛ وذلك لوجود المرض في أذنيه، وإن هذا المرض ثقيل وشديد بدليل مجيء
((كأن)) في التشبيه الثاني مشددة ثقيلة، فكأن في هذا التشديد إشارة إلى ثقل الوقر
في أذنيه ([6])
.
ومن هنا
يتضح أثر التشبيه ودلالته ، فقد أبان عن مكانه القرآن الكريم ، وما اشتمل عليه من
الهداية ، ما أبان عن موف من أعرض عنه ، وما هو عليه من الضلال والتكبر والإعراض .
وبعد أن
ذكر سبحانه . حالة هذا المُعرض عن القرآن ، بيَّن المآل الذي سيؤول إليه ، وذلك في
وله ((فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) ([7]) .
أي أن هذا العذاب مؤلم موجع ، وإن عظم هذا العذاب ودلالة على عظم الذنب الذي إقترفه،
فلما كان ذنبه عظيماً كان عقابه عظيماً ، فالجزاء من جنس العمل ، وفي هذا دلالة
على عظم القرآن . ومن الجدير بالذكر أن في قوله (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) .
إستعارة تهكمية ، ففي هذه الاستعارة تحير له ، وحط من قدره وشأنه .
وفي موضع
آخر من الآيات التي تحدثت عن القرآن . يبين الله سبحانه وتعالى موقف المشركين
جميعاً من القرآن ، مصوراً إستكبارهم عما جاء فيه ، يقول الله تعالى {فَمَا لَهُمْ
عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ
مِن قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً
مُّنَشَّرَةً } ([8]) .
بدأت
الآية الكريمة بالإستفهام الإنكاري لحالهم مع القرآن ، وتعجباً من الإعراض عنه ،
يدل على ذلك الاستفتاح بصيغة (فما لهم) وقد زاد هذا الإستفهام تعجباً وإنكاراً إن
الذي أعرضوا عنه تذكرة لهم، جاء لهدايتهم وصلاحهم ، فكيف يعرضون عن هذه التذكرة ؟
ومن هنا جاء الإستفهام الإنكاري التعجبي دلالة على هذا المعنى ، وقد تقدم الجار
والمجرور (عن التذكرة) على متعلقة (معرضين) وفي هذا بيان للأمر الذي أعرضوا عنه ،
والكشف عنه ، كما أن فيه اهتماماً للمقدم ، وعناية به ، فيكون في هذا التقديم
تسفيه بهم وبعقولهم ، إذ جهلوا قدر هذه التذكرة ، وما رعوها حق رعايتها ، ومن هنا
تبين لنا سرُّ هذا التقديم ، ودلالته في المقام الذي ورد فيه ، فلم يكن الغرض منه
مراعاة الفاصلة والمحافظة عليها ، كما رأى ابن الأثير في كتابة المثل السائر ([9]) .
وفي مجيء
لفظة (معرضين) اسماً دلالة على ثبوتهم ودوامهم على هذا الإعراض ، وفي ذلك دلالة
على الكفر المتأصل في قلوبهم ، كما في مجيئه إسماً ذم لهم ، وبيان لموقفهم الثابت
مع القرآن وهو الإعراض عنه ، ولإيضاح صورة هذا الإعراض ذكر سبحانه تشبه هؤلاء المعرضين
عن القرآن بالحُمر ، في قوله: (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن
قَسْوَرَةٍ)([10])
. أي كأن هؤلاء القوم في إعراضهم عــن القرآن ، ونفارهم منه الحُمر حين تفر ممن
يريد صيدها ، فلينظر المتلقي إلى هذه الصورة البيانية الرائعة التي صورت حال القوم
، وهم يعرضون عن الحق ، بيد أن هذا الإعراض والفرار لا يزيدهم إلا حسرةً واضطراباً
، فما أشبههم بالحمر الوحشية النافرة التي تهيم على وجهها فارّة من أسد يريد إفتراسها
([11])
.
إذ في هذا
التشبيه أسرار بلاغية جمّة ، فقد شُبه القوم في إعراضهم عن القرآن بالحمر ، والسر
في اختيار الحمر هنا من دون سواها من الحيوانات هو إشارة إلى بلوغهم الغاية القصوى
في الجهل والبلادة والغباء ، فإعراض هؤلاء المشركين عن التذكرة دلالة واضحة على
شدة غبائهم وفرط بلادتهم ، وهناك سر آخر في هذا التشبيه ، فقد شبه هؤلاء القوم
بالحمر في عَدْوِها وخِفَّتها دلالة على موقف أولئك المعرضين عن القرآن ، وتصوير
دقيق لهم وقت سماعهم لتلك الآيات وتلاوتها عليهم ، فما إن يسمعوا آيات الله إلا
ونراهم يفرون منها في خِفَّة وطيش، فحالتهم هذه كحالة الحمر وقد لفَّها الذعر ،
وشملها حين رأت الأسد مقبلاً عليها ، وهذا سر من أسرار القرآن الكريم ، وخصيصة من
خصائص تشبيهاته وهي تلك القيود التي يجعلها في المشبه به (فمن عادة القرآن في رسم
صورة التشبيه أن يذكر فيها من القيود وأحوال الصياغة مما يجعلها معبرة تعبيراً
دقيقاً عن الغرض، ولهذه القيود والأحوال
شأن في صورة التشبيه لا ينتبه إليها إلا المعني بإبراز نواحي الجمال ، وسر البلاغة
في الأسلوب) ([12])
.
ومن
الجدير بالذكر أن لفظة (مستنفرة) قد قرئت بفتح الفاء وكسرها فعلى قراءة الفتح
(مستنفَرة) يكون المعنى : أن هذه الحمر مذعورة منفَّرة ، أي محمولة على النفار ،
وعلى قراءة الكسر مستنفرة ، يكون المعنى : نافرة ، وفي هذه القراءة إشارة إلى أن
هذا النفور طبيعة غالبة عليها، فهذا دينها وشأنها دائماً، وكلتا القراءتين صحيحتا المعنى
وبأيهما قرأ القارئ فمصيب([13]) .
وللأستاذ
احمد بدوي وقفة مع هذا التشبيه ، يقول : (ربما بدا أنه يكفي في تصوير إعراضهم
وصفهم بأنهم كالحمر ، ولكنه في دقته لا يكتفي بذلك ، فهو يريد أن يصور نفورهم من
الدعوة ، وإسراعهم في إبعاد أنفسهم عنها ، إسراعاً يمضون فيه على غير هدى ، فوصف
الحمر بأنها مستنفرة يجري خلفها ، فهي تتفرق في كل مكان وتجري غير مهتدية في جريها
، أو لا ترى في صورة هذه الحمر وهي تجد في هربها لا تلوي على شيء ، تبغي الفرار من
أسد يجري وراءها ، ثم الا تبعث في هذه الصورة الهزء بهم والسخرية) ([14])
.
وقد أثر
النظم القرآني في هذا السياق لفظة (قسورة) من دون لفظة (أسد) أو ما عداها من أسماء
الأسد الكثيرة ، وذلك لما فيها من الإيحاءات والدلالات ما ليس في غيرها من الألفاظ
، ففيها دلالة على القسر والقهر والغلبة ، فقد سمي بذلك ؛ لأنه يقهر السباع
ويغلبها ، فضلاً عما فيها من الإيقاع والجرس القوي الخاص بها، ليزيد من هيبته
هيبةً ، ويضيف إلى عظمته عظمةً أخرى ، لتحل مكانته في القلوب ، وتجل منه النفوس ([15])
.
المجاز:
المجاز شكل من أشكال تداعي المعاني على بساط واحد من
اللفظ ، فما أن يذكر لفظ إلا وأكثر من معنى يرد إلى الأذهان ، بين معنى يفهم على
الحقيقة يباشر الذهن ، تتابعه معان ذات علاقة مقصودة ، فتتعدد العلاقات ليظهر
لدينا أنواع من المجاز كالمجاز العقلي والمجاز المرسل.
وإن
للمجاز في القرآن الكريم قدراً رفيعاً ومستوى عالياً من البيان ؛ وذلك نظراً للأثر
الكبير الذي يحدثه المجاز في نفس المتلقي ، فهو يأخذ بأنفاسه ، ويبهره بروعة بيانه
، حتى ينسى سجيته ، وأعجب ما في العبارة المجازية أنها تنقل السامع عن خلقه
الطبيعي في بعض الأحوال ، حتى أنها ليسمح بها البخيل ، ويشجع بها الجبان ([16]) .
فالدلالة المجازية تحمل معها عنصر الابتكار والدهشة والمفاجأة ، الذي يأخذ بمشاعر
المتلقي ويستولي عليها ، حتى يتمكن من إثارة الإنفعال المناسب ([17])
. فمزيّة المجاز ، ليس في ما يقول مبدعه، أو في ما يثبته فحسب ، وإنما في طريقة
إثباته ، (فجوهر المجاز ، إنه ذو شكلٍ) ([18]).
والمجاز
المرسل نوع من أنواع المجاز اللغوي ، وهو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له ،
لعلاقة غير المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي([19]).
وسمي مرسلاً
من الإرسال وهو الإطلاق ، والفرق بينه وبين المجاز العقلي: أن العقلي واقع في
الإسناد ، في إسناد أمر إلى غير ما هو له في الحقيقة ، أما المجاز المرسل فإنه
واقع في الألفاظ ، فهي التي تنقل فيه من معناها اللغوي الحقيقي إلى معنى آخر مجازي
، وهو المراد ([20])
.
وقد ورد
هذا المجاز كثيراً في كلام العرب ، وفي القرآن الكريم ، وهذه وقفة مع بعض الآيات
التي تحدثت عن القرآن لتبين للقارئ بلاغة هذا المجاز ، واثره في تحقيق أغراضه
ومعانيه . قال تعالى : {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ
الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} ([21]).
ففي هذه
الآية يذكر الله سبحانه وتعالى – منَّته وفضله على رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم)، وعلى الناس أجمعين بأن يسَّر لهم القرآن وسهَّله حينما أنزله باللسان
العربي المبين، فالضمير في (يسرناه) عائد إلى القرآن ، لدلالة المعنى عليه، وإن لم
يتقدم ذكره في الكلام فيكون هذا من الإضمار في مقام الإظهار، وفي هذا دلالة على
علوق القرآن بالنفوس، وقربه من القلوب، وفي هذه الآية يخبر – سبحانه – رسوله
محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يسَّر القرآن وسهَّله ، ومَرَّ به إلى
الإفهام حينما أنزله بلسان عربي مبين ، فصيح ؛ ليسهل تدبره وتفهمه ، ومن ثم
الإقبال عليه والعمل بما جاء فيه ، وإنها لمن أكبر النعم والسنن أن يُنزِل القرآن
بهذا اللسان العربي المبين ، يدل على تعظيم لهذا التيسير ، وذلك التسهيل إسناد
الفعل (يسرنا) إلى ضمير التعظيم ، وفي هذا تعظيم لهذا التيسير ، وتفخيم له ، ومعنى
(اللسان) في هذه الآية : اللغة ، فمعنى قوله (يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) أي سهلنا
القرآن ، وقربناه للإفهام حين أنزلناه بهذا اللسان العربي المبين ، أفضل اللغات
وأشرفها . وفي لفظة (اللسان) مجاز مرسل، وعلاقته آلية ، فلما كان اللسان آلة هذه
اللغة صح هذا الإطلاق ، وتكمن بلاغة هذا المجاز أن فيه إشارة إلى وسيلة من أهم
وسائل الدعوة إلى الله ، وهو اللسان ، فبه يبلغ الداعية دعوته إلى الآخرين ، ما أن
في هذا المجاز إشارة إلى أثر البيان ، وتلك البلاغة في الدعوة إلى الله ، فهذا
البيان ركيزة رئيسة في الداعية ، ومن أهم الصفات التي ينبغي أن يكون عليها ،
ويتحتم هذا الأمر إذا كان الداعية في قومٍ يفخرون بالبيان ويشتهرون به ، ما هو حال
كفار قريش الذين نزل عليهم القرآن بهذا اللسان العربي ([22])
.
ثم بين –
سبحانه – الغاية من تيسير القرآن ونزوله بهذا اللسان في قوله (لِتُبَشِّرَ بِهِ
الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً) ([23])
.
فهذه إذن
غاية تيسير القرآن ، وتوضيح الفاظه ومعانيه ، ما دل على هذه الغاية وتلك الحكمة
حرف الجر اللام . بدلالته على التعليل ، وقد اشتملت هذه الآية على عدة أسرار بلاغية
، من ذلك تقديم ذكر البشارة على ذكر الإنذار ؛ وذلك للدلالة على شرف البشارة
وفضلها ، كما إنها الأصل في نزول القرآن ، فما نزل القرآن إلا لهداية الناس
وإرشادهم ، فإذا آمنوا به كانت لهم البشارة ، وهذا ترغيب من لدن الخالق لعباده
المؤمنين ، ومن هنا جاء تقديم البشارة جرياً على الأصل ([24])
.
كما جاء
في نظم الآية تقديم الجار والمجرور (به) في كلا الموضعين ، على المفعول (المتقين ،
قوماً لداً) وقد جاء هذا التقديم إشارة إلى عظم القرآن وعلو قدره ، فلما كان
القرآن مدار الحديث في هذه الآية ، فهو الذي يسرت ألفاظه ومعانيه ، وهو الذي نزل
لهذه الغايات العظيمة ، فلما كان الأمر كذلك جاء تقديم ذكره إشارة إلى هذه المعاني
، كما حذف في هذه الآية المبشر به ؛ ليشمل كل بشرى بشروا بها في الدنيا والآخرة ،
وكل خير في دينهم ودنياهم ؛ وكذلك ليدل على عموم البشارة وشمولها جاء بالفعل (
ليبشر) فعلاً مضارعاً دلالة على تجدد هذه البشارة ، ما أن المنذر به قد حذف –
أيضاً – في هذه الآية ، وحذفه – أيضاً – للعلم به ولظهوره ، فقد توعد الله –
سبحانه – هؤلاء الكافرين بربهم ، المعرضين عن كتابه بنار تلظى ، يخلدون فيها ، ما
في حذفه تعميم له وتهويل ، ليشمل كل وعيد وتهديد توعدوا به في الدنيا والآخرة ،
وفي مجيء الفعل (تنذر) مضارعاً دلالة على هذا المعنى ، فهو إنذار متتابع لا ينقطع
عنهم أبدا .
وقد جاء
الطباق بين لفظتي (بشر وتنذر) ليبين أن الناس انقسموا حول القرآن قسمين : متقين
وهم الذين يبشرون به ، وإلى قوم أهل عناد ، وهم الذين ينذرون به .
وان في
لفظة (المتقين) مجازاً مرسلاً ، وعلاقته اعتبار ما سيكون فقد ذكر القرآن إن الذين
يبشرون بالقرآن متقون ، فهم حينما آمنوا بالقرآن وأقبلوا عليه فقد إنتفعوا به ؛
فصاروا متقين .
وتكمن
بلاغة هذا المجاز إن فيه ذكراً للمآل الذي سيؤولون إليه ، وان في ذكر هذا الوصف
حضاً لهم إلى الإقبال على هذا الكتاب والاستمساك به ؛ لان في هذا طريقاً لهم حتى
يكونوا متقين .
وفي موضع
آخر يذكر – سبحانه وتعالى – إنزاله للقرآن العظيم ، مبيناً ما انطوى عليه من عظائم
الأمور ، والغاية من هذا الإنزال قائلاً : { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ
مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ
حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى
صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} ([25])
.
جاء ذكر
الكتاب هنا بالإشارة في قوله (هذا) وذلك دلالة على حضوره ، وأنه كالمشاهد الذي
تبصره العيون ، فهي إشارة تعظيم له ، وتفخيم لشأنه ، وقد ناسب عظمة الكتاب وجلالة
قدره إن يسند فعل نزوله إليه – سبحانه – بضمير التعظيم في قوله (أنزلناه) فقد جاء
بهذا الفعل مسنداً إلى ضمير العظمة إشارة إلى عظمة هذا الكتاب ، ثم ذكر – سبحانه
وتعالى – نعت الكتاب الذي أنزله ، وعظم أمره بأنه (مبارك) وكأن ما سبق هذا الوصف
تمهيداً له ودلالة عليه ، وقد جاء لفظة (أنزلناه) بهذه الصيغة دلالة على تجدد هذا
الإنزال ، وتكرر حدوثه ، وهذا بخلاف قوله (مبارك) فقد جاءت إسماً لون هذه الصفة
ثابتة للقرآن لا تفارقه أبدا ولا تنفك عنه ، فبركة القرآن ثابتة مستقرة ، والمراد
بأم القرى مكة ، سميت بهذا الاسم تشريفاً لها ، وبياناً لمكانتها من بين سائر
الأماكن والبقاع ([26])
.
ويتجلى
المجاز المرسل في قوله (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى) ([27]) .
بعلاقة المكانية ، فقد أطلق هذا اللفظ وأريد به أهل المكان ، أي لتنذر أهل أم
القرى ، وذلك إن الديار والأبنية لا تنذر ، وإنما أهلها هم الذين
ينذرون ويخوفون ، وتكمن بلاغة هذا المجاز أن فيه دلالة على عظم هذا الإنذار ، كما
أن فيه دلالة على عظم هذا الأمر الملقى على عاتق رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فكأن المراد منه غاية الإنذار وأكمله ، وقد اقتصر في هذه الآية من غاية نزول
القرآن على الإنذار دون البشارة ليتلاءم هذا ويتوافق مع حال المشركين ، فهم بحاجة
إلى هذا الإنذار البالغ في القسوة والشدة كما إن حذف المنذر به يؤكد هذا المعنى
وتعضده ، وذلك بغية تهويله وتفخيمه ، فإن في حذفه تعميماً له ، إلى جانب هذا
المعنى ذكر الله – سبحانه - موقف المؤمنين من هذا الكتاب الذي أنزله في قوله : {
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ
يُحَافِظُونَ } ، فإذا كفر به المشركون واعرضوا عنه فقد آمن به من هم خير مهنهم
وأفضل ، وهم المؤمنون ، وقد جاء الإخبار عنهم بصيغة المضارع (يؤمنون) ، وفي هذا
تجدد إيمانهم بالقرآن ، أما سبب إيمانهم والباعث له فهو إيمانهم بيوم الحساب
والجزاء والبعث ، والقرآن هو طوق النجاة الموصل إلى الأمن والأمان في الآخرة ، على
عكس الكافر بالقرآن ، فان سبب كفره هو عدم إيمانه بهذا اليوم ، فالكافر لا يخاف
العاقبة وسوء المصير.
ثم ذكر الله سبحانه ـ صفة أخرى لهؤلاء
المؤمنين وذلك في قوله : { وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } جاء ذكر
الصلاة هنا ، لشرفها ومكانتها في الإسلام ، فهي عمود الدين ، فإن قبلت قبل سائر
عمله ، وإن رُدت رُدَّ سائر عمله.
وفي تقديم الجار والمجرور (على صلاتهم)
على متعلقة (يحافظون) إشارة إلى المعنى السابق ، ودلالة على عظم هذه الصلاة ، فهي اشرف العبادات بعد الإيمان
، وقد جاءت لفظة (يحافظون) فعلاً مضارعاً ، وذلك لإفادة تجدد حدوث هذا الفعل ، وفي
هذا ثناء على المؤمنين فهم يحافظون على الصلوات ، ويؤدونها في أوقاتها ، ويواظبون
على أدائها على أكمل وجه كما أمر الله .
الاستعارة
:
الاستعارة
من أكثر استعمالات اللغة فاعلية فتدخل في جانب التصوير والتأثير ، وفي تطوير اللغة
وبث الحياة فيها ، فهي (( تتصدر بشكل كبير بنية الكلام الإنساني ، إذ تعد عاملا
رئيسا في الحفز والحث وأداة للتعبير ، ومصدرا لترادف تعدد المعنى ، ومتنفسا
للعواطف والمشاعر الانفعالية ، ووسيلة لملء الفراغات في المصطلحات )) (1) .
وقد
لا نجانب الصواب ، إذا قلنا إن القدماء كانوا ينظرون إلى الاستعارة بشيء من الريبة
، مع إنها تحقق تأثيرا في داخل النص وتفسح المجال بشكل واسع أمام المبدع لتكوين
لغته الخاصة من خلال لحظات الكشف لتجليات النص ، إلا إن حرصهم على البنية اللغوية
(( والبحث عن التناسب العقلي بين طرفي الاستعارة))(2) . جعلهم يقفون موقفا متحفظا
من الاستعارة ؛ فافقدها ذلك الكثير من خصوصيتها وقربها من التشبيه علما إن ما يصلح
له التشبيه قد لايصلح له الاستعارة والعكس صحيح ؛ إذ إن لسياق الحال وتداعيات
المقام وطبيعة المتلقي – المخاطب- اثرا في تداعيات الأسلوب الأنسب في الوصول إلى
بنائية الصورة الفنية وتحقيق التأثير المطلوب (3) .
أما
الاستعارة في القرآن فقد بلغت حد الإعجاز فيه ، فهي لون من ألوان التصوير التي
اتخذها ، وأداة من الأدوات المفضلة إليه في التعبير عن معانيه .
والاستعارة لغةً : رفع الشيء وتحويله من
مكان إلى آخر ، ومن ذلك قولهم : استعار فلان سهماً من كنانته ، أي رفعه وحوَّله
منها إلى يده ، فهي مأخوذة من العارية ، وهي نقل الشيء من شخص إلى آخر (4)
.
(1)
الاستعارة في النقد الأدبي الحديث ، يوسف أبو العدوس : 11.
(2)
الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي ، جابر عصفور : 204.
(3)
ينظر: م. ن : 205 .
(4)
ينظر: لسان العرب (مادة عور) .
ومن هذا المعنى اللغوي جاء تعريف
الاستعارة لدى علماء البلاغة والبيان ، فقد جاء في تعريف الاستعارة إنها (( رد
اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة ، مع قرينة مانعة من إرادة
المعنى الأصلي ))([28])
.
وهذا هو تعريف الاستعارة و(( لا نعدو الحقيقة
إذا قلنا : إن الاستعارة هي من أدق أساليب البيان تعبيراً ، وأرقهـا تأثيراً
وأجملها تصويراً ، وأكملهـا تأدية للمعنــى ))([29]).
وقد تحدث العلماء عن الاستعارة وأطنبوا
فيها بذكر أقسامها ، وشواهدها المتعددة من القرآن الكريم ، وشعر العرب ([30]) .
وقد سجلت الاستعارة في القرآن الكريم
حضوراً كبيراً ، فهو (( يعمد إلى الصورة الاستعارية التي رسمها فيعطيها ألوانها
وظلالها ، ثم لا يلبث بعد ذلك أن يضيف إليها الحركة فالحوار ، فإذا هي شاخصة تسعى
))([31])
.
ومن شواهد الاستعارة في الآيات الكريمات
المتحدثة عن القرآن، قوله تعالى:{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ
النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }([32])
.
يذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ في هذه الآية
إنزاله للقرآن العظيم في معرض الامتنان على هذه الأمة بالقرآن الكريم ، وبعد أن
ذكر ـ سبحانه ـ إنزاله لهذا الكتاب ، وبعد أن عظمه ، وبين قدره ، ذكر الغاية من
نزوله في قوله : { لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }، فقد نزل القـرآن لهذه الغاية ،
وهي غاية عظيمة تتناسب مع عظمة القرآن ، وجلالة قدره .
وقد دل على هذه الغاية ، وأشار إليها حرف
اللام في قوله (لتخرج) بدلالته على التعليل ، فهذه هي غاية نزول القرآن ) والهدف
المنشود من ورائه ، وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور .
وقد قرئ (لتخرج) بالتاء ، والمراد به رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وبالياء ، والمراد به الكتاب الذي أنزله الله([33])
، وفي إسناد إخراج الناس من الظلمات إلى النور إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) مجاز عقلي بعلاقته السببية ، لكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) هو
الذي يبلغهم القرآن ، ويتلوه عليهم ، كما أن قوله (الناس) فيه مجاز مرسل بعلاقة
الكلية ، وذلك أن التعريف الذي فيها للجنس ، يشمل الناس كلهم ، ولكن لا يخرج من
هذه الظلمات إلى النور إلا من هدى الله قلبه لهذا الدين ، وقد ذكرت لفظتا (الظلمات
والنور) على جهة الاستعارة للكفر والإيمان ، والضلالة والهدى ، أي أن الله ـ
سبحانه وتعالى ـ يخاطب رسوله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) مخبراً إياه أنه
أنزل عليه القرآن ليخرج به من آمن ، واستمسك به من الكفر الذي هو كالظلمة بل أشد
إلى الإيمان الذي هو كالنور بل اشد إضاءة وإشراقا . والاستعارة في هذه الآية
تصريحيه أصلية ، وسميت بذلك ، لأنه صُرح فيها بلفظ المشبه به ، فهي كما عرفها
السكاكي ((وأن يكون الطرف المذكور من طرفي التشبيه وهو المشبه به))([34])
، وسميت أصلية ، لأن اللفظ المستعار فيها اسم جامد غير مشتق ، يدل على هذا قول
السكاكي )) الاستعارة الأصلية هي أن يكون المستعار اسم
جنس كرجل وأسد ، وكقيام وقعود))([35])
.
وتكمن بلاغة هذه الاستعارة ودلالتها أن
فيها إبرازا للمعنى المراد إثباته وتقريره هنا وإيضاحه ، فقد أبرزت الاستعارة هذه
المعاني المعقولة الخفية وأبرزتها وأظهرتها في صورة محسوسة حية متحركة كأن العين
تراها ، واليد تلمسها ، فقد استعير في هذه الآية الظلمات للكفر والضلال بجامع عدم
الاهتداء في كل منهما ، كما استعير النور للإيمان والهدي بجامع الهداية والرشاد
فيهما معاً ، وفي استعارة الظلمات للكفر إشارة إلى أن هذه الظلمات فقد تقود
أصحابها إلى دار الظلمات والدركات ، وهي النار ، كما أن هذا النور يقود أصحابه إلى
دار الكرامة والدرجات وهي الجنة ، وقد زاد هذه الاستعارة قوة وجمالاً ، وأظهر هذا
المعاني الكامنة فيها وأكدها ما تمَّ فيها من طباق بين هاتين اللفظتين ( الظلمات
والنور) ففي الطباق بين هذين المعنيين المتضادين إشارة إلى واقع من كفر بالقرآن
واعرض عنه ، كما أن فيه ذكراً للحالة التي يؤول إليها من يؤمن بالقرآن ، فيكون في
هذا ترغيب بالإيمان بالقرآن ، وتنفير من الكفر به ، والإعراض عنه ، ثم بين ـ
سبحانه وتعالى ـ أن هذا الأمر تمَّ بإذنه وتوفيقه في قوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } وقد أكد هذا المعنى ما جاء في نظم الآية من
إظهار في مقام الإضمار ، وذلك أن مقتضى ظاهر الآية أن يقال : (بإذننا) لدلالة قوله
(أنزلناه) في صدر الآية ، ولكن جاء لإظهار في هذا السياق ليبين ما تضمنه الاسم
المظهر ، وذلك أن في ذكر اسم (الرب) هنا في قوله (ربهم) دلالة على أن إنزال الكتاب
، وإخراج الناس به من الظلمات إلى النور من دلائل لطفه بعباده .
وفي لفظة (صراط) استعارة تصريحه أصلية
أخرى ، والمراد به الإسلام ، فقد استعيرت لفظة (صراط) للدين الحق ، وهو الإسلام ،
وتكمن بلاغة هذه الاستعارة أن فيها تصويراً لهذا الدين ، وذلك بإخراجه من المعقول
إلى المشاهد المحسوس ، كما أن فيه دلالة بما تضمنته هذه اللفظة من إيحاء على طبيعة
هذا الدين الذي لا يزيغ بصاحبه ، ولا يضل به سواء السبيل ، وقد يزاد هذا الصراط
عظمة وفخامة أن أضيف إليه ـ سبحانه ـ في قوله (صراط العزيز الحميد) فهو صراط من
عزَّ فغلب ، ومن منَّ وتفضل فحُمد([36])
ومن شواهد الاستعارة في الآيات المتحدثة
عن القرآن قوله تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا }([37])
.
في هذه الآية أمرُ من الله ـ جل وعلا ـ
تدبير القرآن وتفهمه ، وقد بدأت الآية بالاستفهام الإنكاري التوبيخي الذي يكشف
واقعهم مع القرآن ، ففي هذا الاستفهام ، دلالة على ما هم فيه من الإعراض عن القرآن
، وما وصل إليه إعراضهم وهجرهم له من ترك تدبره ، والنظر في معانيه ، وفي مجيء
لفظة (يتدبرون) بهذه الصيغة إشارة إلى أن المراد منهم صرف همهم إلى القرآن ،
وليهتدوا بهديه ، كما أن مجيئ هذه اللفظة (يتدبرون) فعلاً مضارعاً دلالة على أن
المطلوب منهم تكرار هذا التدبر ، ثم بين سبب إعراضهم عن القرآن في قوله: { أَمْ
عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } و(أم) هنا للإضراب الانتقالي ، انتقال من ذكر واقعهم
مع القرآن إلى بيان سبب الإعراض عن القرآن ، والهمزة هنا للتقرير ، وفي ذلك شهادة
عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يصل إليها القرآن والمتأمل لنظم هذه الآية يجد أن
الإقفال جاءت مضافة إلى ضمير تلك القلوب في قوله (أقفالها) ، فقد جاءت الإضافة هنا
مبينة عظم هذه الإقفال ، وشدة غلظتها ، فهي إقفال خاصة تليق بقسوة القلوب التي
أعرضت عن القرآن ، ففي هذه الإضافة تمييز لهذه الإقفال وتخصيص لها ، فليست هي
الإقفال المعروفة ، وإنما هي إقفال الكفر التي لا تنفتح أبدا([38])
.
وتكمن بلاغة القرآن وإعجازه أن ذكر هذا
المعنى بطريق الاستعارة المكنية التخيلية وهي التي حذف فيها المشبه به ، واكتفي
بذكر شيء من لوازمه ، فهي ((أن يُغمر التشبيه في النفس ، فلا يصرح بشيء من أركانه
سوى لفظ المشبه ، ويدل عليه بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ))([39])
.فقد شبهت قلوب هؤلاء بالأبواب والصناديق المغلقة ، وحذف المشبه به ، وأبقى شيء من
لوازمه ، وهي الأقفال ، فهي استعارة مكنية لعدم التصريح بالمشبه به ، وتخيلية
لإضافة الأقفال إلى القلوب ، وتكمن بلاغة هذه الاستعارة ، وتظهر دلالاتها أن فيها
إشارة إلى واقع هذه القلوب مع القرآن الكريم ، وذلك أن القفل مع الأبواب كالطبع
على القلوب ، فقلوب هؤلاء بمنزلة الأبواب المغلقة المحكم إغلاقها ، وإن لم يُرفع
عنها الطبع والختم فستظل على كفرها وإعراضها عن القرآن .
الكناية
:
الكناية شكل من أشكال التعبير بالتلميح يجوز أن
يجمع بين الحقيقة والمجاز ، فالكناية (( كل لفظ دل على معنى يجوز حمله على جانبي
الحقيقة والمجاز)) .
ويكون
المقصود المعنى المجازي ولا يمتنع أن يفهم المعنى الحقيقي ، فالكناية إذا تتعلق
بالمعاني وليست بالألفاظ (( فلا يكنى باللفظ عن اللفظ ، وإنما يكنى بالمعنى عن
المعنى)) .
ومن عادة القران الكريم التعبير بالكناية عن
معان بألفاظ تميل إلى الإشارة والتلميح ليس لسوء ألفاظها ، وإنما اختيار الأسلوب
الأفضل والتعبير الألطف ، ومن هنا تنبع جماليات التعبير بالكناية ؛ إذ لابد أن
يكون في كل نوع من التعبير البياني جانبا من الجمال يكمن حينا ويتجلى أحيانا حسب
السياق والنوع البياني ، والتصوير بأسلوب الكناية (( يحس السامع معه جمالا ويجد
للتعبير ما لايجده للتعبير الصريح ؛ وذلك لان الكناية تعرض المعنى مصورا بصورة
محسوسة فيزداد تعريفا ووضوحا )).
والقران الكريم إذ يستخدم الكناية (( فانه يرسم
بها موقفا ، أو يجسم معنى على عادته في التصوير وهو قبل أن يصور معنى أو فكره ،
فانه يصور نفسا إنسانية ، انكشفت حالها ، وما تخبئه من إسرار )).
أما الكناية في القرآن فإنها ((فوق طاقة بني
الإنسان ، لما فيها من روعة التعبير ، وجمال التصوير ، وألوان الأدب والتهذيب ، ما
لا يستقل به بيان ، ولا يدركه إلا من تذوق حلاوة القرآن))([40])
.
والكناية هي أن تتكلم بشيء وتريد غيره ،
يقال : كنى عن الأمر بغيره ، يُكني كناية ، إذا تكلم بغيره مما يستدل عليه مأخوذة
من الستر والتغطية ، يقال : كنيتُ الشيء إذا سترته ، وسميت بهذا الاسم ، لأنها
تستر معنى ، وتُظهر غيره([41]).
ومن هذا المعنى اللغوي يتضح معناها في
اصطلاح أهل البلاغة والبيان ، وقد عرفها عبد القاهر الجرجاني بقوله : ((الكناية :
أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني ، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة
ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود ، فيومئ به ، ويجعله دليلاً عليه))([42])
.
ولأسلوب الكناية أثره الخاص الذي يميزه عن
غيره من أساليب البيان ، وتكمن بلاغة الكناية في كونها تعطيك الحقيقة مصحوبة
بدليلها ، وتذكر القضية ، وفي طياتها برهانها الشاهد عليها ، فهي تمتاز بالإقناع
والإمتاع ، ومتى ما جاء المعنى مصحوباً بدليله كان أشد أثراً وتأثيراً ، وأقوى
إقناعا([43])
.
فمن شواهد الكناية في الآيات المتحدثة عن القرآن
، قوله تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي
وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ
يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنـــــــــَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُــــــــــم بِشَــــرٍّ
مِّن ذَلِكُمُ النّــــــَارُ وَعَــــــدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَــــرُوا
وَبِئْـــسَ الْمَصِيرُ }([44])
.
بدأت الآية بأسلوب الشرط بـ(إذا) وفي هذا
دلالة على ارتباط جواب هذا الشرط بفعله ، فكلما سمعوا شيئاً من القرآن ، رأينا
المنكر في وجوههم من هذه القراءة ، يدل على هذا المعنى ويؤكده مجيء لفظة (يُتلى)
فعلاً مضارعاً دلالة على تجدد هذه التلاوة . كما أن في مجيء الفعل ( تتلى) فعلاً
مضارعاً مزيد تشفيع عليهم، وتسفيه لهم بأن هذا موقفهم دائماً وأبداً ، وفي تقديم
الجار والمجرور (عليهم) إشارة إلى إنهم هم المقصودون من هذه التلاوة ، فما تليت
هذه الآيات إلا لهم ، ومن أجلهم ، لعلهم يصغون إليها ، ثم بيَّن الله ـ جل وعلا ـ
أن هذا القرآن الذين كفروا به أنه (آياتنا بينات) وثمة دلالة وإيحاء من اختيار
لفظة (آياتنا) فلم يقل مثلاً : القرآن وإن كانت تؤدي المعنى ، ألا أن في لفظة
(آياتنا) إشارة إلى وضوح القرآن ، وشدة بيانه ، فهو كالعلامة التي يهتدي بها
السائرون ، ثم أن هذه الآيات بينات بكل ما تحويه هذه الصفة من دلالات وإيحاءات ،
وإن في هذا الوصف (بينات) تفظيعاً لإنكارهم إياه ، لعدم تضمنه ما يدعو إلى الإنكار
والإعراض عنه ، أي إنهم ما كفروا به ، واعرضوا عنه بسبب غموضه ، أو خفاء أمره ، بل
كفروا به لسبب عائد إلى ذواتهم ، ولأمر راجع إليهم ، وقد بينها أتم بيان ما جاء في
هذا النظم من إظهار في مقام الإضمار في قوله : ((تعرف في وجوه الذين كفروا
المنكر)) وذلك أن مقتضى الظاهر أن يقال : تعرف في وجوههم ، ولكن جاء الإظهار ليبين
باعث الإنكار ، كما أن في هذا الإظهار شهادة عليهم بالكفر ، ووصمهم به([45])
، وهذا كله كناية عن شدة غيظهم وغضبهم على من يتلو عليهم القرآن ، وفرط إنكارهم
لهذا الحق المتلو عليهم ، حتى ظهرت آثاره على وجوههم ، فيكون في هذا التعبير كناية
عن امتلاء قلوبهم بالغيظ والإنكار ، وإنهم بلغوا بذلك أمراً عظيماً حتى تجاوز
الحقد والغيظ قلوبهم ، كما في هذا التعبير كناية عن شدة بغظهم للآيات ، وعظيم
كرههم لها ، ولأصل هذه الكناية عدل بهذا النظم القرآني عن قوله ( أنكروه ، أو ينكرونه)
، مع أنه أشد اختصاراً في العبارة ، فقد أوثر هذا الأسلوب لما تضمن من هذه الكناية
التي تكشف موقف هؤلاء الكفرة من القرآن([46]).
وبعد فهذه خاتمة هذا البحث ، إذ تتجلى
كثير من الخصائص البيانية للآيات الكريمات ، فعند النظر في التشبيه الوارد فيها
نجد أن لهذه التشبيهات أهدافاً تسعى إلى تحقيقها ، وأغراضا تحرص أن تصل إلى
غاياتها ، فقد كان التشبه بهدف إلى التأثير في العاطفة ، فكثيراً ما يأتي التشبيه
في الترغيب والترهيب ، وكان للمشركين والمنافقين نصيب وافر من التشبيه ، فقد كشف
التشبيه واقعهم ، وبين حالهم ، مصوراً كذلك ، وقع القرآن على نفوسهم ، وكيف كانوا
يقابلون القرآن بالنفور والإعراض ، وقد كان التشبيه جزءاً أساسيا لا يتم المعنى
إلا به فلم يكن عنصراً إضافياً في الجملة أو أنه يقوم بدور ثانوي ، كما أن عناصر
التشبيه مستمدة من الطبيعة نفسها التي تقع تحت أبصار الناس ، ومن بين أظهرهم تكونت
أجزاء تلك التشبيهات .
وكان لتعدد علاقات المجاز المرسل أثر في
كثرة وروده في الآيات ألمتحدثه عن القرآن ، وتتجلى في هذا المجاز خاصية الإيجاز
حينما تكون علاقته لاعتبار ما سيكون ، ومن الخصائص البيانية لأسلوب المجاز المرسل
تهويل وتعظيم لمن يعرض عن القرآن ، وقد بدت هذه الخصيصة جلية في العلاقة الكلية
للمجـاز المرسل .
ومن يتأمل الاستعارات التي وجدت في الآيات
المتحدثة عن القرآن يجد أنها مشتملة على كثير من الخصائص البيانية التي تفردت بها
من هذه الخصائص الإيضاح ، فالاستعارة تستخدم كثيراً من الألفاظ الموضوعة في أصل
اللغة للدلالة على الأمور الحسية بمعانٍ محسوسة ملموسة مأنوسة لدى النفس البشرية
تألفها ، وتراها ، فقد استعيرت الظلمات للكفر ، والنور للإيمان ، وكذا الصراط للإسلام
، وحتى يقف الناس جميعاً على هذه المعاني ويدركوها جيداً لا بد أن تكون هذه المعاني
واضحة جلية بينة ، ومن خصائص الاستعارة التي وردت في الآيات المتحدثة عن القرآن هي
الدقة في اختيار الألفاظ ، فعند تأمل هاتين اللفظتين (الظلمات والنور ) اللتين
وردت الاستعارة فيهما نجد أن في كل واحدة منهما من المعاني والدلالات ما تتقاصر
عنه جميع الألفاظ لأداء هذا المعنى والقيام به .
وعند تأمل الكنايات التي وردت في الآيات
المتحدثة عن القرآن نجد أنها اشتملت على كثير من المزايا التي تتحقق الغاية منها ،
ومن هذه الخصــائص والمزايا ، تجسيد المعاني وإبرازها في صورة محسوسة تزخر بالحركة
والحياة ، فحينما كذلك نجد خاصية الإيجاز وقوة التأكيد والمبالغة في إثبات المعنى
المراد بيانـه وتقريره ، ومن هنا كانت الكناية بهذه الخصائص البيانية أبلغ من التصريح
في مقاماتها ، وأقوى من حيث إثبات هذه الحقائق وتأكيدها .
الهوامش
(2) الصورة الفنية في شعر أبي
تمام ، عبد القادر الرباعي : 203.
(3) ينظر : ذو الرمة شاعر الحب
والصحراء ، يوسف حليف : 311 .
(4) علم البيان وبلاغة التشبيه
في المعلقات السبع ، مختار عطية : 52 .
(5) العمدة في محاسن الشعر ونقده ، ابن رشيق
القيرواني : 1/ 284 .
المصــــاـدر:
|
-
القرآن الكريم .
-
الاستعارة في النقد الأدبي الحديث ،
يوسف أبو العدوس، عمان ، الأهلية للنشر والتوزيع ، 1997 .
|
-
أسرار البلاغة في علم البيان ، عبد
القاهر الجرجاني (ت471هـ) ، تحقيق السيد محمد رشيد رضا ، ط6 ، القاهرة ، 1960م .
|
-
الأسس النفسية لأساليب البلاغة
العربية ، د.مجيد عبد الحميد ناجي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع
، بيروت لبنان ، 1984.
|
-
الأسلوب الكنائي في القرآن الكريم ،
د.محمود السيد شيخون ، مكتبة الكليات الأزهرية ، ط1 ، 1978 .
|
-
الإيضاح في علوم البلاغة ، للخطيب
القزويني (ت739هـ) ، شرح وتعليق محمد عبد المنعم خفاجي ، المطبعة الفاروقية
الحديثة ، 1950م.
|
-
بلاغة الخطاب وعلم النص ، د.صلاح فضل
، سلسلة عالم المعرفة الكويت ، 1992م.
|
-
البلاغة العربية مقدمات وتطبيقات ،
د.بن عيسى باطاهر ، دار الكتب الجديدة المتحدة ، لبنان ، ط1 ، 2008م.
|
-
البلاغة فنونها وأفنانها ، د . فضل
حسن عباس ، دار الفرقان للنشر والتوزيع ،ط2 ، 1989م.
|
-
البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري
وأثرها في الدراسات البلاغية ، د.محمد أبو موسى ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، د.ت .
-
البيان في ضوء أساليب القران، عبد
الفتاح لاشين ، ط1 ، مصر، دار المعارف، 1984 .
-
التصوير البياني في حديث القران عن
القران (دراسة تحليلية) ، عبد العزيز بن صالح العمار ، دبي –الإمارات ، ط1، 2007
م .
|
-
التعبير الفني في القرآن ، د.بكري
الشيخ أمين ، دار الشروق ،ط6 ، 1994م.
|
-
جامع البيان عن تأويل القرآن ، لابن
جرير الطبري ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، بمصر ، ط3 ، 1954م.
|
-
خصائص الأسلوب في الشوقيات ، د. محمد
الهادي الطرابلسي ، منشورات الجامعة التونسية ، 1981م.
-
ذو الرمة شاعر الحب والصحراء ، يوسف
خليف، القاهرة ، مكتبة غريب ، 1982 .
-
الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي
، جابر عصفور، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ، ط3، 1983 .
-
العمدة في محاسن الشعر ونقده ، ابن
رشيق القيرواني ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط3 ، مكتبة السعادة ، مصر ،
1963 .
|
-
علم البيان ، د.عبد العزيز عتيق ، دار
النهضة العربية ، بيروت ، 1971م.
|
-
علم البيان دراسة تحليلية لمسائل علم
البيان ، د.بسيوني عبد الفتاح ، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، 1418هـ .
-
فكرة النظم بين وجــــوه الإعجاز في
القران الكريم ، فتحي عامــر، القاهره ، 1395 ه .
|
-
فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور ،
د.رجاء عبد ، نشر منشأة المعارف ، القاهرة ، 1979م.
|
-
كتاب الصناعتين (الكتابة والشعر) ،
أبو هلال العسكري (ت395هـ) تحقيق على محمد البجاوي ، ومحمد أبو الفضل إبراهيم ،
منشورات المكتبة العصرية ، صيدا ، بيروت ، ط3 ، 1986م.
|
-
الكشاف عن حقائــــق غوامض التنزيل
وعيــون الأقاويل في وجوه التأويل ، للزمخشري (ت538هـ) ، تحقيق مصطفى حسين أحمد
، مطبعة الاستقامة ، القاهرة ، 1953 .
|
-
الكناية والتعريض ، لأبي منصور
الثعالبي ، تحقيق د . عائشة حسين فريد ، دار قباء للطباعة ، ط3 ، 1998م.
|
-
لسان العرب ، للعلامة ابن منظور ، قدم
له العلامة الشيخ عبد الله العلايلي ، إعداد يوسف خياط ونديم مرعشلي ، دار لسان
العرب ، بيروت ، د . ت .
|
-
المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ،
ضياء الدين ابن الأثير (ت638هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة
العصرية ، بيروت ، 1999م.
|
-
مفتاح العلوم ، أبو يعقوب السكاكي
(ت626هـ) ، تحقيق اكرم عثمان يوسف ، مطبعة دار الرسالة ، بغداد ، ط1 ، 1982م.
|
-
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها ،
د.أحمد مطلوب ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1986.
|
-
من بلاغة القرآن ، أحمد بدوي ، دار
نهضة مصر ، القاهرة ، 2005م.
|
-
من بلاغة النظم القرآني (دراسة
تحليلية لمسائل المعاني والبيان والبديع في آيات الذكر الحكيم) ، د.بسيوني عبد
الفتاح فيود ، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، ط1 .
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق