وانت تقرأ هذا الموضوع استمع لتلاوة الشيخ علي جابر يعتبر من افضل القراء في العالم الاسلامي رحمه الله
تعريف أصول الفقه:- هو معرفه دلائل الفقه إجمالاً وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
فالمقصود بمعرفه دلائل الفقه:- أي التصديق الناشئ عن دليل بأن الكتاب و السنة و الإجماع و القياس أدلة يحتج بها .
و أن الأمر غير المصحوب بالقرينة يفيد التحريم.
و النهى غير المصحوب بالقرينة يفيد التحريم .
و أن العام يقبل التخصيص.
و أن المطلق يحمل على المقيد.
" فدلائل الفقه في هذا التعريف تشمل القواعد الكلية و الأدلة الإجمالية في التعريف الأول".
و المقصود بكيفية الاستفادة منها:- أي كيفية استنباط الأحكام الشرعية منها.
وذلك يرجع إلى معرفه شرائط الاستدلالات.. كتقديم النص على الظاهر (الظاهر: ما دل على معناه دلالة ظنية كلفظ الأسد).. وتقديم المتواتر على الآحاد.
فلابد من معرفة تعارض الأدلة.. و معرفة الأسباب التي يترجح بها بعضها على بعض .
و المقصود بمعرفة حال المستفيد:-
يقصد بالمستفيد هنا : طالب الحكم من الدليل.
و الذي يطلب الحكم من الدليل هو المجتهد "فهو المقصود بالمستفيد هنا ؟"
فعليه فلا يدخل المقلد في تعريف الأصول.. لأنه ليس من أهل النظر في الأدلة ..وإن كانت كتب الأصول عامة لم تخل من دراسة موضع التقليد و شروطه.. فإن ذلك على سبيل الاستطراد فقط على أنها من أصول الفقه .
موضوع علم الأصول و مباحثه :-
ذهب الجمهور إلى أن موضوع علم أصول الفقه هو الأدلة الشرعية من حيث ثبوت الأحكام الشرعية بها.
في حيث ذهب الغزالي (المستصفي): إلى أن موضوع علم الأصول.. هو الأحكام من حيث ثبوتها بالأدلة.
وذهب فريق ثالث إلى الجمع بين الرأيين السابقين قائلاً إن موضوع علم الأصول هو الأدلة الشرعية من حيث إثباتها للأحكام الشرعية و الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة الشرعية.. وممن ذهب إلى الرأي الأخير الشوكانى (إرشاد الفحول).
ومن قرائتنا في تعريف أصول الفقه و موضوعه يمكن أن نخلُص إلى أركان هذا العلم أربعه هي :-
الأول: الأحكام الشرعية.
الثاني: أدلة الأحكام الشرعية.
الثالث: استنباط الأحكام بين الأدلة و طرق الاستنباط .
الرابع: المستنبط أي المجتهد.
وهذه الأركان الأربعة سماها الإمام الغزالي رحمه الله في (المستصفي) بالأقطاب الأربعة التي يدور عليها علم الأصول.. وهى "الثمرة و المثمر و طرق الاستثمار و المستثمر".
فالثمرة هي الأحكام الشرعية.
والمثمر هو الأدلة الشرعية.
وطرق الاستثمار هي وجوه دلالة الأدلة و استخراج الأحكام بعد الترجيح.
والمستثمر هو المجتهد.
استمداد علم الأصول:-
يستمد علم الأصول من ثلاثة علوم :-
الأول :- علم الكلام.. وذلك لتوقف الأدلة على معرفة كلام الباري- سبحانه و تعالى- ليمكن اسناد خطاب التكليف إليه وحجية الكتاب متوقفة على صدق الرسول صلي الله عليه وسلم ومحل ذلك علم الكلام.
الثاني:- علم العربية.. وذلك أن أصل الأدلة (الكتاب و السنة).. لغة العرب.. و الاستدلال بها يتوقف على معرفه اللغة من حقيقة و مجاز ..وعموم وخصوص.. و إطلاق و تقييد.. و غيرها من مباحث اللغة.....
الثالث:- الأحكام الشرعية.. و المراد هنا ليس استنباطها.. و إنما المراد تصورها لأن المقصود إثباتها و نفيها.
ففي الأصول مثلا الأمر للوجوب.. و في الفقه نقول الظاهر واجب.. فالأول تصور.. و الثاني تصديق.. ولابد من تقديم التصور على التصديق .
تعريف التصور:- هو إدراك المفرد.. أو حصول صورة الشيء في العقل.. من غير حكم عليه بنفي أو إثبات... (كإدراك معنى زيد) من غير حكم عليه بشيء "حاشية الجرجاني على التحرير".
تعريف التصديق:- هو إدراك أن النسبة واقعة أو غير واقعة كإدراك وقوع القيام أو عدله في قولنا (زيد قائم أو ليس قائماً) "حاشية الجرجاني على التحرير" .
غاية علم الأصول و ثمرته:-
لعلم الأصول فوائد عديدة تجعله من أهم و أشرف علوم الشريعة:-
1- القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة السمعية
فيتوصل المجتهد إلى معرفه حكم الله تعالى من وجوب و ندب.. و أباحه و كراهة و تحريم و غيرها فيسارع إلى تأدية الواجب و المندوب.. و يجتنب المحظور و المكروه.. ولا شك أن الأخذ بهذه الأحكام غيرها سبب في تحقيق السعادة في الدارين .
2- فهم الأحكام الشرعية..
التي استنبطها المجتهدون و التي توصلوا إليها.. وفق قواعد منضبطة.. فتزداد النفس اطمئناناً في هذه الأحكام.. و ثقة في هؤلاء الأئمة المجتهدين.
3- علم الأصول من أكبر الوسائل لحفظ الدين.. و صون أدلته.. و حججه من شبه المنكرين.. و الرد على الفرق الضالة .
4- صلاحية الشريعة لكل زمان و مكان تقتضى استخراج الأحكام الشرعية لمستجدات الأمور و مستحدثاتها.. و فق قواعد راسخة منضبطة.
فعلم أصول الفقه أحد أدوات الاجتهاد التي يتحقق بها هذا المبدأ.
فضل علم أصول الفقه:-
من المعروف أن شرف أي علم يكون بشرف المعلوم منه.. و لما كانت غاية علم الأصول هو العلم بأحكام الله تعالى أو الظن بها.. و ما يستلزم ذلك من تعامل مع الأدلة.. و أفضلها كتاب الله و سنه رسوله ص.. فإن هذا العلم قد علا قدراً لأجل ذلك.. وسما شرفاً بين سائر علوم الشريعة.
قال الغزالي في(المستصفي)" و أشرف العلوم ما أزدوج فيه العقل و السمع و أصطحب فيه الرأي و الشرع "..وعلم الفقه و أصوله من هذا القبيل فإنه يأخذ من صفو الشرع و العقل سواء السبيل.. فلا هو تصرف بمحض العقول.. بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول.. ولا هو مبنى على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد و التسديد .
وقال بن خلدون في ( مقدمة ابن خلدون): اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية و أجلها قدرا و أكثرها فائدة وهو النظر في الأدلة حيث نأخذ منها الأحكام و التكاليف .
نشأه علم أصول الفقه:-
من المعروف لدى أهل العلم أن العلم يوجد أولا ثم يدون.. وليس العكس.. ولقد وجد أصول الفقه منذ وجد الفقه.. فما دام يوجد فقه لزم أن يوجد أصول له و قواعد و ضوابط.
ولكن الفقه سبق الأصول في التدوين.. ولم يتأخر عنه الأصول في الوجود بل سبقه وجودا.. لأنه قوانين الاستنباط و موازين الآراء.. فتدوين أصول الفقه كان كاشفا له لا منشأ له.
تطور أصول الفقه :-
ولقد مر أصول الفقه بعدة مراحل حتى وصل إلى الصورة التي استقر عليها كعلم مستقر.
أولا:- (في عصر النبوة)
كان رسول الله ص هو مرجع الفتيا ومصدر بيان الأحكام.. و ذكر كثير ممن صنفوا في الأصول أنه لذلك لم يكن هناك داع للاجتهاد.. و حيث لا اجتهاد فلا مناهج ولا استنباط ولا حاجه إلى قواعده.. و الحق أن وجود النبي لم يمنع أصحابه من الاجتهاد.
و يدل على ذلك :-
1- لما أرسل النبي ص معاذ بن جبل إلى اليمن فقال له:- بم تقضى؟ قال بكتاب الله.. قال فإن لم تجد؟ قال بسنه رسول الله.. قال فإن لم تجد؟ قال أجتهد برأي و لا ألو أي لا أقصر (رواه أحمد و أبو داود و غيرهما)
وهذا الحديث رغم أن في إسناده مقالا.. إلا أن الأمة اتفقت على تلقيه بالقبول و العمل به.. فأغنى ذلك عن البحث في إسناده و أحوال رجاله "ذكر ذلك ابن كثير في (الباحث الحثيث) و الشوكانى في(الإرشاد)"
2- روى أبو داود عن أبى سعيد الخدري "أن رجلين من أصحاب النبي خرجا في سفر فأدركتهما الصلاة ولم يجدا الماء فتيمما و صليا ثم أنهما وجدا الماء في الوقت فتوضأ أحدهما و أعاد.. ولم يعد الأخر.. فذكر ذلك للنبي ص فقال للذي أعاد الصلاة.. أصبت السنة و لك أجرك مرتين و قال للأخر أجزأتك صلاتك "
إذن فقواعد استنباط الأحكام كانت معروفه للصحابة.. و ملتزمة في اجتهاداتهم.. غير أنها لم تدون.. فقد كانوا أعلم الناس بالأدلة و النصوص و أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ.. مع تمكنهم من اللغة.. وقوه قريحتهم و صفاء نفوسهم.
ثانيا:- في عصر الصحابة
ظهرت بعد وفاة النبي وقائع و أحداث كان لابد من مواجهتها بالاجتهاد و استنباط أحكام لها من الكتاب و السنة.. إلا أن فقهاء الصحابة لم يستشعروا حاجة إلى الحديث عن مناهج للاجتهاد.. وقواعد للاستنباط.. فكانوا إذا وردت عليهم الواقعة.. التمسوا حكمها في القرآن العظيم.. فإن لم يجدوا رجعوا إلى السنة.. فأن لم يجدوا اجتهدوا أرائهم.. في ضوء ما عرفوا من مقاصد الشريعة .
وفي هذا العصر بدأ ظهور المدارس الفقهية فكانت مدرسه الحديث في الحجاز و على رأسها عبد الله بن عمر.. في حين كانت مدرسه الرأي في العراق و على رأسها عبد الله بن مسعود.
ثالثا :- عصر التابعين
كثرت في هذا العصر الحوادث.. و اتسعت رقعه الدولة.. و دخل في الإسلام الكثيرون من غير العرب.. و اختلط اللسان الأعجمي باللسان العربي.. لم يعد اللسان العربي على سلامته الأولى.
وظهر الأئمة المجتهدون اللذين اقتدوا أثر الصحابة في استخراج الأحكام لما يستجد من الأحداث فكان مرجعهم في اجتهاداتهم الكتاب و السنة و الإجماع و القياس و أقوال الصحابة.
وظهر لكل أمام منهج.. و تعددت طرقهم في الاستنباط و اتسع النقاش و الجدل فأصبحت الحاجة ماسة إلى وضع قواعد و أصول و ضوابط للاجتهاد.. يرجع إليها المجتهدون عند الخلاف.. و تكون ميزاناً للرأي و الفقه.
أول من صنف في علم الأصول :-
قيل أن أول من دون في علم الأصول كان (أبو يوسف صاحب الإمام أبى حنيفة).. لكن لم يصل إلينا شيء من مصنفاته.
ولكن الشائع عند أهل الفن.. أن أول من صنف في هذا العلم و كتب فيه بصوره مستقلة هو( الإمام محمد أبن إدريس الشافعي سنه 150- 204 هجريا رحمه الله و كان ذلك في كتابه الرسالة ).
وسمى بهذا الاسم لأن عبد الرحمن بن مهدي أحد أئمة الحديث في الحجاز أرسل إلى الإمام الشافعي أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن و يجمع فيه قبول الأخبار.. و حجية الإجماع.. و بيان الناسخ و المنسوخ من القرآن.. و السنة فوضع له كتاباً و أسماه الرسالة.. و قد توخي فيه الإمام الشافعي العمق و الدقة.. و إقامة الدليل على ما يقول و مناقشه أراء المخالف له بأسلوب علمي رصين.
و بعد الشافعي كتب الإمام أحمد كتاب في طاعة الرسول.. و كتاباً آخر في الناسخ و المنسوخ.. وثالث في العلل.. ثم تتابع العلماء في الكتابة حتى يومنا هذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق